عبـــــــدالله خلــــــــيفة  : الانتهازية .. لك وحدك أستمتع بها !
الكائنُ الذي فقدَ ذاته
أرقصْ على حبال الطبقات والتيارات وأرفعْ مصلحتكَ الخاصة لدرجة المقدس.
كنْ مع الحركة إذا رفعتك وقربتك من السلطة والمغانم وأهربْ عنها إذا حرقت شعرةً من جلدك.
كنْ ضدها إذا خسرتْ ولا تقطعْ الخيوطَ تماماً فربما أعطتك شيئاً في مستقبل الأيام.
كنْ مع الاشتراكية إذا كانت كراسٍ وتذاكرَ ودراسة مجانية وأبناءً يذهبون للنزهة.
لكنك دائماً مع الرأسمالية، هذه الملعونة اللذيذة.
كنْ مع اليسار إذا أغنى أهل اليسار، وكن مع اليمين إذا صعد نجمُ اليمين.
كن مع الالحاد إذا كان مفيداً وساعتهُ دانية وكنْ مع الإيمان إذا كانت قطوفه دانية.
كنْ ماركسياً تقدمياً حيث لا ضررَ ولا ضرار والجمهورُ الكادحُ يعطي تضحياته لها، وكنْ دينياً طائفياً حين ينقلب الجمهورُ ويصبحُ منشئاً لحصالات الخير والتبرعات ويسفكُ دمَهُ من أجل الخيال.
أنت أيها الراقصُ على حبال الطبقات والتيارات، يا لك من ذكي في زمن الغباء السياسي.
قامتك تصلُ للسماء وأنت تمشي وراء جيفارا وكاسترو وهوشي منه وتدقُ طبولَ الثورة في الغابات العربية الصحراوية، تحملُ بندقيةً من خشب وتقاتلُ في الفضاء، ولكن لا مانع من إستثمار أبناء هوشي منه في المصانع والسكوت عن الاستغلال الفظ للملايين منهم.
إذا جاء زمانُ الثورة العمالية والاشتراكية فأنت إشتراكي لا تقبلُ بربطةِ عنق برجوازية، وتدينُ الأكراميات وإنشاء المتاجر عند اليساريين المتخاذلين الانتهازيين، ولكنك لا تمانع من المتاجرة بالدولارات في الاشتراكية وبيع البضائع المهربة بالسر في روسيا السوفيتية.
جاء زمانُ الطائفيين ففجأة إكتشفتْ طائفتك، وبكيتْ على ماضيك الإلحادي، وكراهيتك للمساجد والمآتم حسب تصنيفك الطائفي، وعرفتْ مزايا مذهلةً في هؤلاء الطائفيين المقاتلين من أجل الديمقراطية وحقوق الجماهير، أو لكونهم عقلاء يؤسسون رأسمالية بنوك الخير ومساعدة الشعوب وينخرون الحكومات والأنظمةَ بدأبٍ من أجل مستقبلِ رأس المال الطفيلي، وفي الإمكان أن يقفزوا للسلطات فجأة. فأنتَ دائماً مع الخير وتقدم الشعوب والموجة الغالبة.
مع الدولةِ والرواتبِ المجزية والعلاوات والبقشيش ومع المعارضةِ الطائفية تضعُ في صندوقَها الأسود بطاقةً للمستقبل، وربما يحضرُ مقعدٌ عال في قادم الأيام، فالعاقلُ لا يفلتُ فرصةً.
مع الاشتراكية هناك ومع الشيعة هنا، ومع السنة هناك ومع الربيع ومع الخريف حسب الأسعار، ومع الألوهة ومع الإلحاد، ومع المقاومة ومع التراكمات النقدية حسب الطلبات الوطنية والعالمية والشركات المتعددة الأيديولوجية.
التناقضاتُ تملأكَ ولكنها لا تدمرك، كيف تُدمرُ حصالةٌ؟ وكيف يفلسُ بنكٌ إيديولوجي سياسي متحرك؟!
التناقضاتُ تصيبُ المناضلين الخائبين الذين لا يغيرون مبادئَهم حتى في الأعاصير، الذين إذا قلّ أنصارهم بقوا، وإذا كثروا لم يغتروا. يكتفون بضلع من بناية، ويزدهرون في البساطة والشظف والفرح.
أما أنت فعملاقُ عصرك ترتفعُ عن هؤلاء المحنطين، وتزدهرُ أسهمك ومدخراتك، وترهفُ السمع لأي تغير في الذبذبات السياسية والمالية، وتزحف وتزحف حتى تهترئ نفسك ولا يبقى عظيمٌ في روحك، تتحسُّ موجات الهواءِ الصغيرة لتتعرف الاتجاه القادم وتبقى في الاتجاه السائد.
قدمٌ في الرأسمالية وقدم في الاشتراكية، قدم في اليسار وقدم في اليمين، قدم مع الإرهابيين وقدم مع الشرطة العربية حسب مسار الأسهم.
هؤلاء أعداؤك الذين كانوا يريدون قتلك فكيف تظهر بينهم وتزرعْ زرعهم، وهذه أوراقكَ كيف توقفت وأهترات، وهذا مسرحك كيف هدمته، وهذه أدبياتك كيف توقفت وهذه صحفك كيف أهترأت، وهذه خطاباتك كيف مُحيت، وهذا تيارك كيف دمرته، وهذا شعبك كيف تلاعبتْ بمصيره؟
تسلقُ البرجوازية الصغيرةِ الديني
في زمنيةِ الرأسماليات الحكومية القومية (الاشتراكية) كان تسلق البرجوازيات الصغيرة على أساس الشعارات اليسارية التوحيدية، حيث كانت الأنظمة بحاجةٍ لتوحد شعبي واسع من أجل بناء البُنى التحتية.
لكن التسلق على ظهور العمال والفلاحين عبر رفع شعاراتهم لم يؤدِ لتغييرٍ كبير في حياة هؤلاء العاملين. والبرجوازيات الصغيرة العسكرية من ضباط وموظفين ومثقفين إغتنى بعضُها وفرشتْ الأرض الاقتصادية السياسية لرأسمالياتٍ نصف ليبرالية وفوضوية في أغلب نماذجها، ولم تخلُ من القبضة الحديدية، إرتفعتْ فيها جماعات حكومية إلى مصاف النبلاء وتهدمت فيها شعارات الجمهورية والاشتراكية.
وحين أفلستْ شعاراتُ القومية والاشتراكية الحكومية الشمولية ظهرتْ البرجوازياتُ الصغيرة بديكوراتٍ جديدة هي الديكوراتُ الدينية.
لم تستطع أنظمةُ الرأسمالية الحكومية إزالةَ الإقطاع، وأدت فوائضُ النفط الوفيرةِ التي جرتْ في البلدان الصحراوية إلى إنعاش الإقطاع الديني مجدداً حيث سال لعابُهُ من التحول الجديد.
وهو إنعاشٌ غذى الشركات المالية والنصوصية الدينية وعودة الأساطير الخرافية للطائفيين السياسيين.
فجأة ظهرت دعاوى الإيمان وحجَّ اليساريون المتطرفون الذين كانوا يزعمون أن الإسلامَ دين وثني، وتحول آخرون لفتح المكتبات الدينية يستوردون الكتب والأشرطة الصفراء يعيدون الجمهور بها الجمهور للعصور الوسطى.
