دهشة المؤرخين الغربيين من الفتوحات الإسلامية
لقد ذكرنا في المقاليْن السابقين (الأول، الثاني) كيف كانت الفتوحات الإسلامية معجزة تاريخية مخالفة لما جرت عليه العادة التاريخية في فتوحات الأمم، وأن من أهم ما تميزت به الفتوحات هو كونها سريعة راسخة، فقد اكتسحت الأراضي بسرعة ثم رسخت فيها بعمق.
ولهذا ما يكاد المؤرخون يسجلون هذه الفتوحات إلا وتغلبهم الدهشة من تلك السيرة، وهكذا انتشر بينهم العجب حتى ليشعر المرء أحيانا أنهم يتفننون في وصفهم للفتوحات الإسلامية ليأتوا في وصفها بما لم يقله غيرهم:
فيصفها الفيلسوف الشهير برتراند رسلويصفها مؤرخ الفلسفة إميل برهييهويصفها الباحث الأمريكي مايكل هارت بأنها "أعظم غزوات عرفتها البشرية"، يقول: "استطاعت جيوش المسلمين الصغيرة المؤمنة أن تقوم بأعظم غزوات عرفتها البشرية، فاتسعت الأرض تحت أقدام المسلمين من شمالي شبه الجزيرة العربية وشملت الإمبراطورية الفارسية على عهد الساسانيين وإلى الشمال الغربي واكتسحت بيزنطة والإمبراطورية الرومانية الشرقية. وكان العرب أقل بكثير جدا من كل هذه الدول التي غزوها وانتصروا عليها... ورغم ذلك فقد استطاع هؤلاء البدوء المؤمنون بالله وكتابه ورسوله أن يقيموا إمبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلسي. وهي أعظم إمبراطورية أقيمت في التاريخ حتى اليوم"ويصفها المستشرق الأمريكي فيليب حتي بأنها شيء من الجنون: "لو تجرأ أحدهم على التنبؤ في أوائل القرن السابع المسيحي بظهور قوة لم يسبق لها نظير تقوم في مجاهل الجزيرة العربية التي لم يكن لها قبلا شأن تاريخي، وتدفع بنفسها على الدولتين العالميتين الوحيدتين في ذلك العصر، فتحلّ محل الواحدة –الساسانية- وتجرد الأخرى –البيزنطية- من أغنى ولاياتها، أقول: لو تجرأ أحد على مثل هذه النبوءة لعدّه الناس مجنونا"ويصفها المؤرخ والمفكر البريطاني إ. ه. جومبريتشويصفها المستشرق الإيطالي فرانشسكو جابرييليويصفها المستشرق البريطاني الخبير مونتجمري واتويصفها جاك ريسلر بالباهرة، يقول: "تقوم انتصارات العرب الباهرة على أمور متنوعة، يكمن أهمها في الروح الأخلاقية الرفيعة التي كانوا يستمدونها من الدين الجديد؛ فقد كان الإسلام قد علمهم الشجاعة وازدراء الموت اللذين جعلاهم أشداء لا يُقهرون. إلى هذه الفضائل الأخلاقية ينبغي تُضاف تقنية حربية كانت تحترم تشكيل وحدة القبيلة"ويصفها المفكر والقانوني الفرنسي دومينيك سورديلويقول ألبرت حورانيوفي المقال القادم بإذن الله سنواصل استعراضنا لما قاله المستشرقون والمؤرخون الغربيون عن عجائب الفتوحات الإسلامية لنفتح بابا آخر هو: أن تلك الفتوحات لم تكن فقط حركة غزو واحتلال بل كانت انطلاقة حضارية للمناطق التي وصلتها.
