عبـــــــدالله خلــــــــيفة : روحُ الأمة!
حين يُقال بأن الإسلامَ يعبرُ عن روح الأمة والحداثة لا تعبر عنها نعودُ إلى لغة قديمة للعرب القدامى وللقرن التاسع عشر خاصة لدى الفلسفة الألمانية القومية العنصرية.
ما هي روح الأمة هذه؟ هي تعبيرٌ مجردٌ لا يحدد سمات معينة.
هل فترةُ الخلفاء الراشدين تعبرُ عن روح الأمة وعصر الإمبراطورية العثمانية يعبرُ عن روح الأمة معاً؟
لماذا وجد العربُ والمسلمون في عهد الخلفاء الراشدين الوامض برنامجاً حضارياً قابلاً للاستعادة والتطوير حسب العصور بينما لم يجدوا ذلك في عهد الأتراك العثمانيين المحنط الطويل؟
إنها مسائل سياسية وإجتماعية محددة تتعلق بقيام دولة شعبية وتوزيع الخيرات.
إنها مسائلٌ تتعلقُ بديمقراطيةٍ غائرة لم تحصل على تجديدات وإستمرارية لها في الكثير من حقب التاريخ الإسلامية التي جاءتْ بعد ذلك!
نستطيع أن نقول بأن ضخامة الفتوحات في عهد دولة بني أمية لا تقارب هذه(الروح) لكن شخصيات سياسية وفكرية كبيرة مثل عمر بن عبدالعزيز أو جعفر بن محمد(الصادق) أو الخليفة يزيد الناقص، كانت أقرب تمثيلاً لتلك الروح.
ضخامة الفتوحات وما حدث فيها من إسالة دماء والكثير من جلب العبيد والجواري لا تبقى في التاريخ المضيء للمسلمين فيما يمثلها نضالٌ قامَ به معتزلةٌ مثقفون وعامة يبحثون عن بيت المال العام الضائع.
ولهذا فإن كلمات مجردة مثل روح، لا تعبر عن المضمون النضالي الطويل للعرب، لأنها تبقى غامضة، متعددة التفاسير لدرجة أنها تحوي السلبي والإيجابي معاً، العنيف المدمر والسلمي البناء، فيما أنها تقصد كل ما هو مضيء ونضالي وديمقراطي ونهضوي وإنساني من تلك الأعمال المتراكمة الكثيرة الطويلة عبر التاريخ والتي تبدو كخيط دقيق وسط تكوينات هائلة!
وتتباين الرؤى حول روح الأمة كلما ازداد التطور الاجتماعي الفكري تعقيداً وتباينت طرق التطور بين القوى الاجتماعية والفكرية المختلفة.
الشعر الغزلي والشعر الصوفي والمجون والدروشة وتيارات الفلسفة ومدارس الفقه تعبر عن دورب مختلفة للجماعات، فمن يمثل تلك الروح الغامضة الموحدة؟
كانت كلمات مثل(روح) وغريزة، و(طبيعة) الأمة، قد إنتشرت في الفلسفات المثالية الغربية معبرة عن تعدد الطرق لنمو الأمم الغربية. الأممُ التي تطورت في الصناعة والحداثة وأستعمرتْ وأزدهرت تلاشت لديها مثل تلك الكلمات، وظهرت طبقات ذات مطالب وبرامج مختلفة.
الأمم التي لم تتطور كثيراً في التحولات الصناعية والديمقراطية كالألمان والإيطاليين إنتشرت فيها تلك الكلمات الروحية ذات الرؤى التجريدية، ثم تحولت لفلسفات قومية تعصبية حربية ومشت فوق مستنقعات الجثث والأرواح الواسعة.
مثقفون عرب معاصرون أخذوا تلك الكلمات ودمجوها في الدين والقومية والفلسفة والأدب، تعبيراً عن رفضهم لتنوع الأمة إجتماعياً، وأسسوا الأحزاب القومية والوطنية والدينية الكلية الشمولية.
في بعض الدول الإسلامية غدت هذه الكلمات أساساً لصعود مجمعات(الروحانيين) الرافضين للحداثة وتنوع الأمة الاجتماعي الديمقراطي.
كانت(الروحانية) في الفلسفات الصوفية تعبيراً عن الابتعاد عن الطمع والتهالك على المتع والأموال، وتنظيفاً للأجساد من تلوث الأنانية والسرقات، لكن الكلمة صار لها معنى آخر في عملية التسييس والأدلجة الاستغلالية المتصاعدة وهو الابتعاد عن الديمقراطية الغربية، ورفضاً لتنوع الأمة الطبقي، فالذين ليس لديهم قوت يومهم يجب أن لا يخلقوا قواهم السياسية ويفكروا في المادة عيشاً وفلسفة، بينما أصحاب السيطرة على الخيرات العامة والمادة، هم الذين يهيمنون على السياسة وعلى الأرواح، فلم يعد يعبر عن الشعوب سوى الروحانيين الذين لم يتخلوا عن الطمع الدنيوي والتهالك على الأموال!
المعنى القومي الحديث الشمولي سافر عبر ألمانيا وإيطاليا للبلدان الإسلامية فظهرت جماعاتٌ تقول أنها هي فقط معبرة عن روح الإسلام، وروح الأمة، وأن الحداثيين والديمقراطيين والليبراليين متغربون لأنهم يدخلون الصراعات في جسم الأمة النقي.
ولا يزال بعض السياسين والقوميين والدينيين يردد هذه الكلمات المطلقة، فقد أختزلَ الكلَ في ذاته.
لم يستطع العرب والمسلمون تشكيل تيارات تحديثية ديمقراطية في تراثهم وواقعهم تعبرُ عن مصالح الشعوب والأمة، ولهذا ظلت العناصرُ تلك كعناصر قليلةٍ رمزية لهم، ورُحِّلَ بعضها للنجومِ والكواكب والمُثُلِ والغيب والأبراج، فصارتْ العناصرُ الروحية تلك هي مصدر الضياء والعون والحظوظ حيث لا قوانين للمجتمعات، وبقيت للعصر الحديث، التي عادت فيه عناصرُ النضال الواقعية تحفرُ الأراضي الصلدةَ الصعبة للحياة وهي بعد لم تصبح سائدة لأسباب كثيرة، فيما قوى الماضي لا زالت قوية في الذاكرة والاقتصاد والسياسة رافضة التنوع والديمقراطية وتوزيع المال العام على الشعوب.
Published on November 26, 2019 03:18
No comments have been added yet.


