على الجيل الجديد أن يقراً كثيرا

أحرص قدر ما يسعني الوقت على مطالعة النتاجات الروائية، خاصة الأعمال العراقية، لاهتمامي بالرواية ومتابعة ما يصدر في هذه المضمار، وأحيانا بطلب من بعض الأصدقاء/الصديقات الأعزاء للاطلاع على هذه الأعمال التي كتبوها وإبداء رأيي المتواضع جداً (أكتبها بكل صدق وأمانة على الخاص). وصراحة، كل ما أخشاه أن الجيل الجديد من الروائيين/الروائيات العراقيات، جله وليس كله، لا يملك ما يؤهله لمواصلة النجاحات والإنجازات المهمة التي حققتها الرواية العراقية منذ نشأتها، حيث شقت طريقها وحضورها بقوة وانجبت نصوصاً ونتاجات مميزة رغم كل ما تعانيه الرواية العراقية من ظلم وتهميش اعلامي وغبن في مجال الترويج والترجمة إلى اللغات الأُخر.
ولعل بعض الملاحظات التي رصدتها في هذا الجانب:
الجيل الجديد بحاجة إلى قراءات واسعة في التاريخ والفكر والأدب والرواية بشكل خاص. ليس المطلوب قراءة جميع ما صدر، ولكن ليس من المقبول عدم مطالعة أي مما يصدر. هذه القراءة يجب أن تكون نقدية، يتثوب فيها المطالع جلباب الكاتب والشخصيات السائرة في حياة السرد، أن يلقط نقاط الضعف والقوة وأن يدرج ملاحظاته عن مجمل العمل لأنها ستكون له عوناً في عمله/أعماله اللاحقة.
ثمة استعجال وقلة صبر لصدور العمل ولحظوة الشهرة. ليس المهم أن يقال عنك روائياً، بل الأهم ما الذي أضفته للمشهد الروائي والابداع الأدبي والتميز السردي. أنصح بعرض العمل قبل تقديمه لدار النشر على ناقد وكاتب وقارئ فطن، لا على واحد منهم. فكل شخص ينظر من زاوية مختلفة وبعض الملاحظات تكون مهمة لإثراء النص وتقويته.
• ليس المطلوب "الكتابة" كفعل، فالكل قادر على تأدية هذا العمل، بل الأهم ماذا تكتب، ولمن تكتب وكيف تكتب وما الجديد الذي تطمح وراء هذه الكتابة الروائية.
بعض الأعمال لا تحمل صفة الرواية لغة وسرداً وبناءً فنياً، فهي مجرد خواطر/حكايات يومية لا رابط لها يلمع فيه الكتاب صورته الشخصية، أو قصة "ممطوطة" من مشهد واحد/موضوع بسيط مكرر، أو كوكتيل من النصوص المرقعة.
يجب أن يتقبل الكاتب رأي/آراء الجمهور من القراء والنقاد برحابة بصدر. البشر بطبيعتهم يعشقون المديح ويكرهون النقد، فنحن لسنا أنبياء، ولكن ليس المطلوب أن نطرب للإطراء ونسقط من ينتقدنا ونخوض حرباً معه بالأصالة أو الوكالة. شخصياً، أطالع بعض النقاشات ولا تعجبني طريقة الطرح النقدية لأنها تهريجية أكثر من كونها علمية رصينة. ومن جانب آخر، فإن الآراء المطروحة بأسلوب رصين تجب مناقشتها بالأسلوب ذاته واحترام آراء القراء.

يجب ألا تكون الجوائز منية الكاتب وهدفه الأسمى. الجوائز الروائية العربية، وواحدة منها هي الأهم، ذات معايير ترجح كفة الأعمال التجارية القابلة للانتشار أكثر من الأعمال الرصينة المبدعة ذات السرد المكثف والطرح الجريء، إضافة إلى تفضيلها النصوص المكتوبة بحيث تفهم بطريقة واحدة بعيداً عن التأويل والتفسير. ثمة كثير من الروائيين مثل تولستوي وكازنتزاكس لم يفوزوا بنوبل ولكن أعمالهم خلدها التاريخ، فظفروا بعقل ومحبة وقراءة جمهور عالمي واسع. نعم الجوائز مهمة، ولكن ثمة ما هو أهم، والمتمثل بالجانب الإبداعي
لا أفهم كيف يقدر المرء على كتابة رواية ولم يقرأ لعمالقة الأدب العالمي والعربي والعراقي، وربما قراءته لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة من الروايات. نحن لا نعيش عصر المعجزات ونزول الوحي "الروائي" على هذا الكاتب/الكاتبة بحيث أن نتاجه هو أفضل من مرتفعات وذرينج أو البحث عن الزمن المفقود أو مائة عام من العزلة. ما تراه معجزة روائية وفتح سردي يراه غيرك كتابات لا ترقى إلا إلى بوح شخصي عقيم و"حدوتة" يعيشها الجميع.
على الراغب بدخول مجتمع الروائيين معرفة أن الرواية أكبر منه، أن تكون علاقته تكافلية لا أنانية. ليس المهم أن تحمل صفة الروائي، بل الأهم أن تحمل شعلة الابداع والتجديد. كن ناقداً على نفسك أولاً، وشديد النقد عليها، وضع أجوبة مقدماً للأسئلة التي تتوقع من القراء/النقاد طرحها.
كل التوفيق للجميع، وجمعة مباركة
عمار الثويني

#رواية
#قراءة
#أدب
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 12, 2019 07:44
No comments have been added yet.