نشر في مدونات الجزيرة
برتراند رسل (1872 – 1970م) من أشهر فلاسفة العصر الحديث، ومن مؤرخي الفلسفة، له إسهام كبير في تطوير المنطق الرياضي، عُرف بمواقفه الداعية للسلام ونزع السلاح النووي، نال جائزة نوبل 1950. برتراند رسل، تاريخ الفلسفة الغربية، ترجمة: د. زكي نجيب محمود، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010م). 2/181. إميل برهييه (1876 – 1952م) فيلسوف فرنسي، تخرج من السوربون، اهتم بالفلسفة الكلاسيكية وتاريخ الفلسفة، ووضع تاريخا واسعا للفلسفة، وهو من أشهر أتباع الفيلسوف الفرنسي الشهير برجسون. إميل برهييه، تاريخ الفلسفة، ترجمة: جورج طرابيشي، (بيروت: دار الطليعة، بدون تاريخ)، 3/115. مايكل هارت، الخالدون مائة، ص15، 16. فيليب حتي، العرب تاريخ موجز، ص61. إ. ه. جومبريتش (1909 – 2001م)، مؤرخ ومفكر بريطاني، نمساوي المولد، له العديد من المؤلفات في تاريخ الفن والثقافة. إ. ه. جومبريتش، مختصر تاريخ العالم، ترجمة د. ابتهال الخطيب، سلسلة عالم المعرفة 400، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مايو 2013م)، ص164. فرانشسكو جابرييلي (1904 – 1997م) كبير أساتذة اللغة العربية وآدابها في جامعة روما، برز في دراسة الشعر العربي وتحقيق نصوص التراث الإسلامي، ومقارنة النصرانية بالإسلام، وهو مترجم للعديد من نصوص الفكر الإسلامي إلى الإيطالية، انتخب عضوا مراسلا في المجمع العربي بدمشق وغيرها. فرانشيسكو جابرييلي، الإسلام في عالم البحر المتوسط، ضمن "تراث الإسلام" بإشراف: شاخت وبوزوروث 1/88. مونتجمري وات (1909 - 2006م) مستشرق بريطاني قدير، وكان عميدا لقسم الدراسات العربية في جامعة أدنبرا، عرف بكتابيه في السيرة "محمد في مكة" و"محمد في المدينة" وهما من أقوى وأعمق ما كتب المستشرقون في السيرة ويدلان على مجهوده ودأبه العظيم، بالإضافة إلى مؤلفات أخرى في التاريخ الإسلامي والعلاقة بين الإسلام والمسيحية. مونتجمري وات، في تاريخ إسبانيا الإسلامية، ترجمة: د. محمد رضا المصري، ط2 (بيروت: شركة المطبوعات، بيروت، 1998م)، ص20. جاك ريسلر، الحضارة العربية، ص46. دومينيك سورديل (1921 – 2014م) فرنسي، متخصص في تاريخ الحضارة الإسلامية، أستاذ مقيم في المعهد الفرنسي بدمشق سابقًا، وأستاذ في جامعة السوربون بباريس، ومدير مجلة الدراسات الإسلامية. دومينيك سورديل، الإسلام: العقيدة السياسة الحضارة، ترجمة: سليم قندلفت، ط2 (دمشق: دار حوران، 2003م)، ص35. السابق ص37. ألبرت حوراني (1915 – 1993م) مؤرخ بريطاني من أصل لبناني، أستاذ التاريخ في جامعة أكسفورد، ودرَّس في جامعات بنسلفانيا وشيكاغو وهارفارد، عرف لدى قراء العربية بكتابه المهم "الفكر العربي في عصر النهضة"، وتسود كتبه لغة هادئة وبحث جاد وعميق. ألبرت حوراني، تاريخ الشعوب العربية، ترجمة: أسعد صقر، ط1 (دمشق، دار طلاس، 1997م)، ص56.
ولهذا ما يكاد المؤرخون يسجلون هذه الفتوحات إلا وتغلبهم الدهشة من تلك السيرة، وهكذا انتشر بينهم العجب حتى ليشعر المرء أحيانا أنهم يتفننون في وصفهم للفتوحات الإسلامية ليأتوا في وصفها بما لم يقله غيرهم:
فيصفها الفيلسوف الشهير برتراند رسلويصفها مؤرخ الفلسفة إميل برهييهويصفها الباحث الأمريكي مايكل هارت بأنها "أعظم غزوات عرفتها البشرية"، يقول: "استطاعت جيوش المسلمين الصغيرة المؤمنة أن تقوم بأعظم غزوات عرفتها البشرية، فاتسعت الأرض تحت أقدام المسلمين من شمالي شبه الجزيرة العربية وشملت الإمبراطورية الفارسية على عهد الساسانيين وإلى الشمال الغربي واكتسحت بيزنطة والإمبراطورية الرومانية الشرقية. وكان العرب أقل بكثير جدا من كل هذه الدول التي غزوها وانتصروا عليها... ورغم ذلك فقد استطاع هؤلاء البدوء المؤمنون بالله وكتابه ورسوله أن يقيموا إمبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلسي. وهي أعظم إمبراطورية أقيمت في التاريخ حتى اليوم"ويصفها المستشرق الأمريكي فيليب حتي بأنها شيء من الجنون: "لو تجرأ أحدهم على التنبؤ في أوائل القرن السابع المسيحي بظهور قوة لم يسبق لها نظير تقوم في مجاهل الجزيرة العربية التي لم يكن لها قبلا شأن تاريخي، وتدفع بنفسها على الدولتين العالميتين الوحيدتين في ذلك العصر، فتحلّ محل الواحدة –الساسانية- وتجرد الأخرى –البيزنطية- من أغنى ولاياتها، أقول: لو تجرأ أحد على مثل هذه النبوءة لعدّه الناس مجنونا"ويصفها المؤرخ والمفكر البريطاني إ. ه. جومبريتشويصفها المستشرق الإيطالي فرانشسكو جابرييليويصفها المستشرق البريطاني الخبير مونتجمري واتويصفها جاك ريسلر بالباهرة، يقول: "تقوم انتصارات العرب الباهرة على أمور متنوعة، يكمن أهمها في الروح الأخلاقية الرفيعة التي كانوا يستمدونها من الدين الجديد؛ فقد كان الإسلام قد علمهم الشجاعة وازدراء الموت اللذين جعلاهم أشداء لا يُقهرون. إلى هذه الفضائل الأخلاقية ينبغي تُضاف تقنية حربية كانت تحترم تشكيل وحدة القبيلة"ويصفها المفكر والقانوني الفرنسي دومينيك سورديلويقول ألبرت حورانيوفي المقال القادم بإذن الله سنواصل استعراضنا لما قاله المستشرقون والمؤرخون الغربيون عن عجائب الفتوحات الإسلامية لنفتح بابا آخر هو: أن تلك الفتوحات لم تكن فقط حركة غزو واحتلال بل كانت انطلاقة حضارية للمناطق التي وصلتها.
