بسمة العوفي's Blog, page 2
August 29, 2015
لماذا أتوقف عن القراءة؟ ولماذا أعود إليها؟

قرأت رواية "كائن لا تحتمل خفته" لميلان كونديرا، ووصلت للصفحة 200 وتركتها قبل الختام بقليل، لا أحب أن أفعل ذلك لأن ضميري يؤنبني، وأشعر بأن الصفحات الباقية من الكتاب ستركض ورائي يوم القيامة كما بواقي الطعام "وكما تقول الأسطورة وكما تقول أمي أيضًا"، يظل في داخلي هاجس أن هذه الصفحات ستلاحقني، ولكن ما لاحقني في هذه الرواية كان جملة معقدة، لم أفهمها حينها، وربما لذلك ثبتت في ذاكرتي.
يقول كونديرا "إن فكرة العود الأبدي هي الأكثر ثقلًا على كاهل البشرية"، ربما لا أتذكر النص الصحيح للجملة، ولكنها تدور حول هذا المعنى، ويستغرق كونديرا بعدها صفحات وصفحات يتحدث عن فكرة الأساطير الرومانية الصغيرة التي نعيشها، فالحجر الذي نرميه تجاه شخص ما يرتد ليؤلمنا، والكلمة التي نجرح بها شخص تدمينا، والنظرة التي نسخر بها من شخص، في واقع الأمر، نسخر بها من صورتنا في المرآة، ومن هنا، بدأت التفكير في المثل الشعبي "الدنيا دوراة" ومدى العبقرية والرعب فيه. كنت قد قرأت الرواية منذ عامين أو ثلاثة، ولا أتذكر تفاصيلها، لكني أتذكر جيدًا أن الكاتب استغرق في شرح الفكرة، وما إذا كانت "العبء الأكثر ثقلًا" أم لا، فمن ناحية نحن لا نعرف الخطأ والصواب لأننا نعيش مرة واحدة فقط، ولم يسمح لنا العمر بتجربة الشيء أكثر من مرة لنعرف ما إذا كان خطأ أم لا، فنحن مثلا لا نعيش مرة لنجرب، ومرة لنختبر، ومرة لنقرر الفعل الصحيح، ومرة لنحياه. ومن ناحية أخرى، فالحياة مرة واحدة مغامرة، تضعك دائمًا في حيّز الاختيار، لأن عليك أن تقرر ما كنت ستفعلها أم لا، ستعيشها أم لا، ستخطئ أم لا.
أفكر كثيرًا في أن جملًا مثل هذه - قد يكون الكاتب كتبها في لحظة نشوة كتابية وغفل عن كم الهلع الذي تحتويه- غيرت حياتي. إيماني مثلا بأن صفعتي ستعود إليّ، جعلني حذرة في معاملتي للناس، أو بمعنى أفضل، أعاملهم بما أحب أن يعود إليّ، ولكني اكتشفت أن عدد قليل من الناس من يقرأ، وعدد أقل من يطبّق ما يقرأه. لذلك، أشعر في كثير من الأحيان بأن ما اقرأه وأنفذّه يعزلني عن العالم، يضعني في كرة زجاجية يستطيع العالم بوقاحته تحطيمها بسهولة.
وكلما قرأت، أدركت أن الكتابة مهنة شبيهة بما يفعله الرب، فعندما أراد الله أن يخاطب البشر، أرسل لهم كتابًا، وقال لهم "اقرأوا". وفي كل مرة أمسك كتاب، أشعر بأن الكاتب يريد أن يستلهم من روحه المتصلة بالله شيئًا من صفات خالقه، فكتب القدر، أو ما يخيل له أنه "حبكة الحياة". وكلما كان الكاتب أكثر احترافًا في صياغة "حبكة" روايته، كان قريبًا إلى سيناريو الحياة الذي كتبه الله لنا، الذي تشبه فيه الولادة رمي حجرًا في البحيرة، يُحدِث دوائر صغيرة تكبر وتكبر حتى تصل للشاطئ، ومع كل ولادة لشخص ما في العالم يُلقى حجرًا في بحيرة الكون، وتزداد الدوائر وتتداخل وتتشابك، وتصل جميعها إلى شاطئ النهاية، حيث لا ظالم ولا مظلوم، جميعنا سمك في بحيرة، والماء في رواق وهدوء وصفو. ومهارة الكاتب أن يلقي حجرًا كل قليل، ويحرص على أن يعود الماء صافيًا كما كان، حتى وإن رمى فيه شيئًا، عليه أن يرميه بقوه، لكي يترسب في القاع. عليه أن يجعل الحياة تستمر، وكما تأكل السمكة الكبيرة السمكات الصغار، عليه أن يعطي فرصة للسمكات الصغار لكي يكبرن ويأكلن أسماك أصغر، عليه حفظ هذا التوازن في الحياة بين الآكل والمأكول.
كلما قرأت، يعلمني الأدب بعض أخلاقيات الحياة، ولذلك فهي ضرورة لي أن أقرأ وأن أستمد ذلك من الكتب، ولكني طالما تمنيت أن تكون القراءة حتمية على الجميع، لكي نستطيع أن نتواصل بشكل أرقى كبشر، لا أن نقذف بعضنا بالحجارة ونحن لا نعلم إن كانت ستعود إلينا أم لا، في الحالتين نحن لا نعرف، بالأدب أو بدونه، لكن القراءة تجعلنا أكثر صبرًا، وأكثر تقبلًا لصعوبات الحياة ونذالتها أحيانًا، وقسوتها كثيرًا، وتمنحك بعض الدفء بأن هناك شخص ما يفهم قناعاتك في هذا العالم، وربما عليك السعي للوصول إليه والحديث معه.
