♀المرأة في القصة البحرينية 1 ⇦

يغدو الموقف من المرأة قضية جوهرية في الأدب والأدب القصصي على وجه الخصوص . فذلك معيار هام لمدى تقدمه واستيعابه لتطورات الحياة. لكما كان الأدب أكثر تقدمية كلما استوعب حياتها بشكل أكثر عمقاً وصدقاً. وليس المقصود هنا بتعبير المرآة المرأة الجزئية أو ألمجردة بل هو عموم حركة النساء والنضال الشاق الذي تخوضه النساء بشكل دائب لتغيير حياتهن نحو الحرية والتقدم الشامل.
والمرأة ككائن مضطهد تغدو معياراً هاماً لصعود الأدب وإشارة لإنجازاته فعبر تملك وضعها وكشفه وتحليله العلاقات تغدو الاجتماعية المتخلفة محل تحليل نقدي وتجاوز ابداعي وتسهم هذه المعالجة الفنية الجريئة ـ إن وجدت ـ في تطوير أدوات الأدب نفسه. وتنمي قدرته على معالجة قضايا الإنسان وتشكل القصة القصيرة البحرينية مثالاً ملموساً على هذه الموضوعات ألنظرية وسوف نجد كيف أن القصة تتقدم أثناء معالجتها الجذرية لوضع المرأة وتزداد فنية وجمالاً بسيطرتها على هذا الواقع الاجتماعي. ولابد أن نقول هنا أن المرأة البحرينية كانت مثقلة بقيود النظام الاجتماعي التقليدي عبر القرنين السابقين، وبدأت هذه القيود في التفكك قليلاً قليلاً مع نمو العلاقات الاجتماعية في مناحي الحياة المختلفة. لقد وضع النظام الاجتماعي التقليدي، الأبوي المرأة في الغرف الخلفية من المنزل والحياة، وألقى عليها ظلالاً ثقيلة من الملابس والعادات ورهن ارادتها ووعيها وحياتها كلياً بإرادة الرجل.
لقد اهتم الشعر الشعبي بالمرأة على سبيل المثال ككيان جسدي غائب ومرغوب فيه. لذا فإن الأوصاف المادية المتكررة في الغزل كانت هي السائدة فيه، اما العلاقة العميقة بهذا الكائن فإنها لم تتوفر إلا حينما راحت التغيرات الاقتصادية والاجتماعية تفتت الكيان القديم الجامد، وراحت المرأة تدخل بشكل تدريجي بطيء المدرسة والعمل ومن ثم الحياة العامة. وإذا كانت هذه التغيرات البطيئة بدأت منذ الثلاثينات فإن التغير الهام لم يلحظ إلا في الخمسينات وما بعدها . وقد بدأت القصة القصيرة البحرينية منذ العقد وتشكلت عبر محاولات بسيطة بدأها كتاب بأسماء مستعارة ثم أحمد كمال وعلي سيار اللذان شكلا أول محاولات واضحة. وسوف ندرس بعض قصص على سيار كنموذج لقصص الجيل السابق ثم ننعطف إلى بعض ممثلي الجيل الجديد.
علي سيار
ليست المرأة محوراً من محاور قصص علي سيار، بل يقف الرجل في بؤرة هذه القصص، باعتباره البطل والشخصية الرئيسية والراوي، وصاحب القضية المركزية، أما المرأة فهي النغم الثانوي والخلفية والجزء الذي يوضح مشكلة البطل/الرجل.
القصص لديه غالباً ما يرويا الرجال، فهم الذين يتحدثون عن تجاربهم ومشكلاتهم، وإذا كانت هذه التجارب والمشكلات بطبيعتها عديدة جداً، فإن المرأة تدخل ضمن هذه التجارب والمشكلات ولا تتحول إلى القضية الأساسية.
وسياق قصص علي سيار يقوم على تشكيل حادثة كلاسيكية الأبعاد، فهي تبدأ من أول جملة لتتضح المشكلة وتتنامى إلى أن تصل إلى حل. وغالباً ما يقوم بطلها/الرجل بتغيير الوضع الذي يحياه، فهو يبدأ من نقطة ولكن ينتهي في نقطة مغايرة. وهو يقوم بكتابة تفصيلية عن هذه الحادثة، بحيث يدخل القارئ في اجوائها الملموسة، بل هو يقتطع منها أجزاء بارزة جداً، ويحررها، وقد يقدمها بطريقة مليئة بالمفاجآت والميلودراما، غلا انها مفاجآت معجونة بهموم الحياة ومشكلاتها.
لغة علي سيار القصصية لغة سريعة، يتشابك فيها السرد والحوار والأسئلة، وهي مباشرة، واضحة، تقريرية أحياناً، وبها قدرة على التشويق والاثارة. سوف ندرس قصتين من قصصه لكي نصل إلى وهر رؤيته عن المرأة.
في قصة «شمس لا تشرق كل يوم» تتفجر الأسئلة في بداية القصة، ونرى الشخصية المحورية تكشف لنا عن صراعها مع أهلها، فالراوي الرجل يروي لنا حادثة، لا أن يجعلنا نعيش التجربة دون واسطته.
أن أهله يريدون تزويجه من نعيمة، وهو يرفض بحدة هذا القرار الذي اتخذوه ضد إرادته. ويقول عن نعيمة في ثورة غضبه:
«قلت لهم هذه المرأة بالذات لا أريدها . . انها قبيحة . . في قبح أم إبراهيم الخياطية . . وقلت لهم انها جاهلة . . اجهل من البقرة التي نشرب حليبها كل يوم . . وقلت لهم انها شرسة . . اشرس من كلب الجيران.». مجموعة «السيد» ص 35.
اننا هنا في الواقع لم نعرف هذه المرأة إلا من عين البطل/ الرجل، فلم تتقدم هذه المرأة إلى الحدث القصصي وتتكشف خصائصها. فهي صفات مقررة من قبل الراوي. والذي يحدث أن عائلته تواصل دفعه إلى الزواج من نعيمة لأنها من اسرة غنية، وان هذا الزواج سوف يفيدهم بشكل من الأشكال. نحن لا نعرف بشكل دقيق هذه الدوافع ولا كيف تجلت إرادة الأهل في الضغط على البطل للقبول بهذه المرأة. والذي نعرفه فقط هو ثرثرتهم المتواصلة لكي يتزوج نعيمة. ولكن لم رضخ هل تكفي الثرثرة وحدها لكي يتقدم للزواج من امرأة؟ هل هناك أسباب هامة دفعته للوقوع في هذا الشرك الرهيب؟
وإذا كان هذا هو رأيه فما هو موقف نعيمة؟ وكيف يمكن تقبل شخصاً يرفضها بهذا الأصرار ثم يتزوجها تحت ضغط أهله؟
نعيمة هذه وجود شبحي لا نلمسه، أو كيان عدمي لا أهمية لوجوده، فمتى يقرر الأهل والرجل تقديم هذا الوجود على مذبح المصالح فإن هذا الكيان العدمي يستجيب.
من الخطوة الأولى نكتشف أن رؤية المؤلف رؤية قد اغلفت الشخصية الأخرى في الزواج، وبدت لنا شخصية المرأة غير الموجودة (وهي نعيمة) كشخصية همها تحقيق الزواج لذاتها بغض النظر عن الاحترام للذات. فهي ضمناً تقبل أن تكون هذه الشخصية التابعة في قفص الحريم بغض النظر عما قاله الزوج، وعما أحدثه الأهل من ضغط كي يقبل بها. أي أنها مجرد سلعة بائرة وجدت مشترياً يقبل بها بعد ضغط المحيطين حوله.
