شيماء شاهين's Blog: سؤال نحو تغيير المجتمع العربي, page 4
September 19, 2012
لماذا ؟؟
سؤال يطرحه معنا .. عبد الرحمن الكواكبي
إذا كان فساد النظم السياسية التي انتفض الوطن العربي من مشارقه إلى مغاربه لمقاومتها وإسقاطها هو المسئول عن تردي أحوال مجتمعاتنا اقتصاديا وتراجعها فكريا ، لماذا خضع المجتمع العربي لهذا الفساد عقودا طويلة ورضي بدور المفعول به بدلا من دور الفاعل ؟؟لماذا اصبحنا نعيش على هامش الحياة بدلا من أن نقاتل من أجل كرامتنا وأحلامنا ؟؟لماذا اخترنا أن يقتصر دور عقولنا على اتباع من لايعقل بدلا من الاجتهاد ؟؟ وإيجاد مبررات تبيح الخضوع للأمر الواقع بدلا من تحمل مسئولية تغيير هذا الواقع ؟؟ لماذا حلت الأنانية في قلوبنا محل الإيثار وتزلزلت العلاقات التي طالما جمعت بين أبناء الوطن الواحد و الحي الواحد لنصبح اليوم غرباء تحت سقف واحد ؟؟لماذا تغيرت رؤيتنا للقيم التي طالما رسمت معالم حضارتنا فأصبحنا نرى الحرية فوضى ، والشجاعة تهور ، والجبن حكمة وتعقل ، ما الذي قد جعلنا قد ألفنا الأدب مع الكبير ولو داس رقابنا ، وألفنا الثبات ثبات الأوتاد تحت المطارق ، وألفنا الانقياد ولو إلى المهالك ، وألفنا أن نعتبر التصاغر أدبا ، والتذلل لطفا ، والتملق فصاحة ، وترك الحقوق سماحة ، وقبول الاهانة تواضعا ، والرضى بالظلم طاعة ، ودعوة الاستحقاق غرورا ، والبحث في العموميات ( المصالح العامة ) فضولا ، ومد النظر إلى الغد أملا طويلا ، والإقدام تهورا ، وحرية القول وقاحة ، وحرية الفكر كفرا ، وحب الوطن جنونا..لماذا ولماذا ؟؟ علامات استفهام طالما طرحها كل من حمل هم هذا الوطن وأعيى عقله في اكتشاف الداء العضال الذي أصابه .. وعبد الرحمن الكواكبي (1849-1902 م ) أحد هؤلاء الذين كرسوا أعمارهم لإجابة تلك الاسئلة.والكواكبي مفكر سوري وأحد رواد دعوة إصلاح المجتمع العربي ، بدأ حياته كاتبا صحفيا يبحث عن كلمة الحق ويمارس مهنته دفاعا عن المظلومين ، ودفعه ما لاقاه في هذا المجال إلى دراسة القانون وممارسة مهنة المحاماة .. وكان لفساد السلطة في وقته أكبر الأثر في توجيه فكره لمقاومة هذا الفساد و في اتخاذه كافة السبل لتستمر تلك المقاومة ، حتى وصل به الحال إلى أن يكتب تحت اسماء مستعارة وكتب بتلك الوسيلة أشهر كتبه التي نعرفها اليوم " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " وفي هذا الكتاب يضع الكواكبي يده على الداء الذي أصاب الانسان والمجتمع العربي .. ويقول أنه بعد بحث ثلاثين عاما عن الداء وصل الى السبب الاقوى تأثيرا في أحوال البلاد والعباد وهو الاستبداد .. وعنه كتب الكواكبي :الاستبداد يتصرف في أكثر الأميال الطبيعية والاخلاق الحسنة فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها فيجعل الانسان يكفر بنعم مولاه ، لأنه لم يملكها حق الملك ليحمده عليها حق الحمد ، ويجعله حاقدا علي قومه لأنهم عون لبلاء الاستبداد عليه ، وفاقدا لحب وطنه ، لأنه غير آمن على الاستقرار فيه ويود لو انتقل منه ، وضعيف الحب لعائلته . الاستبداد يستولى على العقول الضعيفة للعامة فضلا عن الاجسام فيفسدها كما يريد ، ويتغلب على تلك الاذهان الضئيلة فيشوش فيها الحقائق بل البديهيات كما يهوى ، فيكون مثلهم في انقيادهم الاعمى للاستبداد ومقاومتهم للرشد والارشاد .