كلما توقفت عن القراءة أعود إليها، ربما لأنها تحقق مفهوم العدالة بالنسبة لي، فالكاتب الجيد يعيش حتى لو لم يحقق مبيعات خيالية، والكاتب السيء يظل سيء حتى لو نفذت طبعات كتبه مرّات ومرّات. كلما توقفت عن القراءة عدت إليها، لأنها المكان الوحيد الذي أجد فيه العدل. وكلما توقفت عن القراءة بحثت عن السبب، وكلما بحثت عن السبب وجدت أني أقرأ كتابًا سيئًا، كتابًا لا يحقق لي فكرة العدالة، لا يعطيني أول الخيط وآخره، لا حبكة فيه، ولا صدّ وردّ وشد وجذّب، لا جزاء لكل ضربة، ولا ألم لكل خيانة.. ولأن الحياة ليست عادلة كما الكتب السيئة، أحفز نفسي، وأقرأ كثيرًا.. جدًا.
Published on August 29, 2015 15:50
الكتابة لا تشتري الدجاج المشوي.. ولا تحصل على لا فيزا
مشهد 1
بعد يوم عمل مرهق، دخلت أحد المطاعم السورية لشراء وجبة خفيفة، وعند دفع الحساب وجدت سيدة خمسينية تجلس على حافة الرضيف إلى جوار كرسي المحاسب الشاب، وفي ثنية جلبابها تحمل كم من العملات المعدنية المختلفة بين جنيه ونصف جنيه.
في انتظار وجبتي، وقفت أستمع إلى حوارهما. هي سيدة فلسطينية من غزة، خرجت مع حفيدها من المعبر إلى القاهرة، وبصعوبة وصلت، وعملت في إشارات المرور، تبيع المناديل لتطعم حفيدها الصغير، الذي يشتهي أن يأكل دجاجة كاملة.
جمعت السيدة 40 جنيه من ثمن الدجاجة المشوية، ولكن المحاسب السوري الجنسية يعمل لدى صاحب المحل، ويرفض تمامًا أن يعطيها الدجاجة إلا بعد أن تدفع عشرة جنيهات أخرى لتكمل سعر الدجاجة، وإلا سيطرده صاحب المحل. يعرض عليها أن تحصل على وجبة أقل سعرًا، فترفض السيدة لأنها رغبة حفيدها أن يرى دجاجة كاملة ولو لمرة واحدة في بيتهم. تتمسك السيدة بطلبها وتطلب منه أن يتنازل، ويتمسك المحاسب برأيه ويرفض التنازل، فتجمع السيدة عملاتها المعدنية، وتبدأ في وضعهم في صرة من القماش.
حوار دام لمدة نصف ساعة، تحكي السيدة عن الظروف المأساوية التي دفعتها للخروج من غزة، ويحكي المحاسب عن الظروف الأسوأ التي طردته من سوريا، ويتخلل حديثهما مداخلة لصاحب المحل، الذي يظهر من لهجته أنه عراقي، وأن نعيم بلاده زال وجاء بحثًا عن لقمة العيش.
مشهد 2
في آخر زيارة كنت في الإسكندرية، حظيت بأكلة سمك كانت رائعة حتى قبل انتهاءها بعشرة دقائق. كنا نتناول الأسماك في مطعم قريب من الشاطئ، عندما قالت صديقتي أن طعم الأسماك البحرية أفضل بكثير من مثيلتها النيلية التي نأكلها بالقاهرة، وكان النادل يضع أطباق السلطة والخبز على الطاولة، فسمعها وقال مازحًا "طبعًا يا أستاذة.. ده سمك بياكل بني آدمين ومتربي على الغالي".
توقفت عن الأكل فورًا، ودارت في عقلي آلاف الصور للاجئين الغارقين في البحر المتوسط، وقصصهم الكثيرة التي تدفننا بنبلها وحقارتنا، بهؤلاء الذين ضاقت بهم بيوتهم، وقلوب جيرانهم وأهلهم، وبلادهم، ثم بلاد المهجر، ولم يضيق بهم البحر.
تذكرت رسالة اللاجئ السوريّ الذي اعتذر فيها عن موته – هو الذي اعتذر عن موته! - وكتب بين سطورها "شكراً لك أيها البحر الذي استقبلتنا بدون فيزا ولا جواز سفر، شكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي. شكراً لكم لأنكم ستحزنون علينا عندما ستسمعون الخبر. أنا آسف لأني غرقت".
وتذكرت قبطان المركب الصغير الذي اصطحبني في جولة على الشواطئ، ولاحظ خوفي من تناغم حركة المركب مع الموج، وارتفاعهما وانخفاضهما سويًا، وقلبي معهما، فضحك منّي وقال "البحر مبيخوفش يا أستاذة، البحر مش غدار"، فقلت له أن البحر ابتلع سفن كاملة باللاجئين بلا ذنب، فقال "انتي فهمتي غلط، دول ملقوش حتة تحميهم، البحر فتح لهم دراعاته ووداهم مكان أحسن". بعد هذه الواقعة، توقفت عن أكل الأسماك تمامًا، لكني ضعفت بسبب حبي له، فتحولت للتحري عن مصدر السمك قبل تناوله، وكلما رأيت سمكة فكرت في أنها أكلت جزءًا من ذراع طفل سوري، أو أم صومالية، أو رجل ليبيري، أو أي إنسان ممن لم تتسع لهم الأرض.. رغم رحابتها.