كل الصفات الموضحة عنها تكشف جانب البوار، فهي قبيحة، جاهلة، شرسة، فقد راكم المؤلف كل الأبعاد التي تستلب الشخصية حيويتها. ودمج الأبعاد المعرفية والأخلاقية التي تشكلت عبر إرادتها بجانب طبيعي هو «الجمال» لا دخل لها فيه.
وبعد الضغط الذي مارسه الأهل تزوج الرجل من نعيمة وعاش جحيماً. فهو لا يستطيع أن يبقى في البيت مع امرأة لا يحبها، وكذلك يخجل من نظرة الناس إليه. حيث غدا مجرد إدارة الأهل لأجل تنمية بعض الجوانب المنفعية لهم والتي لم نعرف عنها شيئاً.
وأيضا عبر هذا الزواج لا نجد أي فعل للزوجة، لنعيمة، فلا نجد أي ملمس لشخصيتها، ولا نرى حضوراً لكينونتها وفعلها. كل ما نسمعه هو رغبة الزوج في الطلاق والافتراق. وفعلاً ينفذ ذات يوم ما اعتزمه بغض النظر عن زوابع أهله.
وعندما يترك البيت بعد الطلاق مباشرة نلمس مشاعر غريبة لديه يقول:
«مررت في طريقي بنساء كثيرات . . نساء بعضهن لا يفترقن كثيراً عن أم إبراهيم الخياطة واخريات يمشين وكأنهن يرقصن . . [...] ومع كل لفتة امرأة كانت تتثاءب (!) في أعماقي رغبة مجنونة . . فقد كنت أشعر بكل ذرة في جسمي تتواثب كفقاعات المياه الغازية . . » ص 38 . المصدر السابق.
ومن العجيب أنه بعد خروجه العنيف من المنزل تغدو الرغبة الجسدية هي المسيطرة عليه في رؤية للنساء في الشارع. لكن هذا المنظر ليس في الواقع سوى تبير لاستعادة ذكرى (بدرية) وهي امرأة منحرفة كان على علاقة سابقة معها. وهي علاقة مضطربة فنياً. تبدأ من تصوراتها كانت تحبه، وأنها تأثرت عندما قرر الزواج من نعيمة، وطردته بعدها، لكنها لم تكن متأثرة حباً، كما فهم بعد ذلك، بل لأن أحد الجيوب التي كانت تستنزفها قد توقفت.
ونستغرب هنا أيضاً من تفسير الراوي لذلك، فهي على العكس كان ينبغي أن تسعد لأنه سوف يتزوج امرأة غنية وبالتالي يمكنها من أن تستنزفها معاً.
لا بد أن نكتشف قصور فهم الراوي لبدرية هذه وعدم دقته في تفسير رد فعلها. وفعلاً حين يتجه إلى بيتها يكتشف انها غدت شخصية أخرى. لقد دخل ما أسماه الشارع «المثير» حيث حي البغاء، وطرق الباب فوجد المرأة كما عهدها، فانطلق يكشف حكايته لها لكنها قدمت له صورة رجل في اطار أنيق. حدق فيها فرأى شارباً أنيقاً ووجهاً بشوشاً هادئاً أوضحت له أنه إذا زوجها.
وكانت هذه هي صدمته الثانية والأخيرة التي أفاقته من نومته.
اذن فهذه المرأة التي كانت كما يقول الراوي: أنها أول وآخر امرأة خطت اليها قدماي في طريق «الرذيلة» قد صارت شيئاً آخر، اتجهت إلى الطريق المعاكس وهو طريق «الفضيلة» وقمة هذا الطريق تتوج بالزواج، حيث تغدو المرأة ربة بيت، وثمة سيد يكدح خارجه.
القصة كما نرى مكونة من حكايتين، حكاية البطل مع نعيمة وعائلته، وحكاية البطل مع بدرية. وليس ثمة رابط فني حقيقي بين هاتين الحكايتين، أي أن كل واحدة كان يجب أن تصبح هي جسم القصة كله، وان تفترقا فنياً. الرابط الفني الوحيد بينهما هو الراوي وهو في ذات الوقت لنصفي القصة.
هذا الانقسام للقصة أدى الى أن المؤلف لم يقم بالتركيز الضروري على كل حكاية من الحكايتين، فجاءت كل واحدة منهما مبتورة وناقصة، وأدى دمجهما الى ارباك العمل ككل.
فالقسم الأول هو بذاته حكاية كان يمكن أن تتعمق، وتتكشف جوانب خافية منها، بالأخص العلاقة غير الواضحة وغير الملموسة بين البطل ونعيمة. كما كان يمكن أن تتحول العلاقة الثانية بدورها بين البطل وبدرية الى قصة ذات بعد أعمق. ولكن ثمة علاقة فكرية ما بين الحكايتين.
فنعيمة «التي لا نراها» تبيع جسدها في الواقع الى زوج يرفضها نظير مبلغ من المال قد لا تدفعه إليه شخصياً، ولكن يفهم من طبيعة الزواج التجاري الذي انعقد بين الاثنين.
وبدرية «التي نراها» كانت تقوم ببيع جسدها نظير مبالغ من المال، ولكنها ثارت ضد هذا الوضع وقامت بالزواج من الرجل صاحب الصورة.
إذن فبدرية كانت بشكل من الأشكال تؤكد موقف (البطل) في رفضه للعلاقة الممسوخة التي كان يحياها، ومن هنا فلا داع على الاطلاق لأن يذهب اليها، موقفه قد «اكتمل» عندما ثار على عملية المتاجرة بجسده.
ان النقص كامن في الحكايتين: فنحن كنا بحاجة الى تعميق كل حكاية على حدة. ان نكتشف علاقة الراوي بعالم نعيمة وكيف انه لا يصلح له، ونكتشف عالم بدرية وكيف انها فضته وغيرته.
إن الكاتب هنا يقدم نموذجين للمرأة، النموذج الأول الذي لم يحلل بدرجة كافية بل لم يلمس وهو نموذج نعيمة. وسبق أن وضحنا ذلك.
أما النموذج الثاني «بدرية» فهي امرأة مختلفة، كانت مصدراً لمتعة الرجال وقد رفضت أن تبيع هذه المتعة وخرجت من هذا العالم لتكون زوجة لرجل . . ولا نعرف كيف استطاعت أن تقهر العقبات وتتحول . . والراوي يصور الموقف بطريقة أخلاقية خطابية قائلاً:
«هذه المرأة . . وجدت نفسها أخيراً . . اكتشفت ان سوق الخطيئة قد يكون براقاً . . ولكنه ابداً يحز في اللحم ويطحن في العظم».
فهو يتجاوز الواقع الملموس للمرأة في مثل هذا الوضع ولا يحاول اكتشاف أبعاده الاجتماعية، بل يصور الانزلاق باعتباره اغراء من سوق «الخطيئة» وليس بسبب الظروف القاسية ولأن الأمور بمثل هذه البساطة فسرعان ما استردت هذه المرأة عافيتها في غيبة الراوي وتزوجت وصارت سعيدة.