نشر في مدونات الجزيرة
برتراند رسل (1872 – 1970م) من أشهر فلاسفة العصر الحديث، ومن مؤرخي الفلسفة، له إسهام كبير في تطوير المنطق الرياضي، عُرف بمواقفه الداعية للسلام ونزع السلاح النووي، نال جائزة نوبل 1950. برتراند رسل، تاريخ الفلسفة الغربية، ترجمة: د. زكي نجيب محمود، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010م). 2/181. إميل برهييه (1876 – 1952م) فيلسوف فرنسي، تخرج من السوربون، اهتم بالفلسفة الكلاسيكية وتاريخ الفلسفة، ووضع تاريخا واسعا للفلسفة، وهو من أشهر أتباع الفيلسوف الفرنسي الشهير برجسون. إميل برهييه، تاريخ الفلسفة، ترجمة: جورج طرابيشي، (بيروت: دار الطليعة، بدون تاريخ)، 3/115. مايكل هارت، الخالدون مائة، ص15، 16. فيليب حتي، العرب تاريخ موجز، ص61. إ. ه. جومبريتش (1909 – 2001م)، مؤرخ ومفكر بريطاني، نمساوي المولد، له العديد من المؤلفات في تاريخ الفن والثقافة. إ. ه. جومبريتش، مختصر تاريخ العالم، ترجمة د. ابتهال الخطيب، سلسلة عالم المعرفة 400، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مايو 2013م)، ص164. فرانشسكو جابرييلي (1904 – 1997م) كبير أساتذة اللغة العربية وآدابها في جامعة روما، برز في دراسة الشعر العربي وتحقيق نصوص التراث الإسلامي، ومقارنة النصرانية بالإسلام، وهو مترجم للعديد من نصوص الفكر الإسلامي إلى الإيطالية، انتخب عضوا مراسلا في المجمع العربي بدمشق وغيرها. فرانشيسكو جابرييلي، الإسلام في عالم البحر المتوسط، ضمن "تراث الإسلام" بإشراف: شاخت وبوزوروث 1/88. مونتجمري وات (1909 - 2006م) مستشرق بريطاني قدير، وكان عميدا لقسم الدراسات العربية في جامعة أدنبرا، عرف بكتابيه في السيرة "محمد في مكة" و"محمد في المدينة" وهما من أقوى وأعمق ما كتب المستشرقون في السيرة ويدلان على مجهوده ودأبه العظيم، بالإضافة إلى مؤلفات أخرى في التاريخ الإسلامي والعلاقة بين الإسلام والمسيحية. مونتجمري وات، في تاريخ إسبانيا الإسلامية، ترجمة: د. محمد رضا المصري، ط2 (بيروت: شركة المطبوعات، بيروت، 1998م)، ص20. جاك ريسلر، الحضارة العربية، ص46. دومينيك سورديل (1921 – 2014م) فرنسي، متخصص في تاريخ الحضارة الإسلامية، أستاذ مقيم في المعهد الفرنسي بدمشق سابقًا، وأستاذ في جامعة السوربون بباريس، ومدير مجلة الدراسات الإسلامية. دومينيك سورديل، الإسلام: العقيدة السياسة الحضارة، ترجمة: سليم قندلفت، ط2 (دمشق: دار حوران، 2003م)، ص35. السابق ص37. ألبرت حوراني (1915 – 1993م) مؤرخ بريطاني من أصل لبناني، أستاذ التاريخ في جامعة أكسفورد، ودرَّس في جامعات بنسلفانيا وشيكاغو وهارفارد، عرف لدى قراء العربية بكتابه المهم "الفكر العربي في عصر النهضة"، وتسود كتبه لغة هادئة وبحث جاد وعميق. ألبرت حوراني، تاريخ الشعوب العربية، ترجمة: أسعد صقر، ط1 (دمشق، دار طلاس، 1997م)، ص56.
Published on July 05, 2017 02:01
No comments have been added yet.