مشهد 3 سألني شخص منذ أسبوعين "لماذا أكتب"، وقصصت عليه قصتي مع الكتابة، كيف بدأت فيها ولماذا كتبت لأول مرة. وبعد تسليمي للمقال فكرت في القصص السابقة، وسألت نفسي "لماذا أكتب؟". أو بمعنى أدق "لماذا أكتب والكتابة لا تغير شيئًا؟ ولماذا أكتب والخيال لا يستطيع منافسة الواقع؟ ولماذا أكتب والواقع تخطى كل حدود المنطق؟ لماذا أكتب إذا لم تكن الكتابة هروبًا من الواقع الذي لا نحتمله، أو هروبًا إلى الخيال الذي نرغب فيه؟".
عندما وقفت بين الرجل والمرأة، وعندما اصطحبني الرجل في جولة بالبحر، سألت نفسي لماذا أكتب، وفي كل مرة ينعقد لساني. لا نستطيع تغيير حقارة الواقع بكتابتنا، ربما لأن السياسيين لا يفضلون الأدب والروايات، وإن قرأوها فهم يستمدون من خيالها نسيجًا لكذبهم وحبكة لحقارتهم.
ربما تختلف الكتابة الأدبية عن الصحفية، وبما إني أعمل في كليهما، فالأخيرة مرعبة لأن الناس تخشى من الفضائح، تخشى من أن يُفضح سرّها، لذلك قد يكون الخبر الصحفي أكثر تأثيرًا من رواية، لأنه صريح ومباشر. لكني أميل إلى الاعتقاد بأن الرواية مؤثرة أكثر، فالخبر يضرب الثمار، لكن الرواية تضرب الجذور. ومن يقرأ الروايات – والكتب عمومًا- تتسع مداركه، وتتغير رؤيته للعالم، وربما يستطيع إنقاذ الآخرين بأي فكرة مجنونة استلهمها مما قرأ.
كلما يأست من العالم.. أكتب. أكتب لأن الكتابة هي المنشورات المسموح لنا بتداولها في بلادنا، لأنها – على الرغم من تخفيها في شكل قصص خيالية – فهي تحكي أدق ما يحدث لنا، ورغم أن الكتاب قد لا يساوي ثمنه ثمن دجاجة مشوية أو وجبة أسماك، إلا أنه قادر على تغيير عقول زبائنهم وبائعيهم إن قرأوه.
ربما لا تستطيع الكتابة أن تعطي السيدة دجاجتها، لكنها قد تغير فكر أصحاب القرار فيكفوا – على الأقل - عن المغالاة في الأسعار، فتحصل عليها لحفيدها بما تملك من المال. ربما لا تستطيع الكتابة أن تنقذ لاجئ من فكّي سمكة قرش، لكنها قد تغيّر رأيه قبل أن يضع قدمه في المركب. ربما لا تصنع قرارات سياسية صريحة، لكنها قد تغير رأي من دفعوه للجوء، ربما تذكرهم بإنسانيتهم، وبإمكانية أننا نعيش جنبًا إلى جنب على نفس الأرض، وأنها قد لا تحتملنا أكثر إن استمرت البشرية في ملحمة الغباء الأزلي.

بعد يوم عمل مرهق، دخلت أحد المطاعم السورية لشراء وجبة خفيفة، وعند دفع الحساب وجدت سيدة خمسينية تجلس على حافة الرضيف إلى جوار كرسي المحاسب الشاب، وفي ثنية جلبابها تحمل كم من العملات المعدنية المختلفة بين جنيه ونصف جنيه.
في انتظار وجبتي، وقفت أستمع إلى حوارهما. هي سيدة فلسطينية من غزة، خرجت مع حفيدها من المعبر إلى القاهرة، وبصعوبة وصلت، وعملت في إشارات المرور، تبيع المناديل لتطعم حفيدها الصغير، الذي يشتهي أن يأكل دجاجة كاملة.
جمعت السيدة 40 جنيه من ثمن الدجاجة المشوية، ولكن المحاسب السوري الجنسية يعمل لدى صاحب المحل، ويرفض تمامًا أن يعطيها الدجاجة إلا بعد أن تدفع عشرة جنيهات أخرى لتكمل سعر الدجاجة، وإلا سيطرده صاحب المحل. يعرض عليها أن تحصل على وجبة أقل سعرًا، فترفض السيدة لأنها رغبة حفيدها أن يرى دجاجة كاملة ولو لمرة واحدة في بيتهم. تتمسك السيدة بطلبها وتطلب منه أن يتنازل، ويتمسك المحاسب برأيه ويرفض التنازل، فتجمع السيدة عملاتها المعدنية، وتبدأ في وضعهم في صرة من القماش.
حوار دام لمدة نصف ساعة، تحكي السيدة عن الظروف المأساوية التي دفعتها للخروج من غزة، ويحكي المحاسب عن الظروف الأسوأ التي طردته من سوريا، ويتخلل حديثهما مداخلة لصاحب المحل، الذي يظهر من لهجته أنه عراقي، وأن نعيم بلاده زال وجاء بحثًا عن لقمة العيش.
