هل العلماء منزهون عن الخطأ؟

يظن كثير من الناس اقتران لقب علمي بأي شخص هو تنزيه له عن الأخطاء، فترى بعض الناس يصلون بالبعض حد القداسة وتلك الطامة الكبرى والتي أغرقت أوروبا مئات السنوات في الظلام فترة العصور الوسطى.
كانت فترة العصور الوسطى فترة كارثية بحق على جميع الأصعدة، وكان ذلك الأمر سببه تقديس رجال الدين، وآراء العلماء القدامى والتي كانت آراءهم مبنية على توقعات ومعتقدات دون إثباتات علمية، وذلك لعدم وجود أدوات علمية تساعد في ذلك الأمر.
وكان ذلك الأمر كارثي وقاتل لأي محاولة تطوير للعلم، فكانت الآراء السائدة في ذلك الوقت ثبات الأرض ومركزيتها للكون، وأن الكواكب والشمس يتحركون حولها، وقد اتخذت الكنيسة في ذلك الوقت هذا الرأي كرأي مقدس موافق لمعتقداتهم وللكتاب المقدس، ولذلك كان من يخالف ذلك الأمر أو يأتي برأي يقول غير ذلك يتم اتهامه بالهرطقة، وتكفيره، والحكم بسجنه وقتله بأكثر الطرق وحشية كما تم مع برونو، كما تم سجن جاليليو وإجباره على الإقرار بأن رأيه خاطئ، بل إن الخوف من ذلك الأمر هو ما عطل كوبرنيكوس عن انجاز علمي هائل، وتأخر نشر كتابه لما بعد وفاته بسبب ذلك الأمر.
ولكن كان كتاب كوبرنيكوس هو الشرارة الأولى لبداية الثورة على تلك الأفكار البالية، واستمد ذلك الأمر من أستاذه "دومينيكو ماريا دا نوفارا" الذي كان أول من أثبت بالدليل العلمي القاطع خطأ "بطليموس" في حسابات خطوط العرض التي جاءت في كتابه الشهير "الجغرافيا"، وبالتالي استنتج من ذلك الأمر أن خطأ الحسابات ربما يكون ناتجا عن ميل محور الأرض، وإن كان الرأي المباشر لدا نوفارا لم يكن مؤثرا بشكل كبير وقتها، إلا أن التأثير كان على كوبرنيكوس الذي رأى أنه من الممكن تحدي الآراء العلمية القديمة، وقتها تهدم الصنم الذي ظل صامدا لأكثر من ألف سنة، وبالفعل بدأ كوبرنيكوس في إثبات خطأ نظرية مركزية كوكب الأرض للكون.
وبسرعة البرق انتشرت آراءه في جميع أنحاء أوروبا، وأخذ المجتمع العلمي يلتفت لأهمية اتباع أسلوب علمي لإثبات صحة أو خطأ رأي ما أو نظرية أو معتقد، ولأن السلطات الدينية وقتها كانت متحجرة الفكر، جامدة الرأي، اتبعت أسوأ أصناف محاربة الرأي والعلم، ولكنها لم تصمد طويلا وانهارت أمام التفكير العلمي السليم، وبالتدريج صارت حرية الرأي هي السائدة، وانطلقت أوروبا في نهضتها العلمية منذ ذلك الحين.
ولهذا فإن القول بأن العالم أو الطبيب أو السياسي لا يخطيء فذلك درب من الجنون ولا ريب، وهذا الأمر هو ما ابتلينا به في وقتنا الحاضر، فإن كانت أوروبا قد تخلصت من سطوة جمود الفكر وقداسة الأشخاص منذ مئات السنين، لا زلنا نحن غارقين في ذلك المستنقع البائس من جمود الفكر، فكم من رأي يمر أمامنا بلا رقيب ولا حسيب لمجرد أن قائله يتمتع بسلطة ما، أو حصانة ما سواء كانت علمية، أو دينية، أو سياسية، وتقوم الدنيا ولا تهدأ لمجرد معارضة ذلك الرأي.
وذلك الأمر أخذنا للحضيض، فالاختلافات في الآراء؛ هي ما تقود في النهاية للرأي الصحيح، أما التفرد برأي واحد، فتلك هي المهزلة بعينها، فلا رجل الدين منزه عن الخطأ، ولا العالم ولا أستاذ الجامعة بمنأى عن الخطأ، ولا السياسي مهما علت درجته محيط بكل شيء ولا يخطئ، بل العكس حاليا هو الحادث، فالانفراد بالرأي، والاعتقاد بالسلطة الإلهية للبعض أصبح يوما بعد يوم يهبط بنا لأسفل حتى وصلنا لأبعد من القاع.
وكل من يظن أننا سنتقدم خطوة واحدة للأمام في ظل ذلك الأمر هو واهم تماما، طالما السائد هو جمود الفكر، وتقديس الأشخاص، ولا مهرب من الانهيار الحادث إلا بحرية الرأي، وحرية الفكر، والتخلص من الأفكار البالية التي ألقت بنا عصورا للوراء.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 22, 2021 18:17
No comments have been added yet.