Taghreed Najjar's Blog

December 9, 2024

طربوش جدي: رحلة في التراث بين الماضي والحاضر"

طربوش جدي: رحلة في التراث بين الماضي والحاضر"
بقلم الدكتورة ريما الكردي
كاتبة وناقدة ومؤسسة منصة جنى للقراءة
يأخذنا الأدب في كثير من الأحيان إلى عوالم مليئة بالرموز والدلالات التي تربطنا بجذورنا، وتعمق فهمنا للحاضر من خلال استدعاء الماضي. واحدة من القصص التي تتألق في هذا السياق هي قصة “طربوش جدي" للكاتبة الأردنية تغريد عارف النجار، رسوم الفنانة اللبنانية مايا فداوي نشر دار السلوى 2024 والتي تقدم لنا رؤية أدبية غنية تأخذ بيد الصغار والكبار في رحلة تراثية ملهمة.
الطربوش: رمز الهوية والتراث
في قلب القصة يقف الطربوش، هذا الغطاء الأحمر الذي كان يومًا ما جزءًا لا يتجزأ من حياة العرب في بلاد الشام ومصر، يمثل رمزًا حضاريًا عريقًا. كان الطربوش علامة على التحضر والتمدن، ارتداه الملوك والزعماء، وأصبح جزءًا من الهوية الثقافية في تلك الحقبة الزمنية. لكن مع مرور الزمن، اختفى الطربوش من الشوارع، ليبقى فقط في ذاكرتنا الجماعية كرمز من رموز الماضي.
قصة "طربوش جدي" تُعيد إحياء هذا الرمز بأسلوب يتسم بالذكاء والسلاسة. تروي القصة حكاية الطفل سند، الذي يجد طربوش جده الراحل، المحامي الشجاع الذي كان يدافع عن حقوق الضعفاء. يدرك سند القيمة الرمزية للطربوش، فيقرر أن يرتدي طربوش جده ويحكي لزملائه عنه. وهنا تبدأ مغامرة شيقة للطربوش، حيث يمر بمواقف وأحداث مثيرة تعكس التنوع الثقافي والاجتماعي في المجتمع..
البناء السردي ورحلة الطربوش
اعتمدت الكاتبة تغريد عارف النجار في سردها على أسلوب السرد الخطي البسيط، الذي يأخذ القارئ من البداية إلى النهاية دون تعقيد، مما يجعله مناسبًا للأطفال والكبار على حد سواء. في هذا السرد، تبدأ القصة بسند وهو يحمل الطربوش إلى المدرسة، لكنه يواجه زملاء متنمرين في الطريق يخطفون الطربوش منه ويرمونه عاليا، فيعلق الطربوش في شجرة، ثم تراه عصفورة فتبني عشها فيه، ثم تأخذه الرياح ليقع قرب عربة العم يونس، الذي يستخدمه كوعاء لحفظ الفريرات. وهكذا يتنقل الطربوش من مكان لآخر، ومن يد لشخصية إلى أخرى، في سلسلة من الأحداث المشوقة التي تشد انتباه القارئ..
أحد أبرز ملامح هذه القصة هو استخدام الكاتبة للنهاية الدائرية، وهي تقنية أدبية تنتهي فيها القصة بموقف يشبه بداية القصة. في "طربوش جدي"، يعود الطربوش في النهاية إلى سند، الذي ينجح في تقديمه لزملائه في الصف كما كان يخطط منذ البداية. هذه النهاية تعكس الرحلة الداخلية التي عاشها سند، وتؤكد على فكرة أن الماضي والحاضر مترابطان، وأن التراث هو جزء لا يتجزأ من هويتنا.
رسائل غير مباشرة ودروس من الماضي
ما يميز "طربوش جدي" ليس فقط سردها الممتع والمشوق، بل الرسائل غير المباشرة التي تقدمها الكاتبة من خلال رمزية الطربوش. فالطربوش هنا لا يمثل مجرد قطعة من القماش، بل هو رمز للهوية الثقافية والتاريخية. من خلال هذا الرمز، تعبر النجار عن أهمية الحفاظ على التراث والاعتزاز به، وتبرز كيف يمكن للأشياء البسيطة أن تحمل معانٍ عميقة تُربط الأجيال ببعضها البعض.
توظف النجار في قصتها تقنية ضمير الغائب، مما يعزز من التركيز على رحلة الطربوش نفسه وليس على الشخصيات. هذا الأسلوب يجعل القارئ يركز على الطربوش ورحلته عبر الزمن والمواقف المختلفة، ويبرز كيف أن الرموز الثقافية قد تضيع أو تتغير، لكنها تظل جزءًا من نسيج الهوية الجماعية.
الطربوش: من رمز حضاري إلى أداة تربوية
لا يمكن إغفال أهمية الطربوش كمادة تربوية في القصة. من خلال مغامرة الطربوش، تتعلم الشخصيات -والقارئ معها- دروسًا حول القيم الإنسانية مثل الوفاء، والصداقة، وأهمية الحفاظ على التراث. الطربوش، الذي كان يومًا ما رمزًا للسلطة والتحضر، يتحول في يد النجار إلى أداة تربوية تُعلم الأطفال أن الماضي لا يجب أن يُنسى، وأن التراث هو جسر يربطنا بجذورنا.التراث في أدب الأطفال: رؤية تغريد النجار
تغريد عارف النجار ليست غريبة على توظيف التراث في أدب الأطفال. فهي دائماً ما تسعى إلى دمج الرموز التراثية في قصصها لتقديم رسائل قوية وهادفة. في قصة "ما المانع؟"، على سبيل المثال، تستعيد النجار دور المسحراتي من خلال ابنة تحمل طبلة أبيها وتكمل مسيرته في إيقاظ الناس للسحور. وفي "الغول"، تقدم النجار حكاية خيالية من التراث الشعبي، حيث تعيد تصور شخصية الغول كمخلوق أليف قادر على التفاعل الإنساني.
هذه القصص وغيرها تعكس رؤية النجار التي تسعى من خلالها إلى بناء جسر بين الماضي والحاضر، بين التراث والحداثة، وبين الأجيال. وهي رؤية تعتمد على تقديم التراث بشكل ينسجم مع القيم المعاصرة، دون إغفال الجذور الثقافية التي تشكل هوية المجتمع.
ختاماً:
"طربوش جدي" ليست مجرد قصة للأطفال، بل هي عمل أدبي يعيد صياغة العلاقة بين الأجيال والتراث. من خلال مغامرة الطربوش، تقدم تغريد عارف النجار رسالة ملهمة حول أهمية التمسك بالهوية الثقافية والحفاظ على الرموز التراثية. إنها دعوة للتأمل في الماضي، واستخلاص الدروس منه لبناء مستقبل أكثر تماسكاً وارتباطاً بجذورنا. الطربوش، في هذه القصة، يصبح رمزاً للأمل بأن ما قد نفقده من تراث يمكن أن يعود إلينا يوماً ما، حاملاً معه عبق الماضي وقوة الحاضر.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 09, 2024 04:42

