شيماء شاهين's Blog: سؤال نحو تغيير المجتمع العربي, page 2

November 10, 2015

رائد التنوير المصري في القرن العشرين ..سلامه موسى

شهد الفكر الانساني في القرن التاسع عشر الكثير من المحطات الفاصلة والتحولات الجذرية التي يمكن القول عنها انها شكلت مرحلة التأسيس للفكر الانساني الحديث بوجه عام والفكر العربي – المصري بشكل خاص ..كانت اولى هذه التحولات تختص بالمنهج ، فقد تغيرت الادوات المعرفية تغييرا طال الاسس والجذور ، وعلى منتصف القرن التاسع عشر حقق المنهج العلمي الجديد قفزات مدهشة ووضع الانسان امام معارف وادوات متجددة .بالاضافة الى طرح المناهج الفلسفية نفسها بصورة جديدة اكثر قربا واهتماما بمعالجة اشكاليات الفكرالانساني المعاصر .وثاني اهم التحولات - التي قد يجوز القول انها نتجت عن تغيير مناهج التفكير  - هي تكوين رؤية جديدة للعالم والكون واشياؤهما بما في ذلك الانسان نفسه ككائن في هذا العالم . وقد تحرر من الايمان بالخوارق والمعجزات والغيبيات واطلق عنانه ليحلم بما لم يجرؤ الحلم به ..لقراءة المزيد »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 10, 2015 00:42