وفيما كانت بعض المكتبات تزخر بالمؤلفات الإنسانية الأدبية والعلمية صارت على كل الواجهات الكتب الدينية المطبوعة في مطابع حكومية.
وفجأة إختفت الفروق بين التنظيمات الوطنية العلمانية والتنظيمات السياسية الطائفية.
وتبدل المروجون للسياحة والمشروابات الكحولية كذلك إلى مروجين للتدين وطاعة ولي الأمر والاقتداء بالسلف الصالح، مثلما يكتشف قادةُ بعض الفصائل أهمية اللحى لمنع إنتشار الجراثيم في الذقون.
الترويج للجماعات الطائفية السياسية من قبل هذه المجموعات التي إنهار وعيها النضالي الديمقراطي الحديث جاء في أعقابِ ظهور قطبي الصراع الحكوميين السني والشيعي في المنطقة حيث يزخُ كلُ قطب ماكينته الطائفية بالمواد المطبوعة والمروجين المتنقلين بين الجمهور بشكل مكشوف أو مقنع ثم صارت الفضائيات والوسائط الحديثة تغذي بشكلٍ هائل نقل التخلف والعداوات بين المسلمين.
عودةُ الإقطاعِ أو إستمراره في البلدان الصحراوية والقروية النفطية قبل البلدان العربية الحكومية العسكرية المتجهة للأزمة ثم الانهيار، هو بسبب عدم تحولاتها مثل البلدان الأخرى العسكرية التي أجرت ضربات أكبر للحياة التقليدية، فجاء تأخرُها الفكري السياسي بسببِ عدم وجود فئات وسطى وعمالية تحديثية واسعة، فكانت أشكالُ الوعي والثقافة غيرُ منتشرة بتوسع بين الجماهير، فيسهلُ خداعها من خلال بعض الشعارات وإستثمار تقاليدها وإرثها وجرها للنشاط السياسي العنفي الكامن أو الظاهر، كما أن جذورَ المنظمات الطائفية السياسية وأعتبار هذه البلدان مركز الهروب للجماعات الدينية، كل هذا جرّ جماهير هذه البلدان للحراك السياسي الجماهيري الفوضوي.
ولهذا فإن الجماعات البرجوازية الصغيرة المتذبذبة بطبيعتها وعدم رسوخ الرؤى التقدمية والديمقراطية داخلها تنجرُّ للسائد دائماً، ولكن قفزة هائلة من الاشتراكية والقومية والحداثة إلى الطائفية وثقافة الإقطاع كانت مفضوحة.
ضخ الأنظمة لجزء من ثروات البلدان لهذه الجماعات وتوسيعها وهي الواسعة أصلاً كجزء من بُنى الحرف ومعامل ومصانع المواد الأولية التي تغدق الفوائض على القوى المتنفذة نظراً لعدم وجود أسلوبِ إنتاج وطني متجذر يغذي مختلف الطبقات، يؤدي لتحولات الفوضى والانقلابات الخطرة على التطور.
وهكذا تنقلبُ تنظيمات كانت تتعيش على التسول من الأنظمة إلى أن تكون عدوة لها وتجد سببيات واهية للفوضى السياسية، وتتحالف مع تنظيمات يسارية كانت تعتبرها لوقت سابق قصير ملحدةً خطرةً على الإسلام!
اللاعقلانيةُ والذاتيةُ والمصالح العابرة وإنتهاز الفرص والتلاعب بالمذاهبِِ والأديان والقيمِ والركوب على ظهور الجماهير غير الواعية وعدم خلق التراكمات التحديثية بصبر وحكمة وبإقناع للشعب وكل هذا لكي تصبحُ هي في مركز الزعامة والسيطرة ويتفق معها أناسٌ لهم مثل هذا الطموح الذاتي وعدم التجذر في المصالح والمبادئ العامة.
إستخدم العلمانيون المرتدون نفس طرق الكهنوت في إستغلال الدين وإفراغه من مضمونه النضالي وتأجيره للقوى الاستغلالية للهيمنة على الناس بدلاً من الانتاج العقلاني التحديثي وتطوير الوعي.
الانتهازيون والفوضويون
مع غياب التيارات العقلانية الوطنية الديمقراطية انفتح الباب للفوضويين والانتهازيين للسيطرة على الساحة العقلية المعطلة للجمهور.
انتشار الوعي الديمقراطي توارى بسبب هذا الكم من الفوضويين والمسعورين سياسياً والحمقى فكرياً، فهؤلاء كانت مهمتهم الحقيقية خلال سنوات عديدة سابقة هي تخريب ساحة النضال، ففي أيام العمل السري كان تجنيد الأعضاء ودفعهم في معارك غير متكافئة، وجر الشباب لأعمال تفوق فهمهم، وكان شعارهم(اعترفْ وأخرجْ من السجن) مما صحر القواعد وغيّب المناضلين والتراكم الديمقراطي والتماسك النضالي والصلابة السياسية والأفق الفكري المنفتح.
أعتمد هؤلاء على لغة الصراخ والانفعال الشديد مما جعل سياسة الحماقة هذه تولد(قادة) فوضويين عنفيين كل قدراتهم تكمن في الصراخ وعدم فهم الواقع والمستقبل، مما أدى إلى انتشار مدرسة الحماقة هذه خاصة في الجيل التالي الذي أجدب يسارياً ووطنياً ووسع من الدينيين الطائفيين الذين أوصلوا هذه الحالة للذروة، وقسموا المجتمع، وهدموا الفكر والتطور.
ما زال هؤلاء المغامرون الفوضويون يحكمون الصفوف الأولى في الجماعات السياسية، ويكرسون نهج الحماقة حتى بعد أن أُصيب الجيل الأول بالخيبات والاختفاء والهزائم.
هذا صّحر الواقع السياسي من الوعي، ومن رؤية المستقبل والانضباط العقلاني السياسي، وجعل الجملة الحادة الصاخبة، واستعمال الأيدي والألفاظ البذيئة والادعاءات السياسية المراهقة حتى في البرلمان بديلاً عن العقلانية والتراكم السياسي الطويل وتكوين الجماعات المعتدلة المتنفذة ذات المشاريع السياسية وفهم مشكلات الجمهور والبلد والمساهمة في حلها.
هذا مكن الانتهازيين من جهة أخرى من فرش نفوذهم في الواقع السياسي المريض، فهؤلاء لا يملكون أي وعي وأي رغبة في إصلاح المجتمع بقدر ما يسعون لتكوين مصالحهم الخاصة وتكوين شلل الفساد العامة الخاصة.
وقد حصلوا على فرصهم مع غياب العقلانيين والوطنيين المخلصين بعيدي النظر وأصحاب البرامج والثقافة السياسية العميقة فعطلوا البرلمان والصحافة والوعي عامة.
وهكذا بدلاً من دحر الفوضويين واستخدام ما في خطاباتهم من نواة عقلانية وفرزها عن الفوضى والصخب والعنف الذاتي، يقومون برفض كلَ شيء وعدم طرح البديل وعدم التعبير عن مشكلات الناس والمجتمع، مصورين أنفسهم بأنهم دعاة العقل وليس قوى الفساد السفلى المشاركة القارضة للمال العام.
