الولي العابد: محمد بنبراهيم أنصاري (7): كراماته ووِلايته. تأليف: إلياس بلكا.
الولي
العابد: محمد
بنبراهيم
أنصاري (7):
كراماته ووِلايته
.
تأليف: إلياسبلكا.
في معنى الكرامة وأنها حقيقة: أوجّه القارئ الكريم إذا كان يستغرب من الحديث عن الكرامات في زمننا هذا إلى قراءة أيّ كتاب متوافر عن الباراسيكولوجيا، فهذا العلم الحديث يقرّب الموضوع للعقل المعاصر الشكّاك؛ إذ تعرف العلوم الإنسانية اليوم موضوعا يُسمّى بــ "العوالم الممكنة"؛ أو يمكن القراءة عن بعض النظريات الفيزيائية التي ظهرت في العقود الأخيرة حول احتمالات تعدد الأكوان. ذلك لأن الفيزياء مؤخرا بدأت تستكشف بجدّ، وبمنهج علمي، احتمال وجود أكوان أخرى. من ذلك فكرة آلان جوث وبول شتاينهارت اللذان يريان أن كوننا الحالي ما هو إلا نطاق موجود داخل كون جامعٍ أكبر. وتوجد نظرية أخرى في فيزياء الكون تسمى: نظريات الأوتار، وهي ترى أن للكون أبعادا كثيرة. إذ بينما كوننا هذا بأبعاد ثلاثة زائد: الزمن، فإن هذا الكون الأكبر هو بعشرة أبعاد، زائد: الزمن. فتكون الأبعاد: 4 إلى 11، لذلك لا نرى هذا الكون الأكبر الذي انطوى فيه كونُنا الصغير.. فمَن في الكون الأكبر يرانا هو ولا نراه نحن. وتوجد أيضا نظرية فيزيائية تسمى: "الأكوان المتوازية".. ونظرية أخرى تسمى "الكون المضاد".وهذا موضوع شيّق ومعقد، لو كان في العمر فسحة وفي الجهد طاقة.. ربما شرحتُه للقارئ الكريم في سلسلة مقالات، وذلك من وِجهتيْ النظر: الدينية والفيزيائية. وفي انتظار أن أكتب في هذا، إن أذن الله سبحانه، أو يكتب غيري، يمكن للقارئ أن يراجع واحدا من أفضل الكتب في هذه القضايا: "الكون الأنيق" لبراين غرين، أو يقرأ كتابي "الغيب والعقل. دراسة في حدود المعرفة البشرية." كلاهما متاح مجانا على الأنترنت.فالكرامة هي خرق العادة لوليّ، قال ابن تيمية:"منأصول أهـل السنة والجماعة :التصديقبكرامات الأولياء وما يُجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة". أمثلة من كراماته : وقد كانت للأستاذ كرامات كثيرة لم أعرف إلاّ أقلـّها، بينما لم يطلع أحد على معظمها وبقي مجهولا. وقد ترددتُ في ذكر نماذج منها لأن العقل المعاصر قد يُنكرها، وهو الذي يظن أنه يعرف كلّ شيء، بينما الحقيقة أنه لا يعرف شيئا.. والناس أعداء ما جهِلوا. وإذا تقبّـلها بعضهم عدّوها من الحاسة السادسة المعروفة في علم الباراسيكولوجيا، والحقيقة أن ما أثبته هذا العلم لا يعدو أن يكون جزءا بسيطا جدا من عالم الكرامات وخوارق العادات.. لكن لابد من أمثلة. فمِن ذلك أنني ذهبت إليه مرة، وفي الطريق توقّفتُ فتوضأت لأنني أردت أن أدخل عليه طاهرا، فلما استقبلني قال متبسما ما معناه: المؤمن طاهر لا يلزمه الوضوء في جميع أحواله. فعرفتُ أنه كوشِف بحالي. ثم بدأنا نتحدث، وكنت قد رتبتُ في ذهني مجموعة من الأسئلة التي شغلتْ بالي مدة، فكان -على غير عادته- هو من يتكلم أكثر، وفوجئت أنّه يجيبني عن جميع أسئلتي حتى قبل أن أذكرها، وكنتُ أدهش من ذلك فيظهر الدَّهش على وجهي فلا يزيد عن التبسّم، ثم تعوّدتُ ذلك منه فلم أعد أتَعجّب.