عبـــــــدالله خلــــــــيفة: ثرثرةُ الوعيِّ اليومي
إنها نفسُ الأفكار كل يوم، ذات الإطروحات التي تحمضت، فتستطيع أن تعرفَ الكائنَ الكتابي الطحلبي في أنشودتهِ المكررة، مدح الحكومة أو مخاصمتها، ولا شيء آخر لديه، سواء أتى ذلك من ورقٍ مصقولٍ أو من البريد الإلكتروني المهترئ.
الديمقراطيةُ الموعودةُ لم تنشيءْ حاضنتَها: الطبقة الوسطى والعمال الديمقراطيين، فَصَعبُ حضورُ الجريدةِ ككائنٍ معبرٍ عن طبقةٍ وسطى غيرِ موجودة، بل هي فئاتٌ بخيلةٌ تضنُ بالإعلان وبالمساندة السياسية عبر حزب جماهيري، وبإنتاج أفكار نهضوية ليبرالية ديمقراطية مشتركة مُجادِلة باحثة.
لهذا فإن الجريدةَ ترتجفُ ضعفاً غيرَ قادرةٍ على أن تطلقَ مشروعَ موسوعة، أو مشروع كتاب كل شهر، ودعْ عنك تكوين فضائية.
ليس الأمر يعودُ لحجم الدولة صغيرة أو كبيرة، بل لمدى تطور الفئات الوسطى لتكونَ طبقةً منتجة، تحديثية، فالجريدةُ تلعبُ هنا قلبَ هذه الطبقة/ المشروع الديمقراطي، إذا كانت الفئاتُ الوسطى ذات خيال إجتماعي محدود محصورة في حصالة ضيقة، ترى تراكم النقود مثل ساعة رملية، وترتجف رعباً إذا تلكأ الرملُ في النزول مكوناً الحبيبات الفضية الحبيبة، وتكاد أن تزهقَ روحُها إذا توقف النزولُ لبضع دقائق..
فإن هذه الفئات لم يصقلها مفكرون، ولم يُعريها لوحاتٍ مسرحيون، ولم يكشف خباياها قصاصون وروائيون، ولم يجسدْ بخلَها رسامون، ولم يحيها ويخلقْها صحفيون كبارٌ قادةُ الرأي والضمير والفكر!
فهي تحولُ الورقَ سفراتٍ للأرزِ الكثيف، وترسمها بشوربة المرق اللزق الدهون، وترتعب من حضور المكتبات خوفاً على النقد الصغير الثمين.
تغدو الجريدة ملحقاً للإعلان، وتسمح للماعز بأكل ورقها الرخيص، وتملأها الوكالات بالمواد الطافحة اليومية لعلها تعيش.
كل شيء يومي في هذا الوعي؛ نقل الصور والأخبار، وتغدو التعليقات يوميات، وكل شيء معروف سلفاً، والناسُ على دين بلدانهم.
الوعي اليومي لا يدعو صاحب الكلمة أن يخترق المادة الطافحة، أن يخترق نسيجها، أن يعرف ما وراءها، أن يتجاوز مع أو ضد، أن يتابع جمود الفئات الوسطى ونسيجها الإيديولوجي الذائب، وعدم قدرتها على التنوع وتجاوز الماضي، فلا بد أن يدخلَ في جماجمها المتوقفة عن الإنتاج، لماذا تعطلتْ خلاياها؟ لماذا تهترئ ولا تزدادُ عمقاً وتطوراً؟ لماذا تقاطع الفكر والفلسفة؟
خمسون سنة مرت أو قرن وذات الجُمل، ونفس التفكير، ألف لماذا وألف سؤال لا بد أن يُطرح، ما هي علاقة الفئات الوسطى بالكتب والخبراء والبحوث، هل يقرأون أم يعتمدون على الوحي؟ ثرثرتهم المتواصلة عن الإنترنت هل هي حقيقية أم إستعراض لإخفاء العداء للصحف والكتب؟ هل يعرفون الجغرافيا الاقتصادية وعلاقتها بالمال والتوسع والتوحيد وتكوين العمالقة الاقتصاديين؟
الجريدة هي قلب الفئات الوسطى سواء كانت حية أم ميتة، الفرن الذي ينتج الحرارة، يفجر الإبداعات، يظهر الفلاسفة، يخلق تياراً من المادة الحارة الفكرية التي تنتشر في الأدمغة المعطلة عن الإستخدام.
أحفرْ تحت الخبر، أحفرْ تحت التصريح، والتق بخيوط الصراعات والدوامات العالمية، طالعْ البشرية أين تركض، ونحن في أزقتنا نتصارع على الملل والنحل والمذاهب المكتوبة قبل خمسة أو عشرة قرون.