تقوم الفوضوية والانتهازية بدور متكامل مشترك وهو منع الوعي السياسي الناضج من التكون ومن تشكل قوى الإصلاح الشعبية، وتحولها لتيارات مؤثرة.
وبهذا يفقد الجمهور أمل التغيير، وينتشر فيه اليأس ويفرز ذلك قوى التطرف والعنف والجريمة.
بدون النقد وتكوين البديل الإعلامي وطرح النماذج السياسية المركبة الجامعة للنقد والمسئولية التعبيرية والحكمة العملية، فإن هذه النماذج المخربة للعمل السياسي الوطني سوف تنتشر وتمنع التطور مستفيدة من الفوضوية والمراهقة السياسية.
انتهازيةُ التحديثيين
تعددت علاقات فئات البرجوازية الصغيرة بالإقطاع وهي تعتمد على طبيعة العصر ونمط الإنتاج. حين نقرأ كيف يتدهور وعي هؤلاء ويتراجعون من الحداثة إلى المحافظة والطائفية فلا بد من قراءة ثقافة المرحلة، وزمنية الإقطاع السياسي فحين تكون الدولةُ العربية أقوى من نفوذ رجال الدين ممثلي الإقطاع الديني، هنا تكون لديها من الموارد ما يكفي لشراء ذمم هؤلاء وحين تفقدها يلجأون لغيرها.
إن توجه مجموعات و-لا نقول تيارات فكرية سياسية- إلى النفخ في الجماعات الدينية الطائفية بشكل كبير ثم التراخي عن ذلك بسبب قلة الدفع المالي لها من الجماعات الدينية التي صارت هي الممول الكبير يوضح طبيعة التدخلات السياسية الفوقية والأجنبية وحرف هذه الجماعات عن التجذر في أرضها والتغلغل في تحليله ودرسه وكتابة بحوث وبرامج مؤصلة لقضاياه.
إن هذا الوعي المسطح التجهيلي يقود الناس للكوارث، سواء في اختياراتهم التشريعية أم في نضالاتهم اليومية المجمدة عموماً، ولهذا فإن مبدأية التحديثيين وتوجههم لنشر الخيارات الفكرية الوطنية والديمقراطية والتقدمية غدت طوق النجاة.
أثبتت المرحلة خطورة الانتهازية والكوارث التي سببتها والحصاد المالي الشخصي لبعض قياداتها التي لعبت على الحبال واختارت الدوائر الرسمية وعطائها فكانت مع الطائفيين ساعة صعودهم ومع المال والنفوذ ساعة قوته.
ونجد في انتقالاتها الجغرافية والحياتية والعملية غياباً لأي وعي متجذر وما هي سوى شعارات زائفة كتحبيذ الاشتراكية والدعوة إليها وأصحاب الدعوة همهم جمع المال!
وما تزال قواعد هذه الجماعات غير قادرة على النقد وطرد الانتهازيين من صفوفها وما تزال تعطي لهذه الوجوه المتراقصة على الحبال السياسية مكاناً مهماً.
وهكذا نرى الأشكالَ الاجتماعية من البرجوازية الصغيرة كيف تتذبذب حسب تدفق البحر الاجتماعي، فحين تكون الدولة العربية قوية وذات موارد وتجزل لهم العطاء يؤيدون الكل التحديثي من التطور، ويعادون الموجات الدينية، حتى إذا بدأت الموازين تختل وضعفت مواردُ الدولة العربية وتفاقمت أزماتُها انتشر الجرادُ الطائفي يأكلُ الحقولَ ويشيعُ القحطَ في الحياة وراحت هذه الفئاتُ نفسها تصعد يافطات مختلفة، تؤيد العودة للوراء وهدم التطور الوطني والحداثة والعلمانية.
وإذا كان الجماعات الدينية القديمة قد فككت الجماهيرَ العربية وقسمتها إلى فسيفساء وأهلتها للسيطرات الأجنبية فهذا ما يقوم به الطائفيون المعاصرون وتوابعهم من البرجوازيين الصغار الانتهازيين المتذبذبين، الذين وجدناهم في مرحلة يرفعون شعارات الثورات العمالية الحمراء والبندقية وسحق الأديان ولا يحللون أزمات الدول وعدم ضبطها للتطور والقيام بإصلاحات جذرية لصالح الجماهير العربية منساقين مع التدهور العام في وعي هذه الجماهير مكرسين التخلف فيها.
في الزمن الراهن كذلك يتصاعد الشكلُ اللاعقلاني من الوعي والتطور، فلا تعرف الجماهير كيف تغير، وتتدفق جماهيرٌ متخلفة في الدرس والعمل على المدن وتطرح مستويات فهمها المتخلفة.
وتقود هذه المعارضات وطرح البرامج المحافظة إلى انقسام الناس وتأييد الفوضى وعدم التوحد، وتتوجه فئات البرجوازية الصغيرة لتأييد الصاعد الذي يزداد طائفية وتخلفاً وتفكيكاً للصفوف والعودة للوراء.
هكذا تنقسم النقابات والمعارضة والأشكال التوحيدية في العمل السياسي وتتوجه فئاتُ البرجوازية الصغيرة لتأييد اللاعقل في المعارضة أو الموالاة، ويغدو الإقطاع الديني هو الأقوى ولهذا نرى الاقسام بين الدول الإسلامية بمنحيين، طائفيين رئيسيين خطرين متصادمين.
ويغدو الخروج من العصر الحديث وتمزيق البلدان ونشر الفوضى والتخلف والحروب هو البرنامج الحقيقي لهؤلاء الذين يركبون الموجات ولا يقدمون حفراً عميقاً في الحياة ولا يضحون بل يريدون الناس هم الذين يضحون من أجلهم. ومن هنا نجدهم يقيمون علاقات مشبوهة مع كل الجهات حسب الفوائد التي يجنونها.
انتهازيةٌ نموذجيةٌ
منذ أن أخطأ بعضٌ من أفراد الجيل الوطني القديم في التحالف مع الطائفيين، نظراً لهشاشة جذورهم الفكرية السياسية العلمانية الوطنية، والأعشاب الضارة تتالى من هذا المنبت.
قام الجيل بتضحياته ومغامراته وكان من الضروري نقده، لكن الحالة النموذجية الانتهازية رغم تكرارها لأهمية العقلانية والهدوء التحليلي وبعد النظر تروح تصرخ هائجة وتحيل الموقف وتشريح الجيل القديم لحالةِ تشنجٍ شخصية بدلاً من تطبيق تلك المفردات الكبيرة في الموضوعية والعلمية لكون القائل الناقد لا يعجبها ولا يقترب من مستنقعها وانتهازيها.
ويمكن أن يستفيد بعض المتعلمين من خلفياتهم السابقة، ويتلاعبوا أكثر بقضايا النضال بدلاً من تجاوز الجيل القديم الذي لم تتح له فرص الدراسة الأكاديمية.
خلطهم بين العمل السياسي والدين يغدو تلاعباً، فهم من المتعبدين ومن الانتهازيين. فأي جهة تجلب مصلحة ذاتية يمكن تسويقها. من حقك أن تصلي لكن ليس من حقك أن تلغي تاريخ التيار الوطني في العلمانية وفصل الدين عن السياسة!