ومن كراماته أيضا أنه كانت له قدرة على الاطّلاع على بواطِن الناس، فربما دخلتْ عليه مجموعة فيقرأ بواطنهم واحدا واحدا. ومرّة زارته مجموعة فقال لي: أتعرفهؤلاء؟ ما كنت أتوقع أن أفضلهم وأكثرهم صفاءً هو فلان. وهوشخصية خاملة "عادية" لا يظنّ بها ذلك أحد من الناس.لذا كنت أحاول حفظ باطني من كل خاطِر سيّء حين أكون معه.. ثماكتشفت ببعض القرائن أنه يدري بعض أحوالي حتى مع البُعد عنه.. فاستسلمتُ.ومنها حصول البركة في حياته ورزقه وعمله، مع كونه موظفا حكوميا بالإدارة ذو دخل محدود.ومن كراماته رضي الله عنه: أنه كان محفوظا طيلة حياته، مثلا كثيرا ما كنت أزوره في بيته، فأجد الباب مُشرعا مفتوحا على مصراعيه، فأدخل مباشرة إلى غرفته التي يستقبل فيها الناس. واستأذنته مرة أن أغلق الباب بعد انصرافي، فقال لي: "دَعْه كما وجدتَه". كذا ديدنه بالنهار والليل.. وهذا في مدينة يُظللها الخوف، فترى كلَّ بيت فيها يغلق على نفسه متحصنا بالأسوار والنوافذ الحديدية. ولم أكن أتعجّب من هدوئه وطمأنينته هو، بل من سريان هذه السكينة إلى أهله وأسرته.ومن كراماته ما حدّثنيه بنفسه أنه في ليلة قيام وذِكر.. فجأة امتلأت الغرفة (وهي صالون الضيوف بحجم ستة أمتار في سبعة) بالرجال وقد جلسوا على الأرائك متزاحمين حتى ما كان أحدهم يستطيع تحريك وجهه، وإلاّ اصطدم بوجه الجليس عن يمينه أو شماله.. قال لي: فلما رأيتُ ذلك توجهتُ إلى الله وقلتُ: يا ربّ، أنا لا أريد جبريل ولا ميكائيل ولا إسرافيل.. ولا أحد. أنا أريدك أنت يا الله، وأريد وجهك الكريم. قال: بمجرّد أن أكملت هذا الدعاء "تبخّر" الرجال وذهبوا كلهم وعادت الغرفة فارغةً كما كانت.ومنها أنه أحيانا كان يأتي من الغيب من يوقظه لقيام الليل على الساعة الواحدة، حدثني بهذا بنفسه وأخبرني بذلك أيضا أحد أصدقائه وكان معه في غرفة الفندق بمكة حين ذهبا للعمرة معا. ولهذا نظائر، فقد كتب محمد بن جعفر الكتاني في سلوة الأنفاس، 2/74، عن المقرئ أحمد ابن القس السراج رحمه الله: "كان له وِرد من التنفل في النصف الأخير من الليل، فربما غلبته عيناه عن القيام في بعض الليالي، فيأتيه آت يوقظه، يقول له: أبا العباس، قـُم." وكان الأستاذ يعرف اسم الله الأعظم، لم أطلبه منه لأنه سوء أدب، لكنه في المناقشة حاول أن يشرحه لي فلم أفهم؛ وقد قال الشعراني في المنن الكبرى، حين ذكر مِن نعَم الله عليه أن عرّفه باسمه الأعظم: "وبالجملةفلا يطلِع عليه أحدٌ إلاّ من طريق الكشف".ومنها توقفه عن الدواء في آخر عمره، وإصراره على ذلك، رغم المرض العضال ورغم توسلات أهله؛ إذْ جاءته إشارة إلهية أن أَقدِمْ علينا.. كما أخبرني بنفسه. وحين عرفتُ منه هذا الأمر في صيف 2015 أدركتُ أنه لن يتجاوز صيف 2016؛ وكذلك كان.ومنها ما أخبرني صديقه الحاج المصباحي لطف الله به، وكان هو من تولى الإشراف على تجهيز جنازته، أنه بينما يُغسلونه صدرتْ من المرحوم ابتسامة جميلة واستثنائية، هي ابتسامة فرحٍ ورضا.وقد كان المَشْرب الصوفي للأستاذ ملامتيا، والمَلامتية من أرفع وأفضل المشارب بلا خلاف.