إن عدم اكتشاف الوضع الحقيقي للمرأة هو سمة للقصة، فلا المرأة غير الحاضرة في الحكاية الأولى قد عرفناها، ولا المرأة الحاضرة في الحكاية الثانية، فالسرعة والخفة في معالجة وضعها وظروفها وذاتها، كامنة في كل الجانبين، لتغدو القصة أقرب إلى التنبيه الصحفي بضرورة نبذ الزواج المصلحي وحياة «الخطيئة» ليغدو الإنسان متوازياً في المجتمع.
فأمثال هذه «الأمراض» الاجتماعية هي التي تضر بحركة المجتمع وصحته فالمجتمع في ذاته سليم، ويستطيع الافراد فيه أن يتعافوا، والراوي عبر هذه المحاولة القصصية استطاع أن يكون شخصية سليمة وكذلك المومس السابقة «بدرية» نجت من مرضها وصارت زوجة صالحة.
أما أن هذا المجتمع تابع ومتخلف، وان هذه المشكلات الاجتماعية هي من ضرورات ومتطلبات هذا المجتمع لا يعيش بدونها، واذا حدث ان عولج منها أفراد فإن أفراداً آخرين يقعون فيها وفي غيرها، لكون أساس هذه المشكلات باق لا يتغير، وأن القضية ليست قضية مشكلات اجتماعية منفصلة، بل تكوين اجتماعي خاص يولد في ذاته هذه المشكلات ويطبعها على الأشخاص وبالذات المرأة، فإذا عولجت بدرية من سوق «الخطيئة» فإن هذا السوق متوالد يعيد انتاج ذاته باستمرار، لكون العلاقات الاجتماعية التي يقف فوقها تعيد انتاج ذاتها بشكل دائم، واذا كانت بدرية قد انتهت من هذا الطريق فإن عشرات غيرها يسلكنه وإذا كان البطل لم يبع نفسه فإن عشرات غيره يبيعون أنفسهم، إذن فان الأساس المجهول العميق لهذا الإنتاج غائب عن الصورة.
والقصة رغم عدم غوصها في هذا الأساس إلا أنها ترفض أكبر تجلياته قذارة. فهي تدين بيع الجسد والذات مقابل كمية من النقود، ولكن التركيبة الاجتماعية المتناقضة تصور وكأنها سليمة. انها ضد سوق الخطيئة ولكن ليست ضد السوق.
وفي قصة «السيد» من نفس المجموعة تطالعنا قصة شاب فقير يقع في يد عصابة تهريب مخدرات ويستغل من قبلها في مهنتها الاجرامية حتى يقع في يد الشرطة.
تبدأ القصة بعد أن يسجن بطلها الشاب. انه يسترجع شريط حياته القصير بشكل مكثف وسريع، ويلتقط أهم المحطات فيه. يزعم انه يبدأ هذا الشريط في عيد الأم، كما يصادف أن عيد الأم، هذا يصادف يوم مولده، الأمر الذي يدفعنا حسب تصور الكاتب . . الى العطف على هذا البطل اليتيم، الذي يحتفل العالم كله بيوم الأم فيه بينما هو يفتقد الصدر الحنون الذي طالما رعاه، ويقبع في ركن زنزانة.
هذه الرنة العاطفية هي جزء من طبيعة القص العربي السابق، حيث تعتمد اللغة فيه على اثارة العواطف، ولكن هذه الاطلالة التمهيدية لا علاقة لها بالحدث المراد تصويره.
فالحدث يبدأ منذ تطليق أبيه لأمه. إن أباه يستدعي أمه فجأة، ويتضح للابن من لهجة الأب المغايرة لما عهده منه أن شيئاً خطيراً سوف يحدث. وفعلاً يحدث الانفصال، ويتجه الصبي مع أمه الى بيت جدة.
ولا نجد هنا أي تفصيل هام عن الأب، وسرعان ما تنقطع علاقته بولده، خلافاً لكل العرف الإنساني، كما لا نجد أية نفقة للزوجة المطلقة، خلافاً للشرع. ولعل هذا كله فقط يكون مبرراً لتصوير أن الشقاق والانفصال في الأسر هو الجاني على الأطفال. فنحن نجد الصبي يندفع للعمل لمساعدة أمه، كما تشتغل المرأة ليلاً ونهاراً من أجل اعالة الأسرة. ثم يتحول الصبي الى خادم عند احدى الاسر الغنية، وأخيراً يقع في براثن تاجر يتظاهر بالطيبة وسوء الحال، لكي يقوده الى التهريب ليقع في يد الشرطة.
كما أوضحنا فإن القصص مصاغة بعين المؤلف الرجل، وهي تركز على مصير الراوي باعتباره الهيكل العظمي
للقصة، وتأتي بقية الشخصيات لتدعم هذا الهيكل بقطع صغيرة متعددة من العظام.
لقد بدأنا من الأسرة المكونة من أب وأم باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع، كما يظهر ذلك في رؤية المؤلف، ومرض هذه الخلية هو بسبب استبداد الرجل الأب وتطليقه للأم وتركه لرعاية ابنه . . ثم نأتي الى المرأة الأم التي عملت بجهد وتضحية من أجل تنشئة ولدها، ولكن عملها يبدو بلا قيمة فالصبي يتجه بنفسه للعمل منذ الصغر دون أن يؤدي عمل أمه المستمر الى وضعه في مدرسة ما.
أن المؤلف يتقصد وضع البطل في هذا المأزق، لكي يبدو ضحية من ضحايا المجتمع، ولكي يقع في يد عصابة التهريب ومن ثم لكي يبرز الارشاد الأخلاقي للحكاية وهو ضرورة تماسك العائلة باعتبارها أساس وضع المجتمع فأي مرض فيها يقود إلى سلسلة من الأمراض الاجتماعية كالأمية والتشرد والاجرام . . الخ .
ورغم محاولة المرأة الأم أن تكون سنداً قوياً للابن إلا انها لا تستطيع فعل شيء هام، لافتقاد دور الأب المؤثر.
إن العلاقة المرجوة لدى المؤلف لكي يسود السلام الاسرة هو التفاهم والود بين الأب والأم وعدم تحكم الرغبات الأنانية في كلا الطرفين.
إذا رأينا في القصة السابقة «شمس لا تشرق كل يوم» أن العلاقة الودية بين الزوج والزوجة هو أساس صحة المجتمع، حيث افتقدها الراوي بزواجه من نعيمة، لكنه وجدها عندما تزوجت بدرية رجلاً أحبته وعاشت بنظافة. وهذه العلاقة تبدو هنا، ولكن بصورة مختلفة، حيث أن الاسرة المنفصلة، ذات التكوين المرضي، هي التي أنتجت الراوي المجرم. ولهذا فان الإصلاح ينطلق حسب رؤية المؤلف من إعادة صياغة الأسرة باتجاه العلاقة الودية بين الرجل والمرأة.
ان سيطرة الرجل في الأسرة تبقى كما هي، ولكن تتحسن عبر عقلية متفتحة، حديثة، بعيدة عن عقلية الرجل التقليدية القادمة من القرون الوسطى، أي أن المؤلف يقوم ببرجزة العلاقات الأسرية، ويدفعها للتخلص من ميراثها الأشد قسوة وتخلفاً.
ان المرض الاجتماعي هو نتاج الاسرة حسب هذه الرؤية، وبالتالي فإن سلامة المجتمع وتطوره ينبنيان على تلك الاسرة. ولكن ما هو أساس الاسرة الاقتصادي والاجتماعي وهل ترتبط الاسرة بتكوينات اجتماعية أوسع هي الطبقات التي هي أساس المادي الفعلي للجماعة البشرية.
