الباديةُ تصنعُ الروايةَ
      عانت الروايةُ في المنطقة كثيراً لكي تكون لها أجنحةٌ ولكنها ما زالت تنزفُ بين مناشير الوراقين الناشرين ودكاكين التجارة بلحمِها الرقيق. 
كانت المدنُ العربية هي التي تصنعُ الروايةَ وعبرها تنتقلُ اللفحاتُ الحضارية إلى المناطق الأخرى، لكن الجزيرةَ العربية، الباديةَ القاعَ للأمة، أخذت خلال قرن تصنع هي الأخرى روايتها.
في مبادرة جريدة (الوطن) لتحفيز الرواية البحرينية وصنع أجنحةً صغيرة تطير بين براري البلد ومدنه، فرصة لم تُتح لأجيال من أن يتدربوا ويعيشوا تجربة الرواية.
كانت المدنُ هي التي تصنعُ الرواية، لكن المدن صدأت، بعضٌ من جيل تاه عن الأرض والوطن والرواية والنضال، أدمن البيعَ والشراء التي وصلت إلى سلع مثل الضمير والمشاعر والقضية، ويتعجب ناشرٌ من أن ينشر روائيون رواياتهم وقصصهم نازفة في صفحات الجرائد، والناشر الذي تضخم من التجارة بمسودات الكُتاب وضحايا الإبداع لا يعيدُ مرتجعات ولا يحظى المؤلفون أحياناً بنسخ من أعمالهم وليس لديه دفاتر يقيد فيها دماءَ ضحاياه.
ويقول ناشرٌ آخر لماذا لا يظهر مبدعون وينشطون في القصة والرواية والشعر؟ فهل أبقيتم أصابعَ للمؤلفين لكي يكتبوا بها؟
المدنُ صدأتْ وبعضٌ جيلٍ لا يقرأ روايةً وقصة، ومراجعون تخصصوا في قرض الشيكات، وأصبحت القراءة لدى بعضهم جريمة أو وسوسة مرضية، أو تهمة، أو أن الكاتب الناقد الحصيف مشغول بالعناية بجثثٍ عتيقة تفحمت منذ زمن بعيد، وما زال يلمعُّها، ويذهبُ بها إلى السوق، وحوله مئات الروايات الجديدة والأعمال المثيرة، ولكنه لا يسمعُ صراخَ الشارع، ولا يلتفت لهذه الروايات التي تضج بالحياة والقضايا والتحولات، ولهذا تقوم العديد من المجلات (الثقافية) و(الفكرية) في الخليج بالاشتغال بما هو خارج الخليج، وإهالة الرمال المتدفقة دائماً عليه.
إن تعلم بعض الفراشات الجديدة الطيران بأجنحة الرواية هو مساعدة ثمينة لكنها عابرة صغيرة فيما مشوار الرواية موج صاخب وتحديات وأسواق فيها حيتان ضارية!
لهذا مجلاتنا مشغولة بالصباغة، فهناك بعض التماثيل التي يجب تلميعها دائماً وعرضها في الفاترينات الزجاجية الزاهية.
أن تعلم بعض الفراشات الجديدة الطيرانَ بأجنحة الشعرِ والآلةِ والخضاب العربي الخليجي والسرد مهمةٌ لا يقوم بها سوى رواد الفضاء الإبداعي، بمن لم يفكروا بالأزقة الضيقة المسدودة للناشرين والطابعين والمهتمين الذين أغرقوا الثقافة في بحر الرماد.
حين يأتي تجار بيروت إلى الأسواق لصيد الروايات والروائيين، يحسُّ الكتاب الشباب بمدى الاختناق في سوق النشر، فهم لا يتخلون عن فلذات أكبادهم بل عن مدخراتهم القليلة عبر السنين أيضاً!
ولذا فإن التجارب الأولية لا تكفي، فنحن بحاجة إلى سلاسل لروايات الشباب، وقصصهم القصيرة، ومجلات تحتفي بنتاجهم عبر زمن مستمر.
الرواية مهمات صعبة، فهي حفرٌ في الحياة، ورسم للشخوص وبحث عن جذورها وتطوراتها، وأمانةٌ للأرض، وعناية بالإنسان، وحب لتطور الوطن في عالم الضياء والتقدم، ولهذا تَحفرُ بقسوة، وتَضربُ بحدة، ولكن عبر نماذج وأمثلة، وحكايات ممتعة، وحب لا ينضب.
هي حوارٌ وطني عميق على مدى أجيال، يؤسسه نقدٌ تاريخي تضحوي من قبل كبار المبدعين المفكرين لأن هؤلاء النقاد هم جوهرةُ الحياة الباقية، ولهذا باختفائهم ليس ثمة حوار بين طبقات وأجيال ومستويات أو أشكال فكر ووعي وتغيير.
حين خبا نقد الرواية خبا نقد الحياة، واختنق الإبداع.
العالمُ يتصحر بلا كشف ولهذا فالرواية هي صنو النقد، من يكتبها هو ناقد عميق داخلي، متأمل، وحين يفيض النقدُ تنتشر موجات التحول ويتراكم الإبداع.
والأهم للروائي الشاب كيف يحب أهله وشعبه وأمته والإنسانية ويحلل مدن الخليج والجزيرة العربية، ويكشف تدفق السكان والعلاقات الاقتصادية والسياسية ويجسدها بلوحات فنية بمسئولية عالية.
تظل الروايات التجريبية مجرد بروفات تعليمية ولمسات أولى يُعاد النظر فيها عبر التجربة وقراءة المجتمعات، وكلما توهج الصراع الاجتماعي السياسي فيها بأجساد بشر حية تسارعت خطى الاقتراب من الرواية بمستوها العربي والعالمي.
http://www.ahewar.org/debat/show.art....
    