حين يغدو الصراع السياسي الطائفي حالة اشتباك عامة يجري تصويرة كثورة وجر الوطنيين إليه، وحين يفشل يتبدل القناع، وتـُفضل المصلحة الخاصة. ولا تـُنقد هذه الأخطاء وتـُحلل بل تـُترك للاستفادة من غموضها!
حتى كوارث الشعب العارمة لا تنجو من الفلتر المصلحي الذي يقضم بعض خيراتها رغم الضحايا والكوارث!
كتاباتٌ هزيلة تستفيد من أي موقع، ويهمها التراكم المالي لا النقدي، لا تقوم بتجذير أي تحليل، وتحاول التقليل من شأن الكتابات الوطنية التقدمية وتخريب حتى أسماء أصحابها والتصغير من نتاجاتهم والتعتيم على وجودهم بأشكال صبيانية.
هذا الحقد نتاج تضخم ذاتي وإعطاء هذه الذات الهزيلة فكرياً مقاماً رفيعاً، فهي يجب أن تكون القائد الأول والزعيم المعترف به رغم الهزال الفكري والتلاعب السياسي وغياب النتاج الموضوعي الدارس للبنى الاجتماعية والصراعات الطبقية.
تخريب التيار هو جزء من المصلحة الذاتية فكلما كثر العميان المتخبطون في الليل السياسي كلما وجدت هذه الذات فرصاً للتلاعب بمصير الوطن والناس.
هي جزء من هذا الخراب الذي أمتد عقوداً وهو خريف اليسار حيث لا جدل عميق ولا شخصيات تؤصل الماضي وتصعد بإنجازاته، فهي مشغولة بمنافعها واستغلالها للماضي والحاضر، أو هي جامدة لا تقرأ وتدرس.
وعي ديمقراطي غائب
في خلال مشكلات الرأسمالية الحكومية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين تفجرت أزمة، لكن أشكال الوعي السائدة للفئات الصغيرة وهي المنتجة لأشكال الكتابة والفكر والأدب والفن لم تستوعبها.
تحول الرأسمالية الحكومية إلى رأسمالية ديمقراطية متعاونة مع الرأسمالية الخاصة والطبقات العاملة الشعبية لتشكيل بُنية اقتصادية وطنية متضافرة، احتاج ويحتاج إلى وقت موضوعي.
لم يكن بإمكان شعبنا أن يعود إلى كونه شعباً موحَّداً، بعد عمليات التحولات الاقتصادية السريعة التي تمت على ذلك الأساس الاقتصادي السياسي.
برزت أشكالُ الوعي الطائفي السياسي عائدة لما قبل تاريخ الهيئة، وتداخلت مع أشكال الوعي الطائفي في المنطقة، حيث تخمرت خلال سنوات عديدة سابقة.
القوى السياسية الشيعية التي لبدت في حقول الذرة الريفية خاصةً على مدى عقود طرحتْ نفسَها كخيار قيادي رافضة أي تداخل وطني، خائفةً من ذوبان جماعتها في أي حراك ديمقراطي.
الجماعات البرجوازية الصغيرة نتاج انهيارات الرأسماليات الشرقية الروسية والعراقية والمصرية والليبية وغيرها اندفعتْ لتأييدِ هذه القيادة. وكانت احداثُ التسعينيات معلماً لم يعلم هذه الجماعات، بعد أن اختنقتْ قدراتُها الفكريةُ السياسيةُ في فهم تطور العالم الشرقي كتشكيلة رأسمالية حكومية في طور التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية.
لقد جابهتْ قوى البرجوازيةِ الصغيرةِ الضيقة الفكرِ، الرؤى الديمقراطيةَ بعصبيةٍ من دون درس، وواصلتْ ذلك خلال عقد التحول الديمقراطي البحريني الصعب بداية 2000، وكانت تترجرجُ بين ولاء للقيادة الطائفية الشيعية وبين محاولات لتجاوزها وطرح بديل، لكن ذلك لم يحدث للمستوى الفكري المحدود، وقدومها من ولاءات صغيرة مفتتة، وغياب إنتاجها الفكري السياسي النقدي.
كان الحفرُ المعرفي في الواقع، ودرس الاقتصاد ومشكلات الجمهور والانتقال من عقلية ردود الفعل والعفوية صعبا عليها، فبقيتْ في مستواها السابق.
لهذا لم تجدْ في التجربةِ الإيرانية استمراراً لرأسمالية الدولة الشمولية الشرقية وقد صارتْ عسكريةً خطرة، مثلها مثل النموذج السوري، الذي بقي لدى هذه الجماعات محتفىً به، وتذهبُ إليه الوفودُ وتُعقدُ المؤتمرات لما يُسمى (اليسار) فيه.
وبذلك وجدتْ هذه الجماعات تسمياتٍ أخرى للقيادات الدينية السياسية الشيعية تبعدُهَا عن التوصيف الموضوعي، وتجعلها ضمنَ المنظور (الشعبي الديمقراطي)، وليس باعتبارها قوى طائفية محافظة، تستعبدُ الجمهورَ وتمنعُ تطورَه الديمقراطي.
مستوى الداخل والخارج يلتقيان، مستوى النظام الإيراني وتطوراته نحو الشمولية العسكرية والتغلغل في المنطقة وتمركز قبضته، لا ينفصلُ عن تصاعدِ الولاء له، وإثبات نموذجيته وقيادته لدى هؤلاء.
الجماعاتُ التي انساقتْ وراء ذلك لم يتشكل المخاضُ الديمقراطي داخلها، فلم تُعدْ النظرَ في تجربة الاتحاد السوفيتي الشمولية، ولم تعد النظرَ في تجربة العراق وبقية التجارب الدموية. أي لم تقدر بأدواتِ فهمها المحدودة أن تفهم مسار الديمقراطية في الشرق والعالم. لهذا ارتبكتْ ممارساتُها، وقادتْ جماعاتِها لأخطاءٍ جسيمة.
ولهذا فإن الصراخ الحاد المضاد والتوجه للطائفية المحافظة السنية هو شكلٌ آخر لذات الخطأ. والبقاء ضمن العقلانية والديمقراطية والعلمانية والوطنية مع درس تجارب المنطقة وأنظمتها بموضوعية، هو البديل عن التشنجات والشعارات المدوية الصارخة.
هناك البرجوازية الصغيرة تلقي بذاتها في أحضان ولاية الفقيه، عجزاً عن التغيير الديمقراطي في طائفتها، وعجزاً عن الإنتاج الفكري التجديدي، وهنا يحدث ذات الموقف، حيث يتوجه النقد إلى السطوح، ويتشكل موقف محافظ آخر ويجري عدم نقد الرأسمالية المحلية وعدم تطورها الديمقراطي في الاقتصاد خاصة، وعدم معالجة مشكلات الجمهور العامل والرأسمالي الوطني بفهم عميق.
