الجنرال المقتول


اذا لم تستح... فرشح نفسك لرئاسة مصر

لم يكن أذان الفجر الذي ارتفع من المسجد الكبير في حي ميت عقبة يعلو على صوت الصغير الذى ارتفع في أحد أضيق حاراتها في شتاء عام 1941، والذي استقبله الاستاذ شفيق بفرحة عارمة، مطلقاً على وليده الصغير اسم أحمد على اسم جده.
وبعد سنوات قليلة قامت ثورة يوليو، ليحلم الأب برؤية صغيره ذو السنوات الـ11 ضابطاً مثل هؤلاء الذين يراهم يقودون البلاد، خاصة أنهم سيفتحون الباب لأبناء الشعب لدخول الكليات العسكرية، ولن تقف هذه الشقة الصغيرة في تلك الحارة الضيقة، وهذا الحال الرقيق  كعثرة في طريق الحلم، والذي أخذ الاستاذ شفيق يزرعه في ولده، الذي دخل الكلية الجوية بالفعل عام 58، وتخرج منها عام 61 طياراً برتبة ملازم في القوات المسلحة المصرية.
وخلال سنوات قليلة التقي الطيار الصغير بالطيار الأكبر حسني مبارك، تدرب على يده، وتصادقا، على الرغم من قلة الأصدقاء حول مبارك، إلا أن أحمد كان ذكياً يعرف جيداً كيف يستفيد من هذا الطيار الأكبر الذي تولى خلال سنوات قليلة الكلية الجوية ورئاسة أركان القوات الجوية قبل أن يصبح قائدها في الحرب، لم يشارك شفيق في حرب 67 لأن القوات الجوية لم تشارك في الحرب ودمرت طائراتها على الأرض، وكذلك مطاراتها، أما في 73 فقد شارك في أول يومين من العمليات فقط.
استمرت الصداقة حتى بعد تولي مبارك رئاسة مصر، وجنى شفيق أول ثمارها الغير عسكرية، بعد أن حصل على تقارير عسكرية مرضية نتيجة رضاء قائد القوات عليه، وتم انتدابه كملحق عسكري لمصر في إيطاليا لمدة عامين من 84 إلى 86، قبل أن يعود ويعينه مبارك رئيساً لأركان القوات الجوية عام 91، ثم قائداً للقوات الجوية من 96 إلى 2002، محققاً الرقم القياسي في طول مدة القيادة في سابقة لم تحدث قبله ولا بعده.

*******
يرفض رئيس عمليات القوات الجوية في نهاية تسعينيات القرن الماضي التوقيع على قبول صفقة الطائرات الآباتشي، يغادر مكتبه غاضباً وهو يتمتم : ازاي من غير الخوذة، طيب ازاي
يلتقي باللواء طيار على المعاش "ش" في فيلته على طريق الاسكندرية الزراعي حسب الموعد المحدد، يشكو بكل حرقة استيراد الطائرات الآباتشي المضادة للدبابات دون خوذة الطيار، وهي آداة التصويب في الطائرة، ويقول لاستاذه زميل دفعة رئيس الجمهورية أن هذا يفقد الطائرة 75 % من قدراتها، وأنه يعتبر التوقيع على هذه الصفقة التي كانت شركة السيد جمال مبارك الوسيط التجاري في استيرادها خيانة.
يطلب اللواء ش ميعاداً من صديق دفعته رئيس الجمهورية، يستقبله على الفور لحساسية الموضوع، ثم يعود مطالباً الرجل بالعودة لبيته، لقد نجح في أن يحميه بصدور قرار خروجه على المعاش دون أذى على ألا يفتح فمه، يغادر رئيس العمليات الفيلا ويعود لمنزله مذهولاً، والفريق أحمد يوقع على الصفقة في سعادة مطالباً ابن الرئيس بتكرار مثلها مرات ومرات.