مشهد 2
في آخر زيارة كنت في الإسكندرية، حظيت بأكلة سمك كانت رائعة حتى قبل انتهاءها بعشرة دقائق. كنا نتناول الأسماك في مطعم قريب من الشاطئ، عندما قالت صديقتي أن طعم الأسماك البحرية أفضل بكثير من مثيلتها النيلية التي نأكلها بالقاهرة، وكان النادل يضع أطباق السلطة والخبز على الطاولة، فسمعها وقال مازحًا "طبعًا يا أستاذة.. ده سمك بياكل بني آدمين ومتربي على الغالي".
توقفت عن الأكل فورًا، ودارت في عقلي آلاف الصور للاجئين الغارقين في البحر المتوسط، وقصصهم الكثيرة التي تدفننا بنبلها وحقارتنا، بهؤلاء الذين ضاقت بهم بيوتهم، وقلوب جيرانهم وأهلهم، وبلادهم، ثم بلاد المهجر، ولم يضيق بهم البحر.
تذكرت رسالة اللاجئ السوريّ الذي اعتذر فيها عن موته – هو الذي اعتذر عن موته! - وكتب بين سطورها "شكراً لك أيها البحر الذي استقبلتنا بدون فيزا ولا جواز سفر، شكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي. شكراً لكم لأنكم ستحزنون علينا عندما ستسمعون الخبر. أنا آسف لأني غرقت".
وتذكرت قبطان المركب الصغير الذي اصطحبني في جولة على الشواطئ، ولاحظ خوفي من تناغم حركة المركب مع الموج، وارتفاعهما وانخفاضهما سويًا، وقلبي معهما، فضحك منّي وقال "البحر مبيخوفش يا أستاذة، البحر مش غدار"، فقلت له أن البحر ابتلع سفن كاملة باللاجئين بلا ذنب، فقال "انتي فهمتي غلط، دول ملقوش حتة تحميهم، البحر فتح لهم دراعاته ووداهم مكان أحسن". بعد هذه الواقعة، توقفت عن أكل الأسماك تمامًا، لكني ضعفت بسبب حبي له، فتحولت للتحري عن مصدر السمك قبل تناوله، وكلما رأيت سمكة فكرت في أنها أكلت جزءًا من ذراع طفل سوري، أو أم صومالية، أو رجل ليبيري، أو أي إنسان ممن لم تتسع لهم الأرض.. رغم رحابتها.
مشهد 3 سألني شخص منذ أسبوعين "لماذا أكتب"، وقصصت عليه قصتي مع الكتابة، كيف بدأت فيها ولماذا كتبت لأول مرة. وبعد تسليمي للمقال فكرت في القصص السابقة، وسألت نفسي "لماذا أكتب؟". أو بمعنى أدق "لماذا أكتب والكتابة لا تغير شيئًا؟ ولماذا أكتب والخيال لا يستطيع منافسة الواقع؟ ولماذا أكتب والواقع تخطى كل حدود المنطق؟ لماذا أكتب إذا لم تكن الكتابة هروبًا من الواقع الذي لا نحتمله، أو هروبًا إلى الخيال الذي نرغب فيه؟".
عندما وقفت بين الرجل والمرأة، وعندما اصطحبني الرجل في جولة بالبحر، سألت نفسي لماذا أكتب، وفي كل مرة ينعقد لساني. لا نستطيع تغيير حقارة الواقع بكتابتنا، ربما لأن السياسيين لا يفضلون الأدب والروايات، وإن قرأوها فهم يستمدون من خيالها نسيجًا لكذبهم وحبكة لحقارتهم.
ربما تختلف الكتابة الأدبية عن الصحفية، وبما إني أعمل في كليهما، فالأخيرة مرعبة لأن الناس تخشى من الفضائح، تخشى من أن يُفضح سرّها، لذلك قد يكون الخبر الصحفي أكثر تأثيرًا من رواية، لأنه صريح ومباشر. لكني أميل إلى الاعتقاد بأن الرواية مؤثرة أكثر، فالخبر يضرب الثمار، لكن الرواية تضرب الجذور. ومن يقرأ الروايات – والكتب عمومًا- تتسع مداركه، وتتغير رؤيته للعالم، وربما يستطيع إنقاذ الآخرين بأي فكرة مجنونة استلهمها مما قرأ.
كلما يأست من العالم.. أكتب. أكتب لأن الكتابة هي المنشورات المسموح لنا بتداولها في بلادنا، لأنها – على الرغم من تخفيها في شكل قصص خيالية – فهي تحكي أدق ما يحدث لنا، ورغم أن الكتاب قد لا يساوي ثمنه ثمن دجاجة مشوية أو وجبة أسماك، إلا أنه قادر على تغيير عقول زبائنهم وبائعيهم إن قرأوه.
ربما لا تستطيع الكتابة أن تعطي السيدة دجاجتها، لكنها قد تغير فكر أصحاب القرار فيكفوا – على الأقل - عن المغالاة في الأسعار، فتحصل عليها لحفيدها بما تملك من المال. ربما لا تستطيع الكتابة أن تنقذ لاجئ من فكّي سمكة قرش، لكنها قد تغيّر رأيه قبل أن يضع قدمه في المركب. ربما لا تصنع قرارات سياسية صريحة، لكنها قد تغير رأي من دفعوه للجوء، ربما تذكرهم بإنسانيتهم، وبإمكانية أننا نعيش جنبًا إلى جنب على نفس الأرض، وأنها قد لا تحتملنا أكثر إن استمرت البشرية في ملحمة الغباء الأزلي.
