خمس قصص لكافكا

 


النسر:


قام نسر بمهاجمة قدمي، سبق له أن مزق حذائي والجورب إلى شرائح بالية، وصولا لقدمي ذاتها. مجددا ومجددا نقر قدمي، ثم حلق عدة مرات حولي دون كلل ثم عاد لنقر أصابعي. شاب مر بي، نظر لي برهة ثم سألني لما لا أفعل شيء لأدرأ النسر عني. “أنا عاجز” هكذا قلت له ثم أكملت  “لما جاء وهاجمني حاولت دفعه بعيدا عني في البداية، لكنه قوي. حاول نقر وجهي بيد أن فضلت التضحية بقدمي عن وجهي. بقى تقريبا أصبعا لينقره.”


“لماذا تترك نفسك لعذاب مثل هذا، طلقة واحدة وتسقط أمر ذلك العُقاب عن كاهلك”


-حقا!.. هل ستفعل ذلك من أجلي؟


“هذا أقل واجب.. فقط سأمضي لبيتي لأجلب بندقيتي.. هل يمكنك الانتظار لنصف ساعة آخرى؟”


-لست واثقا بشأن ذلك.  وقفت لحظة جامدا من الألم،ثم قلت:


– افعل على أي حال


“جيد.. سأعود بسرعة قدر الإمكان”


خلال هذه المحادثة، سمع النسر ما دار وهو ينقل ناظره بيني وبين الشاب النبيل. تطلب الأمر منه خفقة جناح، مال بها للخلف ليكتسب قوة دافعة من قوس تخيلي. أنشب بعدها منقاره عبر فمي. أقحمه بعمق. بوقوعي شعرت بارتياح لكونه غرق هو الآخر في دمي، الذي أغرق كل فج و غمر الشواطئ بالفيضانات.


 


…………………………………….


المسافر:


أسدلت السرج فوق الحصان بالإسطبل، الخادم لم يستوعب أوامري. لذلك غدوت إلى الاسطبل بنفسي لأسرج حصاني. من مسافة سمعت نفير بوق، سألت الخادم إن كان سمعه ومفاده. لم يفدني بشيء ولم يسمع شيء. عند البوابة أوقفني وسألني:


-أين وجهتك سيدي؟


“لا أعرف  بعد…حسبي الخروج من هنا.. حسبي الخروج.. بعيدا عن هنا، لا شيء غير ذلك، هذه الطريقة الوحيدة لأصل هدفي”


-إذا..أنت لديك هدف؟


“بالطبع.. قلت لك للتو ، البعد عن هنا…ذلك هدفي”


 


 


 


الجسر:


كنت متيبسا باردا، تمددت فوق وادٍ ضيق. أصابع قدمي امتدت على طرف، وأضافري نشبتها بالطرف الآخر. سرعان ما تشبثت بالطين المفتت حولي. رفرفت ذيول معطفي في فدى الجانبين حتى أنها تشابكت مع فيض لأسماك التروت المرقط الجليدي. لا سائح شرد لذاك العلو، الجسر لم يقبع بأي خريطة بعد؛ لذلك تمددت وانتظرت؛ أنا لا أملك سوى انتظارا. من دون الوقوع، لا جسر وقف على حيله وتوقف عن كونه جسر.


كان نحو المساء الأول- كان الأول أم كان الألف؟  لا أعرف- خواطري تتضارب في حلقة مفرغة. مساء بصيف، تدفق الماء صار يسمع صوته، آنئذ سمعت خطوة آدمية، صوبي..صوبي.


قو نفسك، جسر، استعد لتتماسك من كونك حزم ضوئية. العابر يعتمد عليك. لو أصبحت خطواته غير واثقة سيرتاب بشكل خفي، أما لو عثراته أظهرت له ما معدنك كجبل الرب ستلقي به سالما إلى أرضه.


أتى. ووطأني بالغرزة المعدنية المدببة بآخر عصاه. ثم رفع ذيول معطفي ووضعها علىَّ.  بعدها أدخل موضع عصاه بشعري الكثيف وتركها فترة لا بأس بها، متناسيا إياي بينما شرد بنظره حوله.


حينئذ – كنت أتبعه بين الوادي والجبل- قفز بكلتي قدميه في الهواء فوق جسدي. ارتجفت من الألم، غير واعٍ لما حدث. من كان ذلك؟ صبي؟ حلم؟ ضال؟ منتحر؟ متسكح؟ مدمر؟ والتفت لإراه. جسر يحاول الالتفات. لم استطيع الثبات للحظات، عندما شعرت بالوقوع. وقعت وفي لحظة تمزقت بفعل الصخور التي كانت تحدق بي دوما بثبات عبر المياه المسرعة.


 


 


 


 


 


 


 


جرذ صغير:


 


-أليس


قالها الفأر.


-الكون غدا يتضائل كل يوم، بالبدء كان كبيرا درجة خوفي، ظللت أجري وأجري، كنت سعيدا وقتها برؤية الجدران يمينا ويسارا، ولكن تلك الحوائط بدأت تضيق بي حتى إني بغرفتها الأخيرة، وعن هنا المصيدة التي وجب المضي إليها


” أنت فقط تحتاج لتغيير وجهتك ” قالها القط، ثم التهمه.


 


 


 


 


 


رفض:


 


عندما أصادف فتاة جميلة، وأدعو بنفسي “كني طيبة كفاية لتمضي معي” وتمضي لجواري بدون كلام، هذا ما يدور ببالها “أعلم أنكَ لست دوقا باسم متعجرف، لست أمريكيا عريضا بهيئة هندي أحمر، بلا رصيد، وبعيون مكتئب وبجلد حساس لمجرد لمس هواء البراري والانهار الدائر له. وأنك لن تعبر البحار السبعة أينما كانوا. وأنا لا أعرف أينما كانوا. لابد أنك تصلي، لأن فتاة جميلة مثلي تسير معك؟”


-نسيتي أني لا أملك أوتوموبيل لأفسحك بين أزقة الشوارع و.. أنا أيضا لا أرى رجلا يحوم  بمحيط نصف دائرة حولك، ليضغط  تنورتك النافرة من الخلف أو ينثر ملح التبرك فوق رأسك؛ فبرغم صدرك المزموم بدقة بالمشد الدانتيل، ولكن عندكِ الوركين والفخذين على خلافه، بارتدائك الفستان هذا، مع الجونلة المطرزة والتي أدخلت السعادة إلى قلوبنا بالخريف الماضي، ومع ذلك تبتسمين- دعوة لأي غريب عابر- من وقت لآخر.


“نعم، كلانا على حق، فلنذكر نفسنا بهذا  الكلام الموثوق بصحته من وقت إلى آخر”


-آليس من الأفضل الآن أن يمضي كلا منا إلى حال سبيله؟[image error]

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 09, 2018 08:43
No comments have been added yet.


litfreak1234.wordpress

إسلام عشري
مدونة خاصة بالأدب
Follow إسلام عشري's blog with rss.