وهكذا يجد الكواكبي في الاستبداد المنبع الأصيل لكل تلك الأعراض التي تستطيع أن تحيل أي مجتمع مهما كانت درجة تحضره إلى جثة هامدة لا حياة فيها ولا رجاء منها .. الاستبداد الذي ينبع من داخل الانسان ..يمارسه في استبداد الجهل على العلم ، واستبداد النفس على العقل ، واستبداد المرء على نفسه ، وذلك ان الله خلق الانسان حرا قائده العقل ، فكفر وأبى الا ان يكون عبدا قائده الجهل .. وأخطر ما يتجلى فيه الاستبداد عند الكواكبي : الاستبداد الديني .. لأن هذا النوع من الاستبداد يستطيع ان يملك في مجتمع كمجتمعنا مفاتيح التحكم في طاقات البشر .. فعامة البشر في بلادنا تميل إلى الانسياق وراء كلمة رجال الدين وتترك لهم الكلمة الأولى والأخيرة سواء في أمور الدين أو حتى أمور الدنيا ، ولا يفرقون بين الأوامر والنواهي الربانية والرغبات السلطوية ، ايمانا منهم بأن السلطة الحاكمة هي يد الله على الارض وجزء لا يتجزأ من قدرهم في الدنيا .. ويضع الكواكبي الاستبداد الديني كواحد من أكبر مسببات الاستبداد السياسي لأنه يرى من استقراؤه للتاريخ أن بين الاستبدادين الديني والسياسي مقارنة لا تنفك ، و متى وجد احدهما في أمة جر اليه الاخر ، او متى زال زال رفيقه ، وان صلح اي ضعف احدهما صلح وضعف الثاني .. وشواهد ذلك كثيرة جدا لا يخلو منها زمان ولا مكان .واذا كان الاستبداد الديني محورا من محاور الخلل في اوضاع المجتمعات ، فإن هناك عاملا آخر لا يقل خطورة وتأثير في تدعيم سلطة الاستبداد وهو الخوف .. خوف المستبِِِد وخوف المستبَد به .. وكلاهما ايضا قرناء لا يزول احدهما الا بزوال الاخر .. و خوف المستبد من نقمة رعيته اكثر من خوفهم من بأسه ، لأن خوفه ينشأ عن علمه بما يستحق منهم وخوفهم ناشئ عن جهل ، وخوفه عن عجز حقيقي فيه ، وخوفهم من توهم التخاذل فقط ، وخوفه على فقد حياته وسلطانه وخوفهم على لقيمات من النبات . وخوفه على كل شيء تحت سماء ملكه ، وخوفهم على حياة تعيسة فقط .وأخوف ما يخافه المستبدون هو العلم .. أن يعرف الناس حقيقة ان الحرية افضل من الحياة ، ان يعرفوا النفس وعزها ، والشرف وعظمته ، الحقوق وكيف تحفظ ، والظلم وكيف يرفع ، والانسانية وما وظائفها والرحمة وما هي لذاتها ..والحاصل انه ما انتشر نور العلم في امة قط وتكسرت فيها قيود الاسر ، إلا وساء مصير المستبدين من رؤساء سياسة او رؤساء دين .و يطرح الكواكبي السؤال الاكثر أهمية : من أين ينبع الاستبداد ؟؟ ويتأمل في أصل إصابة المجتمع بداء الاستبداد ، حيث يجد أن القائل أن أصل الداء التهاون في الدين ، يدفعه أن يقف حائرا عندما يسأل نفسه .. لماذا تهاون الناس في الدين ؟؟ والقائل أن الداء اختلاف الآراء ، يقف مبهوتا عند تعليل سبب الاختلاف . فإن قال سببه الجهل ، يشكل عليه وجود الاختلاف بين العلماء بصورة أقوى وأشد .. وهكذا يجد نفسه في حلقة مفرغة لا مبدأ لها .. فيرجع إلى القول : هذا ما يريده الله بخلقه .. غير مكترث بمنازعة عقله ودينه بأن الله حكيم عادل رحيم .. ولكن .. لماذا يبتلي الله عباده بالمستبدين ؟ ان أبلغ جواب هو : إن الله عادل مطلق لا يظلم احداً ، فلا يولي المستبد إلا على المستبدين .. ولو نظر السائل نظرة حكيمة لوجد كل فرد من أُسراء الاستبداد مستبد في نفسه .. المستبدون يتولاهم مستبد والأحرار يتولاهم أحرار وهذا صريح معنى ( كما تكونوا يولى عليكم )وبمعنى آخر : لا تلوموا إلا أنفسكم ..