كان ابريق القهوة دافئا

لمن هذه الدمية by Taghreed Najjar تغريد النجار
بقلم تغريد النجار
كم سمعت في طفولتي عن البيت الذي تركته عائلتي في لفتا لتذهب إلى مكان أكثر أمنا آملين ككثيرين غيرهم أن يعودوا إليه بعد بضعة أيام أو أسابيع على الأكثر.
اذكر كم كانت جدتي تتغني بجمال المنزل بكل خصوصياته وتتحسر على أثاثه الذي اختارته بكل محبة وعلى البيانو الذي اشتراه والدي لأمي لتعزف عليه وهي عروس جديدة
كذلك أذكر ما كانت ترويه لنا حماتي عن بيتهم الذي تركوه في القدس فتخبرنا كيف أنها عندما كانت حاملا بزوجي أوصت على جهاز كامل لطفلها البكر من عند راهبات الفرنسيسكان وقد كان جهازا جميلا مشغولا بمحبة من الكروشيه والتطريز الخفيف وكانت تصف لنا كيف رتبته بخزانته الصغيرة ووضعت في أحد الأدراج ألبوم صورالعائلة وفيه خصلة من شعره الأشقر..

هذه القصص وغيرها الكثير جعلتني أتسائل كيف كان شعور المهاجرين الجدد اليهود الذين وزعت بيوتنا عليهم عندما دخلوا البيت ورأوا كل تفاصيله الصغيرة. يا ترى هل شعروا بتأنيب الضمير وهم يمسكون ملابس زوجي وهو طفل أو خصلة شعره أو صور العائلة؟ وماذا يا ترى كان شعورهم وهم يمررون أصابعهم على مفاتيح بيانو أمي؟
للأسف معظمهم شعر أن هذا من حقهم ولم يهتموا أبدا بهذه التفاصيل ولكن هناك من شذ عن القاعدة وسمح لنفسه بمشاعر انسانية فوالدة ميكو بيليد زوجة جنرال في جيش الاحتلال عام 1948 شعرت بفداحة الأمر ورفضت أن تسكن أحد هذه البيوت التي عرضت عليها قائلة أنها عندما دخلت البيت وأمسكت بابريق القهوة الموجود على طاولة في المطبخ وجدت أن الابريق ما زال دافئا مما يعني أن أصحاب البيت بالكاد تركوه. رفضت أن تسكن في البيت وقالت لابنها: "كيف يمكن أن أسكن في بيت أم أخرى وأنا أعرف أن هذه العائلة تشردت وأصبحت دون مأوى."
وقد يكون هذا التعاطف من قبلها ما جعل ابنها لاحقا أن يصبح ناشطا في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية ورفض القصة الصهيونية التي تربى عليها.
وقبل عدة أشهر قرأت خبرا مثابه أن سيدة يهودية تعمل فنانة وتدعى “ليؤور” شارفت على السبعين من عمرها احتفظت لسنين طويلة بممتلكات وهي عبارة عن سجادة وثوب لرجل وأدوات منزلية لاصحاب البيت العربي الذي سكنته عائلتها بعد النكبة وقررت أن تعيد هذه الممتلكات لأصحابها بعد مضي 70 سنة وبالطبع كان من الصعب أن تعثر على أصحاب البيت الأصليين فقامت بإعادة الأشياء لبلدبة الطيبة ليتم وضعهم في متحف الطيبة.

هذا التساؤل الذي طالما راودني كان البذرة التي بنيت حولها روايتي الجديدة " لمن هذه الدمية؟" وأصبح أحد خيوط حبكتها.
وفي هذه الرواية ألقي الضوء على حياة عائلة فلسطينية في الشتات في شيكاغو تحديدا وأتطرق من خلال أحداث القصة إلى رحلة العائلة من يافا مرورا ببيروت وصولا إلى شيكاغو تروي لنا القصة الجدة الأستاذة الجامعية ليلى وحفيدتها أروى التي تبحث عن جذورها وهويتها.
ولكن ما علاقة الدمية في كل هذا؟ عليكم أن تقرأوا الرواية لتعرفوا.
2 likes ·   •  2 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 21, 2019 11:34
Comments Showing 1-2 of 2 (2 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by Maria (new)

Maria Dadouch بوست جميل ودافئ تغريد. تثير فضولي جدا ظروف ولادة الروايات. ذلك البصيص الخافت الأول لشعلة نبتت على استحياء، في مكان ليس له عنوان في كيان الكاتب ، ثم تسقيها ذكرياته ومشاهداته حتى فتصبح فكرة لرواية جديدة. شكرا على مشاركتك هذه الخاطرة معنا.


message 2: by Taghreed (new)

Taghreed Najjar Maria wrote: "بوست جميل ودافئ تغريد. تثير فضولي جدا ظروف ولادة الروايات. ذلك البصيص الخافت الأول لشعلة نبتت على استحياء، في مكان ليس له عنوان في كيان الكاتب ، ثم تسقيها ذكرياته ومشاهداته حتى فتصبح فكرة لرواية جد..."

الأفكار عزيزتي ماريا تنبت من براعم ذكريات مزروعة في أعماق نفوسنا تنتظر اللحظة المناسبة
لتتفتح كقصة أو رواية.
أسعدني مرورك


back to top