الولي الـمُـــدلّل: حسان سليم اليعقوبي (5): الدكتورة جين بيدل ميريت: قمرٌ في حياة حسان. تأليف: إلياس بلكا.

الولي الـمُـــدلّل:      حسان سليم اليعقوبي ( 5 ):  الدكتورة جين بيدل ميريت: قمرٌ في حياة حسان. تأليف: إلياس بلكا.
رأينا في الحلقة الماضية شذرات مختصرة عن كتب الأستاذ حسّان وبعض أفكاره، وكيف أن جزءا مهما من كتبه كان بمشاركة من زوجته السيدة قمر. واليوم نتعرّف على هذه الشخصية الفاضلة التي كانت أقرب الناس للشيخ حسان، وشاركتْه حياته بجميع مراحلها ومنعطفاتها مدة تقارب الثلاثين سنة. إنها جين بيدل ميريت، من مواليد أسرة أمريكية كبيرة، في بدايات الخمسينيات. وهي خريجة علوم سياسية، ونالتْ الماجستير في هذه العلوم سنة 1975 من جامعة كولورادو بمدينة بولدر، ثم الدكتوراه في العلوم السياسية أيضا، ومن الجامعة نفسها، سنة 1983.وقد درّسَت الدكتور "قمر جين اليعقوبي" العلوم السياسية والإنسانية لمدة طويلة تقارب ثلاثة عقود، فهي أستاذة منذ سنة 1984، بقسم العلوم السياسية وقسم العلوم الإنسانية. فاشتغلت بجامعة مريمونت ، وبجامعة جورج ميسون، وأخيرا بجامعة ستراير.. ودرَّست موادّ متنوعة أهمها: الدراسات الشرق-أوسطية، وبعض العلوم السياسية، والحضارة الغربية، والمنطق..الخ.ولا تزال الدكتورة قمر أستاذة بجامعة ستراير، واشتغلت أيضا مساعداً لعميدها، وهي جامعة عريقة، ولها فروع متعددة بما في ذلك خارج أمريكا..  كما تعيش حاليا بمدينة فيرفاكس، من مدن ولاية فيرجينيا القريبة من العاصمة.وممّا يُلاحظ على الدكتورة قمر تنوّع مجالات اهتمامها العلمي والمعرفي، وأبرزها:1- علوم السياسة والعلاقات الدولية: خاصة في السياق الأمريكي، كنظام الحكم بالولايات المتحدة.2- الإسلام : باعتباره -على الخصوص- دعوةَ توحيد ورسالة للعالم.3- نقد الفكر السياسي الغربي، ونقد التجربة الحضارية الغربية في جوانبها السلبية.4- الفنون الجميلة. واهتمامها بالفن قديم، لذا حصّلت أيضا على إجازة جامعية في الفنون من جامعة كولورادو بمدينة بولدر. 5- المرأة الغربية والإسلام: كتبت الدكتورة قمر وحاضرت في هذا الموضوع، وتأملتْ طويلا في ظاهرة سعي المرأة الأنجلوساكسونية البيضاء إلى اكتشاف الحقيقة، وكيف ينتهي ذلك في كثير من الأحيان بإسلام هذه المرأة. ولم يكن هذا الاهتمام نابعا فقط عن فضول معرفي، بل قبل ذلك عن تجربة ومعاناة طويلة. فقد أسلمت "جين" سنة 1973، وكان المرحوم د.حسان، بعد الله سبحانه، هو السبب في ذلك أيام الدراسة بجامعة بولدر. لا يعني الإسلام  -بالنسبة للدكتورة قمر- ترْكا كـُليّا لعالمها الأول، إذ لعالمها الأصلي الذي نشأتْ فيه قيمُه الجيدة وأخلاقه الحضارية. والحقيقة أن هذا الإحساس مُتسِق مع الروح العميقة للإسلام الذي لم يسْعَ أبدا لتجريد الشعوب المفتوحة من تراثها وحضارتها، بل هذّبها وأزال من حياتها ما يتعارض مع عقيدته الكبرى في التوحيد، وبالمقابل أبقى على الغنى الحضاري والثقافي لهذه الشعوب، وأدمج ذلك كله فيما نسميه: الحضارة الإسلامية، والتي كانت بناء مشتركا للعرب والفرس والنبط والأمازيغ والأقباط.. وعشرات الشعوب والأمم، بل ساهم في هذا البناء أيضا اليهود والمسيحيون الذين عاشوا في ظل هذه الحضارة الفريدة. لذا تقول  د.قمر جين ميريت: أنا لا أعيش أيّ تمزّق بين هذين العالمين، لأنهما في الحقيقة عالم واحد.تِبعا لذلك تتّسم شخصية الدكتورة قمر بالغنى والتنوع والتكامل، فهي -من حيث أصولـُها العائلية-  تنتمي إلى عائلة كبيرة ومتجذّرة في تاريخ فيلادلفيا، هي عائلة البيدل.. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه مسلم: "النَّاس معادن كمعادن الفضَّة والذَّهب، خيارهم في الجاهليَّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنودٌ مجنَّدة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". كما أنها سافرت كثيرا، وحاضرتْ في عدد من جامعات ومراكز الشرق. وتعرف اللغتين العربية والفرنسية. فهي مُحاضرة لبـِقة وبثقافة واسعة.