قال السهروردي في "عوارف المعارف": "الملامتية لهم مزيد اختصاص بالإخلاص، يرون كتم الأحوال والأعمال، ويتلذذون بكتمها؛ حتى لو ظهرت أعمالهم وأحوالهم لأحد استوحشوا من ذلك كما يستوحش العاصي من ظهور معصيته." وانظر للتوسّع كتاب الملامتية والصوفية وأهل الفتوة، لأبي العلا عفيفي.لذلك كانت أقوى كراماته التي لا أزال أتعجّب منها هي: ستر أحواله، فقد كان كتوما لا يخبر عن مشاهداته ولا يذكر عباداته حتى خفِي حاله عن الأكثرية الساحقة من معارفه وذويه.. فكان يَتعبّد في خفاء ما أمكنه، فلم يعرف الأكثرون أكثر عباداته، وإذا اطلعوا على بعضها فعلى العبادات البدنية من صلاة وصيام. أماعبادته الباطنة وعِرفانه فالنادر من أخذ بهما عِلما. وبالجملة ما عرف حالـَه على الحقيقة إلاّ اللهُ، إذ الملائكة نفسها لا تطـّلع على بعض أعمال القلوب، فكيف بغيرهم؟ مقامه في الولاية : وقد تفكرت طويلا، واستخرت الله سبحانه ثلاثة أيام، وكانت هذه الاستخارة منذ شهور، ثم أعدتها أربعة أيام من قريب، فظهر لي أن أكتب رأيي وظنّي في نوع ولاية الأستاذ، إذ لاشكّ في ولايته -عندي وعند من عرفه-؛ لكنني لم أعرف نوعها، وحاولت "استدراجه" ليقول لي، لكنه كعادته يأبى ويتهرّب.. فأقول: ظني الغالب -من خلال ثقافتي في الموضوع ومن خلال القرائن والمخالطة- أن الأستاذ محمد كان رضي الله عنه من طبقة رفيعة من الأولياء تسمى بـ: الأبدال. جاء ذكرهم في أحاديث نبوية وآثار عن الصحابة والتابعين جمعها السيوطي وغيره، ويمكن لمن أراد التوسّع مطالعة رسالته: الخبر الدالّ على وجود الأقطاب والأوتاد والنجباء والأبدال.منها ما رواهالطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن، فبِهم تُسقون، وبهم تنصَرون، ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانَه آخر." قال قتادة: لسنا نشك أن الحسن منهم (أي البصري). قال الحافظ أبو الحسن الهيثمى في مجمع الزوائد: إسناده حسن. وأقول بدوري: إن شاء الله لا أشك أن الأستاذ بنبراهيم منهم أيضا.أصل ذلك أن الوجود مملكة، فالله سبحانه هو الملك، له حضرة وخواص وجنود.. ثم الأولياء مملكة على صورة هذه المملكة الإلهية، فيها القطب، أي كبير الأولياء، ثم الجلساء والوزراء.. ومراتب كثيرة، لكلٍّ دوره وعمله. ثم المجتمع البشري على صورة هذه المملكة الوِلائية أيضا، فتجد الملك ومعاونيه وجنوده.. فما يظنّه الناس أصلا إنما هو مجرد صورة باهتة وبسيطة لعوالم الملك والملكوت. لذلك فالأبدال طبقة من نخبة الصالحين، ولهم وظائف معينة، كالملائكة أصناف: (الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً، أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء)، ولكلِّ صنفٍ وظيفتُه: (وما مِنّا إلاّ له مقام معلوم، وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون). وآخر الكلام أن الأستاذ بنبراهيم رضي الله عنه كان مَلِكا، والناس لا يشعرون، لأنهم لا يعرفون من الملوك إلاّ صاحبَ تاج فوق رأسه جالسا على عرشه.. ولو أمعنوا النظر لرأوا التاج، لكن الحسّ غلب عليهم فأنساهم سَعةَ الوجود.يتبع..
