المُرتَحِلون والساكنون خوفاً
قضى عمره ساكناً، خائفاً من المجهول،متردداً فى اتخاذ القرارات، يهاب التغيير و يتساءل بلا توقف لماذا أنا. ظل يسوف حتى اعتاد مرور و فرار الفرص و تملص الأحداث الهامة، و نسى وسط تلك الوساوس أن يحيا. تمرس فى أن يثقل كاهل الآخر الحالم، المفعم بالفن و الحب و الحياة بانتقادات لاذعة لكل ما يقوم به وصلت إلى حد الاستهانة بما يحقق و السخرية منه، حتى تمكن من إخراج أسوأ ما فى الحالم و فقد حتى احتمالية وجود أرض مشتركة تجمعهما.من السذاجة تصنيف البشر إلى بضع أنواع جامدة الأطر، حيث أن السمة الأساسية بيننا جميعاً هى الاختلاف و التباين فى الصور و البنيان و الأذواق، و الأفكار، و المشاعر و درجة رهافة الحس ، و البصيرة … إلخ، لذلك لا أؤمن بالتصنيفات الجامدة، و أرى أن كل نوع يحمل تفاوتاً داخلياً يجعل من العسير وضع تصنيفات متحجرة تحاول قولبة البشر بلىِّ الذراع. لذلك، سأتحدث فقط عن نوعين بعينهما و بشكل عام، لأنهما عجزا عن خلق مساحة مشتركة بينهما على أرض الاختلاف.جانٍ هو ميراث مجتمعاتنا. لا يستطيع أحد أن يشير بأصابع الاتهام إلى شخص بعينه ليتحمل مسؤولية هذا الميراث اللعين من أفكار أدت إلى تخلفنا ليس اقتصادياً و علمياً فقط بل و إنسانياً، فغفلنا سر وجودنا و أخطأنا فى حسابات الحياة لنجد أنفسنا حبيسى تلك المفرمة الملقبة ب”عجلة الحياة”.” أنا لست هذا الجسد، كما أننى لست هذا العقل”نعم. فسرنا هو الروح التى عندما تنتهى رحلتها، تهجر الأجساد لتعود إلى برزخها الأصلى حيث ذاكرتها الكاملة، لا يعيبها نقص و لا يشوبها انشغال بأوهام تحولت إلى أولويات فى عالم المادة الزائل. لم نرث ذلك الفكر الذى يجعلك تتساءل على الدوام إذا ما كنت سعيداً بالأمر الذى تقوم به، إذا ما كنت تحب عملك حقاً. لم نعتد على التساؤل عن الغاية من تلك الحياة.هل خلقنا بالفعل لنقوم بأعمال تخنق أرواحنا فتقتل لدينا الحس و تجعلنا عاجزين عن الإتيان بأى إبداع، هل الهدف هو جمع المال و الوصول إلى السلطة و أن نتزوج و ننجب أبناءً نستميت فى إحالتهم إلى نسخ معدلة مننا، نحقق ما عجزنا عن تحقيقهم بهم ، فنُسَيِّرهم و نشعرهم بأنهم مجرد أداة لتحقيق غاياتنا فننسى أنه لا يحق لإنسان أن يملك آخر، و أن الأبناء ودائع تُرد و تُمنَح حرياتها كاملة عندما يحين الوقت.لم نخلَق لنكون جميعاً مثل بعضنا البعض، و لم يخلق كل إنسان كالآخر، لكل رسالة و لكل مؤهلات تجعله غير قابل للتقولب حتى يلائم رسالة الآخرين قسراً.نحن مجتمعات تسخر و تقلل من شأن كل ما تجهله. فنبدأ بالاستنكار و الاستهجان فالاستهزاء وصولاً إلى محاولة تحطيم عزيمة من يختلف معنا و يخالفنا فى الطباع و الأفكار، و فى بعض الأحيان ظناً منا بأننا نحميه.مجتمعات مزيفة ندعى التحضر و التفتح و تقبل الآخر و الدفاع عن الحق حتى و إن لم يكن على هوانا و على أرض الواقع عندما يصير القول قيد التنفيذ نناقض أنفسنا فتسقط الأقنعة لتظهر حجم التشوه المستور خلفها.يعتبر الفن لدى صاحبه الهواء الذى يتنفسه، تفتح أزهار مسامه لتستقبل الجمال المحيط بنا فى الكون، جذره الذى يصله بالكون و السبيل إلى استعادة ذاكرة روحه الأسيرة داخل ذاك الجسد ، عونه على التبصر أملاً فى البصيرة و استكشاف قدراته الهائلة التى وضعت داخله و لكن الضوضاء أخافتها فاختفت فى غياهب نفسه وتحتاج إلى أيادً تشدها لتفصح عن نفسها، هو السعادة التى تخلق له حالة فريدة لن يتمكن من تفسيرها و تمنحه أجنحة و نشوة التحليق.أما الآخر فيرى غيره متوهماً، يضيع وقته؛ الذى هو فى صراع دائم معه و يعتبره عدوه الأساسى، و يرى أى إنجاز يحققه طالما لم يدر نفعاً مادياً أو سلطوياً مضاعة للجهد و ضلالاً لابد أن يردعه عنه.ليس الهدف من الحياة أن نركب على متن قطار يعدو بلاتوقف محاولين اللحاق بأهداف غيرنا، فلا نمنح لأنفسنا فسحة للتوقف و التأمل و الاستمتاع بشعور الاتصال و هدوء البال.ما يناسبك ليس بالضرورة يناسبنىو ما تنشده ليس بالضرورة أنشدهو صورة حلمك ما هى بذات الصورة لدىفإما أن تتقبلنى كما أنا أو تتجاهلنىو لكن لا تحطمنى ، فلن تكسب شيئاً سوى المزيد من البقع السوداء فى صميم روحك و نواتهاhttps://masreiat.net/2018/07/10/253222https://www.facebook.com/dina.eldakhs85دينا الدخس
Published on July 11, 2018 01:35
No comments have been added yet.


