في أدب الصداقة

النهاردة هو يوم اختارته الأمم المتحدة عشان يكون يوم الناس تعبر فيه عن قيمة إنسانية نبيلة بين البشر وهي قيمة الصداقة. وما أسعد الشخص اللي يلاقي صديق أمين ومخلص وودود، من غير عداوة مستخبية في القلب أو حسد أو غيرة أو كذب.. وكان ابن حزم في طوق الحمامة قد ذكر أن الصديق المخلص هو من نعم الله على الإنسان: "ومن الأسباب المتمناة في الحب أن يهب الله عز وجل للإنسان صديقا مخلصا، لطيف القول، بسيط الطول، حسن المأخذ، دقيق المنفذ، متمكن البيان، مرهف اللسان، جليل الحلم، واسع العلم، قليل المخالفة، عظيم المساعفة، شديد الاحتمال، محتوم المساعدة، كارها للمباعدة، نبيل الشمائل، طيب الأخلاق، سري الأعراق، مكتوم السر، كثير البر، صحيح الأمانة، مأمون الخيانة، مضمون العون، كامل الصون، مبذول النصيحة، مستيقن الوداد، سهل الإنقياد، حسن الاعتقاد، صادق اللهجة، خفيف المهجة، عفيف الطباع، رحب الذراع، واسع الصدر، متخلقا بالصبر". ولما الواحد بيلاقي صديق أو صديقة بالصفات النبيلة دي بيكون زي اللي لقى لقية في هذا الزمن الغريب.. وكان الإمام الأكبر محيي الدين بن عربي قد ذكر في الفتوحات عبارة وكان يقصد بها " ذوق المعرفة" وأنا أحفظها عن ظهر قلب لصحتها ودقتها واستعيرها هنا عن "الصداقة" الحقيقية، والعبارة هي: "وقد كان شيخنا صالح البربري بإشبيلية قد قال لي يا ولدي إياك أن تذوق الخل بعد العسل فعلمت مراده". ومفيش مرة الواحد بيلاقي فيها صديق حقيقي، ويعرف الفرق بين طعم الخل وطعم العسل، إلا ويعلم مراد هذا الشيخ ويتذكره. وزي ما يمكن تعريف الصداقة والصديق بالإيجاب، أي بأنهم من يوجد فيهم صفات معينة. فيمكن تعريفهم بالسلب.. فنذكر قول الإمام الشافعي "إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً.. فدعه ولا تُكثِر عليه التأسفا، ففي الناس أبدال وفي الترك راحةٌ.. وفي القلب صبرٌ للحبيب ولو جفا، فما كل من تهواه يهواكَ قلبُه.. ولا كل من صافيته لك قد صفا، إذا لم يكن صفو الوداد طبيعةً.. فلا خيرَ في ودٍ يجئُ تكلٌفا، ولا خيرَ في خِلٍ يخون خليله.. ويلقاهُ من بعدِ المودة بالجفا، ويُنكِرُ عيشاً قد تقادم عهدهُ.. ويُظهِرُ سراً كان بالأمس قد خفا، سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها.. صديقٌ صدوقٌ صادقُ الوعدِ مُنصِفا". وعلى ذكر الإمام الشافعي فقد كان تليمذه وصديقه الإمام أحمد مريضا ذات مرة، وذهب إليه الشافعي ليزوره فلما وجد علامات المرض الشديد عليه حزن حتى مرض ولزم الفراش. ولما علم أحمد بحزن ومرض شيخه وصديقه، تماسك وذهب لزيارته وعيادته.. فلما رآه الشافعي كتب:
مرض الحبيب فزرته
فمرضت من أسفي عليه
شُفي الحبيب فزارني
فشُفيت من نظري إليه..
وابن حزم ينصح، إن كان لك هذا الصديق، بقوله: "فإن ظفرت به يداك فشدهما عليه شد الضنين، وأمسك بهما إمساك البخيل.. ولن يفقد الإنسان من صاحب هذه الصفة عونا جميلا ورأيا حسنا". ومن آداب المحبة والصداقة أن تخبر أخاك هذا بمودتك له؛ وفي الحديث: فإنه أبقى في الألفة، وأثبت في المودة..
5 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 30, 2017 09:13
No comments have been added yet.