عبـــــــدالله خلــــــــيفة ‏‏‏‏‏‏: المصادر الثلاثة للأمة

إن نمو الدول العربية والإسلامية يؤدي إلى بروزِ خصائصِها التراثيةِ والهيكليةِ الاقتصاديةِ القديمة ولتلاقحِ هذه الخصائص مع المؤثراتِ الخارجيةِ العالمية، التي تعكسُ هي الأخرى تحولاتٍ إنسانية عميقة كونية.



وفي تاريخِها الحديث تصارعتْ المصادرُ الثلاثةُ لتكوينِ حركاتِها الاجتماعية وهي: الليبرالية والماركسية والإسلام، وهي المصادرُ التي ظلتْ متصارعةً ينفي بعضها بعضا، رغم كونها هي مكوناتُ التحولِ النهضوي لتبلورِها وتقدمها كشعوب.



علينا أن نفتحَ قوساً حول مسمى الدين وليس جوهره، فالشعوبُ العربيةُ الإسلامية تضمُ أدياناً أخرى، هي كذلك تدخلُ في مكونات المحتوى الديني بتاريخهِ الضاربِ في التاريخ خاصة الدينين المسيحي واليهودي.



رغم النفي في المراحل التكوينية الحديثة الأولى، وبفضله في مراحل أخرى، فقد كان للمصدرين الفكريين المستوردين الليبرالية والماركسية، دور في إضفاءِ ملامح جديدة على هذه الشعوب وتوجيهها لمساراتِ تقدمٍ كبيرة.



لكن كيف يمكنُ لجسمين فكريين مستوردين أن يلعبا هذين الدورين الخلاقين؟ وما هي الأسباب لهذا النمو ثم للانتكاسة التالية المروعة؟ هل هناك عواملٌ سحريةٌ جعلتْ منهما قوتي تغييرٍ ثم أرجعتهما إلى الخلفية السياسية؟



كيف تنموان في عصرِ التبعيةِ الاستعمارية ثم تخفتان في زمن “الحريات” القومية والوطنية؟ في حين يعكسُ الإسلامُ مسيرةً مختلفة، فهو على العكس منهما محجم في زمنِ تلك التبعية متنام في زمنية الاستقلال؟



كان زمنُ الاستعمار يفتقدُ الآلةَ الاقتصادية الاجتماعية الحكومية الشاملة المهيمنة على المجتمعاتِ العربية والإسلامية، فكانت المجتمعاتُ تبدأ بالنهوض من الصفر عبر تعددٍ للملكيات، وكان الغربُ المسيطر المباشر تفيدهُ عملياتُ نموِها الاقتصادية وتوسيعُ الإنتاجاتِ خاصةً للمواد الزراعية والخامات التي يشتريها بأثمان بخسة، وكانت هذه النهضاتُ التي تجري في العديد من هذه الأقطار بأشكالٍ متفاوتةٍ وبحسب مناطقها ودرجاتِ تطورها، تؤدي إلى ازدهارِ القوى الاجتماعية المختلفة، قياساً للعصر العثماني بطبيعةِ الحال، فكان توسعُ قوى التجار والعمال والمزارعين، وكانت الفيوضُ الاقتصاديةُ تنمي المدن، وتنشئ قوى تحديثيةً تستلهمُ النموذجَ الغربي سلباً أو إيجابا، محاكاة أو نقضا تجاوزيا.



كذلك تنامت الصلاتُ الثقافية بين الدولِ العربية والإسلامية والعالم الحديث، وتجددتْ الأشكالُ الفكريةُ والتعبيرية، وراحت هذه الأشكالُ تستعيدُ علاقاتِها بالواقع وتطرحُ عملياتِ تجديدهِ وتحرره.



كانت الصلاتُ مع الغرب المسيطر مفيدةً من جوانب عديدة، وأشاعتْ بعضَ أجواءِ الغرب نفسه، ونقلتْ بعضاً من ليبراليتهِ وحرياته.