إن أكثر ما يلح على تفكيرى أثناء قراءة كلمات الكواكبي هو ماقرأت ذات يوم عن كيف تكرر الأخطاء نفسها حتى نستوعبها تماما .. ذلك لأننا طالما لم نستوعب أخطاء الماضي فإننا لن ننتقل أبدا إلى المستقبل أو على الأقل المستقبل الذي نريد ..لقد لمس الكواكبي بيده مواضع العطب في نفوسنا ، الذي كان منذ أكثر من مائة عام ولا يزال .. رأى الخوف من مواجهة النفس ومن مواجهة الغير ومن تحمل المسئولية ، وما يمثله هذا الخوف من بذرة تغرس في تربة خصبة بالجهل فتنبت الإستبداد الذي سرعان ما يتوغل ويظلل الارض وما عليها بفروعه المتشابكة .. ووجد الحل في مقاومة الإستبداد من جذوره وقتل الخوف في نفوسنا أولا .. ويرى في العلم القوة القاهرة للخوف والمانعة للاستبداد والقاضية على آثاره .. إن دافع الكواكبي وراء كتابة تلك الكلمات منذ أكثر من مائة عام كان سعيا لتحريروطنه من براثن الاستبداد .. وإعانة له على نصرة الحق على الباطل وإعانة المظلوم على التخلص من ظالمه .. وقد يكون في إستقراء نهج الكواكبي وغيره من مفكرينا ومراجعة دروس الماضي خير وسيلة تصلنا بالتغيير الحق الذي نريد .. النهج الذي سلكه وأوصى به كوسيلة واحدة وفعالة للتخلص من الاستبداد وآثاره :" إن الوسيلة الوحيدة الفعالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقي الأمة في الإدراك والإحساس ، وهذا لا يتأتى إلا بالعلم ، ولا يتأتى إلا في زمن طويل . والمستبد لا يخاف من العلوم كلها ، بل من التي توسع العقول وتعرف الانسان ما هو الانسان ، وما هي حقوقه ، وكيف الطلب ، وكيف النوال ..."عبد الرحمن الكواكبي - 1900 م
إذا كان فساد النظم السياسية التي انتفض الوطن العربي من مشارقه إلى مغاربه لمقاومتها وإسقاطها هو المسئول عن تردي أحوال مجتمعاتنا اقتصاديا وتراجعها فكريا ، لماذا خضع المجتمع العربي لهذا الفساد عقودا طويلة ورضي بدور المفعول به بدلا من دور الفاعل ؟؟لماذا اصبحنا نعيش على هامش الحياة بدلا من أن نقاتل من أجل كرامتنا وأحلامنا ؟؟لماذا اخترنا أن يقتصر دور عقولنا على اتباع من لايعقل بدلا من الاجتهاد ؟؟ وإيجاد مبررات تبيح الخضوع للأمر الواقع بدلا من تحمل مسئولية تغيير هذا الواقع ؟؟ لماذا حلت الأنانية في قلوبنا محل الإيثار وتزلزلت العلاقات التي طالما جمعت بين أبناء الوطن الواحد و الحي الواحد لنصبح اليوم غرباء تحت سقف واحد ؟؟لماذا تغيرت رؤيتنا للقيم التي طالما رسمت معالم حضارتنا فأصبحنا نرى الحرية فوضى ، والشجاعة تهور ، والجبن حكمة وتعقل ، ما الذي قد جعلنا قد ألفنا الأدب مع الكبير ولو داس رقابنا ، وألفنا الثبات ثبات الأوتاد تحت المطارق ، وألفنا الانقياد ولو إلى المهالك ، وألفنا أن نعتبر التصاغر أدبا ، والتذلل لطفا ، والتملق فصاحة ، وترك الحقوق سماحة ، وقبول الاهانة تواضعا ، والرضى بالظلم طاعة ، ودعوة الاستحقاق غرورا ، والبحث في العموميات ( المصالح العامة ) فضولا ، ومد النظر إلى الغد أملا طويلا ، والإقدام تهورا ، وحرية القول وقاحة ، وحرية الفكر كفرا ، وحب الوطن جنونا..لماذا ولماذا ؟؟ علامات استفهام طالما طرحها كل من حمل هم هذا الوطن وأعيى عقله في اكتشاف الداء العضال الذي أصابه .. وعبد الرحمن الكواكبي (1849-1902 م ) أحد هؤلاء الذين كرسوا أعمارهم لإجابة تلك الاسئلة.