لا، ان رؤية المؤلف تفصل الاسرة عن الطبقة، وتفصل الاسرة بالتالي عن النظام الاجتماعي بمميزاته المتعددة، وتجعل من الاسرة جوهراً نقياً قائماً بذاته ومؤسساً للمجتمع.
وبالتالي فإن تطور المجتمع كامن في تطوير الاسرة بالعلم والثقافة، وعبر ذلك يتطور المجتمع.
من هنا فالقصة، كبقية أشكال الوعي، هي مقالة تربوية تثقيفية لتحسين وضع الأسر الفكري والأخلاقي . وهذا الوعي هو الذي سيخلق المجتمع الصالح.
وهنا نرى أن هذه الرؤية تتلافى كون المجتمع المتخلف هو مجتمع تابع مسيطر عليه من قبل الغرب، وبالتالي تستحيل عملية تطويره، وتغيير الأوضاع السيئة فيه دون قطع هذه العلاقة وإعادة تكوين المجتمع.
إن رؤية المؤلف المنبثقة من تجربة الخمسينات تتجه للإصلاح الثقافي والاجتماعي، وتطرح تحسين وضع المرأة وتغيير حياتها عما كانت عليه في المجتمع التقليدي، ولكن هذا التحسين لا يتطرق إلا لمسائل محددة كتغيير طبيعة الزواج الشرقي السيئة وإعطاء مكانة هامة للحب والتفاهم داخل الأسرة.
لكن تبقى في هذه النظرة مسألة سيادة الرجل ومركزية وضعه. وتختفي الكثير من المشكلات الجوهرية في حياة النساء.
محمـــد الماجــد
يتسم موقف محمد الماجد الكاتب الراحل بتركيبة فكرية متناقضة فهو إذ يرفض العالم المحيط رفضاً فردياً يصدر من ذاته الخاصة المنعزلة، لا يتخذ موقفاً إيجابياً تجاهه، ولا يقوم بمحاولة فهمه وتحليله فنياً، انه عالم ينحصر في نفسه ويتجه إلى شتى أشكال قطع الصلة بين الذات والواقع.
إن هذا الواقع المتخلف الرديء مرفوض للكاتب بكليته. يقول في مقالته القصصية «ثلاث أغنيات على فم التاريخ».
بالأمس صرخت في طغاة الغرباء، واليوم اصرخ في طغاة أهلي.
ثم يكمل: بالأمس قرأت اسمي منقوشاً على صفحة الكون/ واليوم رأيت قلبي مزروعاً في عروق الصخر/ ومصلوباً على أسياف الوهن/ وفي محارة عقيمة رأيت، روحي تحتضر/ ورأيت انساني يدفن في حدائق الطغاة/ وعندما رأيت عمري ينخره سوس الجفاف/ لم أر أحداً يزرع البعث في أرضي.
في هذه العبارة الفكرية يسقط موقفه الشخصي على الوضع العربي، أو يستل من هذا الوضع بعض الخصائص ويعزلها عن سياقها وظروفها الملموسة، لكي يماثلها بذاته. أو يجعل موقفه المتشائم اليائس هو طابع المرحلة والعصر. فهو مدفون في حدائق الطغاة ولا يجد أحداً يقوم بالبعث، أي بتغيير ما هو كائن حسب مصطلحات الطبقة الوسطى.
لقد وصل هذا الوعي الاجتماعي الى أزمة، فهو غير قادر على إعادة صياغة الواقع، وهذه الصياغة أضحت بدرجة أساسية من مسئوليات قوى أخرى أكثر جذرية. لكن الماجد غير قادر على تجاوز هذه الرؤية اليائسة.
إن أيديولوجية قامت بالجمع بين البعث القومي والوجودية والرومانسية ذات الموقف المتشائم.
كما أن الماجد لا يكتب قصصاً متنامية في الحقيقة، بقدر ما يكتب خواطره، ولأنه يكتب ما يشبه المذكرات فيغدو هو المتحدث والمتكلم، معبراً عن تجاربه ومشاعره وآرائه بشكل مباشر وفوق البناء القصصي، أنه لا يدع تجليات الحياة وينابيعها تخترق الكتلة الكثيفة لذاته.
لهذا سنجد أن رؤيته للمرأة تتأثر بهذا الموقف الفكري والفني فليست المرأة لديه هي المرأة بتعدد نماذجها وألوانها، ومستوياتها الاجتماعية، بل هي المرأة التي اقترب منها راوي تلك المذكرات، وحتى هذه لم تؤخذ برؤية موضوعية، بل نظر اليها من خلال الحاجة الماسة للراوي لهذه المرأة.
أغلب النماذج هي للساقطات، والبعض القليل جداً من النماذج المضيئة وهي غالباً نماذج رومانسية طهوريه، أشبه بالملائكة. فلديه لا توجد النماذج التي يمتزج فيها الخير بالشر، الجمال بالقبح.
في قصة «العالم يموت في المحرق» نجد رجلاً مثقفاً سئماً يحب امرأة في نفس المدينة، ولكن الظروف المتخلفة تعيق الالتقاء بين الرجل والمرأة وهما في نفس المدينة الصغيرة. وفي لحظة الحدث يرفع السماعة ويتصل بالمرأة ليكتشف انها تدعوه الى بيتها بكل بساطة، فلا يرفض الذهاب اليها بل يقتنص اللذة رغم اشمئزازه وكلماته الرهيبة!
وفي قصة «لا مرفأ للضائعين» يخرج الراوي مع امرأة منحرفة من بيت أخرى وسيطة هي (شواخ) ليمارس الحب مع هذه المرأة التي خرج معها. وفي أثناء السير يتحدثان، والقصة ليست سوى هذا الحوار وحوار البطل الداخلي. على المستوى العلني هو يمدح العاهرة ويغازلها، وعلى المستوى الباطني السري يحتقرها بشدة.
ان هذا النموذج في كلا القصتين نجده من منظار رجل مسطح الوعي، يطلق جملاً صاخبة مدوية براقة لكن لا يقف لحظة من أجل التوغل في هذا النموذج النسائي الذي يريد استهلاكه فقط،
ولنقرأ هذا الحوار:
ــ قلت لي انك تشتغلين . .
ــ خادمة لدى أسرة انجليزية . .
ــ لماذا تبرأت من أهلك؟
ــ لأنني لا أحب القيود!
ــ أنت محترفة! ص 27، من مجموعة الأولى «سيمفونية حزينة».
أن المقطعين الأولين هما حوار الراوي مع المرأة، وفي المقطع الأخير حكم سريع ودامغ على المرأة، فهي ليست سوى «عاهرة محترفة».
إنها امرأة تشتغل خادمة، ولدى احدى الاسر الإنجليزية وهي ظاهرة تشكلت فعلاً أيام ما قبل الاستقلال. ولا شك أن هذه المرأة الفقيرة تجربة جديرة بالاكتشاف، رغم كل أخطائها، لكن الراوي لا يتأنى ولا يقوم بأنسنة هذا الشبح الذي يريد فقط أن يلهو به. وفي قصة «قوس قزح» نجد امرأة تعانق رجلاً مولهاً بحبها ولكنها تفكر بشكل دائم في صديقه.