*******
تستمر هدايا الصداقة والولاء ويتم تعيين الفريق وزيراً للطيران المدني، والذي كان طنطاوي شخصياً يحقد عليه، لأنه كان يتعمد ابراز علاقته الخاصة بالرئيس وأبنائه في كل مكان جمعهمها سوياً، لدرجة أنه كان يصل إلى الاحتفالات والاجتماعات بعد المشير في كسر لبروتوكلات القوات المسلحة في أن يأتي الأقدم أخيراً، ونجح أيضاً في إقناع الرئيس بتخصيص شرطة عسكرية خاصة للقوات الجوية في انفصال تام عن الجيش، مما زاد من حنق حسين طنطاوي على طفل مبارك المدلل، والذي ارتاح كلاهما بعد قرار ترقيته للوزارة.

*******
ولان الفريق يتقن أصول اللعبة، بمجرد توليه الوزارة وبدء أعمال التطوير قام بترسيهةمناقصات العديد من الأعمال الإنشائية بالمطار الجديد والتجديدات بالمبنى رقم 2 بالامر المباشر  على مجدى راسخ حمى علاء مبارك و محمود الجمال حمى جمال مبارك ، وبعد هذا قام قام بتعيين وكيل شركة ايرباص بمصر المهندس حسين مسعود رئيسا للشركة القابضة لمصر للطيران لتسهيل السيطرة على عمولات شراء الطائرات من شركة ايرباص و حتى تظل المعلومات الخاصة بالعمولات داخل دائرة صغيرة .
قام أيضاً بتعيين اللواء عبد السلام حلمى مسئول الحفلات بالقوات الجوية رئيسا لمجلس إدارة مستشفى مصر للطيران بعد أن أشرف بنفسه على حفلات زفاف أبنائه، عين أصدقائه في المناصب وعلى رأسهم اللواء طيار مجدى الوزيرى رئيسا لقطاع الأمن بوزارة الطيران المدنى ورئيسا لقطاع الأمن بمصر للطيران فى نفس الوقت أي بيفتش على نفسه لأن الوزارة هى التى تراقب الشركات ، وهو اللواء الذي توفى بعد ذلك في باريس في رحلة ترفيهية واحتسبها سيدة الفريق له اصابة عمل أدت للوفاة.

*******
ابتسم الطيار شريف جلال رئيس مصر للطيران للخطوط الجوية وهو يوقع على الحركة الجوية، مشيراً لمساعده الجالس أمامه بغمزة عين قائلاً:
لازم "أ" تبقى على كل رحلات سيادة الفريق الوزير
ظهرت علامات الاستفهام على المساعد وقبل أن يسأل أشار له شريف ليصمت قائلاً
- افهم بقى مش كل حاجة بتتقال، هو بيحب تكون معاه في الرحلة وبعد الرحلة، واحنا مبنحبش نزعله

********
عاد أحمد من زيارته لقبر والده كما اعتاد كل عام، ابتسم عندما تذكر أنه عدد على القبر ممتلكاته للوالد مباهياً بها لأنه يدرك أن هذا سوف يريحه في قبره ، ثلاثة قصور بالتجمع الخامس، شقة باريس، وقصر مارينا، ثم  زادت الابتسامة اتساعاً لأنه صار الآن رئيس وزراء مصر، وهو ما لم يحلم به أبوه في اقصى أحلامه جموحاً.
تمر الأيام ويحلم الفريق الآن  بتولي رئاسة الجمهورية، ويستعد لترشيح نفسه في الانتخابات القادمة، مدركاً أن الكثيرين من الشعب يرونه نظيفا شريفا عفيفيا لعدم محاكمته نهائيا ولم يستقر في "طرة" بجانب صحبته، والسبب أن المجلس العسكري أصدر قراراً لتأمين نفسه يوم 11 فبراير مساء لا يسمح بمحاكمة أي رجل عسكري الا أمام القضاء العسكري، وهو ما جعل كل البلاغات التي قدمت في شفيق تتحول تلقائياً للنيابة العسكرية التي كفت على الخبر "ماجوراً" ولم يتم التحقيق في اي منها، خاصة بعد أن أذابت المصالح الموحدة حاجز الجليد بين المشير والفريق، وتعلم شفيق كالعادة كيف يستفيد.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 03, 2012 05:56
No comments have been added yet.