وفي هذه الأجواءِ المشتركة، والتداخلاتِ التعاونية الصراعية، تمكنت الفكرتان الكبريان للعصر الغربي الحديث وهما الماركسية والليبرالية من التوغل في هذه الأقطار والحصول على عقول الكثيرين من المثقفين وبعض العمال مستندتين إلى ركائز اجتماعية ضعيفة لهما، في حين كان الإسلامُ يهجعُ تحت سيطراتِ الأجهزة التقليدية والدول التابعة المُهمشة.



إن النقلَ من الغرب استدعي من قِبلِ القوى الاجتماعية العربية الإسلامية التحديثية المتضادة، تجارا وعمالا، لهم مصالحٌ مختلفةٌ وأوضاعٌ متباينة، وفي أجواءٍ من تفاقمِ الصراعاتِ في الغرب نفسه، بين رأسماليين وعمال، وعبر انفصامِ جزءٍ من الغرب في تجربة تحولية مضادة لبنيتهِ وقيمهِ الفكرية والسياسية، تحت اسم “الاشتراكية” أو الفاشية. وهي الصراعاتُ التي تغلغلتْ في الأقطار العربية كذلك بحكمِ أن البنيةَ الغربيةَ الثقافيةَ الهشةَ التي دخلتْ وكونتْ شعاراتِها وطيوفَها في الأجسامِ العربية، تحركتْ وتمازجتْ مع قوى المثقفين والتجار والعمال العرب، ومع أوضاعِهم ومشكلاتِهم ومستوياتِ تلقيهم لها ولطبيعةِ ممارساتهم داخل المجتمعات العربية.



وهكذا فقد جرى في زمنِ التخاصبِ مع الغربِ الديمقراطي – الاستعماري، تكوين النزعتين الكبريين على درجاتٍ مختلفةٍ بين الأقطار العربية، وكانت الماركسيةُ والليبراليةُ تخضعان بدءًا من الآن لقوانين البُنى الاجتماعية العربية الشرقية، أكثر من الأصول التي أنجبتهما، وبالتالي فقد كانت تلك البُنى التقليدية تستعيدُ تكويناتها الاقتصادية – السياسية الماضوية، وتخضع تلك الشريحة الثقافية السياسية المستوردة لقوانين هذه البنى الاجتماعية المتجهة للاستقلال عن المركز الغربي.



إن النزعتين الليبرالية والماركسية العربيتين، حيث قدمتا من تلك المصادر لم تقطعا الوشائج كثيراً بتلك المصادر لأسبابٍ كثيرة، كما أنهما تصارعتا مضعفةً كلُ واحدةٍ منهما الأخرى، وهذا اعتمد على طبيعة النقل وجذوره المحلية وأدواته المعرفية الضعيفة.



إن الشحوب المتواصل لليبراليات العربية في ذلك التاريخ المتنامي استقلالاً وحركاتٍ شموليةً، سيصلُ إلى ذروتهِ فيما بعد حين تصلُ الليبراليةُ العربيةُ إلى ما يشبه الموت، وهذا سيجري في سياقاتِ هذه الأقطار كلاً على حدة، وعبر التداخل المفيد أو المضر.



إن الاستعمارَ والقوى الاستقلالية العربية الحكومية ونشوء “الاشتراكية” العالمية كنظام، كلها لعبتْ أدوارَها المختلفةَ المشتركةَ في إجهاضِ الليبرالية، وتصعيد القوى الفكرية والسياسية الشمولية من ماركسية ومذاهب دينية في ذلك الوقت بشكل متفاوت.



وفيما كانت الليبراليةُ والماركسيةُ تنموان في البداية على وعي ديمقراطي، أخذتْ الماركسيةُ تحتلُ المشهدَ التحديثي العربي وتزيحُ الليبراليةَ، وراحتْ القوى السياسيةُ والاجتماعيةُ في أغلبِ الشرق تنشىءُ دولَها الرأسماليةَ الحكومية، أي نماذج متعددة من رأسمالية الدولة، وهنا يحدثُ اللقاءُ بين المعسكرِ الاشتراكي والدول العربية المستقلة عبر تصعيدِ نموذجِ رأسماليةِ الدولة وتصعيد نموذج الدولة الشمولية.



