حكاية تمثال سي زفت!
في كل مرة يرتفع حولنا شبح الضجر ويعلو في الجوار صوت وخطاب اليأس (الذي يصفه ماركس في سياق ما بأنه: الثرثرة السطحية، وفي موضع آخر يحذر من: حماقة اليأس) وده في حالة إنه يكون أصيل وحقيقي كمان، فما بالك لما يكون يأس مستعار بقى، ولا حزن شفيف من بتاع الطبقة الوسطى "الخول"! الواحد عادة بيزوغ من "هيافة اليأس" دي ويروح لتجارب ومحاولات إنسانية حقيقية تستحق التقدير والوقوف أمامها بتواضع للتعلم منها. في مقدمة كتاب عز الدين نجيب "رسوم الزنزانة" بيكتب الراجل عن السجون وتجربتها المريرة والقاسية "لكن.. بقدر ما يمكن أن تكون الزنانزين مقابر للحرية وللأرواح، فقد تكون عامل تفجير لطاقة المقاومة ضد القهر، ومن ثم تصبح المقاومة وقودا لتحرير الأرواح، وماء يروي عطش المؤمنين بنبل القضية، ومنصة لإطلاق الخيال السجين كي يتجاوز الجدران والأسوار.. إن إشعال قداحة العقل والخيال والوجدان هو السبيل لجلاء صدأ الروح وبلادة الشعور والذهن". أنا شخصيا تعلمت المعنى المهم الذي يقوله عز الدين نجيب في كتابه عن تجاربه الثلاث في السجن: أن القاسم المشترك -فوق كونها ملاحم في عشق الوطن- هو قدرة الإنسان على إزاحة جدران الزنازين عنه بسحر الفن وتحرر الروح. أو بعبارة لمحمود العالم: إلغاء الزنزانة بضوء فكرة، قصيدة، أغنية، حلم، بشحذ الحواس، بمتابعة تغيرات الأيام والليالي بخطوط وكلمات محفورة تتابع وتحصي التجدد والتغير عبر الحوائط الصماء الجامدة!
تذكرت وأنا أقرء كتاب "رسوم الزنزانة" قصة عن فنان آخر هو محمد هجرس الذي تم اعتقاله ضمن مجموعة من اليساريين بعد هزيمة 1967.. وذات يوم وجد الجنائيين يحملون جزع شجرة ويتجهون بها للموقد الذي يصنعون عليه الخبز (الجراية). فما كان منه إلا أن انقض على جذع الشجرة وصرخ: هذا مشروعي.. وعكف عليه حتى تحول بيديه وبأزميله إلى تمثال "سيزيف 70 " رمزا للصمود والإرادة وللعام 1970. وبعد الانتهاء طلب من وزير الثقافة وقتها: بدر الدين أبو غازي الموافقة على الإفراج عن التمثال من المعتقل لكي يعرض في المعرض القومى للفنون التشيكيلية. وقدم وزير الثقافة الطلب إلى شعراوي جمعة وزير الداخلية والذي وافق بدوره. إلا أن العقيد عبد العال سلومة -مأمور السجن وقتها- ماطل وقام بتشكيل لجنة من خبراء لكي تحدد ما إذا كان التمثال له مغزى سياسي فيظل معتقلا أم لا فيفرج عنه. وجاء قرار اللجنة بأن التمثال له أبعاد سياسية ولابد أن يبقى بالسجن. فما كان من الفنان هجرس إلا أن يحتج مرة أخرى ويرسل لوزير الثقافة والذي ذهب لوزير الداخلية والذي -بدوره- طلب بسرعة الإفراج عن التمثال. إلا أن سلومة ماطل مرة ثانية بحجة أن الشجرة ملك للحكومة وبالتالي سوف تبقى داخل السجن. وبعد مفاوضات كثيرة وافق سلومة على خروج التمثال بعد أن وقع هجرس على وثيقة كان نصها: أقر أنا الموقع على هذا أدناه المعتقل محمد حسين هجرس وصنعتى نحات تماثيل أن التمثال الذى صنعته من خشب الشجرة عهدة معتقل طرة والمسدد ثمنه لخزينة المعتقل بتاريخ 12/12/1970م لا يرمز لأى شئ ولا يتضمن أى مساس بسياسة الحكومة أو ازداء لها أو لإحدى هيئاتها وليس له معنى على الإطلاق.