December 21, 2019

كان ابريق القهوة دافئا

لمن هذه الدمية by Taghreed Najjar تغريد النجار
بقلم تغريد النجار
كم سمعت في طفولتي عن البيت الذي تركته عائلتي في لفتا لتذهب إلى مكان أكثر أمنا آملين ككثيرين غيرهم أن يعودوا إليه بعد بضعة أيام أو أسابيع على الأكثر.
اذكر كم كانت جدتي تتغني بجمال المنزل بكل خصوصياته وتتحسر على أثاثه الذي اختارته بكل محبة وعلى البيانو الذي اشتراه والدي لأمي لتعزف عليه وهي عروس جديدة
كذلك أذكر ما كانت ترويه لنا حماتي عن بيتهم الذي تركوه في القدس فتخبرنا كيف أنها عندما كانت حاملا بزوجي أوصت على جهاز كامل لطفلها البكر من عند راهبات الفرنسيسكان وقد كان جهازا جميلا مشغولا بمحبة من الكروشيه والتطريز الخفيف وكانت تصف لنا كيف رتبته بخزانته الصغيرة ووضعت في أحد الأدراج ألبوم صورالعائلة وفيه خصلة من شعره الأشقر..

هذه القصص وغيرها الكثير جعلتني أتسائل كيف كان شعور المهاجرين الجدد اليهود الذين وزعت بيوتنا عليهم عندما دخلوا البيت ورأوا كل تفاصيله الصغيرة. يا ترى هل شعروا بتأنيب الضمير وهم يمسكون ملابس زوجي وهو طفل أو خصلة شعره أو صور العائلة؟ وماذا يا ترى كان شعورهم وهم يمررون أصابعهم على مفاتيح بيانو أمي؟
للأسف معظمهم شعر أن هذا من حقهم ولم يهتموا أبدا بهذه التفاصيل ولكن هناك من شذ عن القاعدة وسمح لنفسه بمشاعر انسانية فوالدة ميكو بيليد زوجة جنرال في جيش الاحتلال عام 1948 شعرت بفداحة الأمر ورفضت أن تسكن أحد هذه البيوت التي عرضت عليها قائلة أنها عندما دخلت البيت وأمسكت بابريق القهوة الموجود على طاولة في المطبخ وجدت أن الابريق ما زال دافئا مما يعني أن أصحاب البيت بالكاد تركوه. رفضت أن تسكن في البيت وقالت لابنها: "كيف يمكن أن أسكن في بيت أم أخرى وأنا أعرف أن هذه العائلة تشردت وأصبحت دون مأوى."
وقد يكون هذا التعاطف من قبلها ما جعل ابنها لاحقا أن يصبح ناشطا في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية ورفض القصة الصهيونية التي تربى عليها.
وقبل عدة أشهر قرأت خبرا مثابه أن سيدة يهودية تعمل فنانة وتدعى “ليؤور” شارفت على السبعين من عمرها احتفظت لسنين طويلة بممتلكات وهي عبارة عن سجادة وثوب لرجل وأدوات منزلية لاصحاب البيت العربي الذي سكنته عائلتها بعد النكبة وقررت أن تعيد هذه الممتلكات لأصحابها بعد مضي 70 سنة وبالطبع كان من الصعب أن تعثر على أصحاب البيت الأصليين فقامت بإعادة الأشياء لبلدبة الطيبة ليتم وضعهم في متحف الطيبة.

هذا التساؤل الذي طالما راودني كان البذرة التي بنيت حولها روايتي الجديدة " لمن هذه الدمية؟" وأصبح أحد خيوط حبكتها.
وفي هذه الرواية ألقي الضوء على حياة عائلة فلسطينية في الشتات في شيكاغو تحديدا وأتطرق من خلال أحداث القصة إلى رحلة العائلة من يافا مرورا ببيروت وصولا إلى شيكاغو تروي لنا القصة الجدة الأستاذة الجامعية ليلى وحفيدتها أروى التي تبحث عن جذورها وهويتها.
ولكن ما علاقة الدمية في كل هذا؟ عليكم أن تقرأوا الرواية لتعرفوا.
2 likes ·   •  2 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 21, 2019 11:34