March 30, 2015

بيان الرئيس جمال عبد الناصر إلى الأمة في ٣٠ مارس ١٩٦٨

أيها الإخوة المواطنون:الآن يصبح فى إمكاننا أن نتطلع إلى المستقبل، وقبل الآن فإن مثل ذلك لم يكن ممكناً إلا بالاستغراق فى الأحلام أو الأوهام، وكلاهما لا تستسلم له الشعوب المناضلة، فضلاً عن أن تقع فيه بينما هى عند مفترق الطرق الحاسمة وأمام تحديات المصير.قبل الآن لم يكن فى مقدورنا أن ننظر إلى أبعد من مواقع أقدامنا؛ فلقد كنا بعد النكسة مباشرةً على حافة جرف معرض للانهيار فى أى وقت. وكان واجبنا فى ذلك الظرف يحتم علينا - قبل أى شىء آخر- أن نتحسس طريقنا إلى أرض أصلب تتحمل وقفتنا، وأرض أرحب تتسع لحركتنا.ولقد كانت جماهير الشعب بموقفها يومى ٩ و١٠ يونيو هى التى جعلت ذلك قابلاً للتحقيق؛ بفضل ما أظهرته من تصميم يرفض الهزيمة ويثق فى النصر. إن الموقف المؤمن والبطولى الذى اتخذته جماهير شعبنا فى ذلك الظرف العصيب، هو وحده الذى مكن للتحولات الهامة، التى وقعت منذ ذلك الوقت من أن تحدث فعلها وأثرها؛ بحيث يكون فى مقدورنا اليوم أن نقول بأمل فى الله عظيم: إنه الآن يصبح فى إمكاننا أن نتطلع إلى المستقبل. ومن دلائل الخير أن يكون ذلك فى مقدورنا اليوم فى ذكرى عيد الهجرة بما تحمله إلى المؤمنين من معانى التضحية فداءً للمبدأ، والنضال المستمر من أجل الحق، والصبر على المشاق فى سبيل نصر الله عزيزاً وصادقاً.أيها الإخوة المواطنون:إن الموقف البطولى المؤمن لجماهير شعبنا يومى  ٩  و١٠ يونيو، هو وحده الذى صنع عدداً من التحولات الهامة مكنت لعملنا من أن يبتعد عن الحافة الخطرة التى كان عليها فى أعقاب النكسة، ليقف على الأرض الأصلب، وليستشرف الأفق الأوسع الذى يستطيع أن يتحرك عليه نحو أهداف نضاله الشريفة والغالية.وأبرز هذه التحولات كما يلى:أولاً: إننا استطعنا إعادة بناء القوات المسلحة، وكانت تلك بداية ضرورية وبغير بديل، إذ كنا نريد جداً وحقاً أن نصحح آثار النكسة، وأن نزيل العدوان، وأن نسترد ما ضاع منا فيه. بغير إعادة بناء القوات المسلحة لم يكن أمامنا غير تقبل الهزيمة مهما كانت آمالنا، ومهما كان إيماننا؛ ذلك أن منطق هذا العصر - ولعله منطق كل العصور- أن الحق بغير القوة ضائع، وأن أمل السلام بغير إمكانية الدفاع عنه استسلام، وأن المبادئ بغير مقدرة على حمايتها أحلام مثالية مكانها السماء، وليس لها على الأرض مكان.ثانياً: إننا استطعنا تحقيق مطلب الصمود الاقتصادى، فى وقت كانت الأشياء كلها تسير فى اتجاه معاكس لفرصة تحقيقه، ولقد ساعد على ذلك رضا الشعب بالمزيد من التضحيات، وساعد عليه موقف عربى أصيل فى مؤتمر الخرطوم، وساعد عليه أصدقاء لنا على اتساع العالم كله، وقفنا معهم فوقفوا معنا.ولقد كان محتماً أن يسير مطلب الصمود الاقتصادى جنباً لجنب مع عملية إعادة بناء القوات المسلحة؛ فلم يكن فى استطاعتنا بغير اقتصاد سليم أن نوفر لاحتمال الحرب، ولا كان مجدياً أن نقف رابضين على خطوط النار بينما مقدرتنا على الإنتاج معطلة وراء الخطوط، وشبح الجوع يهددنا بأسرع من تهديد العدو لنا.ثالثاً: إننا استطعنا تصفية مراكز القوى التى ظهرت، وكان من طبيعة الأمور وطبيعة النفوس أن تظهر فى مراحل مختلفة من نضالنا.إن العمل السياسى لا يقوم به الملائكة وإنما يقوم به البشر، والقيادة السياسية ليست سيفاً بتاراً قاطعاً، وإنما هى عملية موازنة وعملية اختيار بعد الموازنة، والموازنة دائماً بين احتمالات مختلفة، والاختيار فى كثير من الظروف بين مخاطر محسوبة.ولقد تجاوزت الأمور حد ما يمكن قبوله بعد النكسة؛ لأن مراكز القوى وقفت فى طريق عملية التصحيح خوفاً من ضياع نفوذها، ومن انكشاف ما كان خافياً من تصرفاتها. وكان ذلك لو ترك وشأنه كفيلاً بتهديد جبهة الصمود الشعبى؛ ولذلك فلقد كان واجباً - بصرف النظر عن أى اعتبار- تصفية مراكز القوى، ولم تكن تلك بالمسألة السهلة إزاء المواقع التى كانت تحتلها مراكز القوى، وفى إطار الظروف الدقيقة التى كان يعيشها الوطن.رابعاً: إننا استطعنا - وهذه مسألة أخلاقية ومعنوية أعلق عليها قيمة كبيرة - أن نضع أمام الجماهير- بواسطة المحاكمات العلنية - صورة كاملة لانحرافات وأخطاء مرحلة سابقة. وكان رأيى أن هذه مسئولية يجب أن يتحملها نظامنا الثورى بأمانة وشجاعة، وكان رأيى أيضاً أن الضمير الوطنى الذى أحس بأن انحرافات وأخطاء قد وقعت من حقه ومن مصلحته أن يعرف الحقيقة، وأن يخلص وجدانه من أثقالها، وأن ينفض عن نفسه كل رواسب الماضى؛ لكى يدخل إلى المستقبل بصفحة نقية طاهرة. ومع كل العذاب الذى تحملته شخصياً وتحمله المواطنون معى خلال هذه العملية، فلقد بقى إيمانى بضرورتها كإيمانى بطب الجراحة يقطع لينظف، ويبتر لينقذ.خامساً: إننا استطعنا أن نقوم بجهد سياسى واسع على جبهات عريضة؛ جبهات عربية وجبهات دولية، وتنوعت جهودنا وتعددت على هذه الجبهات بالاتصال المباشر مع الأصدقاء فى الدول الاشتراكية، وفى مقدمتها الاتحاد السوفيتى الذى أكدت لنا ظروف النكسة صداقته المخلصة وتعاونه الصادق ووقوفه الصلب فى جبهة الثورة العالمية المعادية للاستعمار، وكذلك مع الدول غير المنحازة، ومع الدول الآسيوية والإفريقية، ومع الدول الإسلامية، ومع كل الشعوب الراغبة فى سلام قائم على العدل، ومع كل الساسة العالميين الذين يستطيع بعد نظرهم أن يتجاوز نكسة عارضة فى تاريخ أمة كان لها دورها العظيم فى التاريخ، وسوف يكون لها الدور العظيم فى مصير الإنسانية.إن هذه التحولات كلها قادها ودعمها إحساس عميق بالواجب لدى كثيرين من رجالنا فى كل مجالات المسئولية فى القوات المسلحة، ومن خبراء الاقتصاد والعاملين فى وحدات الإنتاج، ومن الملتزمين بأهداف النضال الشعبى والقادرين على خدمتها، ومن المشتغلين بالسياسة والفكر والدبلوماسية؛ كل هؤلاء ساهموا فى قيادة ودعم هذه التحولات التى تقارب المعجزة، والتى نستطيع بعدها أن نقول اليوم: الآن يصبح فى إمكاننا أن نتطلع إلى المستقبل.أيها الإخوة المواطنون:والآن ونحن نتطلع إلى المستقبل، فإن اعتقادى الأكيد أن خير ما نستطيع أن نتسلح به لمواجهة مسئولياتنا المقبلة هو أن يكون فى يدنا برنامج عمل محدد، ندرسه معاً، ونقره معاً، وتتفق عليه إرادتنا جميعاً؛ برنامج عمل يكفل وصولنا إلى الأهداف القريبة لنضالنا، ويقرب منا يوم الوصول إلى الأهداف البعيدة لهذا النضال، برنامج عمل لا تختلف فيه الاجتهادات، ولا تتصارع الآراء ولا تتصادم القوى، برنامج عمل نمسك به فى أيدينا، وبعد أن يتحقق لقاء فكرنا عليه؛ ثم نمضى على طريق الكفاح الطويل وفى يدنا خريطة للأفق الفسيح أمامنا، وخطة عمل لتقدمنا على هذا الأفق، برنامج للتغيير يستجيب للآمال العريضة التى حركت جماهير شعبنا إلى وقفتها الخالدة يومى ٩ و١٠ يونيو، وهى الوقفة التى سأظل دائماً وإلى آخر لحظة فى العمر مؤمناً بأنها كانت بعثاً للثورة، وتجديداً لشبابها، وإلهاماً لا يخيب، وضوءاً لا يخبو أمام طريق المستقبل.ولقد بدأت التغيير - كما تعرفون - بإعادة تشكيل الوزارة، والذى يعنينى فى تشكيل الوزارة الجديدة أنه جاء إلى مواقع الحكم بصفوة من شباب هذا الوطن، لا يدين أحد منهم بمنصبه لأى اعتبار سوى اعتبار علمه وتجربته فى العمل السياسى، وهم على أى حال يمثلون جيلاً جديداً يتقدم نحو قمة المسئولية. وإلى جانب ذلك فهناك تغييرات أخرى قادمة فى قيادات الإنتاج، وفى السلك الدبلوماسى، وفى المحافظين، وفى رؤساء المدن.إن الكثيرين ممن يشغلون هذه المناصب أدوا مسئولياتهم بجدارة واستحقاق، ولكن بعضهم لم يكن على مستوى المسئولية سياسياً وتنفيذياً، ومن الضرورى عليهم وعلينا إفساح المجال للأقدر والأجدر. لكن التغيير يبقى بعد ذلك أكبر من أن يكون مسألة أشخاص، وإنما التغيير الذى نريده يجب أن يكون أكثر بعداً وأكثر عمقاً من مجرد استبدال شخص بشخص. إن التغيير المطلوب لابد له أن يكون تغييراً فى الظروف وفى المناخ، وإلا فإن أى أشخاص جدد فى نفس الظروف وفى نفس المناخ سوف يسيرون فى نفس الطريق الذى سبق إليه غيرهم.