وبعد أن وقع `هجرس ` على الإقرار، تناول سلومة الورقة وكتب عليها بخط يده، وبالحبر الأحمر ` بمناظرة التمثال المذكور.. وجدناه مصنوعا من الخشب بطول متر ونصف المتر وعنوانه ` سى زفت 1970 ` وتأكدنا أنه لا يرمز لشىء، ولا معنى له على الإطلاق، ونسمح بخروج التمثال من المعتقل وتسليمه لزوجة المعتقل المذكور..
تم عرض التمثال في المعرض القومى العام للفنون التشكيلية وعجب الجمهور والنقاد. وإلى الآن التمثال مازال موجودا ويعرض في متحف الفن الحديث للجمهور الذي لا يعرف هذه القصة!
لمزيد عن هذه الحكاية وغيرها وعن الفنان محمد هجرس:
http://www.fineart.gov.eg/arb/cv/Abou...
تذكرت وأنا أقرء كتاب "رسوم الزنزانة" قصة عن فنان آخر هو محمد هجرس الذي تم اعتقاله ضمن مجموعة من اليساريين بعد هزيمة 1967.. وذات يوم وجد الجنائيين يحملون جزع شجرة ويتجهون بها للموقد الذي يصنعون عليه الخبز (الجراية). فما كان منه إلا أن انقض على جذع الشجرة وصرخ: هذا مشروعي.. وعكف عليه حتى تحول بيديه وبأزميله إلى تمثال "سيزيف 70 " رمزا للصمود والإرادة وللعام 1970. وبعد الانتهاء طلب من وزير الثقافة وقتها: بدر الدين أبو غازي الموافقة على الإفراج عن التمثال من المعتقل لكي يعرض في المعرض القومى للفنون التشيكيلية. وقدم وزير الثقافة الطلب إلى شعراوي جمعة وزير الداخلية والذي وافق بدوره. إلا أن العقيد عبد العال سلومة -مأمور السجن وقتها- ماطل وقام بتشكيل لجنة من خبراء لكي تحدد ما إذا كان التمثال له مغزى سياسي فيظل معتقلا أم لا فيفرج عنه. وجاء قرار اللجنة بأن التمثال له أبعاد سياسية ولابد أن يبقى بالسجن. فما كان من الفنان هجرس إلا أن يحتج مرة أخرى ويرسل لوزير الثقافة والذي ذهب لوزير الداخلية والذي -بدوره- طلب بسرعة الإفراج عن التمثال. إلا أن سلومة ماطل مرة ثانية بحجة أن الشجرة ملك للحكومة وبالتالي سوف تبقى داخل السجن. وبعد مفاوضات كثيرة وافق سلومة على خروج التمثال بعد أن وقع هجرس على وثيقة كان نصها: أقر أنا الموقع على هذا أدناه المعتقل محمد حسين هجرس وصنعتى نحات تماثيل أن التمثال الذى صنعته من خشب الشجرة عهدة معتقل طرة والمسدد ثمنه لخزينة المعتقل بتاريخ 12/12/1970م لا يرمز لأى شئ ولا يتضمن أى مساس بسياسة الحكومة أو ازداء لها أو لإحدى هيئاتها وليس له معنى على الإطلاق.
وبعد أن وقع `هجرس ` على الإقرار، تناول سلومة الورقة وكتب عليها بخط يده، وبالحبر الأحمر ` بمناظرة التمثال المذكور.. وجدناه مصنوعا من الخشب بطول متر ونصف المتر وعنوانه ` سى زفت 1970 ` وتأكدنا أنه لا يرمز لشىء، ولا معنى له على الإطلاق، ونسمح بخروج التمثال من المعتقل وتسليمه لزوجة المعتقل المذكور..
تم عرض التمثال في المعرض القومى العام للفنون التشكيلية وعجب الجمهور والنقاد. وإلى الآن التمثال مازال موجودا ويعرض في متحف الفن الحديث للجمهور الذي لا يعرف هذه القصة!
لمزيد عن هذه الحكاية وغيرها وعن الفنان محمد هجرس:
http://www.fineart.gov.eg/arb/cv/Abou...
Published on April 28, 2017 16:51
No comments have been added yet.