إن النظام الإيراني كرأسمالية شمولية عسكرية ذات نفقات هائلة وهو في حالة اختناق وتتصاعد أزمته، ولهذا فإن الصبر هنا ضروري مع نقد هذه الاتجاهات، حيث سقوط هذا النظام هو الذي يمثل النقد الحقيقي لها. النظرة الشاملة ورؤية هذه الأنظمة ونحن جزء منها كسيرورة تاريخية معقدة، إنها تتخلص من المركزية والقطاع العام المهيمن، وتتوجه لتعاون مختلف القوى الاقتصادية، وتبعد الأفكار الدينية السياسية، وتتقارب في تجاربها وتتحول الشعوب إلى قوى القرار.
أسباب تدهور وعينا
لا يتعلق تدهور الوعي الذي يتجسد في الآداب والفنون وفي الثقافة وفي الوعي السياسي بانتشار الأنانية والانتهازية فقط، بل كمعادل لهذا الانتشار تضاؤل الوعي المادي الجدلي، وهو وعي الحفر في الحقيقة، في كشف تناقضات الأفراد والفئات والمجتمعات.
حين تلاحظ اللحظات التاريخية بازدهار المجتمعات، بدءً من الثورة الفرنسية والثورة الروسية والصينية وثورات التحرر الوطني تجد إن مثقفيها البارزين الذين وضعوا بصماتهم على التطور السياسي العاصف، الذي غير مجرى بلدانهم والعالم، فعلوا هذا حين اقتربوا من الوعي المادي الجدلي، حين وجهوا ابصارهم لتناقضات الواقع والثقافة السائدة، متخلين عن أوهامهم الفردية والطبقية، مزيحين هذه الغلالة من الأفكار الُمسبَّقة، ومن الأوهام.
وقد انتهت تلك الموجة من الوعي التقدمي الذي ساد القرن التاسع عشر والعشرين في أوربا وآسيا، وهدم الإمبراطوريات الاستعمارية، بسبب من شعارية هذا الفكر وتبسيطه في العديد من المحاور، فقد وقف عند هدم المجتمعات التقليدية وكان أمراً بسيطاً قياساً لبناء المستقبل الذي أُخذ بأفكار نقصها ذلك الفكر الجدلي، لقد تصورت إنها تبني مجتمعات تنتهي فيها التناقضات، والتناقضات لا تنتهي، وتصورت دولةً تزيل الطبقات، والدولة ذاتها جهاز قمع، وتصورت أنها تنهي الرأسمالية في الوقت الذي تقوم بتشكيلها عبر نفس جهاز الدولة. فهي لم تكن تفهم التناقضات التي تشكلها.
وانظر كيف كان حال وعينا في الخمسينيات والستينيات مزدهراً بحركات التغيير في السياسة والثقافة، ثم كيف تدهور مع الموجات الدينية، فصارت ثقافتـُنا العامة ضحلةً.
إن الموجات الدينية الجماهيرية هذه تعتمد على وعي طفولي ساذج، فهي لا تفهم تعقيدات المجتمعات المعاصرة، وتناقضاتها الطبقية والثقافية، وهي تضعُ فوقها أفكاراً خيالية غيبية، وهذا نتاج قيادات مثقفيها المحافظين الذين يخافون الحركة النضالية الشعبية، فيقسمون الشعوب إلى طوائف ويقسمون العائلات إلى رجال ونساء، ويقسمون الثقافة إلى غيب وواقع.
وهم يعيدون ثقافة ضعيفة الاتصال بالعلوم الطبيعية والاجتماعية، ثقافة كانت تعتمد على معلوماتٍ تقدمُها الِحرفُ والأشغالُ اليدوية، في حين انتقل العالمُ منذ قرون لثقافة تعتمد على التصنيع.
إدخالهم الدين في السياسة ليس نتاج التقوى بل الأنانية، فهم عاجزون عن التطور العلمي، وعن الشجاعة في تحليل المجتمعات وتناقضاتها الحقيقية، فالتناقض بين العمل ورأس المال، التناقض بين الطبقة الغنية والطبقات الفقيرة، التناقضات بين الشعوب والاستعمار، التناقضات بين الثقافة العلمية والثقافة الخرافية، التناقضات بين ثقافة الغرب المتقدمة وثقافة الشرق الهزيلة، كل هذه التناقضات المحورية في العالم لا يقيمون بتحليلها، مثل النشطاء في مجال الثقافة والإنتاج الفكري.
إن الإنسان المتفاعل مع الأحداث يذهب لخطبة رجل الدين ليسمع كلاماً عاطفياً وفيه إثارة غيبية غير محددة، فرجل الدين لا يحلل استغلال الشركات والبنوك، ولا العلاقات الاقتصادية الدولية التي تأخذ بخناق هذا المواطن المتألم، لأنه ربما صاحب علاقات بهذه القوى المادية، فيركز على العلاقات الروحية الغامضة. خطابُ رجل الدين هنا خطابٌ أناني. وخطابُ رجل الدين هذا سلسلة من خطابات مثقفي التقوى هؤلاء الذين لا يريدون إثارة الشركات والوزارات ويكشفون الأسعار والأجور والتلوث والاستغلال، محلقين في عالم من التخيل الخاص والتجارة بالرموز المقدسة لأصحابها.
ويقول الفنانُ لماذا أرسمُ آلامَ الإنسان وهل يمكن أن تـُعرض في معرض؟ بطبيعة الحال سيقف القائمون على المعرض دونها. ومن سيشتريها؟ ويمكنني أن أرسم ألواناً وأشياء تجريدية أو صوراً فوتغرافية جميلة للصحراء والجمال والنخيل وهي تـُشترى.
ويقول الكاتب لا استطيع أن أقوم بتحليلات وتحقيقات ومسرحيات وأفلام تكشفُ جشعَ الأغنياء والحكومات وأعري العائلات المحترمة لا كتفي بمسرحيات ضاحكة تخفف عن الناس أحزانهم، ومسلسلات تتكلم عن قضايا صغيرة عائلية وخاصة مسألة الطلاق، فكم يؤدي الطلاق إلى كوارث!
يعيش المنتجون للأفكار والثقافة السائدة في عالم من الكذب الواسع، وهم نتيجةً لجلهلهم بالدين ولعمومية مقولاته، يستعينون به لكي يستروا تنازلاتهم لقوى الاستغلال، فإذا سرق المثقف قال سأذهب للحج لا لشيء سوى أن يخفي ما قام به، وهذا تدهورٌ غاصَ فيه الآن المثقفُ عوضاً أن يكشف السرقات العامة، ويذهب للحج، فتغدو المظاهر العبادية جزءً من عالم الاستغلال، ويتوسع الأمر في ظل تحويل ذلك إلى عملية تلاعب سياسية واسعة بالدين، وكون التزام المرشح بالعبادات هو ضمان لصحة انتخابه ولصحة العمليات السياسة الوطنية!
ويعمق الجمهورُ الجاهلُ هذه الحالة، فبدلاً من أن يطلب من السياسي المرشح شهادةً عن نضاله ضد الاستغلال ولرفع حياة الجمهور المعيشية، يطالبه بكشف حساب لعدد صلواته! فالجمهور يزيد أوضاعه سوءً، فإضافة للاستغلال الحكومي على كاهله يظهرُ استغلالُ النواب.