إن التغيير المطلوب يجب أن يكون فكراً أوضح، وحشداً أقوى، وتخطيطاً أدق؛ وبذلك يكون للتصميم معنى، وتكون للإرادة الشعبية مقدرة اجتياح كل العوائق والسدود، نافذة واصلة إلى هدفها.أيها الإخوة المواطنون:إن المسئولية التاريخية للأيام العصيبة والمجيدة التى نعيش فيها، ونعيش لها، تطرح بنفسها علينا برنامج عمل له جانبان:الجانب الأول: حشد كل قوانا العسكرية والاقتصادية والفكرية على خطوطنا مع العدو؛ لتحرير الأرض وتحقيق النصر.الجانب الثانى: تعبئة كل جماهيرنا بما لها من إمكانيات وطاقات كامنة؛ من أجل واجبات التحرير والنصر، ومن أجل آمال ما بعد التحرير والنصر.أيها الإخوة المواطنون:سوف أبدأ بالجانب الأول من برنامج عملنا المقترح وهو الحشد، وإنى لأرجو أن يكون اتفاقنا كاملاً على أنه ليس هناك الآن - ولا ينبغى أن يكون هناك الآن - صوت أعلى من صوت المعركة، ولا نداء أقدس من ندائها. إن أى تفكير أو حساب لا يضع المعركة وضروراتها أولاً وقبل كل شىء لا يستحق أن يكون تفكيراً، ولا تزيد نتيجته عن الصفر.إن المعركة لها الأولوية على كل ما عداها، وفى سبيلها وعلى طريق تحقيق النصر فيها يهون كل شىء، ويرخص كل بذل؛ مالاً كان أو جهداً أو دماً، ومهما كان السبيل الذى نسلكه إلى تحرير الأرض وتحقيق النصر فإنه يصبح سبيلاً مسدوداً بغير استعداد للمعركة؛ سواء قبلنا بطريق العمل السياسى وسرنا فيه إلى مداه؛ فإن نتيجته مرهونة باستعدادنا للمعركة، وسواء يئسنا من العمل السياسى وتركناه وواجهنا أقدارنا فى ميدان القتال؛ فإن النتيجة معلقة على استعدادنا للمعركة. ولقد أبدينا استعدادنا - ولا نزال - للعمل السياسى عن طريق الأمم المتحدة أو غيره من الطرق، ونحن نضع مع أشقائنا العرب كل وسائلنا؛ سواء بواسطة مؤتمرات القمة، أو بواسطة التنسيق الثنائى المباشر. ونحن نتعاون مع كل القوى الشعبية العربية من أجل المقاومة المسلحة للعدو، وكافة أشكال المقاومة الأخرى. ونحن نفتح عقولنا وقلوبنا للعالم كله من نفس المنطق الذى حكم نضالنا الطويل؛ وهو أننا نصادق من يصادقنا ونعادى من يعادينا.نحن نفعل ذلك كله عن تقدير واع لنتائجه الواقعة والمحتملة، لكننا بعده يجب أن نكون مستعدين للمعركة مهما كلفتنا، وحتى إذا وقفنا فيها وحدنا. إن الأرض أرضنا والحق حقنا، والمصير مصيرنا، ولا نستطيع أمام أنفسنا، وأمام أمتنا العربية، وأمام الأجيال القادمة من أبنائنا وأحفادنا إلى الأبد أن نتردد أو نتخاذل أو نوزع التبعات على الآخرين، مهما اقتضانا ذلك من التكاليف على مواردنا وعلى أعصابنا وعلى أرواحنا.هذا هو الجانب الأول من برنامج عملنا، ولا أظنه بيننا موضع خلاف؛ ذلك لأن الخيار فيه هو النصر أو الهزيمة، الشرف أو العار، الحياة أو الموت، وليس هناك خيار حقيقى فى ذلك كله؛ لأن القرار حتمى، وهو أننا نختار النصر، ونختار الشرف، ونختار الحياة.أيها الإخوة المواطنون:أنتقل الآن إلى الجانب الآخر من برنامج عملنا المقترح، وهو تعبئة كل جماهيرنا بما لها من طاقات وإمكانيات من أجل واجبات التحرير والنصر، ومن أجل آمال ما بعد التحرير والنصر، وفى هذا الصدد فإنى أطرح النقط التالية:١- إنه من الضرورى والحيوى حشد كل القوى الشعبية، وبوسيلة الديمقراطية وعلى أساسها؛ وراء أهداف نضالنا القريبة والبعيدة، أى وراء واجب المعركة، وراء أمل إتمام بناء المجتمع الاشتراكى الذى حققنا منه كثيراً، وينبغى أن نحقق منه أكثر.٢- إن صيغة الاتحاد الاشتراكى هى أكثر الصيغ ملاءمة لحشد القوى الشعبية بوسيلة الديمقراطية وعلى أساسها، وهى تجسيد حى وصحى لمعنى أن تكون الثورة للشعب وبالشعب، ثم إنها الضمان بعد ذلك لتجنب دموية الصراع الطبقى، ولكفالة فتح أسرع الطرق وأكثرها أماناً إلى التقدم.والاتحاد الاشتراكى - كما تذكرون وفقاً للميثاق - هو واجهة عريضة تضم تحالف قوى الشعب العاملة كلها، ثم تنظيم سياسى يقوم وسطها من الطلائع القادرة على قيادة التفاعل السياسى نحو هدف تذويب الفوارق بين الطبقات. ولم تكن المشاكل التى عاناها الاتحاد الاشتراكى ترجع إلى قصور أو عيوب فى صيغته العامة، وإنما كانت أسباب القصور والعيوب ترجع إلى التطبيق.وأول هذه الأسباب هو أن عملية إقامة الاتحاد الاشتراكى لم تبن على الانتخاب الحر من القاعدة إلى القمة.٣- إن علينا الآن أن نعيد بناء الاتحاد الاشتراكى عن طريق الانتخاب من القاعدة إلى القمة؛ أى من اللجان التأسيسية فى القرية، والحى، والمصنع، والوحدة، إلى المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى، وإلى لجنته المركزية، وإلى اللجنة التنفيذية العليا.وتذكرون أننى كنت قد أشرت فى خطابى يوم ٢٣ يوليو الماضى إلى تكوين اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، وكان التصور فى ذلك الوقت أن تكون بالتعيين، ولقد أجلت ذلك خلافاً لما قلت ووعدت به، عن اقتناع بأن أسلوب التعيين ليس أفضل الأساليب، وأن التعيين فى النهاية قد لا يعطينا إلا ما تفرزه مراكز القوى، أو ما تقدمه المجموعات المختلفة والشلل، وليس ذلك هو المرجو، وليس هو ما يحقق لنا الهدف والدور الذى كنا نطلبه للجنة المركزية.إن طريق الانتخاب سوف يعطينا الحل الأوفق؛ أن يتم بناء الاتحاد الاشتراكى بالإرادة الشعبية وحدها، وأن تقوم قوى الشعب العاملة باختيار قيادتها المعبرة عنها والمستوعبة لآمالها الثورية، ثم تدفعها إلى مواقع القيادة السياسية.أيها الإخوة المواطنون:من هذه النقط الثلاث فإنى أقترح البرنامج التنفيذى التالى:١- تجرى الانتخابات للوحدات التأسيسية للاتحاد الاشتراكى العربى، وتتدرج الانتخابات حتى تصل إلى المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى، الذى ينتخب بدوره اللجنة المركزية، التى تنتخب بدورها رئاستها، وهى اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى.٢- يظل المؤتمر القومى المنتخب للاتحاد الاشتراكى العربى قائماً إلى ما بعد إزالة آثار العدوان، ويعقد دورة عامة بكامل هيئته مرة كل ثلاثة شهور؛ لكى يتابع مراحل النضال ويوجهها، ويصدر فى شأنها ما يرى.٣- تظل اللجنة المركزية المنتخبة من المؤتمر القومى فى حالة انعقاد دائم، وتقوم لجانها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية برسم سياسات العمل فى جميع المجالات؛ استهدافاً لتحقيق النصر وإعادة البناء الداخلى.٤- إن مجلس الأمة الحالى قد قارب على استيفاء مدته الدستورية، وهو لم يفرغ بعد من المهمة الأساسية التى أوكلت إليه؛ وهى وضع الدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة. وإذا كان المجلس لم يتمكن من أداء هذه المهمة فينبغى للإنصاف أن نذكر له دوره الكبير، وما قام به من عمل يستحق التقدير. والمؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى العربى - وهو أعلى سلطة ممثلة لتحالف قوى الشعب العاملة - قد يرى أن يقوم بنفسه بعملية وضع مشروع الدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة، وقد يرى فى الأمر رأياً آخر. ومهما يكن فإنه من المهم أن يكون مشروع الدستور الدائم معداً بحيث يمكن فور انتهاء عملية إزالة آثار العدوان أن يطرح للاستفتاء الشعبى العام، وأن تتلوه مباشرة انتخابات لمجلس أمة جديد على أساس الدستور الدائم، وانتخابات لرئاسة الجمهورية.٥- إن اللجنة المركزية للمؤتمر القومى سوف يكون عليها - غير واجباتها المحددة فى قانون الاتحاد الاشتراكى، وغير مسئوليات الظروف الخاصة للنضال الوطنى فى مرحلته الحاضرة - عدة مهام إضافية هى: بناء التنظيم السياسى لطلائع الاتحاد الاشتراكى، وتحديد مهام العمل الوطنى للمرحلة الجديدة والتنسيق بينها، ثم المشاركة فى وضع الخطوط العريضة للدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة.أيها الإخوة المواطنون:لكى يكون هناك ضوء كاف على طريقنا فإننى أريد من الآن أن أضع أمامكم تصورى لبعض المهام الرئيسية فى المرحلة القادمة من نضالنا:١- تأكيد وتثبيت دور قوى الشعب العاملة وتحالفها وقياداتها فى تحقيق سيطرتها بالديمقراطية على العمل الوطنى فى كافة مجالاته.