Ahmed Farahat's Blog

August 22, 2021

هل العلماء منزهون عن الخطأ؟

يظن كثير من الناس اقتران لقب علمي بأي شخص هو تنزيه له عن الأخطاء، فترى بعض الناس يصلون بالبعض حد القداسة وتلك الطامة الكبرى والتي أغرقت أوروبا مئات السنوات في الظلام فترة العصور الوسطى.
كانت فترة العصور الوسطى فترة كارثية بحق على جميع الأصعدة، وكان ذلك الأمر سببه تقديس رجال الدين، وآراء العلماء القدامى والتي كانت آراءهم مبنية على توقعات ومعتقدات دون إثباتات علمية، وذلك لعدم وجود أدوات علمية تساعد في ذلك الأمر.
وكان ذلك الأمر كارثي وقاتل لأي محاولة تطوير للعلم، فكانت الآراء السائدة في ذلك الوقت ثبات الأرض ومركزيتها للكون، وأن الكواكب والشمس يتحركون حولها، وقد اتخذت الكنيسة في ذلك الوقت هذا الرأي كرأي مقدس موافق لمعتقداتهم وللكتاب المقدس، ولذلك كان من يخالف ذلك الأمر أو يأتي برأي يقول غير ذلك يتم اتهامه بالهرطقة، وتكفيره، والحكم بسجنه وقتله بأكثر الطرق وحشية كما تم مع برونو، كما تم سجن جاليليو وإجباره على الإقرار بأن رأيه خاطئ، بل إن الخوف من ذلك الأمر هو ما عطل كوبرنيكوس عن انجاز علمي هائل، وتأخر نشر كتابه لما بعد وفاته بسبب ذلك الأمر.
ولكن كان كتاب كوبرنيكوس هو الشرارة الأولى لبداية الثورة على تلك الأفكار البالية، واستمد ذلك الأمر من أستاذه "دومينيكو ماريا دا نوفارا" الذي كان أول من أثبت بالدليل العلمي القاطع خطأ "بطليموس" في حسابات خطوط العرض التي جاءت في كتابه الشهير "الجغرافيا"، وبالتالي استنتج من ذلك الأمر أن خطأ الحسابات ربما يكون ناتجا عن ميل محور الأرض، وإن كان الرأي المباشر لدا نوفارا لم يكن مؤثرا بشكل كبير وقتها، إلا أن التأثير كان على كوبرنيكوس الذي رأى أنه من الممكن تحدي الآراء العلمية القديمة، وقتها تهدم الصنم الذي ظل صامدا لأكثر من ألف سنة، وبالفعل بدأ كوبرنيكوس في إثبات خطأ نظرية مركزية كوكب الأرض للكون.
وبسرعة البرق انتشرت آراءه في جميع أنحاء أوروبا، وأخذ المجتمع العلمي يلتفت لأهمية اتباع أسلوب علمي لإثبات صحة أو خطأ رأي ما أو نظرية أو معتقد، ولأن السلطات الدينية وقتها كانت متحجرة الفكر، جامدة الرأي، اتبعت أسوأ أصناف محاربة الرأي والعلم، ولكنها لم تصمد طويلا وانهارت أمام التفكير العلمي السليم، وبالتدريج صارت حرية الرأي هي السائدة، وانطلقت أوروبا في نهضتها العلمية منذ ذلك الحين.
ولهذا فإن القول بأن العالم أو الطبيب أو السياسي لا يخطيء فذلك درب من الجنون ولا ريب، وهذا الأمر هو ما ابتلينا به في وقتنا الحاضر، فإن كانت أوروبا قد تخلصت من سطوة جمود الفكر وقداسة الأشخاص منذ مئات السنين، لا زلنا نحن غارقين في ذلك المستنقع البائس من جمود الفكر، فكم من رأي يمر أمامنا بلا رقيب ولا حسيب لمجرد أن قائله يتمتع بسلطة ما، أو حصانة ما سواء كانت علمية، أو دينية، أو سياسية، وتقوم الدنيا ولا تهدأ لمجرد معارضة ذلك الرأي.
وذلك الأمر أخذنا للحضيض، فالاختلافات في الآراء؛ هي ما تقود في النهاية للرأي الصحيح، أما التفرد برأي واحد، فتلك هي المهزلة بعينها، فلا رجل الدين منزه عن الخطأ، ولا العالم ولا أستاذ الجامعة بمنأى عن الخطأ، ولا السياسي مهما علت درجته محيط بكل شيء ولا يخطئ، بل العكس حاليا هو الحادث، فالانفراد بالرأي، والاعتقاد بالسلطة الإلهية للبعض أصبح يوما بعد يوم يهبط بنا لأسفل حتى وصلنا لأبعد من القاع.
وكل من يظن أننا سنتقدم خطوة واحدة للأمام في ظل ذلك الأمر هو واهم تماما، طالما السائد هو جمود الفكر، وتقديس الأشخاص، ولا مهرب من الانهيار الحادث إلا بحرية الرأي، وحرية الفكر، والتخلص من الأفكار البالية التي ألقت بنا عصورا للوراء.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 22, 2021 18:17