في معنى الكرامة وأنها حقيقة: أوجّه القارئ الكريم إذا كان يستغرب من الحديث عن الكرامات في زمننا هذا إلى قراءة أيّ كتاب متوافر عن الباراسيكولوجيا، فهذا العلم الحديث يقرّب الموضوع للعقل المعاصر الشكّاك؛ إذ تعرف العلوم الإنسانية اليوم موضوعا يُسمّى بــ "العوالم الممكنة"؛ أو يمكن القراءة عن بعض النظريات الفيزيائية التي ظهرت في العقود الأخيرة حول احتمالات تعدد الأكوان. ذلك لأن الفيزياء مؤخرا بدأت تستكشف بجدّ، وبمنهج علمي، احتمال وجود أكوان أخرى. من ذلك فكرة آلان جوث وبول شتاينهارت اللذان يريان أن كوننا الحالي ما هو إلا نطاق موجود داخل كون جامعٍ أكبر. وتوجد نظرية أخرى في فيزياء الكون تسمى: نظريات الأوتار، وهي ترى أن للكون أبعادا كثيرة. إذ بينما كوننا هذا بأبعاد ثلاثة زائد: الزمن، فإن هذا الكون الأكبر هو بعشرة أبعاد، زائد: الزمن. فتكون الأبعاد: 4 إلى 11، لذلك لا نرى هذا الكون الأكبر الذي انطوى فيه كونُنا الصغير.. فمَن في الكون الأكبر يرانا هو ولا نراه نحن. وتوجد أيضا نظرية فيزيائية تسمى: "الأكوان المتوازية".. ونظرية أخرى تسمى "الكون المضاد".وهذا موضوع شيّق ومعقد، لو كان في العمر فسحة وفي الجهد طاقة.. ربما شرحتُه للقارئ الكريم في سلسلة مقالات، وذلك من وِجهتيْ النظر: الدينية والفيزيائية. وفي انتظار أن أكتب في هذا، إن أذن الله سبحانه، أو يكتب غيري، يمكن للقارئ أن يراجع واحدا من أفضل الكتب في هذه القضايا: "الكون الأنيق" لبراين غرين، أو يقرأ كتابي "الغيب والعقل. دراسة في حدود المعرفة البشرية." كلاهما متاح مجانا على الأنترنت.فالكرامة هي خرق العادة لوليّ، قال ابن تيمية:"منأصول أهـل السنة والجماعة :التصديقبكرامات الأولياء وما يُجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة". أمثلة من كراماته : وقد كانت للأستاذ كرامات كثيرة لم أعرف إلاّ أقلـّها، بينما لم يطلع أحد على معظمها وبقي مجهولا. وقد ترددتُ في ذكر نماذج منها لأن العقل المعاصر قد يُنكرها، وهو الذي يظن أنه يعرف كلّ شيء، بينما الحقيقة أنه لا يعرف شيئا.. والناس أعداء ما جهِلوا. وإذا تقبّـلها بعضهم عدّوها من الحاسة السادسة المعروفة في علم الباراسيكولوجيا، والحقيقة أن ما أثبته هذا العلم لا يعدو أن يكون جزءا بسيطا جدا من عالم الكرامات وخوارق العادات.. لكن لابد من أمثلة. فمِن ذلك أنني ذهبت إليه مرة، وفي الطريق توقّفتُ فتوضأت لأنني أردت أن أدخل عليه طاهرا، فلما استقبلني قال متبسما ما معناه: المؤمن طاهر لا يلزمه الوضوء في جميع أحواله. فعرفتُ أنه كوشِف بحالي. ثم بدأنا نتحدث، وكنت قد رتبتُ في ذهني مجموعة من الأسئلة التي شغلتْ بالي مدة، فكان -على غير عادته- هو من يتكلم أكثر، وفوجئت أنّه يجيبني عن جميع أسئلتي حتى قبل أن أذكرها، وكنتُ أدهش من ذلك فيظهر الدَّهش على وجهي فلا يزيد عن التبسّم، ثم تعوّدتُ ذلك منه فلم أعد أتَعجّب.ومن كراماته أيضا أنه كانت له قدرة على الاطّلاع على بواطِن الناس، فربما دخلتْ عليه مجموعة فيقرأ بواطنهم واحدا واحدا. ومرّة زارته مجموعة فقال لي: أتعرفهؤلاء؟ ما كنت أتوقع أن أفضلهم وأكثرهم صفاءً هو فلان. وهوشخصية خاملة "عادية" لا يظنّ بها ذلك أحد من الناس.لذا كنت أحاول حفظ باطني من كل خاطِر سيّء حين أكون معه.. ثماكتشفت ببعض القرائن أنه يدري بعض أحوالي حتى مع البُعد عنه.. فاستسلمتُ.ومنها حصول البركة في حياته ورزقه وعمله، مع كونه موظفا حكوميا بالإدارة ذو دخل محدود.ومن كراماته رضي الله عنه: أنه كان محفوظا طيلة حياته، مثلا كثيرا ما كنت أزوره في بيته، فأجد الباب مُشرعا مفتوحا على مصراعيه، فأدخل مباشرة إلى غرفته التي يستقبل فيها الناس. واستأذنته مرة أن أغلق الباب بعد انصرافي، فقال لي: "دَعْه كما وجدتَه". كذا ديدنه بالنهار والليل.. وهذا في مدينة يُظللها الخوف، فترى كلَّ بيت فيها يغلق على نفسه متحصنا بالأسوار والنوافذ الحديدية. ولم أكن أتعجّب من هدوئه وطمأنينته هو، بل من سريان هذه السكينة إلى أهله وأسرته.ومن كراماته ما حدّثنيه بنفسه أنه في ليلة قيام وذِكر.. فجأة امتلأت الغرفة (وهي صالون الضيوف بحجم ستة أمتار في سبعة) بالرجال وقد جلسوا على الأرائك متزاحمين حتى ما كان أحدهم يستطيع تحريك وجهه، وإلاّ اصطدم بوجه الجليس عن يمينه أو شماله.. قال لي: فلما رأيتُ ذلك توجهتُ إلى الله وقلتُ: يا ربّ، أنا لا أريد جبريل ولا ميكائيل ولا إسرافيل.. ولا أحد. أنا أريدك أنت يا الله، وأريد وجهك الكريم. قال: بمجرّد أن أكملت هذا الدعاء "تبخّر" الرجال وذهبوا كلهم وعادت الغرفة فارغةً كما كانت.ومنها أنه أحيانا كان يأتي من الغيب من يوقظه لقيام الليل على الساعة الواحدة، حدثني بهذا بنفسه وأخبرني بذلك أيضا أحد أصدقائه وكان معه في غرفة الفندق بمكة حين ذهبا للعمرة معا. ولهذا نظائر، فقد كتب محمد بن جعفر الكتاني في سلوة الأنفاس، 2/74، عن المقرئ أحمد ابن القس السراج رحمه الله: "كان له وِرد من التنفل في النصف الأخير من الليل، فربما غلبته عيناه عن القيام في بعض الليالي، فيأتيه آت يوقظه، يقول له: أبا العباس، قـُم." وكان الأستاذ يعرف اسم الله الأعظم، لم أطلبه منه لأنه سوء أدب، لكنه في المناقشة حاول أن يشرحه لي فلم أفهم؛ وقد قال الشعراني في المنن الكبرى، حين ذكر مِن نعَم الله عليه أن عرّفه باسمه الأعظم: "وبالجملةفلا يطلِع عليه أحدٌ إلاّ من طريق الكشف".ومنها توقفه عن الدواء في آخر عمره، وإصراره على ذلك، رغم المرض العضال ورغم توسلات أهله؛ إذْ جاءته إشارة إلهية أن أَقدِمْ علينا.. كما أخبرني بنفسه. وحين عرفتُ منه هذا الأمر في صيف 2015 أدركتُ أنه لن يتجاوز صيف 2016؛ وكذلك كان.ومنها ما أخبرني صديقه الحاج المصباحي لطف الله به، وكان هو من تولى الإشراف على تجهيز جنازته، أنه بينما يُغسلونه صدرتْ من المرحوم ابتسامة جميلة واستثنائية، هي ابتسامة فرحٍ ورضا.وقد كان المَشْرب الصوفي للأستاذ ملامتيا، والمَلامتية من أرفع وأفضل المشارب بلا خلاف.قال السهروردي في "عوارف المعارف": "الملامتية لهم مزيد اختصاص بالإخلاص، يرون كتم الأحوال والأعمال، ويتلذذون بكتمها؛ حتى لو ظهرت أعمالهم وأحوالهم لأحد استوحشوا من ذلك كما يستوحش العاصي من ظهور معصيته." وانظر للتوسّع كتاب الملامتية والصوفية وأهل الفتوة، لأبي العلا عفيفي.