٢- تدعيم عملية بناء الدولة الحديثة فى مصر، والدولة الحديثة لا تقوم - بعد الديمقراطية - إلا استناداً على العلم والتكنولوجيا؛ ولذلك فإنه من المحتم إنشاء المجالس المتخصصة على المستوى القومى سياسياً وفنياً؛ لكى تساعد على الحكم، وإلى جانب مجلس الدفاع القومى؛ فإنه لابد من مجلس اقتصادى قومى؛ يضم شعباً للصناعة، والزراعة، والمال، والعلوم، والتكنولوجيا، ولابد من مجلس اجتماعى قومى؛ يضم شُعباً للتعليم والصحة وغيرها مما يتصل بالخدمات المختلفة، ولابد أيضاً من مجلس ثقافى قومى؛ يضم شعباً للفنون وللآداب وللإعلام.٣- إعطاء التنمية الشاملة دفعة أكبر فى الصناعة والزراعة لتحقيق رفع مستوى الإنتاج والعمالة الكاملة، مع الضغط على أهمية إدارة المشروعات العامة إدارة اقتصادية وعلمية.٤- العمل على تدعيم القيم الروحية والخلقية، والاهتمام بالشباب وإتاحة الفرصة أمامه للتجربة.٥- إطلاق القوى الخلاقة للحركة النقابية سواء فى نقابات العمال أو نقابات المهنيين.٦- تعميق التلاحم بين جماهير الشعب وبين القوات المسلحة.٧- توجيه جهد مركز نحو عمليات البحث عن البترول؛ لما أكدته الشواهد العملية من احتمالات بترولية واسعة فى مصر، ولما يستطيع البترول أن يعطيه لجهد التنمية الشاملة من إمكانيات ضخمة.٨- توفير الحافز الفردى؛ تكريماً لقيمة العمل من ناحية، واحتفاظاً للوطن بطاقاته البشرية القادرة، وإفساح فرصة الأمل أمامها.٩- تحقيق وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب.١٠- ضمان حماية الثورة فى ظل سيادة القانون، ولعله يكون مناسباً أن تقوم اللجنة المركزية بتشكيل لجنة خاصة، ويكون لهذه اللجنة حق نظر كل الإجراءات التى ترى السلطة اتخاذها لدواعى الأمن الوطنى فى الظروف الراهنة.أيها المواطنون:طلباً لمزيد من الضوء والوضوح أمد البصر أيضاً إلى بعض الخطوط العامة التى يجب - فى تقديرى - أن يتضمنها الدستور؛ لكى تكون من الآن تحت سمعنا وبصرنا دليلاً ومرشداً.إن الدستور الجديد يجب أن يكون حقيقة عملية وسياسية، تعيش فى واقعنا وتنبع منه؛ ولهذا فإنى أقترح من الآن أن تتضمن مواد الدستور الخطوط الأساسية العامة التالية:١- أن ينص الدستور على تحقيق وتأكيد الانتماء المصرى إلى الأمة العربية؛ تاريخياً ونضالياً ومصيرياً، وحدة عضوية فوق أى فرد وبعد أى مرحلة.٢- أن ينص الدستور على حماية كل المكتسبات الاشتراكية وتدعيمها؛ بما فى ذلك النسبة المقررة بالميثاق للفلاحين والعمال فى كل المجالس الشعبية المنتخبة، واشتراك العمال فى إدارة المشروعات وأرباحها، وحقوق التعليم المجانى والتأمينات الصحية والاجتماعية، وتحرير المرأة، وحماية حقوق الأمومة والطفولة والأسرة.٣- أن ينص الدستور على الصلة الوثيقة بين الحرية الاجتماعية والحرية السياسية، وأن تتوفر كل الضمانات للحرية الشخصية والأمن بالنسبة لجميع المواطنين فى كل الظروف، وأن تتوفر أيضاً كل الضمانات لحرية التفكير والتعبير والنشر والرأى والبحث العلمى والصحافة.٤- أن ينص الدستور على قيام الدولة العصرية وإدارتها؛ لأن الدولة العصرية لم تعد مسألة فرد ولم تعد بالتنظيم السياسى وحده، وإنما أصبح للعلوم والتكنولوجيا دورها الحيوى، ولهذا فإنه يجب أن يكون واضحاً أن رئيس الجمهورية يباشر مسئولية الحكم بواسطة الوزراء، وبواسطة المجالس المتخصصة التى تضم خلاصة الكفاءة والتجربة الوطنية، بما تحققه إدارة الحكومة عن طريق التخصص واللامركزية.٥- أن ينص الدستور على تحديد واضح لمؤسسات الدولة واختصاصاتها؛ بما فى ذلك رئيس الدولة والهيئة التشريعية والهيئة التنفيذية. ومن المرغوب فيه أن تتأكد سلطة مجلس الأمة باعتباره الهيئة التى تتولى الوظيفة التشريعية، والرقابة على أعمال الحكومة، والمشاركة فى وضع ومتابعة الخطة العامة للبناء السياسى، وللتنمية الاقتصادية والاجتماعية.كذلك فإن من المرغوب فيه إفساح الفرصة لوسائل الرقابة البرلمانية والشعبية لتحقيق حسن الأداء وكفالة أمانته.٦- أن ينص فى الدستور على تأكيد أهمية العمل باعتباره المعيار الوحيد للقيمة الإنسانية.٧- أن ينص فى الدستور على ضمانات حماية الملكية العامة، والملكية التعاونية، والملكية الخاصة، وحدود كل منها ودوره الاجتماعى.٨- أن ينص فى الدستور على حصانة القضاء، وأن يكفل حق التقاضى، ولا ينص فى أى إجراء للسلطة على عدم جواز الطعن فيه أمام القضاء؛ ذلك أن القضاء هو الميزان الذى يحقق العدل ويعطى لكل ذى حق حقه، ويرد أى اعتداء على الحقوق أو الحريات.٩- أن ينص فى الدستور على إنشاء محكمة دستورية عليا، يكون لها الحق فى تقرير دستورية القوانين وتطابقها مع الميثاق ومع الدستور.١٠- أن ينص فى الدستور على حد زمنى معين لتولى الوظائف السياسية التنفيذية الكبرى؛ وذلك ضماناً للتجدد وللتجديد باستمرار.أيها الإخوة المواطنون:لقد قصدت أن أتناول أكبر قدر ممكن من رءوس المسائل وتفاصيلها؛ ليكون برنامج العمل الذى تمسك به أيدينا فى المرحلة القادمة قادراً على الوفاء وعلى التحقيق، وبعد ذلك فإنى أرى طرح هذا البرنامج الذى أقترح أن نسميه اختصاراً بتاريخ هذا اليوم ٣٠ مارس للاستفتاء العام، وبطرح برنامج ٣٠ مارس سنة ١٩٦٨ للاستفتاء العام فإنى أقصد بذلك أن يكون واضحاً لنا جميعاً ما نريد، وأن يكون موضع اتفاقنا؛ كذلك أريده أن يكون واضحاً أمام أمتنا العربية ومدعاة لثقتها فى وحدة النضال واستمراره، وأريده أيضاً أن يكون واضحاً أمام الصديق وأمام العدو على حد سواء، وموضع اعتبار كل الذين يقفون معنا وكل الذين يقفون ضدنا.إن الدستور المؤقت الصادر سنة ١٩٦٤ يعطى لرئيس الجمهورية حق أن يستفتى الشعب فى المسائل الهامة المتصلة بمصالح البلاد العليا؛ وذلك وفقاً للمادة ١٢٩ منه، وإذا كان هناك من يتصور صعوبة الاستفتاء العام فى مثل الظروف التى نعيش فيها فإننا نرى أن ذلك وقته، وظروف المعركة ليست حائلاً دونه بل إننا نراه ضرورة من ضرورات المعركة.إن المعركة ليست معركة فرد، وليست معركة جيش، وإنما هى معركة شعب ومعركة أمة بأسرها، وهى فى نفس الوقت معركة حياة أو موت.إن قوى الشعب العاملة هى وحدها التى تستطيع توفير كل ضرورات النصر، وحشد كل الطاقات اللازمة لتحقيقه، وإعطاء أكبر قدر من إرادة الصمود لجبهة ميدان القتال.إن أى نظام ثورة يستند على الجماهير وحدها لا يكفيه أن يكون الشعب وراءه راضياً ومؤيداً، وإنما هو يحتاج إلى أكثر من ذلك؛ يحتاج إلى أن يكون الشعب أمامه موجهاً وقائداً.أيها الإخوة المواطنون:إذا كان هذا البرنامج تمثيلاً صحيحاً لأفكارنا جميعاً فإننى أرى الخطوات التنفيذية التالية:١- أن يجرى الاستفتاء العام على برنامج ٣٠ مارس سنة ١٩٦٨ فى يوم الخميس ٢ مايو سنة ١٩٦٨.٢- بعد ظهور نتيجة الاستفتاء، وإذا كانت النتيجة بنعم فسوف أصدر قراراً بتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على انتخابات المؤتمر القومى، ويحق لها أن تنضم إلى عضويته العاملة بعد انتهاء عملية انتخابات المؤتمر.٣- على هذا الأساس فإنه يمكن للمؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى العربى أن يجتمع يوم الثلاثاء ٢٣ يوليو سنة ١٩٦٨، ويعقد دورة افتتاحية ينتخب فى نهايتها لجنته المركزية.أيها الإخوة المواطنون:إن سجل نضالنا يشهد لشعبنا أن الشعب الذى غير بكفاحه خريطة الشرق الأوسط، وأزال من فوقها سيطرة الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة، وتصدى فى وسطها لمحاولات الاستعمار الجديد، وتحمل تبعات الوحدة العربية سِلماً وحرباً، وفجر عصر الثورة الاجتماعية، وبنى أعظم السدود، وقهر الصحراء، وأقام أول قاعدة عربية للصناعة المتقدمة، هذا الشعب يملك المقدرة ويملك التجربة لتجاوز هزيمة عارضة فى تاريخه وتاريخ أمته.إننا سوف نحقق كما حققنا، وسوف ننتصر كما انتصرنا، ولتعلو إرادة الحق فوق كل إرادة؛ لأنها جزء من إرادة الله.والسلام عليكم ورحمة الله.
المصدر : موقع الرئيس جمال عبد الناصر http://nasser.bibalex.org/Data/GR09_1...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 30, 2015 02:01