تجار الورق

يقول عباس العقاد في افتتاحية كتاب “جحا الضاحك المضحك”: الكلمة أكبر الفتوح الإنسانية في عالم الكشف والاختراع، لو لم يخترعها الإنسان لوجب أن يخترع ما يساويها وينوب عنها؛ لأنه لا حياة له بغير التفاهم بينه وبين أبناء نوعه، ولا تفاهم على شيء من الأشياء بغير الكلمة أو ما يدل دلالتها …
وعندما اخترع الإنسان الكتابة بدأت حضارته وتطوره؛ فالكتابة كانت الوسيلة المثلى لحفظ مبتكراته وتاريخه وتراثه، وكانت وسيلة نقل الأدب والعلوم إلى الأجيال اللاحقة، كانت الكتابة الحل السحري لتطور الإنسان وحضارته، بل إنها وصلت إلى حد التقديس كما كانت عند قدماء المصريين، فالهيروغليفية ـ وهي الكتابة المصرية القديمة ـ تعني النقش المقدس، وكان الكاتب من الشخصيات الهامة في تلك الحضارة العظيمة، بل انه كان عمود أساسي للحضارة المصرية.
وأخذت أهمية الكتابة تزداد أهمية، وأخذت وسائلها وطرقها في التطور، فكانت تكتب في البداية على أوراق البردي وجلود الحيوانات وعلى الحجر، حتى تم اختراع الورق بشكله الحالي على يد الصينيين، وتم اختراع الطباعة بواسطة المخترع الألماني “يوهان جوتنبرج”، وشكل وجود الورق والطباعة معا لحظة فارقة في التاريخ، فأصبح انتاج الكتب أسهل بكثير، وبالتالي زاد عددها بشكل مطرد، وأخذت المعرفة تنتشر بين الناس من فترة عصر النهضة وما تلاها، وكان زيادة عدد الكتاب، وعدد الكتب، وإقبال الناس عليها سببا في ظهور مهنة جديدة وعمل جديد، ألا وهو الأماكن الخاصة بصناعة ونشر وتوزيع الكتب.
وأصبح الناشر هو الضلع الأساسي في نشر المعرفة والثقافة، وطريق الكاتب والباحث وكل صاحب فكرة لنشر فكره وعلمه إلى أكبر عدد ممكن، ولولا الناشرين لما تطور الفكر الإنساني كما تطور في وقتنا الحالي، كان الناشر يحمل على عاتقه هم نشر الأفكار، وعانى الناشرون الأمرين مع السلطات المستبدة عبر التاريخ سواء أكانت دينية أو سياسية، عندما أصروا على الطباعة والنشر، ضد رغبات تلك السلطات التي لاحقتهم وأذاقتهم كل أصناف القهر والعذاب.
كان مالك دار النشر في الأساس صاحب رسالة، وكان الراعي الأساسي للكُتَّاب، صغيرهم وكبيرهم، مبتدئهم، وعالمهم، وكان ذلك الأمر السبب الأكبر في ظهور الغالبية العظمى من كبار الأدباء، فلم يولد الأديب كبيرا، نعم الأديب يولد ولا يصنع، ولكنه يحتاج للظهور، يحتاج لتطور موهبته، ولم يكن ذلك ليحدث لولا وجود الدعم من جانب الناشر.
وإلى الآن يظل الناشر هو البطل الأول خلف ظهور كل عبقري، فمهام دور النشر في الأساس رعاية الكاتب ودعمه معنويا وماديا، وتسويقه بطرية صحيحة حتى يتفرغ للإبداع، هذه هي مهمة دور النشر في جميع أنحاء العالم، ومنهم عالمنا العربي المبتلى في كل أموره، حتى تلك الأمور المعرفية الهامة.