والكواكبي مفكر سوري وأحد رواد دعوة إصلاح المجتمع العربي ، بدأ حياته كاتبا صحفيا يبحث عن كلمة الحق ويمارس مهنته دفاعا عن المظلومين ، ودفعه ما لاقاه في هذا المجال إلى دراسة القانون وممارسة مهنة المحاماة .. وكان لفساد السلطة في وقته أكبر الأثر في توجيه فكره لمقاومة هذا الفساد و في اتخاذه كافة السبل لتستمر تلك المقاومة ، حتى وصل به الحال إلى أن يكتب تحت اسماء مستعارة وكتب بتلك الوسيلة أشهر كتبه التي نعرفها اليوم " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " وفي هذا الكتاب يضع الكواكبي يده على الداء الذي أصاب الانسان والمجتمع العربي .. ويقول أنه بعد بحث ثلاثين عاما عن الداء وصل الى السبب الاقوى تأثيرا في أحوال البلاد والعباد وهو الاستبداد .. وعنه كتب الكواكبي :الاستبداد يتصرف في أكثر الأميال الطبيعية والاخلاق الحسنة فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها فيجعل الانسان يكفر بنعم مولاه ، لأنه لم يملكها حق الملك ليحمده عليها حق الحمد ، ويجعله حاقدا علي قومه لأنهم عون لبلاء الاستبداد عليه ، وفاقدا لحب وطنه ، لأنه غير آمن على الاستقرار فيه ويود لو انتقل منه ، وضعيف الحب لعائلته . الاستبداد يستولى على العقول الضعيفة للعامة فضلا عن الاجسام فيفسدها كما يريد ، ويتغلب على تلك الاذهان الضئيلة فيشوش فيها الحقائق بل البديهيات كما يهوى ، فيكون مثلهم في انقيادهم الاعمى للاستبداد ومقاومتهم للرشد والارشاد .وهكذا يجد الكواكبي في الاستبداد المنبع الأصيل لكل تلك الأعراض التي تستطيع أن تحيل أي مجتمع مهما كانت درجة تحضره إلى جثة هامدة لا حياة فيها ولا رجاء منها .. الاستبداد الذي ينبع من داخل الانسان ..يمارسه في استبداد الجهل على العلم ، واستبداد النفس على العقل ، واستبداد المرء على نفسه ، وذلك ان الله خلق الانسان حرا قائده العقل ، فكفر وأبى الا ان يكون عبدا قائده الجهل .. وأخطر ما يتجلى فيه الاستبداد عند الكواكبي : الاستبداد الديني .. لأن هذا النوع من الاستبداد يستطيع ان يملك في مجتمع كمجتمعنا مفاتيح التحكم في طاقات البشر .. فعامة البشر في بلادنا تميل إلى الانسياق وراء كلمة رجال الدين وتترك لهم الكلمة الأولى والأخيرة سواء في أمور الدين أو حتى أمور الدنيا ، ولا يفرقون بين الأوامر والنواهي الربانية والرغبات السلطوية ، ايمانا منهم بأن السلطة الحاكمة هي يد الله على الارض وجزء لا يتجزأ من قدرهم في الدنيا .. ويضع الكواكبي الاستبداد الديني كواحد من أكبر مسببات الاستبداد السياسي لأنه يرى من استقراؤه للتاريخ أن بين الاستبدادين الديني والسياسي مقارنة لا تنفك ، و متى وجد احدهما في أمة جر اليه الاخر ، او متى زال زال رفيقه ، وان صلح اي ضعف احدهما صلح وضعف الثاني .. وشواهد ذلك كثيرة جدا لا يخلو منها زمان ولا مكان .واذا كان الاستبداد الديني محورا من محاور الخلل في اوضاع المجتمعات ، فإن هناك عاملا آخر لا يقل خطورة وتأثير في تدعيم سلطة الاستبداد وهو الخوف .. خوف المستبِِِد وخوف المستبَد به .. وكلاهما ايضا قرناء لا يزول احدهما الا بزوال الاخر .. و خوف المستبد من نقمة رعيته اكثر من خوفهم من بأسه ، لأن خوفه ينشأ عن علمه بما يستحق منهم وخوفهم ناشئ عن جهل ، وخوفه عن عجز حقيقي فيه ، وخوفهم من توهم التخاذل فقط ، وخوفه على فقد حياته وسلطانه وخوفهم على لقيمات من النبات . وخوفه على كل شيء تحت سماء ملكه ، وخوفهم على حياة تعيسة فقط .