November 20, 2014

زكي نجيب محمود .. مسيرة فكريه نحو العقل والحرية

"  كيف جاز لذلك التاريخ الطويل المجيد ، في عزه ومجده ، أن يلد لنا هذا الحاضر في عقمه وذله ؟ " سؤال نطرحه كثيرا ، نتبادل فيه توجيه اصابع الاتهام نحو التاريخ باحثين بين جنباته عن اسرار تخلفنا وتراجعنا ، ونحو الحاضر لاستخلاص مواطن عقمه واسباب ذله .. اشكالية قديمة قدم التاريخ وعصية كنهضتنا المنشودة .. اشكالية كانت القاسم المشترك بين كثير من مفكرينا الذين حاولوا ايجاد مخرج لامتنا من سقطتها الحضارية ، وجد الكثير منهم اجابتها في مقاطعة التراث ورفضه لما يحتويه على اسباب تخلفنا وتراجعنا ، ووجد غيرهم سبيل النجاة في احيائه والتمسك به والعودة الى زمن الامجاد .. نتوقف اليوم عند واحد من اهم رواد الفكر العربي المعاصر الذي مثلت اشكالية التراث في مسيرته الفكرية محورا رئيسيا هو :  الدكتور . زكي نجيب محمود 1905-2000 " الفيلسوف العربي الذي كرس ما يناهز السبعين عاما من عمره في محاولة حل تلك الاشكاليه ..قد نجد في تجربته اجابة عن التساؤل الذي يطرح نفسه على مجتمعاتنا في المفترق التاريخي الذي نقف عنده منذ عقود..لقراءة المزيد »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 20, 2014 01:31

July 9, 2014

مدينة شبرا الخيمة .. قلعة الصناعة المصرية

يثير اسم شبرا الخيمة في اذهان اغلبنا صورة لغابة كثيفة من البيوت الخرسانية المتلاصقة تختلط شوارعها ببقايا افدنة خضراء حملت يوما ما الخير للقاهرة العاصمة ... عمران غير رسمي عالق بين المدنية والريف وفي الحالتين  في ادنى معاييره الانسانية . ارصفة يفترشها باعة تزخر عرباتهم بالمنتجات الصينية الرخيصة امام جدران كابية لمصانع معطلة وورش تنتج ما لا يشتريه احد . ملجأ من ضاقت به مساكن القاهرة القديمة وعصت عليه تجمعات مدنها الجديدة .. الكثير والكثير من الزحام والضوضاء ..شبرا الخيمة كما نعرفها اليوم  بقعة على اطراف العاصمة لا تحظى بأقل حظ من خدماتها في الوقت الذي تحتوي فيه عبء ما يقرب من ربع سكان القاهرة .... هي المدينة التي لا يرى البعض فيها سوى وصمة على جبين العاصمة ووكرا للعشوائية والتلوث .. بينما يرى البعض الآخر- جزءا من حقيقتها - اطلال لإحدى قلاع الصناعة المصرية .. وربما يكون من الصعوبة الشديدة على الكثيرين  منا اليوم ان يستوضح حقيقة مدينة شبرا الخيمة نظرا لما شهدته تلك المدينة من تحولات بين نقيضين ، مما طمس الكثير من معالمها الاصلية.. الا اننا نستطيع ان نتبين طريقنا عبر تاريخ شبرا الخيمة الحديث مسترشدين ببعض العلامات التي لم يستطيع الزمن ان يمحوها .. او ربما بقيت عمدا لتروي لنا قصة شبرا الخيمة .. المدينة الصناعية التي حلمت بها مصر الناصرية وواحدة من البصمات الرمادية التي خلفها عصر الانفتاح والرأسمالية على مجتمعنا المصري ..
لقراءة المزيد »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 09, 2014 02:51

February 2, 2014

الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد يروي قصة حياته


في بداية تكوين الحركة السودانية المركزية (حسم) كان المفكر الأستاذ محمد آبو القاسم حاج حمد يتحدث لمستمعيه بمنزل الصحفي ناصف صلاح الدين في أمسية من أماسي أوائل التسعينات في جلسة كان موضوعها (تجربة حاج حمد على لسانه)، وهي تساؤلات أجاب عليها بإفادات ثرة وصريحه - يرحمه الله - وخرجت منها الخرطوم الجديدة بالتالي.لقراءة المزيد »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 02, 2014 01:16

December 4, 2013

مشروع مدينة نصر ..مدينة الطبقة الوسطى ..

يعكس مشروع مدينة نصر الكثير من التحولات التي شهدها المجتمع المصري منذ ثورة يوليو 1952 وحتى وقتنا هذا .. حيث مثلت في بدايتها الترجمة الحية للبرنامج الاجتماعي لثورة يوليو ، الذي ربط منذ فجر انطلاقه مسيرة التنمية بالعدالة الاجتماعية ووضع نصب عينيه هدف اعادة التوازن الطبقي المفقود للمجتمع المصري..وذلك عن طريق فتح ابواب الحراك الاجتماعي الصاعد امام الطبقات الدنيا بهدف تكوين طبقة متوسطة عريضة تصبح هي القلب النابض والقوى المحركة لمصر نحو مستقبلها .. ثم ما لبثت ان عاشت مدينة نصر مرحلة الانقلاب من الاشتراكية الى الرأسمالية في عهد الانفتاح الاقتصادي في السبعينات وما بعدها.. لتتحول معها مدينة الطبقة المتوسطة الى مدينة الاغنياء الجدد وتصبح حتى يومنا هذا تعبيرا صارخا عما احدثه هذا التحول من تشوه في المجتمع المصري كان نتيجته ما نعانيه الآن ..  
لقراءة المزيد »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 04, 2013 01:51

September 30, 2013

عبد الناصر والإسلام - د رفعت سيد احمد

بقلم: الأستاذ دكتور رفعت سيد أحمد - 23 يوليو, 2010

سيظل عبد الناصر ، حاضراً ، بفكره وتجربته ، مهما طال الزمن أو بعد ، ربما يعود ذلك إلى أن تجربته كانت ثرية بإنجازاتها ؛او ربما يعود ذلك إلى أنها جاءت فى لحظة تاريخية فاصلة من عمر الأمة ، فخلقت واقعاً جديداً مفصلياً فى تاريخ مصر الحديث .. وربما لأسباب أخرى سياسية داخلية وخارجية ،جعل  لهذه التجربة الناصرية بريقها وديمومتها ، رغم أخطائها بل وخطاياها العديدة ، واليوم نعيد فتح ملف هذه التجربة من زاوية جديدة ، زاوية نحسبها لاتزال تطلق تأثيراتها ، وتفرض معاركها علينا ، وعلى العالم ، زاوية (الإسلام) وموقعه فى مدركات وسلوكيات الأنظمة الحاكمة ، اليوم نحاول أن نعيد قراءة رؤية عبد الناصر للإسلام وهى الرؤية التى نحتاجها اليوم ، رؤية نقدمها بعيداعن جدلية الصراع بين عبدالناصر وحركة الإخوان المسلمين لكثرة ما كتب فيها ، وايضا لعدم جدوى تذكر المأساة من ، نريد أن نفتح قوساً أوسع ، من هذا القوس الإخوانى – الناصرى الضيق – رغم أهميته للباحثين وللحركيين الإسلاميين والناصريين ، القوس الذى نريد أن نفتحه هو قوس الرؤية والمدركات والفلسفة التى حكمت المشروع الناصرى (1952 – 1970) تجاه الإسلام : حركات ، وقيم، ومؤسسات وثقافة كيف كانت وإلى أى مآل انتهت ، وكيف نستفيد منها اليوم أو غداً فى مجال التعامل مع قضايا مصر والمنطقة والعالم التى تتفجر من حولنا ، ويحتل الفهم للإسلام (خطأ أو صواباً) جزءاً من عملية تفجيرها .