إذن الوعي المادي الجدلي، الوعي بالتناقضات الطبقية والاقتصادية عامةً وتحليلها وكشفها، ومعرفة الوسائل السياسية المرافقة لهذا الوعي والمتوجهة لتنظيم الجمهور لكي يناضل لحلها، هو العاملُ الفكري المرافقُ لنمو الشعوب نحو الحرية والتقدم، فهو وعيٌّ يحددُ المشكلات الرئيسية ويوجه الإرادةَ البشرية نحو حلها. فتنظيمُ الشعب الصيني الذي يبلغ أكثر من مليار يعتمد على نخبة صغيرة وجهته نحو حل مشكلاته الحقيقية في الواقع، وليس في الخيال الديني أو الرومانسي أو الذاتي الأناني. إن مشكلاته هي في ضعف المصانع والتجارة والعلوم الخ.. وتأتي الحلولُ محددةً، وبعد ذلك من يؤمن بماو فليؤمن ومن يؤمن ببوذا فليؤمن، فساحة الواقع لها مكانتها ومناهجها وساحة الغيب لها مناهجها.
خلقت الشعوبُ بهذه المادية الجدلية ثورات نهضوية كبرى انتقلت بها من خنادق المتخلفين إلى فضاء المتقدمين.
الانتهازية وغياب الإنتاج
لا يقوم الموظف المستند على كرسي فوقه بتحقيق إنتاج حقيقي.
والسياسي والمثقف والصحفي الذي يرتكز على قوة سياسية تسنده مردداً شعاراتها العامة، دون قدرة على الخروج أو النقد، لا يستطيع أن ينتج سياسة أو ثقافة أو صحافة!
هكذا فإن التيارات السياسية التي ارتكزت على سند مادي لم تنتج شيئاً في النظر السياسي أو في الفكر العام أو في الثقافة، فتجد أن التيار الذي تسلق أنابيب الخير الحكومية لم يكن قادراً على نقد واقع أو التعبير عن رفض، ولهذا عجز عن إنتاج تفكير مستقل، فنجد أنه لا توجد حيثيات تؤيد إبداعه في مجال من المجالات، إلا حين كان أفراده بسطاء، يقفون في الشوارع ويشاركون في الصراخ السياسي، لكن حين راحوا يتسلقون وينظرون للمعاشات أكثر من نظرهم للآلام الشعبية، تخثرت اللغة في حناجرهم وذبلت الأفكارُ في عقولهم!
وحين تحولت التيارات إلى ثنائية الداخل والخارج، ثنائية النضال السري والنضال الخارجي العلني، التضحيات الجسيمة في الداخل ومهرجانات الدعاية في الخارج، تكونت فئتان؛ فئة داخلية مضحية، وفئة خارجية مستثمرة، ويمكن القول بتعميم حذر بأن بعض الانتهازيات تشكلت في الخارج أكثر من الداخل، وأن الطرق الانتهازية في الخارج ربما قادت إلى يباس الوعي وعدم الإنتاج فحدث لها استرخاء كفاحي وعجزت عن تطوير المفاهيم الوطنية العلمانية، فصدّرت هذا الاسترخاء للداخل المُنهك العاجز عن إيجاد قوى قيادية علمانية ديمقراطية مستقلة.
لكن مناخ الاسترخاء والانتهازية لم ينته لأن ثمة فرصاً جديدة تكونت مع عملية التحولات السياسية، وكان (التشعبط) على أكتاف الحركة المذهبية السياسية هو المحاولة ربما شبه الأخيرة، خاصة بعد أن تجمعت الحركات المذهبية السياسية تحت قبة واحدة، وصارت هي المرجعية السياسية الرسمية المعارضة من داخل النظام.
لا تختلف الحركات المذهبية السياسية في تكوينها عن الحركات الوطنية العلمانية جوهرياً، فهي كذلك ترتكز على غياب الإنتاج الفكري، وإنما على سواعد الجمهور البسيط المضحي، والذي تبين لبعض النفر فيه، كيف أن المصالح المادية تلعب دوراً كبيراً في تكوين التيارات السياسية، وأن قادة التيارات المذهبية (تشعبطوا) هم كذلك على سواعده، لكي يرفعهم إلى فوق، وفي البدء كان سقف هذا الفوق كبيراً حتى يصل إلى تغيير شاسع، ثم تواضع بحكم عدم قدرة الخطاب المذهبي السياسي أن يغيرَ شعباً متعدد المذاهب، لكن هذا الخطاب كذلك غير منتج فكرياً، فهو مثل قرناؤه السابقون مجرد مرددٍ للشعارات.
وكل هذه الفئات الاجتماعية السياسية المتداخلة مرت بزمن سابق مختلف، فيه العسف وصعوبات المعيشة لتيارات تكافح، ولكن الآن تغيرت الظروف وصار بإمكانها الجمع بين المعيشة الجيدة والإنتاج الفكري، بين المعارضة وتحقيق مطالب الجمهور، ولهذا إذا استمرت في نفس الماضي الإنشادي، وتحويل المنظمات إلى مآتم للبكاء على الراحلين، واستمرت في البطالة الإنتاجية، وعدم القدرة على الحفر في عالم الأبحاث والدراسات وتحليل ظروف الإنتاج والاقتصاد والسياسة والبيئة الخ، فتكون قد غلبت حياة الدعة ونقلت تقاليد الانتهازية الماضوية، ولم تستفيد من التحولات الراهنة، وهذا يقودها إلى ممارسات سياسية سطحية عاطفية، تظل الغوغائية هي المسيطرة عليها، بدلاً من تراكم ثمار التجربة والعلوم.
وإذا كات البطالة السياسية من نصيب القوى العلمانية الوطنية، فهذا مفيد كثيراً، فهو زمن مهم للدرس وإعادة النظر في التاريخ والتجارب، وليس لتكوين حلقات الأنشاد البطولي مع البخور، ولتبيان أوجه النقص خصوصاً، وتكوين التحالفات المبدأية القائمة على ترسيخ الرؤى، وتشكيل التعاون كذلك مع القوى المذهبية السياسية بما يقوي من تطور الوطن.
من العنف الثوري إلى الانتهازية
حين نرى المسار المؤلم للجماعات التحديثية التي بدأت حادة مخيفة في أطروحاتها ثم انتهت وهي تبحث عن المال بأي صورة، لا بد أن نقوم بدرس ذلك، فهو مسار معقد وقد يتكرر لدى المجموعات الدينية كذلك وربما بطريقة أكثر حدة وتعقيداً.
لنلاحظ ان الاهتمام بالأشكال والجوانب التحديثية المفصولة عن مضمون تغيير أحوال الناس، أي الاهتمام بالأنا على حساب النحن، وكذلك لغة الهجوم الحادة على الإرث والتقاليد وتوجيه المجابهة بين قوى المعارضة، تماثل الطرح قبل عقود أن حل كل المشكلات يمكن عبر البندقية ولغة النار.
ولكن مجموعات الفئات الوسطى المعبرة عن تجربة أقصى اليسار، كانت وهي تدفع ثمناً باهظاً من حياتها لمثل هذه الأفكار، لم تتعلم منها أثناء التجربة، وإذا غدا الحرمان مكروهاً، وتطوير وعي الذات الحزبية بالواقع وبالفكر غير ممكن لأسباب كثيرة، لهذا كان الاتجاه نحو النقيض، نحو المال والمراكز والشهرة والصداقة مع الأنظمة والحركات الشمولية ومع المهيمنين بشتى ألوانهم، والمهم خدمة الأنا.