Published on August 29, 2015 15:45
March 10, 2015
العاديون لا صخب لهم.. ولا موت أنيق

"لا ياسمين هناك، ولا موت أنيق، ولا ملثمون، ولا أقليات منتهكة، كل ما هناك عادي جدّاً، وخارج شروط نجاح الصورة، العاديون لا صخب لهم، ولا موت أنيق".
هذه الكلمات ليست لي، ولكنها مقتبسة من تعليق على صورة لبعض الجثث العادية، التي دفعتني للتأمل في معناها، ومعنى أن يموت الشخص بشكل عاديّ في زمن لا اعتياد فيه إلا على القتل. أن يموت هكذا، كأنه ضمن سرب، أو قطيع، بلا هوية واضحة، أو أهل يحملونه، أو جنازة، أو صندوق خشبي يُحمل فيه، أو أناس يبكون عليه.
دون شاشات تليفزيون تصور مقتله وكأنه "حدث"، أن تنتهي حياتك بلا ذنب اقترفته سوى أنك عربيّ، لا تتهافت وكالات الأنباء على صورك، ولا تسعى حكوماتك لاقتناص حقك، ومعاقبة قاتلك، تموت هكذا كأنك ذرة تراب وطارت مع الريح.
لا تقلق يا عزيزي القارئ، لن أقلق منامك أو واقعك بكلمات عن القتلى السوريين، فمنذ أربعة أعوام واعتاد العالم على قتلهم، حتى أن السوريين أنفسهم احتفلوا منذ فترة بأول يوم بلا قتيل واحد! وكان بسبب سوء الأحوال الجوية، وكأنها أجازة قصيرة لملاك الموت الموكل بمهمة طويلة في هذه البقعة السوداء من العالم.
قبل سنوات، وعندما قررت دراسة الإعلام، كانت أخبار الشهداء الفلسطينيين جزء لا يتجزأ من أي نشرة أخبار، فهناك دائمًا قصف هنا، وشهيد هنا، وحزام ناسف، وأرض فيها العدو واضح وصاحب الحق واضح، ربما كان هذا ما يدفع الناس للتعاطف مع القضية – ونقصد هنا بالتعاطف فقط أي تقطيب الجبين وذرف دمعتين ليس أكثر.
وبعدها دخلت العراق في سباق الجري نحو الموت، وأصبحنا نتابع مقتل العراقيين بسبب النظام مرة، وبسبب الاحتلال مرة، وبسبب الإرهابيين مرّات، ولا نعرف إن كانوا جميعًا يد واحدة لملاك الموت، أو وكلاءه على الأرض، ولكن الأكيد أنهم يؤدون نفس المهمة، يحملون نفس المنجل الذي يحصد الأرواح.
ولأننا كعرب مميزون بالغيرة والتنافس والتدافع الأحمق، دخلت سوريا في السباق، وتفوقت على الكل في كل أشكال القتل. بالرصاص، والقنابل، والطعن، والشقّ، والحرق، والكيماوي، والبراميل، والذبح، والرمي من أعلى، والإغراق، والدفن، والتعذيب، والسلخ، وهم الآن في مأزق، يبحثون عن ابتكار طرق جديدة للقتل، وربما نراها مستقبلًا.
عندما أشاهد صور القتلى، أفكر في مدى وحشية الإنسان، وأرفض أن أقول أن هناك "حيوان" قابع داخلنا، لأنه حتى الحيوانات لها قانون في غابتها. فالأسد لا يأكل إلا إن كان جائعًا، وعندما يأكل يشبع. أما نحن فلدينا أكثر من أسد مسعور، يقتل لأجل القتل، ولا يشبع. كأنه مصاص دماء تُثار شهوته بالأحمر القاني الدافئ الخارج في نافورة صغيرة من عنق صبي، أو رأس طفلة. وكلما شاهدت جريمة على الشاشة أو 10 قتلى في شريط الأخبار، علمت بأن هناك ضحايا أكثر انشغلت عنهم الكاميرات.
أفكر دائمًا في الموتى المنسيين، فيمن جاءوا وذهبوا بلا ذنب اقترفوه. فيمن يكملون تعداد الموتى ليصبح رقمًا ضخمًا ربما يعيد تفكير أصحاب القرار. أفكر أن هؤلاء كانت لديهم أحلام طيبة عادية مثلهم، يريدون بيت وأسرة وبعض المال وحياة هادئة. أفكر بأن الأشرار لا يموتون مثل هذه الميتات القاسية، لا يتعذبون في لحظاتهم الأخيرة، وليس لديهم ما يبكون من أجله. أفكر، بأننا كبشر، أصبحنا كأوراق الشجر، مع أي هزّة ريح يسقط منا الكثير، يذهبون ولا نعرف مصائرهم، إن كانت داست عليهم الأقدام، أم حملتهم الرياح لمكان أفضل، أم أكلهم جائع مضطر لا يجد قوت يومه.
لا أعرف جدوى لهذا الكلام، فهو لا يغير شيء، لا تستطيع الكلمة أن تتلقى قنبلة مكان بيت، أو تمنع رصاصة من الرشق في صدر رجل، أو برميل من السقوط فوق رأس أم وأطفالها، لا جدوى لكلامنا، لكنني عربية، ولا حيلة لي إلا الكلام، هكذا تعلمنا، نتكلم ونموت ولا يدٌ لنا في تغيير شيء لأننا لا نستطيع تغيير أنفسنا، ولو استطعنا لتنازلنا عن وصمة العروبة، ثم وصمة الإنسانية، فالله لم يخلقنا لنقتل، أو نقبل القتل تحت أي ظرف، لقد كانت خطيئة أبناء آدم الأولى، أول درس في البشرية، ويبدو أن البشر لم يفهمونه بعد.