أعرف الجريدة قبل أن أقرأها، واعرف ماذا سيُكتب فيها، وأعرف ماذا سيقول فلان وعلان، المواد جاهزة في ذهني فلماذا أتصفح؟
الموالاة الجامدة مثل المعارضة المجنونة.
الديمقراطيةُ الموعودةُ لم تنشيءْ حاضنتَها: الطبقة الوسطى والعمال الديمقراطيين، فَصَعبُ حضورُ الجريدةِ ككائنٍ معبرٍ عن طبقةٍ وسطى غيرِ موجودة، بل هي فئاتٌ بخيلةٌ تضنُ بالإعلان وبالمساندة السياسية عبر حزب جماهيري، وبإنتاج أفكار نهضوية ليبرالية ديمقراطية مشتركة مُجادِلة باحثة.
لهذا فإن الجريدةَ ترتجفُ ضعفاً غيرَ قادرةٍ على أن تطلقَ مشروعَ موسوعة، أو مشروع كتاب كل شهر، ودعْ عنك تكوين فضائية.
ليس الأمر يعودُ لحجم الدولة صغيرة أو كبيرة، بل لمدى تطور الفئات الوسطى لتكونَ طبقةً منتجة، تحديثية، فالجريدةُ تلعبُ هنا قلبَ هذه الطبقة/ المشروع الديمقراطي، إذا كانت الفئاتُ الوسطى ذات خيال إجتماعي محدود محصورة في حصالة ضيقة، ترى تراكم النقود مثل ساعة رملية، وترتجف رعباً إذا تلكأ الرملُ في النزول مكوناً الحبيبات الفضية الحبيبة، وتكاد أن تزهقَ روحُها إذا توقف النزولُ لبضع دقائق..
فإن هذه الفئات لم يصقلها مفكرون، ولم يُعريها لوحاتٍ مسرحيون، ولم يكشف خباياها قصاصون وروائيون، ولم يجسدْ بخلَها رسامون، ولم يحيها ويخلقْها صحفيون كبارٌ قادةُ الرأي والضمير والفكر!
فهي تحولُ الورقَ سفراتٍ للأرزِ الكثيف، وترسمها بشوربة المرق اللزق الدهون، وترتعب من حضور المكتبات خوفاً على النقد الصغير الثمين.
تغدو الجريدة ملحقاً للإعلان، وتسمح للماعز بأكل ورقها الرخيص، وتملأها الوكالات بالمواد الطافحة اليومية لعلها تعيش.
كل شيء يومي في هذا الوعي؛ نقل الصور والأخبار، وتغدو التعليقات يوميات، وكل شيء معروف سلفاً، والناسُ على دين بلدانهم.
الوعي اليومي لا يدعو صاحب الكلمة أن يخترق المادة الطافحة، أن يخترق نسيجها، أن يعرف ما وراءها، أن يتجاوز مع أو ضد، أن يتابع جمود الفئات الوسطى ونسيجها الإيديولوجي الذائب، وعدم قدرتها على التنوع وتجاوز الماضي، فلا بد أن يدخلَ في جماجمها المتوقفة عن الإنتاج، لماذا تعطلتْ خلاياها؟ لماذا تهترئ ولا تزدادُ عمقاً وتطوراً؟ لماذا تقاطع الفكر والفلسفة؟
خمسون سنة مرت أو قرن وذات الجُمل، ونفس التفكير، ألف لماذا وألف سؤال لا بد أن يُطرح، ما هي علاقة الفئات الوسطى بالكتب والخبراء والبحوث، هل يقرأون أم يعتمدون على الوحي؟ ثرثرتهم المتواصلة عن الإنترنت هل هي حقيقية أم إستعراض لإخفاء العداء للصحف والكتب؟ هل يعرفون الجغرافيا الاقتصادية وعلاقتها بالمال والتوسع والتوحيد وتكوين العمالقة الاقتصاديين؟
الجريدة هي قلب الفئات الوسطى سواء كانت حية أم ميتة، الفرن الذي ينتج الحرارة، يفجر الإبداعات، يظهر الفلاسفة، يخلق تياراً من المادة الحارة الفكرية التي تنتشر في الأدمغة المعطلة عن الإستخدام.
أحفرْ تحت الخبر، أحفرْ تحت التصريح، والتق بخيوط الصراعات والدوامات العالمية، طالعْ البشرية أين تركض، ونحن في أزقتنا نتصارع على الملل والنحل والمذاهب المكتوبة قبل خمسة أو عشرة قرون.
أعرف الجريدة قبل أن أقرأها، واعرف ماذا سيُكتب فيها، وأعرف ماذا سيقول فلان وعلان، المواد جاهزة في ذهني فلماذا أتصفح؟
الموالاة الجامدة مثل المعارضة المجنونة.
Published on July 18, 2020 18:26
No comments have been added yet.