هذا ما ستحاوله هذه الدراسة التى سبق ومثلت بعض فقراتها جزءاً من أطروحة الماجستير التى حصل عليها كاتب هذه الدراسة عام (1983) من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ، واليوم نجددها ، ونجدد قضاياها ونعيد طرح جوهر الدراسة للحوار ، من أجل مصر فى ذكرى ثورتها الثامنة والخمسين.. فماذا عنها ؟
لقراءة المزيد »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 30, 2013 02:55

June 18, 2013

"الحقيقة والوهم في الحركة الاسلامية المعاصرة "


 "الحقيقة والوهم في الحركة الاسلامية المعاصرة " هو واحد من أعمال المفكر المصري فؤاد زكريا ( 1927-2010 ) . استاذ الفلسفة ورئيس تحرير مجلتي " الفكر المعاصر"  و " تراث الانسانية "
عندما قامت الثورة الاسلامية في ايران ، ونجحت في القضاء على نظام من اعتى الانظمة الاستبدادية التي عرفتها البشرية واقامت حكما اسلاميا كاملا في بلد يملك جميع مقومات النهوض والتقدم : من طاقة بشرية ضخمة واعية ، وموارد طبيعية وفيرة على رأسها التدفق الغزير للبترول ، وحضارة مجيدة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ – حينئذ كان تقييمي للثورة الوليدة هو أنها اختبار حاسم لجميع الحركات الاسلامية المعاصرة : فإذا نجحت في اقامة مجتمع العدل والحرية والتقدم ، كان معنى ذلك أن هذه الحركات ستكتسب قوة دفع هائلة يصعب ايقافها في أي بلد من بلدان العالم الاسلامي الذي يشكو من التخلف ويرزح تحت اعباء انظمة قمعية ويتعطش الى البديل . أما اذا اخفقت فإن اخفاقها سيعني اسكاتا طويل الامد لتلك الاصوات المنادية بالحكم الاسلامي وتطبيق الشريعة . فالاختبار الحاسم كان هناك ، في تلك الثورة التي امسكت بزمام بلد اسلامي عظيم الاهمية ، له ماض عريق ومستقبل حاقل بالامكانات المشجعة. ومع ذلك فإن مظاهر الاخفاق التي توالت على هذه الثورة الاسلامية عاما بعد عام ، لم يتردد صداها على الاطلاق لدى المنادين بالحكومة الاسلامية في بقية اقطار العالم العربي الاسلامي . فلم يتأثر هؤلاء بما انتهت اليه الثورة الاسلامية  في ايران من احكام قبضة رجال الدين على الدولة ، وانما ظلوا يرددون زعمهم ان الحكم الاسلامي لا يعني تسليم زمام الامر لرجال الدين . ولم يبد هؤلاء الدعاة اي استنكار لقيام حكومة الملالي بتصفية احزاب المعارضة واحدا بعد الآخر ، حتى لا يبقى في الساحة السياسية آخر الامر غير رجال الدين, لتلك المحاكمات الصورية المتعجلة التي كان خلخالي يصدر فيها احكام الاعدام ، او لفرض مناهج متزمتة على التعليم الجامعي والتعليم العام أو لروح الكآبة والعبوس التي سادت حياة الناس اليومية وارتسمت حتى على تعبيرات وجوههم .
لقراءة المزيد »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 18, 2013 15:09

 "الحقيقة والوهم في الحركة الاسلامية المعاصرة "...



 "الحقيقة والوهم في الحركة الاسلامية المعاصرة " هو واحد من أعمال المفكر المصري فؤاد زكريا ( 1927-2010 ) . استاذ الفلسفة ورئيس تحرير مجلتي " الفكر المعاصر"  و " تراث الانسانية "


عندما قامت الثورة الاسلامية في ايران ، ونجحت في القضاء على نظام من اعتى الانظمة الاستبدادية التي عرفتها البشرية واقامت حكما اسلاميا كاملا في بلد يملك جميع مقومات النهوض والتقدم : من طاقة بشرية ضخمة واعية ، وموارد طبيعية وفيرة على رأسها التدفق الغزير للبترول ، وحضارة مجيدة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ – حينئذ كان تقييمي للثورة الوليدة هو أنها اختبار حاسم لجميع الحركات الاسلامية المعاصرة : فإذا نجحت في اقامة مجتمع العدل والحرية والتقدم ، كان معنى ذلك أن هذه الحركات ستكتسب قوة دفع هائلة يصعب ايقافها في أي بلد من بلدان العالم الاسلامي الذي يشكو من التخلف ويرزح تحت اعباء انظمة قمعية ويتعطش الى البديل . أما اذا اخفقت فإن اخفاقها سيعني اسكاتا طويل الامد لتلك الاصوات المنادية بالحكم الاسلامي وتطبيق الشريعة . فالاختبار الحاسم كان هناك ، في تلك الثورة التي امسكت بزمام بلد اسلامي عظيم الاهمية ، له ماض عريق ومستقبل حاقل بالامكانات المشجعة
مزيد من المعلومات »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 18, 2013 15:09

 "الحقيقة والوهم في الحركة الاسلامية المعاصرة "&nbsp...


 "الحقيقة والوهم في الحركة الاسلامية المعاصرة " هو واحد من أعمال المفكر المصري فؤاد زكريا ( 1927-2010 ) . استاذ الفلسفة ورئيس تحرير مجلتي " الفكر المعاصر"  و " تراث الانسانية "