إن احتلالَ الماركسية للمشهدِ السياسي المعبرِ عن الطبقاتِ العاملة العربية الإسلامية، كان يأتي من خلالِ الانزياحِ عن الثقافةِ الليبراليةِ سواءً كانت في مصادرِها الأصليةِ في دولِ الغرب أم كانت من خلالِ تأثيراتِها التي تكونتْ في الدول العربية، وبسببِ عجزِ الليبرالية عن تصعيد التنمية بسرعةٍ كبيرة ومواجهة التدخلات الأجنبية.



ولا نقصد هنا التأثيرات العابرة واللقاءات السياسية التكتيكية، كما سنرى لاحقاً من سيرةِ القائدِ الماركسي العربي خالد بكداش، بل نقصدُ عمليةَ التلاقحِ العميقةِ المفقودةِ بين الماركسية والليبرالية العربيتين، التي تتولدُ على إثرِها موجاتٌ من المعارفِ والنضالاتِ المشتركة.



فقد كان نموذجُ رأسمالية الدولة يصعدُ بقوةٍ عالميا تحت مُسمى الاشتراكية، وكان غيابُ الليبراليةِ الديمقراطية داخلهِ وغيابُ الحريات، يجعلانه رافضاً لأجسامِها السياسيةِ الغربية وتطبيقاتها وأطيافِها في بقية العالم. كان هذا تعبيراً عن عملقة البيروقراطية والتسريع الاقتصادي والنظرة الفكرية والواحدية المبنية على تلك الضخامة غير العقلانية لرأسمالية الدولة، ومن هنا حدوث التلاقي بين الشموليتين الروسية والعربية التقدميتين.



هذا الانفكاكُ العالمي بين الماركسيةِ والليبرالية لا يمنع من اللقاءات التكتيكية في ذلك الحين، فقد ظهرتْ نسخةٌ متوحشةٌ من الرأسمالية هي الفاشية، مهددة كلاً من الفكرتين الكبريين العالميتين، لكن على الرغم من التعاون الخلاق بينهما وتحطيم الوحش الضاري، فإن التعاون الحقيقي لم يحدث، وكان هذا التعاون ينتظر زمنية نشوء القطاع الخاص في رأسمالية الدول الشرقية لاحقاً، حين يتبين سراب الاشتراكية داخل رأسمالية الدولة الشمولية.



أعطي عصرُ النهضة العربية إمكانيتين كبيرتين لنمو الليبرالية والماركسية، بسبب غيابِ رأسمالية الدولة في الدول العربية، ودخلتْ النزعتان في تعاونٍ عبر فترةٍ وجيزة ثم في الصراع المفتوح.



وبهذا فقد حدثتْ تأثيراتٌ كبيرةٌ للماركسية بتلك المواصفات داخل الدول العربية والإسلامية، عبر تمدد الأحزاب الشيوعية والاشتراكية وامتلاء الساحة السياسية بهما بعد الحرب العالمية الثانية خاصة، وحدث ذلك التداخلُ بين نمو رأسماليات الدول العربية وتلك الفكرة، وإذا كانت الأحزابُ الشيوعيةُ العربيةُ قد أخذتْ كليةً هذه الفكرةَ بحذافيرِها الشرقية، من دون أن تقدر على تنفيذها في أي قطر عربي مهم وكبير، فإن الاتجاهات القومية العربية الإسلامية قامت باستيحاء جوانب منها، وطبقتها في بلدانٍ عربيةٍ كبيرة ومهمة.



وهنا تم تذويب الليبرالية العربية فنجد ان أحزابها كالوفد المصري والاستقلال والأهالي وهيئة الاتحاد الوطني، تزول أو أن تبقى مُهمشة، حسب طبيعة كل دولة وتجربتها، فالوفد يتلاشى والاستقلال في المملكة المغربية يبقى بضعفٍ حتى يستعيدَ مكانتَهُ حين تطورت الحريات والقطاع الخاص.



وعموماً كان صعودُ رأسماليات الدول مغذياً لصعود الماركسية في بعض الأقطار، ومهمشاً لليبراليةِ في هذه الدول، وجاء بعد ذلك صعودُ رأسمالياتِ الدولة في أقطار الخليج مكرسةً المذهبيةَ السياسية وتداخلتْ التطوراتُ والاتجاهاتُ في صراعاتٍ وتحالفات معقدة.