    كانت المدنُ العربية هي التي تصنعُ الروايةَ وعبرها تنتقلُ اللفحاتُ الحضارية إلى المناطق الأخرى، لكن الجزيرةَ العربية، الباديةَ القاعَ للأمة، أخذت خلال قرن تصنع هي الأخرى روايتها.
في مبادرة جريدة (الوطن) لتحفيز الرواية البحرينية وصنع أجنحةً صغيرة تطير بين براري البلد ومدنه، فرصة لم تُتح لأجيال من أن يتدربوا ويعيشوا تجربة الرواية.
كانت المدنُ هي التي تصنعُ الرواية، لكن المدن صدأت، بعضٌ من جيل تاه عن الأرض والوطن والرواية والنضال، أدمن البيعَ والشراء التي وصلت إلى سلع مثل الضمير والمشاعر والقضية، ويتعجب ناشرٌ من أن ينشر روائيون رواياتهم وقصصهم نازفة في صفحات الجرائد، والناشر الذي تضخم من التجارة بمسودات الكُتاب وضحايا الإبداع لا يعيدُ مرتجعات ولا يحظى المؤلفون أحياناً بنسخ من أعمالهم وليس لديه دفاتر يقيد فيها دماءَ ضحاياه.
ويقول ناشرٌ آخر لماذا لا يظهر مبدعون وينشطون في القصة والرواية والشعر؟ فهل أبقيتم أصابعَ للمؤلفين لكي يكتبوا بها؟
المدنُ صدأتْ وبعضٌ جيلٍ لا يقرأ روايةً وقصة، ومراجعون تخصصوا في قرض الشيكات، وأصبحت القراءة لدى بعضهم جريمة أو وسوسة مرضية، أو تهمة، أو أن الكاتب الناقد الحصيف مشغول بالعناية بجثثٍ عتيقة تفحمت منذ زمن بعيد، وما زال يلمعُّها، ويذهبُ بها إلى السوق، وحوله مئات الروايات الجديدة والأعمال المثيرة، ولكنه لا يسمعُ صراخَ الشارع، ولا يلتفت لهذه الروايات التي تضج بالحياة والقضايا والتحولات، ولهذا تقوم العديد من المجلات (الثقافية) و(الفكرية) في الخليج بالاشتغال بما هو خارج الخليج، وإهالة الرمال المتدفقة دائماً عليه.
إن تعلم بعض الفراشات الجديدة الطيران بأجنحة الرواية هو مساعدة ثمينة لكنها عابرة صغيرة فيما مشوار الرواية موج صاخب وتحديات وأسواق فيها حيتان ضارية!
لهذا مجلاتنا مشغولة بالصباغة، فهناك بعض التماثيل التي يجب تلميعها دائماً وعرضها في الفاترينات الزجاجية الزاهية.
أن تعلم بعض الفراشات الجديدة الطيرانَ بأجنحة الشعرِ والآلةِ والخضاب العربي الخليجي والسرد مهمةٌ لا يقوم بها سوى رواد الفضاء الإبداعي، بمن لم يفكروا بالأزقة الضيقة المسدودة للناشرين والطابعين والمهتمين الذين أغرقوا الثقافة في بحر الرماد.
حين يأتي تجار بيروت إلى الأسواق لصيد الروايات والروائيين، يحسُّ الكتاب الشباب بمدى الاختناق في سوق النشر، فهم لا يتخلون عن فلذات أكبادهم بل عن مدخراتهم القليلة عبر السنين أيضاً!
ولذا فإن التجارب الأولية لا تكفي، فنحن بحاجة إلى سلاسل لروايات الشباب، وقصصهم القصيرة، ومجلات تحتفي بنتاجهم عبر زمن مستمر.
الرواية مهمات صعبة، فهي حفرٌ في الحياة، ورسم للشخوص وبحث عن جذورها وتطوراتها، وأمانةٌ للأرض، وعناية بالإنسان، وحب لتطور الوطن في عالم الضياء والتقدم، ولهذا تَحفرُ بقسوة، وتَضربُ بحدة، ولكن عبر نماذج وأمثلة، وحكايات ممتعة، وحب لا ينضب.
هي حوارٌ وطني عميق على مدى أجيال، يؤسسه نقدٌ تاريخي تضحوي من قبل كبار المبدعين المفكرين لأن هؤلاء النقاد هم جوهرةُ الحياة الباقية، ولهذا باختفائهم ليس ثمة حوار بين طبقات وأجيال ومستويات أو أشكال فكر ووعي وتغيير.
حين خبا نقد الرواية خبا نقد الحياة، واختنق الإبداع.
العالمُ يتصحر بلا كشف ولهذا فالرواية هي صنو النقد، من يكتبها هو ناقد عميق داخلي، متأمل، وحين يفيض النقدُ تنتشر موجات التحول ويتراكم الإبداع.
والأهم للروائي الشاب كيف يحب أهله وشعبه وأمته والإنسانية ويحلل مدن الخليج والجزيرة العربية، ويكشف تدفق السكان والعلاقات الاقتصادية والسياسية ويجسدها بلوحات فنية بمسئولية عالية.
تظل الروايات التجريبية مجرد بروفات تعليمية ولمسات أولى يُعاد النظر فيها عبر التجربة وقراءة المجتمعات، وكلما توهج الصراع الاجتماعي السياسي فيها بأجساد بشر حية تسارعت خطى الاقتراب من الرواية بمستوها العربي والعالمي.
http://www.ahewar.org/debat/show.art....
        Published on October 15, 2019 16:49
        • 
          Tags:
          البادية-تصنع-الرواية
        
    
No comments have been added yet.
	
		  
  