لذلك كان نظر السيدة "قمر جين اليعقوبي" إلى الأمور نظرا عميقا ومن زوايا متعددة، لا من زاوية واحدة ووحيدة. وكانت مقاربتُها المعرفية والاجتماعية تتوخّى الربطَ بين التاريخ والثقافة وعدم الوقوف من العالم موقفا أحاديا ضيّقا.وقد أثمر هذا الاهتمام الثقافي المتنوع تعدّدا في التأليف والكتابة والخبرة، فكانت لها كتب كثيرة مشتركة مع زوجها، إضافة لكتبها الخاصة كرسالتَيْها للماجستير والدكتوراه.. ومجموع ذلك يتجاوز عشرة كتب.هذا وغيره أعطى أيضا شعبية مرتفعة للأستاذة قمر بين طلاب الجامعات، فوصفوها بسعة المعرفة والثقافة، وبالجدّية في التدريس وتشجيع الطلاب على القراءة والبحث والمناقشة، وبالصبرعليهم.. كما شهِدوا لها بالصرامة العلمية واحترام التقاليد الأكاديمية المعروفة وبالدقة في التعبير وبحسن الاستماع للآخر، وتقديم المساعدة لكل من يحتاجها. لذلك استفاد منها الطلبة أشياء كثيرة جدا، لعلّ من أهمها: عدم تقبـّل كل ما يُحكى لنا، والنظرة النقدية للأمور، واحترام التنوع، والبحث عن منظورٍ للعالم مخالف عمّا هو سائد، خاصة ضمن الأنساق الاعتقادية والمذهبية الأخرى غير الغربية..الخ.وهذه قيم فكرية مهمة، خاصة في بيئةٍ كالبيئة الأمريكية، يهيمن فيها على المجتمع والإعلام والثقافة لونٌ واحد تقريبا.. لدرجة أن كَتب أحد أبنائها -فوكوياما- عن نهاية التاريخ ونهاية الفكر، وعن الإنسان الأخير الذي لم يعُد يفكر، فاكتفى بالاستهلاك والفرح بالسلع المادية كالكلب السعيد. هذا الوعي الجديد الذي تنشره د.قمر في محاضراتها داخل أسوار الجامعات وخارجها.. ربما كان من أهم أسباب شعبيتها وقبولها لدى الجمهور المثقف.فهي باختصار أستاذة ناجحة، ومن آيات ذلك أنّ صفوفَها الدراسية ممتلئة دوما. وتُوّج ذلك بنَوالِها جائزة دونالد ستودارد للتميز والريادة بجامعة ستراير، سنتيْ 2007 و2008.وتتميّز السيدة قمر -على المستوى الشخصي-  بأخلاقها العالية، وبتفضيلها لأسلوب الحوار، وببعض التحفّظ في طبيعتها الشخصية وعلاقاتها الاجتماعية، والذي أظن أن جزءاً منه يعود لتجربتها الصوفية، وهي تجربة ذاتية وباطنية في الأكثر، لا أحد يعلم عنها شيئا.. لكنها بطبيعتها -أي هذه التجربة- تميل بصاحبها إلى الصمت والخمول والتأمل.  لذلك كانت شخصيتها محبوبة من معارفها في العائلة والأصدقاء والطلاب وزملاء العمل.وقد رزقها الله سبحانه من زوجها حسّان رحمه الله بثمانية أبناء: خمسة ذكور وثلاث إناث، وبعائلة متماسكة. وبهذه المناسبة من كلامها الجميل: "العائلة التي تُصلي جماعة تبقى مُجتمعة، فهذا يساعد كثيرا في إنشاء رابطة بينهم."كذلك بارك الله سبحانه في حياة الدكتورة قمر، فأنجزتْ المُهمة "المستحيلة" حين وَفّقت بين واجباتها في أسرتها الكبيرة وبين متطلبات الجامعة وشروط الأستاذية الفكرية.كانت الدكتورة جين بيدل ميريت اليعقوبي قمراً منيرا وجميلا  في حياة الأستاذ حسان. فهي مظهرٌ من مظاهر الدلال في حياة هذا الولي المُدلـَّل: أعني أنْ رزقه الله سبحانه بزوجة استثنائية جدا كالدكتورة "قمر" جين بيدل.. حفظها الله وبارك في عمرها ومتّعها بالصحة والعافية وبأسرتها الطيبة.. آمين. ذكرتُ هذا الآن لأن بعض القراء المتعجلين سألوني عن سبب تسميتي لحسان بالولي المدلل.. فهذا عبدٌ تجلى الله سبحانه عليه بالجمال والمحبة بشكل عجيب جدا. وفي الحلقات القادمة سنتعرّف على تجليّات أخرى للجمال والدَّلال في حياة د.حسان رحمه الله.يتبع..



 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 28, 2017 13:52
No comments have been added yet.


إلياس بلكا's Blog

إلياس بلكا
إلياس بلكا isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow إلياس بلكا's blog with rss.