عندما قامت الثورة الاسلامية في ايران ، ونجحت في القضاء على نظام من اعتى الانظمة الاستبدادية التي عرفتها البشرية واقامت حكما اسلاميا كاملا في بلد يملك جميع مقومات النهوض والتقدم : من طاقة بشرية ضخمة واعية ، وموارد طبيعية وفيرة على رأسها التدفق الغزير للبترول ، وحضارة مجيدة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ – حينئذ كان تقييمي للثورة الوليدة هو أنها اختبار حاسم لجميع الحركات الاسلامية المعاصرة : فإذا نجحت في اقامة مجتمع العدل والحرية والتقدم ، كان معنى ذلك أن هذه الحركات ستكتسب قوة دفع هائلة يصعب ايقافها في أي بلد من بلدان العالم الاسلامي الذي يشكو من التخلف ويرزح تحت اعباء انظمة قمعية ويتعطش الى البديل . أما اذا اخفقت فإن اخفاقها سيعني اسكاتا طويل الامد لتلك الاصوات المنادية بالحكم الاسلامي وتطبيق الشريعة . فالاختبار الحاسم كان هناك ، في تلك الثورة التي امسكت بزمام بلد اسلامي عظيم الاهمية ، له ماض عريق ومستقبل حاقل بالامكانات المشجعة .ومع ذلك فإن مظاهر الاخفاق التي توالت على هذه الثورة الاسلامية عاما بعد عام ، لم يتردد صداها على الاطلاق لدى المنادين بالحكومة الاسلامية في بقية اقطار العالم العربي الاسلامي . فلم يتأثر هؤلاء بما انتهت اليه الثورة الاسلامية  في ايران من احكام قبضة رجال الدين على الدولة ، وانما ظلوا يرددون زعمهم ان الحكم الاسلامي لا يعني تسليم زمام الامر لرجال الدين . ولم يبد هؤلاء الدعاة اي استنكار لقيام حكومة الملالي بتصفية احزاب المعارضة واحدا بعد الآخر ، حتى لا يبقى في الساحة السياسية آخر الامر غير رجال الدين, لتلك المحاكمات الصورية المتعجلة التي كان خلخالي يصدر فيها احكام الاعدام ، او لفرض مناهج متزمتة على التعليم الجامعي والتعليم العام أو لروح الكآبة والعبوس التي سادت حياة الناس اليومية وارتسمت حتى على تعبيرات وجوههم . ولم تمض الا سنوات قلائل حتى طبقت تجربة أخرى في ظروف مختلفة كل الاختلاف ، على أقرب بلد عربي إلى مصر ، وهو السودان ، وكان التطبيق هذه المرة بقرار من حاكم فرد ظل يتقلب بين الانظمة والاتجاهات المختلفة : اذ كان في بداية حكمه محسوبا على اليسار مستقطبا للقوى التقدمية ، وأصبح في نهايته مستندا الى اشد القوى رجعية وجهالة . وهلل دعاة تطبيق الشريعة لتجربة النميري ، على الرغم من مظاهر الظلم الصارخة التي ظهرت للعيان في كل تصرف من تصرفات هذا الرجل الطاغية ، وطالبو معارضيهم بأن يمنحوا الرجل فرصة ، وتجاهلوا المجاعة وأحكام الاعدام والاستنزاف الدائم لثروة البلاد وسرقات الحكام المفضوحة لأموال شعب بأسره ، ووضعوا هذا كله في كفة والتطبيق الشكلي لحدود السرقة والخمر والزنا في كفة أخرى ، فرجحت الكفة الثانية لديهم على المظالم الفادحة التي كانت تثقل الكفة الأولى .كانت هاتان آخر محاولتان لتطبيق الشريعة الاسلامية ضمن سلسلة أطول من المحاولات الاسبق عهدا ، كان على رأسها محاولة السعودية ، ثم باكستان ، فضلا عن المحاولات الجزئية في اندونيسيا وليبيا وغيرهما ، وفي جميع هذه المحاولات كانت النتائج واحدة : أنظمة للحكم تبعد كل البعد عن الحرية والعدالة والمساواة وجميع القيم التي سعت الى اقرارها كافة الاديان ودعا اليها الفلاسفة والمصلحون منذ اقدم العصور . ومع ذلك فإن دعاة تطبيق الشريعة الاسلامية في بلادنا لم يعيروا اي اهتمام لذلك الاخفاق الصارخ الذي انتهت اليه تلك التجارب السابقة ، بل ان اصواتهم ازدادت ارتفاعا في نفس الوقت الذي كانت فيه تجربة تطبيق الشريعة في السودان قد تحولت الى فضيحة عالمية مدوية .فعلام يدل هذا التجاهل التام للواقع ، وللتاريخ القريب ، وللأمثلة والنماذج الملموسة ؟ وكيف يرضى اي مجتمع أن يسلم مقاليد أموره لجماعات تغمض عينيها عن التجارب المحيطة بها ولا تحاول ان تتعلم من الدروس الماثلة أمامها ، أو ان تراجع خطواتها وتعيد النظر في أهدافها في ضوء الواقع الملموس ؟ان الرد الجاهز الذي يرد به أنصار تلك الجماعات على كل من ينبههم الى اخفاق هذه التجربة في تطبيق الشريعة أو تلك ، هو أن هذا ليس هو الاسلام ، وأن خطأ النميرى مثلا هو خطأ أشخاص وليس خطأ الاسلام في ذاته . ولكن هذا الرد حق اريد به باطل : فمن المؤكد أن أية تجربة لتطبيق الشريعة الاسلامية يمكن ان تنحرف عن جوهر الشريعة ذاتها ، بحيث لا يصح تحميل الشريعة أوزار التطبيق الباطل . هذه حقيقة لا يصح ان يجادل فيها احد .ولكن الرد بالرغم من ذلك ينطوي على مغالطات فادحة : ذلك لان اية تجربة أخرى ستكون بدورها مجرد تطبيق آخر ، فهل نحن واثقون من ان هذا التطبيق الجديد سيكون هو وحده القادر على تجنب كافة الاخطاء السابقة ، وسيكون هو وحده المعبر عن جوهر الاسلام ؟؟ ما هو الضمان ومن أين يأتي اليقين ، وما ادرانا ان هذا التطبيق الجديد لن يكون صورة مكررة لأخطاء التطبيق السعودي او السوداني ؟؟ هل بذلت جماعاتنا الاسلامية الداعية الى تطبيق الشريعة اي جهد لتضمن على نحو قاطع تطبيقا يخلو من العيوب ؟؟ واذا قيل لنا بعبارات انشائية مطاطة ، أن هؤلاء انحرفوا عن جوهر الاسلام فهل نسينا ان كل منهم كان ، ولا يزال ، يؤكد ان تجربته هي التعبير الحقيقي عن جوهر الاسلام ، ويجد بين رجال الدين والمثقفين ورجال الاعلام في بلده من يقدم أقوى الحجج التي تثبت صحة هذا التأكيد ؟ فما الذي يضمن لنا الا يتكرر ذلك في تجربتنا نحن ؟ وعلى اي اساس نأمل ان نكون نحن ، من دون الباقين جميعا ، القادرين على تجنب انحرافات التطبيق وتحقيق جوهر الاسلام ؟الواقع ان التجاهل التام للتاريخ ، واغماض العين عن الدروس التي يقدمها الواقع الفعلي ، لا يميز الحركات الاسلامية من التجارب المعاصرة لتطبيق الشريعة فحسب ، بل انه هو السمة البارزة التي تميز موقفها من كافة التجارب السابقة ، على مر التاريخ الاسلامي . فهذه الحركات الاسلامية ترسم لنا صورة للتاريخ الاسلامي مستمدة من النصوص الاسلامية فحسب . فإذا تحدثت مثلا عن العدالة الاجتماعية ، جاء حديثها مليئا بالآيات والأحاديث النبوية التي تدعو الى تلك العدالة ، او التي تقبل التفسير في هذا الاتجاه . وهي تقف عند هذا الحد وتتصور انها قد اثبتت بذلك قضيتها الرئيسية ، وهي ان الاسلام يدعو الى العدالة الاجتماعية وان هذه العدالة الاجتماعية تتحقق في الاسلام خيرا مما تتحقق في اي نظام آخر . ولكن ، هل تعد الاشارة الى النصوص وحدها كافية لإثبات هذه القضية ؟ لنضرب مثلا مألوفا لنا جميعا : ان الغالبية العظمى من دساتير بلاد العالم الثالث تمتلئ بنصوص رائعة عن تحقيق العدالة والمساواة وضمان الحريات واحترام حقوق الانسان ، الخ ولكن هل يكفي ان نتناول بالنصوص الدستورية في بلد بأمريكا اللاتينية تعبث بمصيرها دكتاتورية عسكرية دموية ، فنقول ان العدل والحرية مستتبان في هذا البلد لأن المادة كذا من دستوره تنص على اقرار العدالة والحريات الاساسية ؟؟ اليس من الواضح ان الرجوع الى النصوص وحدها لا يسمح على الاطلاق بالحكم على اوضاع مجتمع ما او حضارة ما ؟ ان هذ المثل البسيط يكفي للكشف عن الخطأ الاساسي الذي يقع فيه معظم دعاة تطبيق الشريعة ، وانصار الحكم الاسلامي بوجه عام ، حين يجعلون من النصوص وحدها اساسا للحكم على مواقفهم الذي يزعمون انه موقف الاسلام ، من مشكلات الانسان الرئيسية ، ويتجاهلون ما حدث بالفعل في التاريخ . فطوال الجزء الاكبر من التاريخ الاسلامي كان الحكام يملكون نصوصا قرآنية وأحاديث نبوية يمكن ان تستخلص منها مبادئ رفيعة وقيم سامية ، ولكن هذا لم يمنع معظمهم من ان يحكموا حكما مطلقا ، فيعبثون بأرواح المسلمين ويتلاعبون بأموالهم ويصادرون حرياتهم . وهكذا فان النصوص لا تغني عن الرجوع الى ما حدث فعلا في التاريخ ، ولا شك ان الصورة سوف تختلف اختلافا شاسعا لو تأملنا كيف ترجمت النصوص السامية طوال التاريخ الاسلامي على ارض الواقع .ومجمل القول ان دعاة تطبيق الشريعة يرتكبون خطأ فادحا حين يركزون جهودهم على الاسلام كما ورد في الكتاب والسنة ، ويتجاهلون الاسلام كما تجسد في التاريخ ، اعني حين يكتفون بالنصوص ويغفلون الواقع . ويزداد هذا الخطأ فداحة اذا ادركنا ان محور دعوتهم هو مشكلات الحكم ، والسياسة ، وتطبيق احكام الشريعة وكلها مشكلات ذات طابع عملي لا يكفي فيه الرجوع الى النصوص وانما ينبغي ان يكمله على الدوام الاسترشاد بتجربة الواقع. فنحن في هذه الحالة لسنا ازاء مشكلة فلسفية أو كلامية نظرية بل ازاء مشكلة تنتمي الى صميم الحياة العملية للانسان ومن ثم كان تجاهل ما حدث طوال التاريخ الماضي وفي المحاولات المعاصرة للوصول الى حكم اسلامي خطأ لا يغتفر .و الدعوة الى تطبيق الشريعة التي تعلو صوتها ترتكز بلا شك على قاعدة جماهيرية واسعة ، وكثير من انصارها يتخذون من سعة الانتشار هذه حجة لصالحها ، ويستدلون على صحة اتجاههم من كثرة اشياعهم وانصارهم . وفي رأيي ان اتساع القاعدة الجماهيرية التي تنادي بمبدأ معين لا يمكن ان يكون مقياسا لنجاح هذا المبدأ. و استطيع ان اقول من وجهة نظري الخاصة ان الانتشار الواسع للاتجاهات الاسلامية بشكلها الراهن انما هو مظهر صارخ من مظاهر الوعي لدى الجماهير . فبعد ثلث قرن من القهر وتغييب العقل وسيادة سلطة سياسية لا تناقش ، يصبح هذا الانتشار أمرا لا مفر منه . وبعد ثلث قرن من السياسات المائعة المتخبطة تجاه التيارات الدينية : المنع الشديد من جانب ، والتأييد من جانب آخر ، الاضطهاد اللا انساني من ناحية ، والتقريب والترغيب من ناحية اخرى ، يصبح من الطبيعي ان يبحث الملايين عن اقرب البدائل الى نفوسهم واقلها احتياجا الى التفكير والجهد العقلي .وخاصة لما يغلب على تلك الاتجاهات الاسلامية من تغليب للطابع الشكلي لفهم الدين ، وتركز جهدها على الجانب الشعائري للدين وعل التحريمات اجنسية وشكل الملبس ، الخ .. وتتصور ان اول جوانب تطبيق الشريعة واهمها هو تطبيق الحدود في الخمر والسرقة والزنا وتتجاهل كلية مشكلات الحياة الاقتصادية والسياسية بتعقيداتها التي لا تنتهي ..الواقع أن أية جماعة تود أن تكون اسلامية حقا ، ينبغي عليها أن تعطي الأولوية لا للعودة بالتشريعات إلى ما كان سائدا في عهود مضت ، بل لإزالة ما علق بهذه التشريعات في العهود الاستبدادية من شوائب ، وما فرض عليها من استثناءات أصبحت بمضي البعض هي القاعدة . وما يحتاج اليه المجتمع الاسلامي حقا هو مراجعة قوانينه بحيث تصبح قادرة على معالجة مشكلات الحاضر ، ومواجهة تحديات المستقبل ، وبحيث يستبعد منها كل ما هو دخيل وما هو قمعي ظالم . ومع ذلك فإن النظرة التراجعية التي تركز على العودة الى الماضي ، هي التي تطغى على غالبية الجماعات الاسلامية الحالية ، بينما تختفي تماما أية نظرة واقعية أو مستقبلية .و اخطار المستقبل وتحدياته تواجهنا جميعا ، لا فرق بين اسلاميين وقوميين وتقدميين ، ومن اجل هذا كان من الخطأ الفادح ان ينظر نقاد الاتجاهات الاسلامية الى اصحاب هذه الاتجاهات على انهم اعداء . فنحن جميعا محشورون في سفينة واحدة تزداد خروقها اتساعا يوما بعد يوم . ومن الظلم البين ان نعامل عشرات الألوف من الشبان الجادين الراغبين في الاصلاح على انهم فئة منحرفة او جماعة ضالة ينبغي محاربتها . ان مشكلتهم الكبرى في نظري ، هي انهم لا يستخدمون عقولهم استخداما كاملا ، وكثيرا ما يعطلونها الى حد الشلل التام . ومثل هذه المشكلة لا يفيد فيها اتخاذ موقف العداء او الاضطهاد . وانما قد يسهم في حلها الحوار الذي يسعى الى ايضاح الافكار والمواقف ، وازالة الغشاوة التي يفرضها الاكتفاء بوجهة نظر واحدة لا تتغير .ان التعصب لوجهة نظر واحدة ، بل لاتجاه طائفة او جماعة معينة داخل وجهة النظر تلك يلحق بالعقل تشويهات خطيرة ، ليس أقلها ذلك الانغلاق الفكري الذي يوهم المرء بأنه هو الذي يملك الحقيقة كاملة ، وبأن كل من لا يسيرون في طريقه على باطل . هذا الاحساس باليقين المطلق شديد الخطورة على التكوين العقلي للانسان ، وخاصة اذا تملكه وهو ما يزال في شبابه المبكر . ومن المؤسف ان هذا الاحساس لا يقتصر تأثيره على المسائل الدينية وحدها بل انه يمتد الى كافة جوانب حياة الانسان . وهكذا تجد الشاب الذي يخضع لمثل هذه المؤثرات ميالا الى الجزم والتأكيد القاطع في كل شيء ، لا يؤمن بتعدد طرق الوصول الى الحقيقة ، بل يريد في كل الامور رأيا واحدا واجابة نهائية يرتاح اليها ويتوقف عندها ويكف بعدها الى التساؤل . وحين تصبح هذه عادة عقلية مستحكمة فإنها تطس الروح النقدية وتهدم القدرة على الابتكار وتجعل من التجديد آفة ينبغي تجنبها ، ومن الابداع بدعة لابد محاربتها . وأحسب ان امة تشيع بينها هذه الطريقة في التفكير لابد ان ينتهي أمرها ليس بالبعيد ، الى الانهيار . وأحسب أيضا ان العقل الذي يعتاد ان يسير في اتجاه واحد والذي يعجز عن فهم حقيقة النسبية وتعدد طرق الوصول الى الحقيقة لابد ان يوصل اصحابه دون ان يشعروا الى هذه النتائج الخطيرة ، فيصبح من بديهياتهم التي لا تناقش ، الاعتقاد بأن الشك خطيئة والنقد جريمة والتساؤل اثم وجريمة .ان المشكلة الكبرى لدى هؤلاء الالوف المؤلفة من الشبان والفتيات الذين يدينون بالولاء لتيار من التيارات الاسلامية المعاصرة تكمن في انهم يتصورون ان خير مسلك يبدأ به المرء حياته هو أن يصل الى يقين كامل ، يجد اجابات جاهزة عن كل سؤال ، ويزيح عن عقله عبء التساؤل والنقد وتلك في رأيي بداية لا تبشر بالخير للفرد الذي يعتنقها ، ولا للأمة التي يكثر فيها أمثال هذا الفرد .. ففي عالمنا هذا عالم الابداع والابتكار والتغير الذي لا ينقطع ، عالم التنافس الرهيب على الفكرة الجديدة والممارسة غير المألوفة ، لابد ان تسحق عجلة التقدم كل من يبحث قبل الأوان عن يقين مطلق وحقيقة نهائية يوقف بعدها عقله ويتصور أنه اهتدى الى جميع الاجابات . فاليقين إذا أتى ، ينبغي الا يأتي الا في النهاية ، اما في البداية ، وخلال الرحلة الطويلة فإن الروح النقدية المتسائلة المدققه هي الدليل الذي لا غناء عنه لمن يريد حقا أن يعيش عصره دون أن يخدع نفسه أو يدفن رأسه في الرمال .
لقراءة المزيد من أعمال المفكر فؤاد زكريا  http://www.4shared.com/account/dir/V2zKrlf0/_online.html#dir=607480505









 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 18, 2013 15:09