كان هذا الإفلاس الفكري يتجلى بالوقوف عند المرتكزات الشمولية للنظام الشمولي القديم، (الاتحاد السوفيتي، والصين وكوبا) أو بالارتهان كلياً للتجربة الغربية، وتأتي عدم القدرة على فهم النظام العربي التقليدي الراهن، وتشجيع الأنظمة كذلك لانفتاحية الفئات الوسطى، في التوجه للانتهازية اليمينية هذه المرة، أو التشدق بألفاظ اليسار عبر جمل باترة وامضة؛ مع غياب الموقف التوحيدي لليسار والقوى الديمقراطية عامة..
إن هذا ينطبق على انهيار أنماط الوعي المستخدمة، كغياب الدراسة العلمية، وتخثر الشعر، وجمود القصة، وشكلانية اللوحة التشكيلية وموتها، وسفر الأغنية الثورية إلى الصمت والتجارة، وانتهازية القانون حسب مواقف الجماعة الخ..
إن العجز العميق عن التطور يولد أمراض جنون العظمة، وتشجيع الشلل لتخريب الثقافة الوطنية ومعاييرها الموضوعية، وتكريس النجومية وحب المال، وتفكيك الجماعات اليسارية والوطنية عموماً.
إن الخراب كان كبيراً في العمق، وهو خرابٌ غير مدروس، وغير معروفة آثاره، ولكن ظاهرة العجز عن الفعل، وتكرارية اللغة الميتة، والعودة للمأتمية، والاصطافات اللامبدئية، والعجز عن النقد العميق، هي وغيرها تشير إلى تخثر فعل ممثلي هذه الفئات الوسطى، وعجزهم عن العمل الاجتماعي الفاعل.
ومن هنا نجد أن الثقافة الرسمية السائدة في بعض الدوائر تشجع على كل ما هو منقطع عن الموقف المبدئي، والاحتفاء بالخارج، ولهذا فهم يشجعون ثقافة من موزمبيق لكن لا يمدون ايديهم للمنتج المنهار المحلي، إلا إذا تخلى عن ثقافته الوطنية المنتجة وتحول إلى أراجوز سياسي أو شعري أو تشكيلي أو مسرحي، فالمهم هو الاستعراضات.
لغد قامت القوى (التحديثية) بتقزيم بعضها بعضا، فتلك الجماعة تحتكر أغلب جوانب الثقافة المفيدة المدرة للأرباح، ولكن إلى ماذا قاد ذلك؟ إلى التخلي عن نقد الواقع، وعدم قدرة النتاجات ان تعري الأخطاء، وهذا الجانب لم يتغير حتى بعد أن أخذت الدوائر الرسمية تنقد نفسها. وتغدو التحالفات غير مبدئية، فالسياسي الذي ينقد بقوة وحِدة الواقع السياسي، يصمت عن نقد الواقع الثقافي الفاسد، فلم يمتلك منهجين مختلفين؟
ثقافة الانتهازية
يتوحد الانتهازيون في ثقافة ذات أنماط عامة، وهي الثقافة الأكثر انتشاراً في العالم العربي والأخطر حضوراً، ولا بد من درس قوانينها وتجلياتها كماة خام للدرس.
تنقسم هذه الثقافة إلى شكلين أساسيين، الشكل اليميني والشكل اليساري، لأن هذين النمطين يصوران نفسيهما بالدفاع الأقصى عن الناس، لكن هذا الدفاع الأقصى هو شكل من خداع الناس كذلك!
إن هذه الحمية والعاطفية الشديدة والكلمات الحادة ولغة الأستعراض والأدعاء هي أمور توحد الفريقين رغم تعارضهما الظاهري، فهما يعتمدان على خلق مزايدة ما سواء بهذا الاتجاه أو ذاك ويبتعدان قدر الإمكان عن التفكير الموضوعي.
فهناك دائماً فيهما انتفاخ ذاتي، يغطيانه بألفاظ ملتهبة، ليغطيا به عن ضحالة تحليلهما، معتمدين على المساعدة الضمنية المتوارية التي تأتي من القوى السائدة في المجتمع.
حين يكره الاتجاه الانتهازي قوى المعارضة فهو يضخم أخطاءها بهدف الكسب من جهة أخرى.
وحين يضخم من أخطاء الحكومة فهو يهدف للتقرب إلى أتجاه آخر.
إنه لا يقدم تحليلاً موضوعياً يمكن عبره تطور الحالة السياسية وتغيير الظروف الاقتصادية دون أن يبالغ في الصواب أو الخطأ.
كما أن الحالة الدينية وأهميتها في حياة المسلمين تجعل بعض الاتجاهات تبالغ فيها، فجأة يصبح بعض الأشخاص المنافحين عن جماعة معينة من المسلمين ويقوم بالضخ التشنجي التعصبي فيها، بغرض إستغلالها واستثمارها لمصالحهم، وينبهر بعض البسطاء بهذه الحالة، فهم لا يتحدثون عن أخطاء هذه الاتجاه، بل يتعمدون ذكر فضائله من أجل أن يستغلوا هذا الشحن العاطفي لمصلحتهم.
وتتناقض مثل هذه الآراء الشخصية في كلها، فهم يمدحون هذه الاتجاهات في بلد بعيد، فإذا جاءوا لبلدهم انتقدوها!
وأقرب شيء لذلك هو مدح الزعماء وإستغلال أسماء الرموز، وجاءتنا فترة غثة سابقة أندفع بعض (المثقفين) فيها لتأييد شخصيات دكتاتورية فقط لمجرد إرضاء مشاعر عابرة هنا أو هناك!
لماذا يتركز المدح أو الذم على الأسماء الحادة في سياستها؟ !
فمثل هذه الشخصيات عرفت بالحدة في السياسة والتعصب وقيادة شئون البلدان إلى حافات الهاوية؟
لماذا لا تتوجه أفكارنا للتخفيف من حدتها من أجل الحفاظ عليها ومن أجل تطوير نهجها بدلاً من سيول المديح التي تفقدها الرزانة والعقلانية فتتوهم إن كل ما تفعله صواب؟! ومن البشري الذي لا يخطئ؟ !
لماذا لا نحافظ على هذه الشخصيات بشكل عقلاني نقدي فلا نضخمها ونحولها إلى آلهه!
وإذا كانت شخصيات دكتاتورية تمت إزالتها ينهمر عليها نفس المديح بغرض إيجاد بدال لها، وهي قد خربت ما خربته؟
ألسنا قادرين على تطوير النهج الإسلامي والنهج القومي بشخصيات موضوعية رصينة تدافع عن هذه الثوابت بشكل حديث ونقدي؟
هل عدمت الأمة إلا من شخصيات السحل والحرب والمحو للآخر؟
ولماذا تكون الشخصيات المعتدلة والزعامات البعيدة النظر والداعية للسلام هي في نظر هذه الكتابات والسياسات الانتهازية هي العدو؟
لماذا خلق هذا التشنج؟
العلمانية الانتهازية
تنبع الديمقراطية من احترام تقاليد الشعوب، وتشكيل أبنية تحديثة من داخل هذه التقاليد، تعكس مصالح الأغلبية الشعبية فيها، وهذه عملية مركبة، لأنها فيها احترام وصراع مع هذه التقاليد كذلك.