وأخوف ما يخافه المستبدون هو العلم .. أن يعرف الناس حقيقة ان الحرية افضل من الحياة ، ان يعرفوا النفس وعزها ، والشرف وعظمته ، الحقوق وكيف تحفظ ، والظلم وكيف يرفع ، والانسانية وما وظائفها والرحمة وما هي لذاتها ..والحاصل انه ما انتشر نور العلم في امة قط وتكسرت فيها قيود الاسر ، إلا وساء مصير المستبدين من رؤساء سياسة او رؤساء دين .و يطرح الكواكبي السؤال الاكثر أهمية : من أين ينبع الاستبداد ؟؟ ويتأمل في أصل إصابة المجتمع بداء الاستبداد ، حيث يجد أن القائل أن أصل الداء التهاون في الدين ، يدفعه أن يقف حائرا عندما يسأل نفسه .. لماذا تهاون الناس في الدين ؟؟ والقائل أن الداء اختلاف الآراء ، يقف مبهوتا عند تعليل سبب الاختلاف . فإن قال سببه الجهل ، يشكل عليه وجود الاختلاف بين العلماء بصورة أقوى وأشد .. وهكذا يجد نفسه في حلقة مفرغة لا مبدأ لها .. فيرجع إلى القول : هذا ما يريده الله بخلقه .. غير مكترث بمنازعة عقله ودينه بأن الله حكيم عادل رحيم .. ولكن .. لماذا يبتلي الله عباده بالمستبدين ؟ ان أبلغ جواب هو : إن الله عادل مطلق لا يظلم احداً ، فلا يولي المستبد إلا على المستبدين .. ولو نظر السائل نظرة حكيمة لوجد كل فرد من أُسراء الاستبداد مستبد في نفسه .. المستبدون يتولاهم مستبد والأحرار يتولاهم أحرار وهذا صريح معنى ( كما تكونوا يولى عليكم )وبمعنى آخر : لا تلوموا إلا أنفسكم ..إن أكثر ما يلح على تفكيرى أثناء قراءة كلمات الكواكبي هو ماقرأت ذات يوم عن كيف تكرر الأخطاء نفسها حتى نستوعبها تماما .. ذلك لأننا طالما لم نستوعب أخطاء الماضي فإننا لن ننتقل أبدا إلى المستقبل أو على الأقل المستقبل الذي نريد ..لقد لمس الكواكبي بيده مواضع العطب في نفوسنا ، الذي كان منذ أكثر من مائة عام ولا يزال .. رأى الخوف من مواجهة النفس ومن مواجهة الغير ومن تحمل المسئولية ، وما يمثله هذا الخوف من بذرة تغرس في تربة خصبة بالجهل فتنبت الإستبداد الذي سرعان ما يتوغل ويظلل الارض وما عليها بفروعه المتشابكة .. ووجد الحل في مقاومة الإستبداد من جذوره وقتل الخوف في نفوسنا أولا .. ويرى في العلم القوة القاهرة للخوف والمانعة للاستبداد والقاضية على آثاره .. إن دافع الكواكبي وراء كتابة تلك الكلمات منذ أكثر من مائة عام كان سعيا لتحريروطنه من براثن الاستبداد .. وإعانة له على نصرة الحق على الباطل وإعانة المظلوم على التخلص من ظالمه .. وقد يكون في إستقراء نهج الكواكبي وغيره من مفكرينا ومراجعة دروس الماضي خير وسيلة تصلنا بالتغيير الحق الذي نريد .. النهج الذي سلكه وأوصى به كوسيلة واحدة وفعالة للتخلص من الاستبداد وآثاره :" إن الوسيلة الوحيدة الفعالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقي الأمة في الإدراك والإحساس ، وهذا لا يتأتى إلا بالعلم ، ولا يتأتى إلا في زمن طويل . والمستبد لا يخاف من العلوم كلها ، بل من التي توسع العقول وتعرف الانسان ما هو الانسان ، وما هي حقوقه ، وكيف الطلب ، وكيف النوال ..."عبد الرحمن الكواكبي - 1900 م
Published on September 19, 2012 02:17
September 2, 2012
قبل السؤال