عندما أرى جثة رضيع مغطاة بالتراب، أو يدٌ لطفلة لا أعرف مصير بقية جسدها، أو أم فقدت عينها، أو رجل مات غدرًا، أفكر بأن الغراب كان أرحم كثيرًا عندما قتل أخيه ودفنه برحمة. وبأننا – كبشر – أبشع كائنات الكوكب، وبداخلنا وحوش سادية تود لو تنهش أجساد بعضنا، وتشوهها، لتتلذذ فقط. أفكر بأن يدي تستطيع أن تخترق الصورة، وتربت على كتف الأم، وتبحث عن طفلة فقدت يدها، وتواسل أهل الرجل المقتول، وأتمنى أنني أستطيع أن أهب حياتي لهذا الرضيع الذي مات قبل أن يعيش، وأعود لأفكر، هل كانت رحمة أنه غادر مبكرًا قبل أن يكبر ويدرك؟ أم كان ظلمًا أن يسلبه شر البشر ما منحه إياه خالقه؟
أفكر في سؤال الملائكة يوم خُلِق آدم "قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" أفكر فيما يعلمه الله، وحكمته من كل ما يحدث، وأحدق في شاشات التليفزيون كما تفعل هذه الطفلة "الصورة المرفقة"، بنظرة لا تفهم إن كانت ترقب، أم عتاب، أم خوف، لا أعرف إن كانت لا تزال حيّة.. أم رحلت ككل من هم مثلها.
الجملة "عنوان المقال" نشرتها صفحة للثورة السورية، التي ما عدنا نعرف إن كانت لا تزال هناك، أم أنها تمت إبادتها وقتلها مع كل من قتلوا.

Published on March 10, 2015 15:13
September 28, 2014
أسئلة سوزان عليوان.. إجاباتها تضعك في مأزق
في مقهى جانبي عتيق بالقاهرة، قرأت بعضًا من أشعارها وسط حضور يحتفي بزيارتها وبحبهم لها، وجلست إلى جانب حائط، أقرأ معها في سرّي ما حفظته من أشعارها. طوال حياتي كانت لديّ عادة أن أحفظ ما أحب فقط، دون قصد، وإذا قصدت لن يثبت في ذهني. كانت تقرأ بصوت متقطع من الخجل، بعينين على وشك الدمع، بحزن تخجل من تعريته أمام العالم. عندما قرأت "لأن اللهَ واحدٌ والموت لا يُحصَى/ ولأننا لم نعد نتبادل الرسائلْ/ يُحدِث المطر في الفراغ بين قطرة وأخـرى.. هذا الدويَّ الهائل"، وهنا التقينا، بأعيننا وبكلامنا، في "هذا الدويّ الهائل".
على عكس العادة، لا يدفعني الغضب للكتابة هنا، وإنما التساؤل ومزيج من الحب والخوف. فمنذ قرأت لسوزان عليوان أول مرة، وتغيّر فيّ شيء ما، شيء لا أعرفه، وربما أحاول اكتشافه، واكتشاف نفسي، من خلالها. ببساطة، أكثر ما جذبني هو أسئلة سوزان في نصوصها الأنيقة، ولا أقول هنا أنها أنيقة مثل لوحة فنية في متحف، بالعكس، هي أنيقة مثل صندوق فضة تحتفظ به امرأة تحب، وتضع فيه كل ذكريات سعادتها وحزنها، وتفتحه كل قليل لتلقي نظرة، وتدمع وتبتسم.
الملفت في سوزان، ليس كتابتها فقط، ولكن هي نفسها، أتذكر أنني عندما التقيتها، كنت أتوقع رؤية سيدة لبنانية بطابع باريسي، حسب ما تخيلته من كتابتها، بها مزيج من روح العصر والفخامة التي تحجب الروح، ولكنها كانت بسيطة وهادئة ودافئة وخجولة، تشعر معها أنك وجدت شيء ما، شيء كنت تبحث عنه، أو ربما، من فرط ولعك به، وإيمانك به، وفقدان الأمل في لقاءه، أعطاك القدر إياه فجأة، هكذا، وبدون أي مقدمات أو تمهيد.
تسأل سوزان في أشعارها أسئلة كأسئلة الأطفال، أسئلة بريئة، وعميقة، ولا إجابات لها. تشبه فيها رسوماتها بأطفال مسدلين الرموش يحملون حمامات بيضاء فوق رؤسهن، وأغصان زيتون. تكتب وترسم لتبحث عن مدينتها، مدينة الأطفال والأحصنة الملونة والصور المبتسمة. لا تهتم بالنشر والمبيعات والدواوين وعناوين الصحف والمانشيتات عنها، تطبع الكتب وتهديها لمن تحبهم ويحبونها، هكذا فقط، الموضوع بسيط.
لسوزان أسلوب مميز في الكتابة، فهي تكتب بنصل سكين صغيرة مخفية في هيئة قلم، ولكنه ليس أداة عنف، قدر ما هو سهم في يد ملاك على سقف كنيسة. تكتب الجملة هكذا، قصيرة، ومباشرة، وغنية بالمعاني، وتشعر معها أنها لا تؤلف شيئا أو تجلس على كرسي الشاعر، ولكن تشعر بأنها تقول حقائق مطلقة، مثلا "لا شيء يُعادل قربك" جملة تنهي بها كل الصراعات الداخلية، وتضع قاعدة لا تقبل النقاش، تحتاج فقط لإدراجها في قوائم الحقائق العلمية.
