♀المرأة والحداثة المهزومة الأولى ⇦

عبّر الإسلام عن ثورة نهضوية في ظروف عربية شديدة التخلف، فحمل ميراثاً بدوياً محافظاً ثقيلاً، وهو يعبر بالعرب من
مرحلة الفوضى والتخلف، إلى مرحلة النظام والتقدم.
وكما نهض على التحالف الكفاحي بين التجار المتوسطين والفقراء، لإزاحة الملأ الأرستقراطي الباذخ، فقد قام على تعاون بين الرجال والنساء فى سبيل تشكيل حياة اجتماعية مختلفة.
فكان ظهور النساء في هذا المجرى الثوري واضحاً، عبر سطوع دورهن في البعثة والدعوة وتشكيل الدولة وحروب الجهاد والفتوح، ولكن هذه المرحلة انتهت بصعود أسر الأشراف مجدداً، عبر تراكم ثروات الفتوح والتجارة والعبودية في أيديها، وانقلابها على المشروع الجمهوري والشعبي الأول، وتحوله إلى ملكية عضوضة مدعمة بالجيوش الباطشة.
وقامت حكومات الأسر الأرستقراطية بجر الإرث البدوي المحافظ إلى الحياة المدنية الإسلامية، عبر الهيمنة المطلقة لرؤساء العشائر والقبائل واستعادة الحروب بينها والشعر المادح لها. لقد حاولوا استمرار الخيمة الصحراوية فوق المدن الجديدة.
فكانت عملية استعادة مضمون الحياة الجنسية للجاهليين، بجعل شهوات الرجال مباحة بلا حدود، يغذيها توسع المداخيل الهائلة للغزوات والفتوح، التي جعلت حتى الجنود الصغار قادرين على شراء الجواري، وامقلأت الأسواق بالنسوة العبدات والأسيرات المجلوبات من افريقيا وأوروبا الشرقية والهند.
كان هذا يقود فقهياً إلى التوسع المباح للرجال، والتضييق الواسع على النساء العربيات. فبدلاً من الظهور الاجتماعي الثري المشارك فى عمليات التحول فى ابان الثورة العربية الإسلامية التأسيسية، قاموا بإعادة النساء العربيات في المدن إلى الأقبية الخلفية في البيوت، وتم رفض مشاركتهن في الحياة السياسية والاجتماعية العامة.
بطبيعة الحال لم يستطع الرجال السيطرة على نساء الريف والبادية، اللواتي كن يشتغلن جنباً إلى جنب مع الرجال، ويشاركن فى الحياة الاجتماعية والثقافية، فكانت بساطة الحياة والمساكن تجعل حضور المرأة شيئاً حتمياً. ولكن ذلك لم يكن يعني المساواة، بل زيادة أعباء المرأة وبساطة ملابسها وقلة زينتها وقوة جسمها، بعكس الحال فى المدينة العربية التى ملأت المرأة نفسها بالزينة وأثقال اللحم والأمراض، محاولة أن تجذب الرجال النهمين الذين كانت اختياراتهم الجنسية الأجنبية واسعة.
وحتى عقل هذه المرأة المدنية كان متدهوراً بسبب منعها من النشاط العقلى، إلا ما كان غارقاً فى التدين والتصوف، وهي النافذة الوحيدة التى وجدتها المرأة لكى تعبر انها ليست جسداً فحسب، بل عقلاً وثقافة، مثلما فعلت رابعة العدوية وهي تؤكد انها إنسان وليست امرأة فقط، ولهذا ظهرت كمخلوق غير جنسي، وجعلت عشقها إلهياً. لقد تم قطع علاقة المرأة بالنهضة على المستويين المدني والريفى معاً، فالأرياف تكون غارقة عادة فى العمل المضني وفي طبيعة قاسية واستغلال لا يرحم، ولهذا كانت البوادي والارياف تثور بفوضوية وعنف مخيف، وهي تنتقم من المدن التي استغلتها طويلا، كما فعل بنو سليم والقرامطة.
ويكشف حضور المرأة في الملاحم الشعبية عن هذه المقاومة التي بذلتها النساء للتأثير وتشكيل الوجود الشخصي، وللرغبة الدائمة في المساواة مع الرجال، ورفض التمايز الذي كرسه في انتصاره في الحروب وهيمنته على الملكيات الواسعة والصغيرة.
لقد كان نتاح هذا الصراع الجنسي وسيطرة طرف بشكل مطلق هو انهيار الحياة الأسرية العربية، وتشكيل أجيال من البشر المعقدين جنسياً والمعطلين عقلياً.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 04, 2019 10:58 Tags: المرأة-والحداثة-المهزومة-الأولى
No comments have been added yet.