ومنها تصعب على القوى الانتهازية أن تشكل هذا الموقف المركب، فهي تأخذ جزءً منه، وتترك أجزاءَ أخرى.
فالعلمانية حين تغدو انتهازية تصبح تابعة للمذهبيين السياسيين في جانب سياسي جزئي، هو التماشي مع هدف المذهبيين في تكوين ديمقراطية سياسية، تقتصر على جوانب صغيرة من الحياة، هي تلك التي تتيح صعودهم السياسي وتحولهم إلى قوة دكتاتورية في المجتمع، وحينئذٍ يكون مثل التأييد والتصعيد خطراً على الديمقراطية!
لو كان هذا الصعود يترافق وعمليات ديمقراطية فقهية وتحرر للنساء ونمو ثقافة وطنية، وصعود للفلسفة، وللنقابات الحرة، لما كان هذا الصعود يمثل خطراً.
تغدو العلمانية هنا انتهازية، وليست موقفاً شاملاً، وتسلقاً على موجةٍ شعبية ملتبسة، تسيطرُ عليها قوى محافظة غير مدركة لتعقيدات الموقف وغير قادرة على مجاراة عملية تحرر المسلمين وتقدمهم، ومن هنا حين يحاول بعضُ القادة ركوبَ الموجة فإن مسائل ذاتية تتغلب عليهم هنا، ويغدو هدفهم الشخصي طاغياً على مستقبل المجتمع.
مثلما أن العلمانية التي تجعلُ أوراقَ التحديثِ والتحرر كلها بيد الغرب، تمثل موقفاً معاكساً، ومماثلاً في الجوهر.
إن المميزات المشتركة بين هذين النمطين من العلمانية هو غياب ذلك الموقف المركب، المرتكز على مصالح الأغلبية، وعلى جذور الكفاح لدى المسلمين والمسيحيين العرب وكل التراث السابق في المنطقة، حيث لا يمكن لهذه العلمانية إلا أن تنهض فوق تلك المصالح وذلك التراث، ولكن بشكل نقدي يعري طبقات التخلف واللامساواة والاضطهاد، ويجمع تلك الأغلبية في موقف نضالي مشترك واسع وعميق.
ومن هنا يغدو عزل الجوانب المحافظة والمتخلفة في المذاهب، وتطوير الجوانب العقلانية والديمقراطية والتوحيدية في التراث، ورفدها بإنتاج الإنسانية المعاصر الديمقراطي والإنساني، عملية سياسية بالغة الدقة، وموضوعية، لا تهدف إلى تسلط طائفة أو زعيم، بل تستهدف تجميع الناس التعاوني والخلاق لتشكيل وطن حر متقدم، يكرس كذلك احترام تقاليدهم ومذاهبهم وتطورها الحديث، بحيث أن لا تمثل تسلطاً على المجتمع أيضاً وعلى تنميته وتقدمه ووحدته.
ولهذا تحتاج العملية إلى سياسيين فقهاء علماء، أي سياسيين علمانيين إسلاميين شعبيين ديمقراطيين، في هذه العملية المركبة الدقيقة.
ومن هنا يغدو نفخُ جانبٍ واحد كالتعصب لمذهب، أو لجهة عالمية، تديناً ناقصاً، أو علمانية انتهازية، تكرس التخلف والتبعية لا التحرر والتقدم.
أسباب الانتهازية في اليسار
اليسار إلى عجزه الفكري عن التحليل، وفي الحياة السياسية تمثل تلك انتهازية من قبل القوى القيادية فيه، لمشاركة قوى الاستغلال في شيء من غنائم المال العام.
وهكذا يتم غض النظر عن جوانب والتركيز على جوانب، بهدف إظهار حسن النوايا سواء للإقطاع المذهبي أو السياسي، بحيث تبدو وجهة النظر المساقة متفقة مع نضال الشعب والديمقراطية والوطنية الخ، لكن من يطلقها يحسب حساباً طبقياً استثمارياً فهو يهدف لخدمة مصلحته.
حين يهاجم الدينيين بقسوة فهو يقصد هنا إظهار نفسه تحديثياً رسمياً وإنه يصلح للارتفاع إلى مقام الموظفين الكبار، وحين يهاجم الرسميين بقسوة مماثلة يريد مغازلة الدينيين لكي يصعدوه إلى مراتبهم العلية.
وتتشكل هنا أقسام جزئية أخرى داخلية ضمن هذا التعدد السياسي والطائفي المتنوع، فهذا يغازل طائفة وآخر يغازل طائفة وثالث يغازل جناحاً في السلطة وآخر يغازل جناحاً آخر، وخامس يغازل جناحاً في الجماعة المذهبية المنشقة وهكذا دواليك يقوم هؤلاء بجرنا إلى الخراب الطائفي..
وبدلاً من نشر الوعي الديمقراطي بين الناس كوعي أساسي يجري نشر الوعي الشمولي وتغليب العناصر الانتهازية..
إن الذين أيدوا إنجازات التحولات نسوا سلبياتها لأنهم قبضوا ثمن السكوت عن السلبي وركزوا على الإيجابي..!
والذين ركزوا على السلبي سرعان ما قفزوا لاستثمار إيجابياتها دون ذكر هذه الإيجابيات، لأن الجمهور الذي صنعوا وعيه على كراهية النظام لا يستسيغ مثل هذه القفزة البهلوانية!
وهو إذ يريد معارضة السياسة السائدة يريد تحولات في رواتبه ومساكنه وأحجام عمالته، لكن الذين يتسلقون على نضاله ومشاعره يريدون الوصول لأهدافهم الخاصة مع بعض البهارات النقدية.
وإذ استطاعت قوى اليمين أن تزيف تحركاتها الاستغلالية تحت غطاء كثيف من البخور الديني، لكن قوى اليسار تاهت ووضحت انقساماتها القائمة على الأهداف الذاتية، فشاركت في التقسيم الطائفي وتعميقه بين فئات الشعب المختلفة.
وصار الوصول للكراسي بديلاً عن إنتاج ثقافة سياسية ديمقراطية تحديثية توزع على كافة السكان، لأن التقلبات في السيرك السياسي كانت كبيرة لا تتيح خلق وعي، فيظهر موقف حاد ثم يعقبه موقف مناقض، ولا تردم الهوة بين الموقفين من خلال مواقف عقلانية صبورة في كل المواقف.
وهذا كله يفتت جبهة المعارضة وجمهورها الذي يبدأ بالانحسار والتشتت والتمزق وربما التضارب مستقبلاً!
وظهر هناك اتجاهان أساسيان في اليسار الاتجاه الأول هو اتجاه انتهازي، ويتوجه لدعم اليمين الديني، مقابل رشوة سياسية، واليمين الديني أثبت خواء تجربته السياسية سواء لدى المقاطعين أم المشاركين، بل وخطورة تسيده على القوائم والكراسي، لما يقود إليه من أخطار.
والاتجاه الثاني حائر متصارع متذبذب، بين حدة في الهجوم على التيارات الدينية اليمينية، وبين الخشوع لهجومها الخطر على التقدم الوطني.
والاتجاهان يكملان بعضهما، وه