أسئلة سوزان هي الجزء الأصعب من القصائد، فعندما تسأل مثلا "هل من عقاب، أقسى من الزمن؟" فتكون إجابتي "بالطبع لا"، ولكني أصمت، في كل مرة أقرأ القصيدة وأصل للسؤال وأصمت. وأسأل الكبار، الذين سبقوني في العمر بعشر سنوات أو أكثر، "هل الحياة عادلة؟" فتكون إجابتهم "لا"، "هل الحياة طيبة؟"، "لا". "هل الزمن عقاب؟" فلا أجد رد. إجاباتهم تخيفني، كأني ذاهبة في طريق رغما عني، ويجب أن أتقدم في العمر، وأذوق نفس الكأس، دون رغبة مني. كلما قرأت السؤال عاودني الأمل في أن يكون "الزمن" ليس عقاب، وإنما مكافأة، أو هدية، أو نتيجة. أي شيء يوصلني لحقيقة يمكنني أن أحلم بها، وأنتظر الأعوام القادمة من عمري – إن شاء الله لي – بحلم، مجرد حلم في أن يكون الزمن، طيّب معي.
السؤال الثاني هو "ما الذي بوِسْعي أن أقولَهُ، سوى أنَّ الأعداءَ كانوا أكثرَ عَدْلاً؟!"، وهنا لا أدعي أني عشت الكثير، فلازلت في العشرينات، ولكني ذقت مرارة الإجابة عنه مبكرًا. ليس لي أعداء عادلين حتى الآن، أو أعداء أحترم ذكاءهم وأخلاقهم وأتمنى أن نصبح أصدقاء يوما ما. كل ما لي هو خيبات أصدقاء، كان ظلمهم لي، أشد قسوة من ألف عدو. وتمنيت من شدة قسوتهم، أن يكونوا أعداء، ربما هان عليّ فراقهم. لم أحب أبدا الإجبار على الفراق، ولا يدرك عقلي – مهما حاولت إقناعه – بانتهاء الأشياء. الأبدية هي المعنى الأقرب لي، فالكون لا ينتهي، بل يتجدد، حتى الموت هو بداية لكون آخر. كيف لي أن أصدق أن شيئا قد انتهى؟ ما معنى الانتهاء في كون لا نهاية له؟ ما معنى النهاية والله موجود؟
وفي السؤال الثالث، التقيت جزء منها شديد الصلة بي، اللون الأزرق الذي يتحول من مجرد لون يتعامل الناس باعتباره ضمن باقة ألوان، إلى بحر، وسماء، وكوكب. فتسأل مثلا "أرى العالم، حجرة زرقاء.. هل ترى، ما أرى؟" وكأنها تسألك عن أهمية الأزرق لدي، وهل تشعر بالفعل أنه لون مقدس، لو لم يكن مقدس لما خُلق منه كل شيء، وفي سؤالها أيضا، تستشعر النبض، لتتأكد ما إذا كانت تحيا بمفردها في الكوكب الأزرق، أم أن هناك آخرين على سطح الكوكب. وتقول في جملة أخرى "من عرشها الأزرق البعيد، ستراهم بأحجامهم الحقيقية، بلا أسف.. أو حنين". العرش الأزرق على الكوكب الأزرق، تذكرني سوزان نفسها بقصة "الأمير الصغير" لأنطوان دي سانت أكزوبيري، الذي بحث بين الكواكب عن صديق، وعندما التقى بشريّ، طلب منه "ارسم لي خروفا" فقط. وطلب أن يكون الخروف غامض، داخل صندوق، لا يعرف أحد أن بداخله خروف صغير أبيض بفراء ناعم. هكذا هي سوزان، تقوم بمناوراتها خارج كوكبها، تبحث عن أصدقاء يرسمون لها خراف، وترسم لهم أحلامًا جميلة، وأطفال برموش مسدلة يؤمنون بكوكبها الأزرق، وعندما لا تجدهم، تكتب "كل ما حلمت به، خذلني، كأن قدميّ الصغيرتين مخلوقتين للانزلاق".
في كوكب سوزان أشياء تجدها أينما ذهبت، تشعر معها أنك في بيتك، فتجد: مصابيح، نوافذ، أصدقاء، الظل، أضواء، حزن، دمعة، وعلى عكس أغلب الشعراء الذين يسرفون في تكرار الكلمات، فإن سوزان تُعرّفك على أصدقاءها، وتشربون جميعا قهوة في بيتها، على أنغام موسيقى مجنونة لا تتوقع أبدا أن تكون لديها، حتى إنك إن قرأت قصيدة لها، ولم تجدهم، راجعت قراءتها أكثر من مرة، لتتأكد أن لا حزن هنا، هنا مساحة للفرح، فتثبت حضور الشيء بالتضاد. وتحمل أسئلتها هنا معاني بين الطيبة والعتاب واللوم والانكسار، فسؤال مثل "أينَ نافذتي أيَّتُها الجدران؟" قد تحسبه سؤال شخص غاضب محبوس بين جدران. ولكن، إن أعدت قراءته، ستشعر أنه لطفلة صغيرة ضاع منها شيء، نافذة في جدار مخبأ بغرفتها، اعتادت على الهروب منها لتشم الهواء وتشاهد القمر ليلا. وإن قرأته مرة ثالثة ستجد أنه لامرأة هدّها الزمن، وتبحث عن أي نافذة يدخل منها الضوء لحياتها، أو حبيبة تبحث عن أمل، أو سجين يشتهي الضوء، وكلما قرأت السطر نفسه، وجدت كثير من الأشخاص المحبوسين داخله.
