بن لادن وأمريكا ونحن

osama-bin-ladenلازلت التحليلات تتوالى في كافة وسائل الإعلام العالمية حول موت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بعد مرور أكثر من أسبوعين على اغتياله المزعوم، ويبدو أن الشكوك حول مقتله قد هدأت قليلاً، إلا أن الاستياء الإسلامي من طريقة قتله ورمي جثمانه في البحر (وفق الشريعة الإسلامية!) لم يخفتا بعد.


أمريكا لا تزال تعيش نشوة النصر، وسائل إعلامها في احتفاءها بهذا الانجاز التاريخي تشعرنا بأنها انتصرت في معركة حربية عظيمة ضد خصم قوي  كالاتحاد السوفيتي سابقاً أو الصين حالياً، وليس كما هو الأمر عليه في الحقيقة. فهي عملية اغتيال، قامت بها دولة عظمى، خارج أراضيها، منتهكة سيادة دولة مستقلة، ضد رجل تقول هي نفسها أنه كان أعزلاً لحظة اغتياله رمياص بالرصاص وسط نسائه وأطفاله، أحداث يمكن أن يجد فيها خبراء القانون الدولي العديد من الانتهاكات.


مجلتي "التايم" و "النيوزويك" أفردت عددين لتغطية حدث واحد وهو مقتل بن لادن، وأجرتا فيهما مقابلات مع الشعب الأمريكي وهو يعبر عن شعوره تجاه هذا الحدث العظيم على طريقة التلفزيونات العربية التي تسأل أسئلة بلهاء حول شعور المرء تجاه حدث وطني ما فيكون الجواب "شعوري شعور أي مواطن!".


مجلة "الايكونمست" كان أكثر اعتدالاً ومهنية، وأخذت تطرح السؤال الأهم: قتلتم بن لادن؟ حسناً والآن اقتلوا حلمه! تقترح المجلة أمرين لضمان القضاء على فكر الرجل الذي هو أخطر من الرجل نفسه. أولهما، عدم التخفيف من اجراءات ووسائل مكافحة الإرهاب في الوقت الراهن، فالقاعدة تحتاج عدة سنوات للقضاء عليها وإن غاب زعيمها. وثانيهما، أنه لن يقضي على فكرة الإرهاب الجهادي سوى المسلمين أنفسهم، وبالتالي فمن من مصلحة الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً العمل على دعم الاستقرار في الهلال الإسلامي (خارج الدول العربية) بكل الوسائل الممكنة، أما بالنسبة للدول العربية فعليهم العمل على دعم عملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، وأن لا يتأخروا عن دعم حركات التحرير الوطنية التي أفرزها الربيع العربي والتي تختط نهجاً إصلاحياً وتقدمياً ليس له علاقة بالحلم البنلادني الأممي.


كان أسامة بن لادن مثيراً للجدل في حياته، وكان متوقعاً أن يكون كذلك بعد مماته. بالنسبة للغرب الأمر واضح، فلا يُستغرب أن يحتفل البعض في أمريكا بموته على النحو الذي شاهدناه على شاشات التلفاز، وإن كان فئات مختلفة في المجتمع الغربي نفسه استهجنت طريقة الاحتفالات هذه.


بالنسبة للعالم الإسلامي كان الأمر مختلطاً، هناك من أراد ركوب الموجة السياسية التي تبارك مقتله فدعا للفرح بموته وأنه واجب شرعي، وآخرون دعوا للحزن عليه على اعتبار أن قاتله كافر ومحارب للمسلمين في اعتقادهم. أي أن الفرح والحزن قد لا يكونان لموت الرجل أو حياته بقدر ما هي تسجيل مواقف سياسية أو دينية استناداً إلى هويته أو هوية قاتله، وإذا كان هناك من حزن لإعدام صدام حسين للأسباب ذاتها، فليس غريباً أن يكون الوضع على هذا النحو هنا أيضاً.


كان هناك أيضاً من حزنوا لأنهم يرون فيه رجلاً صادقاً تجاه قضيته، عاش لأجلها ومات في سبيلها، فقد كانت ثروته كفيلة بأن يعيش مرفهاً في بلده ووسط أهله وأبنائه لكنه عوضاً عن ذلك بذلها في سبيل ما يؤمن به. ووسط الاحباط العربي والإسلامي خلال المائة سنة الماضية، وبعد عقود من الاستعمار القديم والحديث، ومع بقاء قضايا المسلمين المصيرية معلقة في فلسطين وكشمير والشيشان وغيرها، فلا يُستغرب أن يعتبره أحدهم بطلاً. بالنسبة لهؤلاء لن يجدي نفعاً أن تحاول إقناعهم بأن أفعال الرجل أضرت الإسلام والمسلمين أكثر مما نفعتهم، وأن النيات الطيبة وحدها لا تكفي، فقد حسموا أمرهم منذ زمن بشأنه.


يبدو الأمر أكثر إثارة للحيرة لدى السعوديين، إذ أنهم يأخذون بالاعتبار تاريخ الرجل الجهادي المشرف ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان. فهو كان واحداً من آلاف الشباب السعودي الذين غادروا الوطن بدعم رسمي لينضموا إلى إخوانهم المجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي الملحد. الآلة الإعلامية المحلية كما منابر الجمع وإذاعات المدارس لم تقصّر كلها آنذاك في نشر القصص عن بطولة العرب الأفغان وعن كرامات المجاهدين. فعندما تجعل من إنسان أو جماعة أبطالاً فوق العادة، وتحقن ذلك في ضمير الأطفال والناشئة والشباب لعقد من الزمن أو أكثر، فلا تتوقع أن يصبح من السهل عليهم أن ينسوا ذلك كله فجأة فيتحول البطل إلى شيطان، حتى لو كانت أفعاله قد تغيرت فعلاً، فلازال يملك الملامح نفسها والصوت ذاته. وهذا ما جعل الناس تمقت تنظيم القاعدة وأعماله بشدة، وتفرح للقبض على الإرهابيين أو قتلهم، ولكن ذلك كله يتغير إلى حد ما حين يأتي الأمر إلى شخص أسامة بن لادن.


يستطيع السياسي أن يرتبط بأربع زوجات ويشعرهن بأنه معهن قلباً وقالباً. فهو ليبرالي مع الأولى، وسلفي مع الثانية، واشتراكي في ليلته الثالثة، وقومي في ليلته الرابعة. نعم يستطيع أن ينتقل من اليسار إلى اليمين ثم يعود لليسار من جديد بأسرع من البرق، لأن السياسة لعبة يُباح فيها استعمال كافة الخدع البصرية، وهي فن الممكن. السياسي بطبعه لا يمانع أن يكون ميكافيلياً وانتهازياً في أحيان كثيرة، لكن المواطن العادي لا يستطيع القيام بذلك، وبالتالي يجب أن نكون حذريين حين ندعوه لاعتناق فكرة ما -أياً كانت-حد العبادة، لأنه قد يُصعب عليه أن يتخلى عنها مستقبلاً حين تصبح أكثر ضرراً منها نفعاً بالنسبة لنا، وسنحتاج إلى آلاف المراكز التأهيلية لنحاول تأهيل جيلٍ بل أجيال بأكملها.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 17, 2011 16:23
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.