ولا نجد أي مبررات لهذه الازدواجية الغريبة فلم تعاشر رجلاً لا تحبه وهي تحب آخر كما لا توجد أية قيود اجتماعية أو نفسية تحول دون رفض هذا الرجل والاتجاه الى الرجل الآخر؟
ان الراوي في القصص مشبع بالرغبة في ادانة المرأة وتحقيرها، واعتبارها مستودع الدناءة والانحطاط، ولكن مع ذلك، لا يستطيع إلا أن يجري وراءها.
يقول: الحياة، الموت، الحب، وجسد امرأة، والكتب والدراسة . . كلها أشياء تافهة وجدت لتعذب الإنسان.
ويضيف: أود أن أسلب جميع النساء، وأذهب بهن بعيداً . . بعيداً، لأشعل النار في أجسادهن. ص 22 المصدر السابق.
وفي قصة «السقوط» من المجموعة الثانية «الرحيل الى مدن الفرح» نجد الراوي في حجرة مع مجموعة من الأصدقاء وبينهم امرأة منحرفة ترغب فيه وتدعوه إلا أنه يرفضها.
إن تحويل الجسد الإنساني الى بضاعة هو الأمر الذي يجعل الراوي مشمئزاً ولكن مع هذا هو من المدمنين على شراء هذه البضاعة. انه غير قادر في الحقيقة ــ أي هذا الراوي ــ إلا على تشكيل علاقة جسدية مع المرأة، أما في علاقته العاطفية، علاقة الحب الغنية، فانه عاجز تماماً. فهو بعد أن يقطع علاقته بالعالم ويتمحور في ذاته، يدمر ذاته في الحقيقة، فيعجز عن الحب، الذي هو خروج من الذات المريضة.
وليست هذه المرأة هي النموذج الوحيد في عالم الماجد بل ثمة نموذج آخر طالما احترق الراوي في الكتابة عنه. إن تجربة الراوي مع سناء، امرأة المنطقة الشرقية، تلك الفتاة التي أحبها بقوة، وبيعت في حفل زفاف، على رجل مسن، هي من التجارب المريرة التي استلهمها الراوي في أكثر من قصة. نجدها في «لمن يغني القمر» في المجموعة الأولى وبعض القصص الأخرى التالية.
إن الحب الرومانسي بين الراوي والفتاة يتحطم على صخور التقاليد وبيع المرأة الذهب. ان علاء يذهب للخبر ليعرف ان سناء تزف على ذلك الرجل، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً. سجن الظروف والتقاليد والمال تحول دون انتزاعه للفتاة الصغيرة من براثن الموت. وهو عبر فشله يتراجع ليس عن تغيير الواقع بل حتى عن تحليله فيغرق في الصوفية والخمرة وينسى.
ويحاول الراوي في القصص التالية أن يبحث عن علاقة حب عميقة مع المرأة فلا يجدها. انه دائماً في لهفة وألم من أجل هذه العلاقة لكنه لا نجده يقيم علاقات إلا مع نساء القاع. وحتى هذه العلاقة الجسدية «الناجحة» نجده يتراجع عنها، شاعراً بان مرضاً منه ينتقل الى المرأة. فهو يصور نفسه كحوت يأكل القمر لذا تتحول المرأة معه الى «جثة» كما في «احتياطات أمن ضد تسلل الحب الى مدن الجفاف» من المجموعة الثانية ص 46.
أن الراوي بعد أن يأس من الواقع، وانكمشت صلاته به، لم يجد أمامه سوى العلاقة بالمرأة. فهذه العلاقة يستحيل أن ينسحب منها. ولكنه جاء الى المرأة مشحوناً بكل ذاته النرجسية اليائسة، فعجز عن إقامة علاقة صحية معها. لهذا استطاع أن يقيم علاقة جسدية ناجحة في بادئ الأمر، لكن حتى هذه العلاقة البيولوجية تصدعت. فلم يجد الراوي أمامه سوى التفكير بالانتحار.
ومع ذلك فإننا نجد لدى الماجد أول الخطوات لتلمس وضع المرأة، وهي خطوة صغيرة جداً ولكنها مفيدة.
لقد افتتح علي سيار المشهد القصصي فظهر المجتمع المليء بالمشكلات والأمراض، وعبر رؤيته المثالية فانه وجد العلاج في تحسين حالة العائلة والزواج ووضع المرأة، أنه لا يقوم بتحليل البنية الاجتماعية وتناقضاتها، بل يعتبرها أبدية، لكنها بحاجة الى شيء من الإصلاح والتربية، الذي يجب أن يتركز على التربية.
لكن الماجد يدين البنية كلها، هذه التركيبة المظلمة، بشكل صارخ وانسحابي، انه يكتشف اللمسات الأولى للتروس على الجسد البشر. وبالأخص في تشويه المرأة. لكنه غير قادر على تحليل هذه الآلة الطاحنة لكون موقفه الفرد المتضخم يمنعه من ذلك. ولهذا لا يرى إلا (...) التي تمس القشرة الخارجية لذاته.
نبشت المحاولات القصصية السابقة وبالأخص محاولة علي سيار في مناخ اجتماعي وفكري مغاير للكتابات القصصية التي ظهرت مع الموجة الأدبية الجديدة التي نشأت منذ أواسط الستينيات لتشكل جيلا ادبيا و إبداعيا مغايرا لما سبق.
إن الجيل الذي نبت من الطبقات الشعبية وحمل زخمها، قد ربط الحركة الأدبية المحلية بالأدب العربي والعالمي بشكل أعمق مما كان لدى البدايات الأولى، وكان لا بد، عبر هذا الزخم الفكري والفني، أن تتطور الأداة وتتكسر اشكالها الضعيفة لتتيح لصوت أكثر قوة بالتقدم إلى مسرح القصة.
إن القصة القصيرة البحرينية عموما راحت تتشكل ، فصارت القصة حدثا وشخصيات متنامية في واقع يمور بالصراع والتغيير. وراحت بنية القصة الفنية تستجيب لمتطلبات اكتشاف الواقع والانسان، فراحت تحاول حسب حجم بنيتها الصغيرة ان تستوعب الأشياء وتعيد النظر فيها.
ولهذا أصبحت المرأة، عبر هذا التطور الفكري والفني، مكتشفة بصورة أوسع واكثر جذرية، بل صارت بعض النساء يمارسن الكتابة القصصية ويجعلن من المرأة بؤرة لعالمهن القصصي.
محمد عبدالملك
عند محمد عبدالملك نجد نساء عديدات كثيرات. وعبر مجموعاته المختلفة هناك تمثل خاص لهن. ان حيز النساء عموما لديه اضيق من الرجال، أن الرجال هم في بؤرة سرده القصصي، فعبر سيطرة أسلوب الراوي/ المؤلف لديه، نجده يتابع ما يجري في الحارة باهتمام شديد، يتتبع شخصياتها واحداثها، ويروي للقراء، ما يدور في هذه الحارة الحقيقية. وهذه الطريقة الفنية تتيح للكاتب تناول ما يطرحه الواقع من مواد، سواء عبر نماذج الشخصيات المحطمة المسحوقة من البسطاء أو عبر المقاومين من المثقفين. ولأن الحياة عادة لا تطرح في حياتها اليومية الظاهرة إلا نماذج الرجال فإن الرجل سيطر على اللوحة القصصية لدى الكاتب.
لكن مع تطور التجربة الإبداعية والاجتماعية نرى صعود المرأة في عالمه.
في قصة «ذلك الشتاء» نقرأ حكاية لامرأة بسيطة تموت بالسل وسوء التغذية. والراوي في هذه القصة هو المؤلف عندما كان صغيرا حيث يتذكر علاقته بخالته نورة.