لذلك كانت أقوى كراماته التي لا أزال أتعجّب منها هي: ستر أحواله، فقد كان كتوما لا يخبر عن مشاهداته ولا يذكر عباداته حتى خفِي حاله عن الأكثرية الساحقة من معارفه وذويه.. فكان يَتعبّد في خفاء ما أمكنه، فلم يعرف الأكثرون أكثر عباداته، وإذا اطلعوا على بعضها فعلى العبادات البدنية من صلاة وصيام. أماعبادته الباطنة وعِرفانه فالنادر من أخذ بهما عِلما. وبالجملة ما عرف حالـَه على الحقيقة إلاّ اللهُ، إذ الملائكة نفسها لا تطـّلع على بعض أعمال القلوب، فكيف بغيرهم؟ مقامه في الولاية : وقد تفكرت طويلا، واستخرت الله سبحانه ثلاثة أيام، وكانت هذه الاستخارة منذ شهور، ثم أعدتها أربعة أيام من قريب، فظهر لي أن أكتب رأيي وظنّي في نوع ولاية الأستاذ، إذ لاشكّ في ولايته -عندي وعند من عرفه-؛ لكنني لم أعرف نوعها، وحاولت "استدراجه" ليقول لي، لكنه كعادته يأبى ويتهرّب.. فأقول: ظني الغالب -من خلال ثقافتي في الموضوع ومن خلال القرائن والمخالطة- أن الأستاذ محمد كان رضي الله عنه من طبقة رفيعة من الأولياء تسمى بـ: الأبدال. جاء ذكرهم في أحاديث نبوية وآثار عن الصحابة والتابعين جمعها السيوطي وغيره، ويمكن لمن أراد التوسّع مطالعة رسالته: الخبر الدالّ على وجود الأقطاب والأوتاد والنجباء والأبدال.منها ما رواهالطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن، فبِهم تُسقون، وبهم تنصَرون، ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانَه آخر." قال قتادة: لسنا نشك أن الحسن منهم (أي البصري). قال الحافظ أبو الحسن الهيثمى في مجمع الزوائد: إسناده حسن. وأقول بدوري: إن شاء الله لا أشك أن الأستاذ بنبراهيم منهم أيضا.أصل ذلك أن الوجود مملكة، فالله سبحانه هو الملك، له حضرة وخواص وجنود.. ثم الأولياء مملكة على صورة هذه المملكة الإلهية، فيها القطب، أي كبير الأولياء، ثم الجلساء والوزراء.. ومراتب كثيرة، لكلٍّ دوره وعمله. ثم المجتمع البشري على صورة هذه المملكة الوِلائية أيضا، فتجد الملك ومعاونيه وجنوده.. فما يظنّه الناس أصلا إنما هو مجرد صورة باهتة وبسيطة لعوالم الملك والملكوت. لذلك فالأبدال طبقة من نخبة الصالحين، ولهم وظائف معينة، كالملائكة أصناف: (الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً، أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء)، ولكلِّ صنفٍ وظيفتُه: (وما مِنّا إلاّ له مقام معلوم، وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون). وآخر الكلام أن الأستاذ بنبراهيم رضي الله عنه كان مَلِكا، والناس لا يشعرون، لأنهم لا يعرفون من الملوك إلاّ صاحبَ تاج فوق رأسه جالسا على عرشه.. ولو أمعنوا النظر لرأوا التاج، لكن الحسّ غلب عليهم فأنساهم سَعةَ الوجود.يتبع..
Published on March 17, 2017 17:10
No comments have been added yet.
إلياس بلكا's Blog
- إلياس بلكا's profile
- 50 followers
إلياس بلكا isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