وفي هذه الفترة كانت التجاربُ العالميةُ لرأسماليةِ الدولةِ في المعسكر الاشتراكي تتعرضُ للتآكلِ وبدأت ترى أن هذا القطاعَ الكلي المهيمنَ يتوجه لأزمةٍ عميقة، وتم طرح حلول لها بجمودٍ وبأشكالٍ مجزأة، وعبر مقاربةِ القطاعِ العام للسوق، وقد تم ذلك لكن لم تُفلحْ هذه المقاربة مع السوق في حلِ التخلفِ التقني وتدهور قوى الإنتاج عموماً، كذلك كان المركزُ الرئيسي لرأسمالية الدولة عالمياً وهو الاتحاد السوفيتي، ينفقُ على الخارج الكثيرَ من فوائض إنتاجه، في دعم تجارب أخرى تقومُ على أسسهِ السياسية والفكرية.



ولكن بعض الدول التي تقومُ على هذه الأسس والموجودة في أوروبا وبمقاربةٍ كبيرةٍ للعالم الغربي الرأسمالي الديمقراطي، راحتْ تخرجُ من هذا السياق الشرقي الشمولي نظراً لمستوى تطور القوى الاجتماعية والبشرية فيها. ثم انتقلت الأزمة للمركز وكان الانفجار!



إن قوى الماركسية الشمولية المؤثثة بذلك الإنتاجِ الفكري الروسي والتي تشكلتْ في الدول العربية والإسلامية جاءتها ضرباتٌ عنيفة مختلفة من الأنظمةِ العسكرية ومن الدول التقليدية، والتي امتلأت خزائنها بالفوائض النفطية، فوجود قوتين سياسيتين شعبيتين شموليتين لا يمكن أن يستمر في أي نظام، ولا بد أن تكسر إحداهما الأخرى، فإذا كانت كلتاهما تحديثيتين خسرت الحداثة كما في مصر والعراق والجزائر والسودان وغيرها، وإذا كانتا تقليديتين توسعَ التخلفُ كما في اليمن. ولكن يمكن لقوى ليبرالية وماركسية وإسلامية، ديمقراطية كلها، سواءً كانت في الحكم أوالمعارضة أن تتعايش وتخلق تقدماً كبيراً.



أجهضتْ أغلبيةُ الأنظمةِ العربيةِ الليبراليةَ والماركسيةَ معاً، وكان حسابُ الخسائرِ يتمثلُ في غيابِ الليبرالية الوطنية، فحين رجعتْ بعد الدهس الطويل وبدء نهوضِ القطاعاتِ الخاصة والخفوتِ المحدود لنموذج رأسمالية الدولة، كانت الليبرالية هذه هزيلةً وذات قشور، قد دخلها الفساد، وعاشتْ على الأرزاقِ الحكومية، وأصيبتْ برعبٍ شديد فهي تخافُ الاستثمارات الصناعية الكبيرة والجرأة السياسية، وتلتصقُ بأي نشاطٍ اقتصادي سريع الأرباح، وتحولها إلى الخارج، وتلوثت بالوعي الديني التقليدي بدلاً من أن تعيد إنتاجه.



وكذلك تم فقدان الماركسية الوطنية، فبين السجون والقمع أو بين الاستيراد الفكري، ذَبُـلت الهياكلُ الفكريةُ الغائصةُ وسطَ قضايا الشعب، وعاشتْ على النصوصيةِ المجلوبة ولم تخلقْ ماركسيةً منتجةً تحليليةً تمدُ خيوطَها مع القوى العادية في المجتمع وتحاورُ الإسلامَ خاصة وتعيدُ إنتاجَهُ، كما تحاورُ الليبراليةَ وتعيدُ إنتاجَها في زمنٍ مختلفٍ وفي بناها المستقلة – المشتركة معها في المعركة الموحدة للنهضة.