في البدء يقبل الشتاء وتتلبد الغيوم في السماء وتتربص هذه الكتل السوداء بالأرض. وكان ذلك «هو الشتاء الأخير». وهي جملة تؤكد أن شخصا ما سيموت. ان الخالة نورة امرأة بسيطة ظلت تكدح أربعين عاما. وفي ذلك الشتاء الأخير غاب الصفاء والفرح من وجهها وبرزت وجنتاها كفراغات مخيفة. وهي تنهض منذ السادسة صباحا وتعمل حتى المساء، وتسير حافية القدمين. وفي الليل تقص الحكايات للأطفال ومنهم الراوي. ثم تلتهب وتمرض فيخرجها الراوي من الحارة الفقيرة نحو المستشفى. وفي المستشفى يصطدم الراوي اول صدماته حيث تهمل الخالة وتموت.
المستشفى ليس جهازا لخدمة البشر وتقديم العلاج هنا بل هو معبر سهل الآخرة، واجهزته وجدرانه اللامعة والبلاط النظيف كلها قنوات لذلك العالم الخفي القريب. يقول: «أحسست أن جريمة ما تتم في هذا العالم الآن امامي، وان كل من حولي يساهم ويستمتع بهذه الجريمة» ص 61 من مجموعة «نحن نحب الشمس». التناقض بين الحارة والمستشفى حاد. الفقراء في مواجهة جهاز للموت. المرأة الكادحة لا تلقى أي اهتمام وتحتضر.
الراوي يركز في القصة على علاقته هو بالمرأة، بالخالة نورة، انه يصف كيف كان يلعب في الشتاء، وكيف كان الشتاء جميلا وبريئا في تلك السنوات من الطفولة، وعبر تحدثه عن نفسه نلتقي بالخالة، أننا لا نجد تاريخها هي، وحكايتها الموغلة في الزمن، لذا فإن الراوي الرجل يقدم هنا جانبا من تاريخه، ولكن عبر تقديمه لهذا التاريخ تغدو المرأة جزءا منه.
ثمة ماض عميق لهذه المرأة، لكننا لم نتعرف عليه. فابتعدنا عن خلجاتها النفسية وملامحها، وجاء الراوي ليثبت حضوره أكثر من الشخصية المحورية.
ولكننا في هذه القصة نجد نكهة جديدة مغايرة للمرأة لقد استحضر الأدب هنا شخصية مختلفة عن المرأة السابقة، فظهرت امرأة منبثقة من صفوف الناس التعبة، التي تؤمن بشتى الخرافات والتي تعمل طويلا وتموت دون رعاية.
وفي قصة «أول الحب» من مجموعة «ثقوب في رئة المدينة» نشاهد الراوي وهو يحاول ان يقيم علاقة حب مع فتاة رائعة كما يقول، وهو متردد كثيرا في إقامة هذه العلاقة. القصة مكونة من لحظتين، اللحظة الأولى هي اللقاء الأول بينهما، يقول عنها حينئذ «تتحدث ومن شفتيها تتفتح الكلمات ازهارا برية صغيرة». «الأطفال، الناس في حديثها يتوقون للحرية، وهم بسطاء وتلدهم المدن والحارات من حيث جاءت».
هنا نجد تفتحا أولا للمرأة الجديدة . انها فتاة عاملة ومتفتحة ومهمومة بقضايا الناس. ولكننا نرى هذه الفتاة خلال عيون الراوي، أي اننا لم نتوغل في ذاتها وحركتها هي، بل نطالعها من خلال عدسته. ولهذا عندما يعود للبيت ويظل عدة شهور يفكر بها، دون أن يفعل شيئا تنقطع علاقتنا بها. وبعد هذه المدة الطويلة يتقدم اليها وفعلا يراها على الشارع، وكأنها جالسة تنتظره. وهي مستغربة من اختفائه. وفي اللقاء الثاني يلتحم الراوي بزهرة في علاقة حب، لا نعرف أي شيء مهم عنها، بل ان الراوي يقدم لنا زهرة من الخارج.
لكن هذه القصة تشير الى جريان الحياة الاجتماعية، وانهيار ليس القيود العتيقة، بل أيضا نهوض المرأة كي تؤدي دورا تحويليا في الحياة وتنشر قيما جديدة. ليس هدف المرأة هنا هو الزواج وتأسيس اسرة، كما كان الامر يتجلى عند علي سيار، أو اللذة، ما لدى الماجد، بل صارت القضية هنا هي إعادة تكوين الحياة، لتكون جديرة بالمرأة والرجل معا في علاقة إنسانية راقية.
وفي قصة «الحزين يغني» من مجموعة «السياج» نجد القاص يتوغل اكثر في الحارة الشعبية ليأخذ النماذج المهمشة ويسلط الضوء عليها.
إن أهم شخصيتين في القصة هما المغني وشريفة. والمغني شاب يائس ليس محلا للحب، فقد تراكمت فوق جسده وعمره ارزاء ومشكلات لاحد لها. فهو ذو حدبة، وفمه يخلو من الاسنان، كما انه متشرد وعاطل ويعيش على خدمة الاعراس وحمل المرايا وتسخين الطبول كما انه أمي. من هنا فطموحه للمرأة شبه مستحيل. ولكنه يحاول لكي يصل الى قلب شريفة، أما شريفة هذه فنحن لا نعرف شيئا هاما عنها، فهي من عائلة العريس، وهي مكتنزة باللحم والشحم وجسدها اشبه بالسفينة.
يحاول الحزين، هذا المغني المجهول، ان يرفع صوته ويشق الزحام ويثبت ذاته، لقد نفض الشاب الفقير الاردية السائدة وإخراج ذاته المبدعة من ركام التحقير الذل، فيغني، لتعجب به شريفة.
أنها تستهزئ به، لكنه يثبت انه فوق الاستهزاء فلا تملك إلا أن تشعر بشيء جديد في ذاتها.
تنطلق هذه القصة أيضا من المرأة الرجل، فهو صاحب الفاعلية أما فهي متلقية للأفعال. ولا تساهم شريفة بشيء، ولا نعرف هل استطاعت هذه المرأة أن تكسر الحواجز الاجتماعية والنفسية بينها وبين ذلك المتشرد؟ ان القصة تترك الأفق مفتوحا لشتى الاحتمالات، مؤكدة فقط ان بإمكان المقهورين المهمشين أن يغيروا الحياة.
أما في قصة «هوس» من نفس المجموعة السابقة فهي تقدم شخصية نسائية مضحكة، أنها تدور حول شبيكة عجب وهي فتاة مهووسة بالزواج وتندفع لصديقاتها من اجل ان يبحثوا لها عن زوج، وتحاول أن تلفت نظر الموظفين العاملين معها في الوزارة، فتلبس موضات عدة، من الشكل الحديث الى الحجاب، متأثرة بكل كلمة تقال عنها، دون أن تملك أية قدرة على الاستقلال. وفي النهاية تبكي بشدة لأنها لم تستطع ان ترضي المحيطين بها رغم كل ما فعلت.
إنها نموذج آخر للمرأة. نموذج يمثل التفاهة والسطحية، الذي يشعر في النهاية بفشل طريقه هذا.
