العسكر أولاً

يرتدي الجنود في القوات المسلحة سلاسل تحمل أقراصاً معدنية، منقوش عليها اسمائهم ودينهم، وفصيلة دمهم، وكذلك يخيطونها في أحزمتهم، حرصاً على إمكانية التعرف عليهم حتى لو احترق الجسد بالكامل، في رغبة واضحة من الجيش في حفظ اسماء ابنائه ولو ذهبوا.
لا اعرف لماذا تذكرت تلك "التفصيلة" اثناء متابعتي لتحركات المجلس العسكري في الفترة الأخيرة، وشعرت أن لها علاقة بما يحدثن حيث يرغب المجلس في حفظ ابنائه - أبناء المجلس - مهما حدث، وبعد نهاية الفترة الزمنية المحددة ب6 أشهر في 30 سبتمبر الحالي، دون الإعلان عن جدول زمني محدد لنقل السلطة بما فيها تحديد موعد انتخابات رئاسة الجمهورية وليس فقط مجلس الشعب، وبعد اصدار قانون عجيب للانتخابات تم الاستعانة بلعبة "بيت جحا" الشهيرة ذات المرايا مختلفة ابعاد الغظهار في وضعه، لدرجة تجعل من المستحيل على الراغبين في خدمة هذا البلد من النجاح  من خلاله، لأنه يتطلب إمكانيات لا تتوفر لأغلبهم، وبعد مراجعة الإعلان الدستوري الاسطوري الذي صدر بعد إستفتاء 19 مارس  - اللي ينتهي العمل بيه بالمناسبة بنهاية ال6 شهور - وإكتشاف أن مجلس الشعب القادم سيخضع لسلطة رئاسية يمارسها عليه المجلس العسكري بصفته رئيساً للبلاد، ليكون مجلس تشريعي منتخب - بغض النظر عن تكويناته - تحت ادارة سلطة عسكرية فشلت حتى الأن في إدارة البلاد، وتملك تلك السلطات الإلهية لرئيس الجمهورية في مصر، ليبدو هذا المجلس التشريعي في النهاية كاألعوبة في يد المجلس الذي لا يرى فيه سوى لجنة كبرى لوضع دستور جديد، ولن يقبل باي دور أخر له.
وبعد مد فترة العمل بقانون الطواريء إلى يونيو 2012 في إشارة واضحة لعدم إنتخاب رئيس جديد قبل هذا - ويعلم الكثير من العالمين ببواطن الأمور ان مخططات المجلس لا تشمل انتخابات رئاسية حتى نهاية عام 2012 - ، وإنكار واضح للثورة التي كان أحد اهم مطالبها إلغاء قانون الطواريء.
كذلك مع تسريب نظريات للمحيطين، عن طريق رجال المخابرات تشير إلى أن الرئيس القادم سيظلمه الشعب، وسيعاود الثورة عليه خلال سنتين فقط، لصعوبة تحقيق العدالة الإجتماعية في هذا التوقيت بسبب قصر المدة، وبان كرسي الرئاسة لعنة ستصيب من يجلس عليه.
وفي إطار حماية القوات المسلحة الذي يدرك جيداً كل مصري يحب هذا البلد، أنها لا تحتاج لحماية، حيث يدرك كل عاقل أنها ذلك الحصن الذي يحمي البلاد، وبأن أمنها ووجودها وتأمينها واجب وطني على كل مصري عاقل، ولهذا لا يوجد هناك أي مبرر للقلق على أمنها، وإن كان الأصح هو حماية المجلس العسكري، الذي يدرك كل أعضائه أن الخطوة المنطقية الأولى لأي رئيس منتخب قادم هي الإطاحة به في أهون الحلول، إن لم يشر هذا الرئيس إلى صلات المجلس - الذي يحتفظ بعض أعضائه بصورة مبارك في مكاتبهم - بالنظام الراحل.
وعقب حالة من غياب التوازن الإنفعالي أعقبها اصدار بعض قرارات تقييد الإعلام، وكذلك إغلاق قناة الجزيرة مباشر باسلوب مباركي للغاية دون الإلتفات للمرة الأولى لاراء المجتمع الخارجي في أداء المجلس السياسي وهو المحرك الرئيس في اغلب قراراتهم خلال الفترة الأولى.
تبدو المحصلة وكأن المجلس قد قرر الإستمرار في السلطة، ولان التاريخ اللعين يشير بشدة إلى أن العسكر لما يسبق أن احتلوا السلطة وتركوها بكامل إرادتهم - حالة سوار الذهب في السودان شاذة لتثبت القاعدة ولا تنفيها - ولأن العسكر راغبون في حماية أنفسهم ويبدو هذا كل ما يشغلهم وكان اعتذار طنطاوي عن حضور محكمة مبارك بسبب أمنى إشارة واضحة على ذلك.
فمن المنتظر
أن تشهد الفترة القادمة المزيد من الإعتقالات والعنف لمنع أصوات المعارضة الحقيقية، والإكتفاء بالأحزاب الهزلية التي تبحث عن مقعد في مجلس الشعب، الإحتفاظ بدعم التيار الإسلامي المنبطح دوماً للسلطة أملاً في تغييب أغلبية الشعب المتدين، الوصول لحل وسط يرضي أمريكا عن إستمرار الحكم العسكري لمصر - ويبدو هذا جلياً في تعامل المجلس المخزي مع إسرائيل في الأزمة الأخيرة - ، الإستمرار في دعم الفوضى لتهز اركان البيت المصري ويستغيث ليبدأ العسكر في فرض الأمن بالقوة تحت ستار القضاء على الإنفلات الأمني - وبالمرة قمع المعارضة - لتدخل مصر ديكتاتوريتها العسكرية الثانية عقب انتهاء ديكتاتورية 52.
كل ما سبق توقعات لسيناريو بنيته عن طريق بعض المعلومات المتاحة، وبعض المصادر، وكذلك من خلال خبرتي في التعامل مع العسكر، قد يكون سوداوياً، وقد يبدو من خلاله المستقبل قاتماً، لكنه قد لا يحدث، لأن أغلب المتفائلين يرددون في سعادة أن مشكلة المجلس ليست هي الرغبة للتمسك بالسلطة بل فقط أنه لا يعرف ماذا يفعل !
في ظل غياب تام للتخطيط بين اعضائه، وهذا في حد ذاته يحمل قلقاً اخراً على مستقبل بلد لا يعرف من يقوده ماذا يفعل
ثورة مصر الأن على المحك، اما مواتاً سوف يطول لأعوام كثيرة وإما حياة لا يستحقها إلا من يبذل الجهد حتى ينالها.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 14, 2011 07:44
No comments have been added yet.