إن الأداتين المنهجيتين الكبريين في الوعي العربي: الليبرالية والماركسية، تم شللهما لزمنٍ معين، عبر ذلك التنامي الواسع للشموليات المختلفة، وعبر هذه السوقية الاقتصادية غير الإنتاجية، وكان البديلُ الجاهز عبر العصور هو المذهبيات المحافظة، المذهبيات النصوصية الجافة التي هجنتَها القوى الإستغلاليةُ بعد إنتهاءِ عصرِ الخلفاء الراشدين.



ونجد في زمن ازدهار النزعتين السابقتين كيف أن المذهبيات المحافظة، كانت في عزلة، بسببِ ضخامةِ التخلف الذي أُحيطت به خاصة في عصر الدولة العثمانية، فظهرت قواها مفككةً شاحبة حسب تطور الاقطار ومستوياتها، وتجلى ذلك بتباين المواقف المذهبية، من محافظة صارمة إلى تجديدية خافتة، وصعدت أنظمةُ الدولِ المستقلةِ التي لم تتخل كلها عن هذه المذهبية المحافظة كأداةٍ أساسية في السيطرة على الشعوب، موجهةً إياها لإزالة النزعتين السياسيتين الكبريين الماركسية والليبرالية، بتدرج محسوب نظراً لخطورة الأولى وضعف الثانية، وأدى هذا إلى ظهور الأحزاب السياسية المذهبية لأول مرة في التاريخ العربي الإسلامي، حيث كانت (الفرق) هي الشكل البارز في التاريخ السابق.



كان ظهورُ الحزب الديني الإسلامي عامة مضاداً للتراكم الحضاري العربي الإسلامي السابق، عبر إنجازاته الماركسية والليبرالية، فهو رجوعٌ للوراء، وتفكيكٌ للشعوب والأمم الإسلامية التي توحدتْ عبر النضال السابق، وهدر للتراكمية الديمقراطية الضئيلة المتحققة، فيضع نفسه في خدمة القوى المحافظة والاستعمارية التي تريد ضرب التجارب العربية الإسلامية التحررية المتصاعدة، فدخلت المنطقة في مرحلة التفكيك والانهيارات الداخلية ومحاربة الميراث العقلاني المحدود السابق.



لقد توحدتْ المذهبياتُ السياسية مع أنظمةِ رأسماليةِ الدولة في كل بلد، أو غدتْ هي المعارضةُ المُفككة لوطنيةِ كل دولة، وأقامت حواجزَ مع المصدرين السابقين، ولم تستثمر المصدرين لتنامي التقدم في الأمة.



بطبيعة الحال لم تعِ المنظومتان الماركسية والليبرالية أهمية تصاعد العنصر الديني الإسلامي في هذه اللوحة المركبة، وأُخذ كمؤامرة بشكل مطلق.



في المرحلة الراهنة أخذتْ تتكشفُ الضرورةُ الموضوعيةُ لتلاقي هذه المصادرِ الثلاثة لتكوينِ العرب السياسي في العصر الحديث، وهي المعبرة عن أغلبية الطبقات العربية، وهي إذا كانت نتاجُ ثوراتٍ ثلاثٍ عبر التاريخ: الإسلام ،والليبرالية، والماركسية، فقد صادرتْ هذه العملياتِ الديمقراطيةَ فيها الهيمنةُ الإقطاعيةُ في ظرفٍ، والاستعمارُ المباشرُ في ظرفٍ آخر، ورأسماليةُ الدولِ في ظرفٍ ثالث.



وهذه أمورٌ تشيرُ إلى التعقدِ التاريخي لتكوينِ الأمةِ العربية، ولإسراعِها في العصر القديم للقفزة فوق الظروف الشديدة التخلف، ولإسراعِها في العصر الحديث للاستعانة بمصادر سريعةٍ جاهزة للتقدم والتوحد، من دون أن تمتلكَ قواعدَ قويةً لذلك، وهي اليوم قادرة على أن تجمع ما هو مُفكك، وأن تغتني بالصراعات الديمقراطية، حيث الوحدة أقوى من الاختلاف، لأحداث تراكمات نهضوية جديدة، في أبنيتها الفكرية الداخلية وفي علاقاتها المشتركة.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 08, 2019 14:35
No comments have been added yet.