إننا في هذه النماذج القليلة التي تناولناها من قصص محمد عبدالملك (وهي عديدة) نكتشف أنها نماذج تم تناولها عب رؤية المؤلف، عبر رؤية الراوي السائد في القصص، فالمرأة ينظر إليها من خلال عين البطل الرجل، سواء عبر شكل الحب والعطف كما فعل الراوي تجاه خالته نوره، أو عبر شكل العشق كما فعل الراوي أيضا تجاه «زهرة» الممرضة المكافحة، أو عبر شكل السخرية كما فعل المؤلف تجاه شخصية «سبيكة عجب».
أن المرأة تبدو لديه من خلال رؤية خارجية، فلا ننتقل إليها لنكتشف وجودها هي، صراعاتها وآلامها.
وتختلف هذه الرؤية عن الرؤية السابقة لكونها تتصل بأعماق الحياة الاجتماعية المحيطة، بهدف إعادة تغيير هذه الحياة الرديئة، التي تدمر الشخصية سواء كانت رجلا أو امرأة. إن واقع الحياة المتخلف هو الذي يجعل المغني الحزين في القاع، وعندما يثور عليه، فإن أيضا يثور على تخلف المرأة ليرفعها إلى مستوى جديد . .
أمين صالح : وعي جديد للمرأة
في رؤية أمين صالح للمرأة، لا يوجد فرق اجتماعي بين الرجل والمرأة، سوى ان المرأة كائن جميل، ليست هناك قيود على حريتها وتحركها، أنها كائن فاعل مغير تماما مثل الرجل.
إن الواقع الذي ترزح تحته المرأة والرجل هو واقع متناقض، فيه السجون والقيود والتجار والبغايا، وفيه الناس والثوار والمشكلون لعالم مختلف. إن هذا الواقع هو عالم رأسمالي غربي في مناخه العام، يقع بكل ثقله على الإنسان الذي يرفضه.
في قصة «الفراشات» من المجموعة التي تحمل ذات الاسم هناك امرأة تطل من الشرفة تنتظر زوجها المسجون. تحدق في الحانة التي يتزاحم فيها البحارة، وتلقي نظرة على الفتاة المجنونة التي تسرح في الشوارع ثم تعود لعالمها، ووالى تذكر زوجها.
وزوجها كاتب رقيق يكتب في الظلام حتى لا يزعجها، يحبها وتحبه، ويحلمان بعالم رائع سعيد. لكن الأصابع الحديدية تمتد مفرقة بينهما.
هنا نجد أن علاقة الرجل بالمرأة قد تحررت من شوائبها واوحالها لتغدو علاقة حب، خارج الزنازين الاجتماعية والفكرية.
وهذه القصة تضفر بين جوانب فنية متعددة، فمن استخدام السرد إلى توظيف الرسائل والأحلام لتتشكل بنية فنية موحية.
ونجد رؤية أمين صالح للعالم المتجسد بشكل واضح من خلال موتيف المغني المتسكع أن اغانيه وهو يبحث في براميل القمامة، تجسد مدنا فردوسية، لا يسمح بالدخول فيها للنائحات والأرامل واليتامى والهائمين بالحب العذري والصوفيين والفقراء. فقد تم في هذه المدن الاحلام إلغاء أشكال العجز الحياتي والطقوس القديمة، ليكون الإنسان سعيدا وحرا.
في قصة «ارتجافات عناقيد الماء في الهواء» نجد المرأة الشخصية المحورية في الحدث. ان أسماء امرأة فقيرة بسيطة لديها ابن اسمه عبدالله. إن القصة تستحضر الموروث العربي المعروف وتعصرنه. فالماضي مجرد استلهام واستحضار للعلاقة التاريخية بين أسماء وعبدالله بن الزبير.
إنها امرأة معاصرة تنشر الغسيل وتذهب الى الدكاكين لشراء أغراض البيت. والواقع المحيط بأسماء هو الواقع الرأسمالي بكل قسوته. «أينما تذهب تجد مصرفيا أو تاجر اعمال أو شرطيا يجذب اجفان الخواء بقسوة . . أينما تذهب تجد عاملا مسرحا بعد بتر عضو من جسده، أو عاشقا يحمل جسده الذي يغص باللهفة لمرأى انثى . .الخ» المجموعة السابقة ص 26.
وأسماء تعامل عبدالله كطفل، أو أن العلاقة بين الأم والابن، هي علاقة أم بطفلها، فهي تلقمه ثديها كي يرضع. ثم يتفجر الموقف القصصي باندماج عبدالله في الحركة العمالية ومشاركته في الإضراب.
أن الشرطة تتدخل وتصطدم بالعمال. فيخاف عبدالله ويجبن. وفي منولوجه تلحظ سمة المرحلة «أضحت البنادق خنادق وفنادق نعاقر فيها خيبتنا ونضحك ملء أفواهنا رمل» ص 28.
لكن الأم تهزه، وتحرضه لكي لا ينهار في مستنقع اليأس فينهض مجددا يواصل المعركة التي لم تتوقف.
في قصة «النافذة» نرى العلاقة بين الرجل السيد والمرأة الخادمة كعلاقة صراعية ضارية، تتحدد بشكل تعبيري، فالسيد الرجل يعصر المرأة ويحولها إلى أداة تامة.
ويشكل الهواء الموجود خارج بيت هذا الرجل السيد النقيض «النقي» العالم الرجل المسيطر الخانق. فهذا الهواء هو الذي يعلمها الانطلاق والحياة والصحة. كذلك يجسد «النهر» هذه العلاقة بشكل آخر.
السيد يشتهيها ويستعبدها ويطلقها تعمل في البيت بصورة متواصلة. نجد هذه العلاقة تتجلى بشكل مباشر وصارخ عبر أوامره التالية: «انزعي حذائي. قبلي اظافر رجلي. ادخليه في جوفك (...) هاك اسناني نظفيها جيدا. دائما اراك تصلين. لماذا؟ لمن تتوجهين . . آه الخوف . . تخافين . . هذا افضل» ص 38.
هذه العلاقة الاضطهادية توضح التناقض الجوهري الذي لا يقبل الحل بين السيد والخادمة، وهو تناقض اجتماعي وليس تناقضا بين ذكر وانثى، وإذا كانت الانثى في موقع الاضطهاد فهذا بسبب وظيفتها.
ورغم التجريدية التي يصور بها الكاتب هذه العلاقة، وجانب «التغريب» الذي تتشكل فيه، فإنها تجوهر العلاقة التي لا تعرف الانسجام بين الرجل المضطهد والمرأة المضطهدة. أي تجعلها في أقصى تجليها وهو العالم الغربي المتطور.
وسوف ندرس بتمعن هنا القصة القصيرة الطويلة وهي «مواكب لساكنات التلال» كي نرى بتوضيح أكبر موقع المرأة في هذه التجربة الفنية.
منهج امين صالح الفني مغاير للمناهج الفنية المحلية والعربية، فهو يصوغ القصة من مادة واقعية بشكل فانتازي. فهي ــ أي المادة ــ مع احتفاظها بدلالات طبقية حادة إلا أنها لا تتشكل عبر مجتمع ما، بل هي تمتد على الواقع الطبقي المتناقض في كل تلويناتها المعاصرة. انها لا تنطبق على هذا البلد أو ذاك، بل على التكوين الرأسمالي في اكثر أشكاله تطورا ولا تستبعد الاطلال على التكوين المتلف أيضا وبشكل لمحات. والمنهج مع دلالاته الموضوعية الكاشفة لجوهر الصراع، إلا أنه حر وذاتي في تركيباته وتوليفاته المتعددة، خاضعا للوعي النقدي والتداعي الحر.