إن الانسان العربي بكل ما يحمل تاريخه من صفحات مضيئة ، وبكل ما أوتى من مقومات وضعته يوماً على قمة الحضارة ، يشعر اليوم بالكثير من الارتباك . إذ يواجه واحداً من أهم تحديات حاضره .. التغييرلقد برهن الحراك شبه الجماعي للمجتمعات العربية منذ مطلع 2011على حاجتها الماسة للتغيير . وعلى أن التغيير هو معبر تلك المجتمعات نحو حلم النهضة من جديد .. وبرغم الاجماع على الغاية الا ان الوسائل لا تزال محل كثير من الاختلاف .. اختلاف يعمي الأبصار عن رؤية الحقائق ، ويحول بينها وبين إدراك ما يجب أن يطرح اولا :هل يمكن بناء نهضة بعيدا عن نهج معقول وفي غياب عقل ناهض ؟؟إن بناء النهضة يقوم على أيديالأفراد الذين يجسدونها ، يعيشون ضمنها وتشكلهم وتصوغهم كما يشكلونها ويصوغونها .ومرجعية الأفراد في النهوض ترتكز على العقل.ومحاولة بناء النهضة بدون مراجعة العقل المدبر لها هي محاولة عبثية وكذلك محاولة احياء ماضي مجتمعنا العربي وإسترجاع عظمته دون فهم النهج الذي سار عليه من قبلنا ومكنهم من تحقيق ما نتباهى به اليوم من امجاد...اننا لم نتمكن من استعادة النهضة لأننا نفتقد أهم مقوماتها ..نفتقد النهج الذي يقودنا اليهاوالفكر الذي يرسم لنا ذاك النهج ..لقد إعتدنا أن نفكر ، لا حسب طبيعة الأشياء ، ولكن حسب عادات فكرية توجه فكرنا مبدئيا في إتجاه معين ، سواء كان هذا الاتجاه صالحا يناسب فعلا ما تقتضي المشكلات من حلول ام لا يناسب .نفكر من خلال عادات فكرية تعمل مفعولها في صورة البديهيات التي تطبق دون أي تحفظ.*و تلك البديهيات كان لها تاريخها ودورها السلبي في تعطيل مسيرة الكون قرونا طويلة.و خاصة عندما تكتسب تلك البديهيات صفة الثبات وتتحول إلى مسلمات عقلية خارج أطر التفكير وثوابت نفسية غير قابلة للمراجعة .. لتصبح أصناما فكرية تعارض السنة الكونية في التغير والتطور الذي هو سمة كل الخلق ..إن سجون تلك العادات الفكرية - البديهيات - هي ذاتها التي واجهت إنطلاقة عالمنا العربي قديما عند ظهور الإسلام وأخرت إنتقال الإنسان العربي من عصر الجاهلية إلى عصر الحضارة .وربما يكون مجتمعنا العربي قد نجح لبرهة من الزمن أن يتخطى الجاهلية ووثنيتها العقائدية والفكرية واستطاع حينها أن يحلق في آفاق الحضارة الانسانية وينشر ضوء رسالته الى أنحاء المعمورة .. ولكن الامور سرعان ما إرتدت للوراء وراحت الأصنام الفكرية تنصب من جديد وعادت ظلمة الجاهلية تخيم ثانية على فضاءات عالمنا العربي ..تلك الجاهلية هي نفسها التي تقف في وجهنا اليوم وغدا ..وتلك الوثنية هي ذاتها ما يجب مواجهتها لتحقيق النهضة..ان ما قبل السؤال هو تحديد هذه البديهيات المسيطرة على حركتنا التي نحتاج لمواجهتها .. وتلك الأصنام المتسلطة على عقولنا التي يتحتم هدمها .. والتحرر من المسلمات واعادة النظر بعقلانية الى ماضينا وحاضرنا ومواجهة دورنا الحقيقي في بناء مستقبلنا ..ولأن سعي مجتمعنا العربي الى غد افضل لا يستقيم دون فهم حاضره وما يدور فيه من حراك ..ودون استقراء لماضيه وما يحتويه من قدره وتوجيه ..دون التعرف على الانسان الذي له وبه كان المجتمع العربي ..ودون اكتشاف النهج الذي يصل بين ما كان وما نسعى ان يكون .ولأن المعرفة تبدأ بالسؤال ..يأتي سؤال نحو تغيير المجتمع العربيمحاولة لمعرفة من نحن وما هو دورنا في تاريخ الوطن المتتابع الحلقات ..
* مالك بن نبي - تأملات
Published on September 02, 2012 04:42


