زيارة إلى حديقة الحيوان







أتذكر مثل الأمس زيارتي الأولى لحديقة الحيوان بالجيزة، حين اشرت إلى مدرستي وأنا اعاود ركوب الحافلة على ذلك المبنى العالى بجوار الحديقة والذي يرفرف فوقه علم غريب الشكل على طفل لم يتجاوز عامه التاسع، ولم يرى من الاعلام الا علم مصر، وحتى الان أتذكر همهمتها كاجابة على سؤالي، في رد لم يشف فضول طفل صغير، عاد إلى بيته ليسأل والده عن ذلك العلم الأبيض بخطيه ونجمته السداسية زرقاء اللون، وكذلك لا أنسى حتى الأن نظرة الالم في عين الوالد، والتي صاحبها انكسار بسيط لم أره قبل ذلك اليوم ولا بعده قبل أن يجيبني : علم اسرائيل.

لم يشغل بال الطفل حينها ماذا تكون هذه ال"اسرائيل" ، فقط جلست الى "كراسة" رسمي وألواني أعاود رسم هذا العلم الذي احتل ذاكرتي، وحتى الان أتذكر تلك "العلقة" الساخنة التي نلتها على يد الوالد لانني رسمت علم العدو.

العدو تلك الكلمة التي لم أفهمها حينها، وتكفلت السنين بتعليمي اياها، بين طيات كتب تحمل مذابح دير ياسين ، صابرا وشاتيلا على ارض فلسطين، وبحر البقر و أبو زعبل على ارض مصر، وحديثا قانا على أرض لبنان، والاف المجازر اليومية التي يرتكبها الصهاينة ضد بني جلدتي، صار بداخلي سؤال أكبر عن ذلك العلم السمج الذي يرفرف على قمة احدى البنايات الشاهقة بالقرب من حديقة الحيوان.

حيث تتعلق عيناي به منذ دخوله مجال رؤيتي، والسؤال يتردد فيما يشبه عطل في ماكينة العرض السينمائي : هو الشىء ده بيعمل ايه هنا؟

وعندما صار لدي طفل، تهربت دائما من طلبه زيارة حديقة الحيوان، خشية أن يرث الطفل سؤال ابيه، وخشية ان تحتل عيناي نظرة انكسار جديدة، بل وتعمدت دائماً في أي رحلة مع طفلي أن أتجنب المرور بالقرب من دائرة العلم "السمج".




أما اليوم ، وبعد سقوط العلم من على سفارة الخنازير، استعد غدا لزيارة حديقة الحيوان، حاملاً طفلي فوق كتفاي، مشيرا له على تلك البناية الشاهقة، لاروي له "حدوتة" البطل المصري أحمد الشحات الذي أزال من سماء مصر علماً يلوثها، وزرع بدلا منه الفخر والفرحة في قلوب المصريين.

العلم السمج الذي عانق سماء مصر ولوثها عام 80، تم حرقه عام 2011 على يد ثوارها الأحرار، بحبك يامصر.





 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 20, 2011 21:06
No comments have been added yet.