المؤلف هو خالق هذا العالم الحر، المتوالد، المتغير، المتنامي أشكالا غريبة ومدهشة، معبأ بروح السخرية والنكتة والمأساة. ورغم هذه الحرية فانه يتجه الى جوهر التناقض الاجتماعي، الى لب الصراع في عالم اليوم، موصلا الصراع الى اقصى نتائجه.
لهذا فإن البنية الطبقية الرأسمالية التي نجدها عند علي سيار هي أقصى أمنيات الأبطال، والتي هي بحاجة فقط الى إصلاحات أخلاقية وتربوية لكي تتنقح، وعند عبدالملك الى تغيرات هامة تتعلق بوضع المسحوقين والمحطمين كي تكون أكثر إنسانية، فإنها عند امين صالح مدمرة، محطمة، بفعل وأحلام الشخصيات التي تصنع هذه البنية مجددا.
هنا تجد اعترافا صارما بالواقع الاجتماعي العام وتحطيما فنيا له، لكون المنهج الفني الذي تضافرت فيه روح الثورة بالفنتازيا خلق كشفا وتعرية وتجاوزا في ذات الوقت.
ولأن هذا المنهج يدمر البنية عبر فانتازيا حرة تراجيدية وكوميدية معا، فإن المرأة تجد نفسها في هذا العالم متحررة من أغلالها الاجتماعية والنفسية ومقيدة فيها أيضا.
وفي المشهد الافتتاحي لقصة «مواكب لساكنات التلال» نرى رجالا يتقدمون حاملين مصابيحهن وقد تركوا أهلهم في الاكواخ متوغلين نحو النساء الساكنات التلال، والتربة تتوالد اشكالا من الأحياء كأنها في طقس ربيعي احتفالي.
ونستطيع أن نجد في هذا المشهد الافتتاحي السينمائي كل الخريطة الاجتماعية والطبيعة المحتفلة بعرس التغيير والولادة: من قافلة البجع المنطلقة من جوف التربة مشكلة كرنفالا ناريا الى الفدائي العربي ذي الساق المبتورة والذي يطلق رصاصاته في الهواء احتفاء . . الى الدجاجة التي تبيض بيضا يفقس قبائل محتفلة بالليل والنهار. كل هذا الاحتفاء الرجالي والطبيعي هو من أجل النساء، من أجل الأرامل المجللات بالسواد، من أجل النساء الذين يتضوعن حبا.
وبعد هذه الافتتاحية سنجد عدة حكايات ذات خط واحد. فما هي هذه الحكايات وهذا الخيط؟
نبدأ الحكاية الأولى: انها قصة حارس هو سيد المنطقة وسيد الليل، الذي سحق البراغيث والكلاب وجن جنونه من اجل امتلاك امرأة جميلة، راح يراقبها من ثقب في جدار والشهوة تقلقل جسده. يتبعها في النهار ويراقبها في السوق ويرصد ارتجاجات جسدها المثير. «حتى العباءة كانت عاجزة عن صد غارات عينية المتقدتين» (عبر تعبير العباءة نجد المحلية الشديدة) وبعد ان يخرج زوجها لعمله في الليل يهرول الى الفجوة ويتوجع. زوجها عامل في مصنع. رجل بسيط وطيب، يشارك العمال في ابتهاجاتهم النضالية، لكنه لا يتزعم.
المرأة تحلم. والحلم ضفيرة أخرى في هذا العالم الفني تنمو بحرية تامة، ما قد يقع بعد سنين، قد يقع الآن ليس حواجز بين الواقع والحلم، فهذا الأخير هو واقع قادم مستحضر.
المرأة تتدثر بالبنفسج وترسو قرب الشمس تعيش مع شعوب تحارب الحرب ولا تستغل بعضها، أنها على مستوى الحلم تندمج مع شعوب حرة، وعلى مستوى الواقع تعود الى جزيرة معزولة موحشة تحرسها خفافيش عمياء. ص 12.
الحدث القصصي يجمع بين هجوم الحارس على المرأة واغتصابها، وسقوط رافعة على جسد الزوج. فعلان، متباينان، في الشكل، متوحدان في المحتوى، يجريان عبر سرد متقطع لنكتشف عبرهما بنية اجتماعية واحدة تدمر الجسد الإنساني وتغتصبه، سواء كان امرأة في بيت أو عاملا في مصنع . .
الحكاية الثانية: هي حكاية لاعب سيرك ممتاز اصطاده ثلاثة رجال هم ممثلو الطبقة السائدة: جنرال، واعظ، رأسمالي. ثلاثة وجوه أساسية تمثل الطبقة ووظائفها المختلفة. انها شخصية واحدة في هذا الواقع الفني، لكن تتعدد أشكال وجودها وعملها. الجنرال يذهب الى عمله بدبابة داهسا أكثر من شخص! الواعظ يكره قوم المستنقعات والقرى، يمتطي بغلة سريعة مهووسة بالتوابل تنطلق كبرق. الرأسمالي يعشق الخزائن. وقد اتفق الثلاثة على استخدام لاعب السيرك أثناء حفلاتهم الحمراء. ثم سجنوه هناك. فراحت زوجته تبحث عنه وعندما عرفت بمقتله صنعت ثلاثة توابيت لأولئك الرجال الثلاثة. وبهذا انتقلت المرأة من دور الارملة الباكية الى دور الثائرة.
الحكاية الثالثة: عن خادمة تعمل في بيت رجل غني. وسبق أن لاحظنا وجود هذا الموتيف في قصة أخرى. ولكنها أكثر غنى وفكاهة سوداء فالابن يستغلها في عادته السرية، والزوج ولأنه لا يستطيع أن ينام معها يقيدها ويجلدها بالسوط. وقد وجدت الخادمة حريتها في الراعي الذي ضربته هذه العائلة عندما أرادها. لهذا قامت الخادمة بأغلاق الباب على العائلة واشعلت النيران في البيت!
الحكاية الرابعة: عن امرأة مومس تعيش في برميل تحتضن عاملا مغتربا تشرد وعمل في المدينة الغنية فلفظته بعد أن استهلكته.
هؤلاء النسوة الأربع يقدمن نموذجا مغايرا للمرأة، انما المرأة الرافضة للبنية الضاغطة على الإنسان تحمل سكينا لقطع الرقاب، وتستعد للإجهاز على قوى الشر، وتقدم حليبها غذاء للمشردين والمطحونين.
منيرة الفاضل
تدور الكثير من قصص منيرة الفاضل حول المرأة وتجربتها في الحياة. والبؤرة التي تدور عليها هذه التجربة هي الحياة العاطفية والحب. إن فهم هذا المحور سيعني رؤية تجارب الابطال والبطلات المختلفة المتشابكة المتصارعة في هذا العالم.
ان المرأة تخطو في قصصها خطواتها الأولى نحو الحرية، ونحو خروج المرأة من عالم الحرية في جسدها الى البحث المضنى عن علاقة صحية وحقيقية مع الرجل.
إننا نجد في قصص منيرة الفاضل العلاقة العاطفية في بؤرة الاهتمام، والمرأة تسعى للعلاقة العاطفية بأقصى تجلياتها. لكن نجد ان هذه العلاقة تبقى الى حد كبير في حدها الأدنى عند مستوى الجسد، وإقامة العلاقات الجسدية العابرة الم
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 16, 2019 15:31 Tags: المرأة-في-القصة-البحرينية
No comments have been added yet.