رياح التغيير الطيبة

التغييرالتغيير الطيب المطلوب الذي نتحدث عنه هنا يجب أن ينبع من الداخل، ومن عمق احتياجات ورغبات المجتمع ذاته، حقيقة أدركها المسؤولون السعوديون منذ فترة ليست بالقصيرة، ويعد الملك عبدالله بن عبد العزيز رائد الاصلاح الأول في المملكة منذ باكورة عهد. وحين نتحدث عن الاصلاح فنحن نتحدث عن ذلك التغيير الإيجابي الذي يؤدي في النهاية لأن يعيش الفرد في وطنه بحرية وكرامة وأمن ورخاء في مجتمع تسوده روح الأخوة وتقبل الآخر والولاء للدين والوطن.  وقد شهد عهد أبي متعب الزاهر العديد من الخطوات إيجابية في هذا الطريق، فكانت جلسات الحوار الوطني ومشاريع اصلاح التعليم وبرنامج الملك عبدالله للإبتعاث الخارجي وافتتاح جامعات جديدة، ومشاريع تطويرية للبنى التحتية ومدن اقتصادية في معظم مناطق المملكة.


هذه الانجازات الكبيرة لا شك تستحق الاحتفاء، لكن هل تلامس هذه الانجازات الممتازة سقف تطلعات المواطنين، لاسيما فئة الشباب منهم؟ هل يشعرون بأن مشكلاتهم الفعلية في طريقها للحل؟ هل يغطي الاعلام الرسمي السعودي أو الخاص آراء وأفكار هؤلاء الشباب وهل ينقل للمسؤول الصورة الأكثر واقعية عن همومهم اليومية؟


من يريد أن يعرف أجوبة هذه الأسئلة فلينظر إلى ما يقدم في الإعلام التفاعلي في الفترة الأخيرة، وأقصد هنا ما يقوم به المبدعون والعقلاء من الشباب خاصة على موقع اليوتيوب الشهير لأفلام الفيديو، بعيداً عن الفئات الأخرى التي احترفت التهييج وباتت تعارض لأجل المعارضة وتنتقد لأجل الانتقاد، فسيشاهد طفرة في برامج الكوميديا السعودية الناقدة  والتي تتناول مواضيعاً تمس المواطن بشكل مباشر. في الماضي كان برنامج " طاش" هو عزاء السعوديين الوحيد لتسليط الضوء على مشكلاتهم عبر الكوميديا اللاذعة. كان هذا في الماضي، قبل أن يتحول "طاش" إلى برنامج تهريجي يحمل أيدلوجية معينة تستهدف شرائح بعينها لا يتفق معها في المجتمع، ويحاول تصوير الأمر للمشاهد بأن هذه الفئات هي سبب كل مشكلاته وهو أمر غير معقول ولا مقبول.


هذه الأفلام القصيرة الجديدة التي ظهرت انتهجت منهجاً مختلفا بتركيزها على الهموم المشتركة للمواطنين بكافة فئاتهم دون تمييز لا لجهة المنطقة ولا المذهب ولا الجنس ولا التيار الفكري، ولعل هذا من أهم أسباب نجاحها. هذه الأفلام أو المسلسلات مثل: "تسعة إلا ربع" أو "على الطاير" أو" لا يكثر" أو "ايش اللي" أو"احذر خلفك مطب" حين يطرحون قضايا سيول جدة ومحاسبة مسؤوليها أو أزمة البطالة أو السكن أو المواصلات أو تفشي الواسطات أو سيطرة غير السعوديين على قطاعات بعينها بلا ميزة أو مبرر أو ينتقدون بعض الأعراف الاجتماعية الخاطئة.. يظهرون وكأنهم يتحدثون نيابة عن أي مواطن أو مواطنة مجسدين بعضاً من آمالهم وتطلعاتهم، بعيداً عن استقطاب التيارات الذي أعمى وأدمى المشهد الاجتماع والثقافي خلال السنوات الماضية ولا يزال، وكان سبباً مباشراً أحياناً في تعطيل العديد من مشروعات التنمية وفي وأد الكثير من الأفكار الرائدة.


مؤخراً ظهر فيلم جديد، أطول قليلاً من نظراءه السابق ذكرهم اسمه مونوبولي أو "الاحتكار" ، ويتحدث عن مشكلة السكن وما يترتب عليه، فبدون سكن لن يتزوج الشاب وبالتالي يؤثر ذلك تلقائياً على فرص زواج الفتيات وندخل في معضلة اجتماعية كبرى بكل تداعياتها. ويلخص الفيلم أسباب هذه الأزمة، وأنها باقية رغم إعلان الدولة عن بناء خمسمائة ألف وحدة سكنية، بسبب شح الأراضي، في حين أنه في كل مدينة هناك مساحات شاسعة من المخططات والأراضي المهجورة التي يحتكرها أصحابها مما يتسبب رفع أسعار الأراضي بشكل جنوني يستحيل معه على أي شاب أن يمتلك مسكنه في القريب العاجل. والحل الذي يقدمه الفيلم يتمثل في فرض رسوم وضرائب سنوية على هذه الأراضي "البيضاء" بحيث يُجبر ملاكها على بيعها لعدم رغبتهم أو قدرتهم على تحمل تكاليف هذه الرسوم، مما سينتج عنه -حسب رأي منتجي الفيلم- انخفاض كبير في الأسعار يؤدي بدوره إلى تقدم ملموس لجهة حل الأزمة.


وسواء اتفق الاقتصاديون أو اختلفوا مع ما يطرحه الفيلم، الذي يعاني بدوره من بعض التشتت ومحاولة تمرير أكثر من رسالة في الوقت نفسه، إلا أننا أمام ظاهرة جديدة، وهي أن المواطن لم يعد يتشكى من وضعه بالمطلق ويتسول باكياً المسؤول بأن يجد له حلاً، بل ها هو يطرح مشكلة بعينها ويلخص أسبابها في نظره ويطرح لها حلولاً أيضاً. فالمواطن يعتبر نفسه هنا شريك في الوطن، وشريك في التنمية، وبالتالي شريك في رحلة الاصلاح أيضاً، لذا لا يقبل بأن يُهمش رأيه وتهمل قضيته بل يحاول الدفع بها إلى رأس أولوية صانع القرار.


ولا ينطبق الأمر على أزمة المساكن والبطالة فقط، ولا على الجنس الخشن وحده، فالمطالبات النسائية عبر وسائل الاعلام الاجتماعي والتفاعلي قد زادت وتيرتها أيضاً، وإن لم تصل بعد – لأسباب اجتماعية – إلى مستوى طرح الرجال، لكنهن يحاولن أخذ زمام المبادرة بعد سنوات من البكاء وتسول الحقوق.


كل ما سبق يشير إلى أن رياح التغيير بدأت تهب على السعودية، وهي ليست رياح عاتية تأكل الأخضر واليابس على غرار الثورات والانقلابات التي لا تتلائم مع طبيعة الشعب السعودي وتاريخه وقناعاته، لكنها رياحٌ طيبة إن أُحسن استغلالها من أجل توليد الطاقات التي ستساهم في إعمار الوطن الغالي.


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 21, 2011 04:23
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.