منذ بداية القرن العشرين بدأت موجة ظهور وانتشار للأدب العربي الحديث، وولد للأدب العربي عباقرة كبار لا يسع المجال لذكرهم جميعا، ومنهم على سبيل المثال واحد من أفضل من كتب بالعربية، ألا وهو مصطفى صادق الرافعي، وأحد أفضل الروائيين في تاريخ الأدب، الأديب الكبير نجيب محفوظ، في ذلك الوقت كان مستوى الثقافة والفكر آخذا في الصعود بشكل كبير، وانتشرت الصالونات الثقافية، وكانت الصحف ضلع رئيسي في تكوين الثقافة العامة ونشر الوعي والفكر.
ولكن، فجأة تهدم كل ذلك بالرغم من التطور الهائل الحادث في جميع جوانب الحياة، وتحولت دور النشر فجأة وفي غفلة من الزمن، من أصحاب رسالة، وناشرين للوعي والثقافة والمعرفة، إلى مجرد تجار ورق…
تجار ورق حرفيا إلا ما رحم ربي، لا هم لهم إلا كمية الورق التي سيبيعونها لكل من رأى في نفسه كاتب محتمل، طالما ستدفع ثمن الحبر والورق، فلتلقى ما تشاء على تلك الأوراق، طالما امتلكت الثمن ستحصل على كتاب يحمل اسمك أيا كان المحتوى، وانهار مستوى الأدب بشكل غير مسبوق، وطغت الكتابة العامية الركيكة على معظم الأعمال التي تسمى زورا أعمال أدبية، وأصبحت الأعمال الجادة التي تحمل فكرا نادرة ندرة الماء في الصحراء، وأصبحت عملية النشر عملية بيع ورق لا أكثر ولا أقل.
وفي خضم ذلك الصخب من التفاهة والركاكة، أصبح أصحاب الأعمال الجادة في مهب الريح، بل وأصبحت معظم دور النشر لا تتبنى إلا الأعمال السطحية التافهة، وترفض الأعمال الفكرية العميقة الجادة، وضرب الإحباط وقلة العزيمة الكتاب الحقيقيين، والذين أصبحوا يعانون معاناة مريرة لترى أعمالهم النور، وبالرغم من دفع الأموال يتم سرقة مجهودهم بشتى الطرق، وإهمال أعمالهم بطرق غاية في السوء، وأصبح هم معظم دور النشر الموجودة هو جمع الأموال فقط، تنفد طبعة كتابك فيطالبك بأموال للطباعة مرة أخرى، تنوي نشر كتاب جديد، وتقتطع من رزقك وتستدين لتدفع أموالا لهؤلاء، ولا تلقى إلا الإهمال.
بالله عليكم كيف حولتم أمرا ساميا مثل الكتابة إلى ذلك الأمر المهين، وكيف هانت عليكم عقول الناس لتغرقوهم بتلك التفاهة والسطحية، أنا لم أقل بمنع أحدا من الكتابة، نحن جميعا نتعلم من أجل أن نستطيع أن نقرأ ونكتب، ولكن طالما قررت أن تكتب، فاكتب بطريقة تليق بقدر الأدب، أكتب لرفع المستوى الثقافي والفكري للناس، أكتب بطريقة تزيد من عدد القراء، أكتب لكي نحيا جميعا.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 22, 2021 18:15 Tags: نشر