كثير كثير من الأسئلة، والإجابات تتراوح بين صمت أو ملايين الكلمات، لازلت أبحث عن إجابات لها:بهذه الأطراف الطافئة.. كيف أحصي كم أحببتك؟ ألا يكفي ما فعلته بضحكتنا هذه البلاد؟كم من تلك الضحكة مضى من أسوار أعمارنا؟ كم من الوردة تبقّى؟ كم الساعة في نبضنا؟ لولا العصافير على أكتافها.. من يحدث التماثيل؟
أمام الأبواب الخاطئة.. ماذا نفعل بمفتاح؟
يمكنك الاضطلاع على كل أشعار سوزان هنا في موقعها الرسمي

Published on September 28, 2014 15:27
April 11, 2014
40 قاعدة لمشاهدة أفضل الأفلام في تاريخ السينما

قررت أكتب 40 قاعدة تسهل البحث عن فيلم كويس، وتساعد في تقييم الأفلام، واختيار الأفلام الحلوة وتبادلها، وده طبعا بعد مشاهدتي المتواضعة لأكتر من 600 فيلم :D
1- الفيلم الحلو بيبدأ بموسيقى حلوة. 2- الفيلم الحلو بيبدأ بمشهد يخطفك. 3- أغلب الروايات بتتحول لأفلام حلوة، لكن الرواية الأجمل، وعشان كده لازم تقراها الأول. 4- موقع IMDBصديق لعشاق الأفلام، مش دايما تقييماته بتبقى صح، لكن تقريبية بنسبة كبيرة. 5- تابع الممثل الشاطر، لأنه دايما بيختار أدوار مميزة. 6- تابع المخرج الشاطر، لأنه بيعمل أفلام حلوة. 7- تابع الكاتب الشاطر، لأنه بيكتب سينما أحلى. 8- المخرج الشاطر بيعمل فيلم حلو، المخرج المتميز بيعمل فيلم "ميتنسيش". 9- الأفلام الكئيبة كتير، بس مش مفيدة غير في تفريغ شحنة العياط، الأفلام المبهجة بتفتح الذهن على حاجات كتير. 10- حتى أفقر وأبسط أفلام الخيال العلمي هتلاقي فيه حاجة مش متوقعة. 11- أفلام الأنيميشن ساعات بتكون أقوى بكتير من التمثيل الحقيقي، بالذات لما تكون كوميدية، راجع جزئين despicable me . 12- مش هتلاقي تحف فنية كتير زي Godfather. 13- ركز في الكادرات، في تكوين الصورة، في الإضاءة، في الديكور، حتى لو انت مش فاهم سينما، بس كل ما بتدرك حاجات زي دي، بيزيد تقديرك للسينما عموما، وللفيلم اللي بتشوفه، والمجهود اللي بيتعمل وراه. 14- اقرأ عن أي فيلم قبل ما تشوفه، عشان متضيعش وقتك مع فيلم وحش. 15- في أفلام زي قطعة قماش جميلة جدا متعلقة على الحيط، المخرج الشاطر هو اللي يفصلها ويخليك تلبسها بدون ما تعرف إنك بتتخيل. 16- متمشيش ورا الأسماء المشهورة غير لو اختبرت شهرتها بنفسك، في ناس كتير مشهورة عشان بهايم! 17- المزيكا بطل أساسي في الفيلم، وتوماس نيومان ونينو روتا عملوا أحلى موسيقى سينمائية لأحلى أفلام. 18- ركز في الحاجات اللي بتعجبك، اللي بتحب تتابعها، اللي تحب تشوف زيها بعد كده، عشان يبقى سهل عليك توصل لفيلم يناسب مودك بسهولة. 19- أفلام الرعب – للي بيقدر يتفرج عليها - :D، بتدي شجاعة أحيانا، وبتخلص الفيلم وانت حاسس إنك بطل. بس المشكلة في بعد ما الفيلم بيخلص بشوية، والنور يقطع... 20- الأجانب مبيعملوش كوميديا حلوة إلا نادرا، أو إنك تكون في حالة مذرية فتعمل نفسك بتضحك معاهم. 21- لو ضغطك بيعلى بسرعة متشوفش سينما فرنسية. 22- جرب سينمات تانية غير اللي متعود تشوفها، الهندي الحديث مدهش جدا، مكسيكي، روسي، ياباني، ألماني، تركي، إيطالي، كل فيلم بيعكس حاجة من ثقافة بلده، ولو معكسش حاجة خالص، أديك اتفرجت على البلد. 23- للنقطة السابقة، بلاش تتفرج على أغلب الأفلام المصرية الحديثة- أساسا إحنا مش بنتكلم عنها هنا. 24- أفلام الخيال والفانتازيا بالنسبة لي هي السينما الحقيقية، اللي بتخرج برة الواقع، والمصريين هيقدروا النقطة دي كويس جدا. :D25- الأفلام المعتمدة على قصة حقيقية بنسبة كبيرة بتبقى حلوة. 26- مهم جدا تسأل نفسك بعد الفيلم، أنا استفدت إيه؟ أو الفيلم أثر عليا إزاي؟ طلعت بيه بإيه؟ المتعة حلوة جدا، وبتبقى حلوة أكتر لما تلاقي اللمبة نورت في دماغك. 27- الأفلام الهندي اتغيرت كتير عن زمان، الهند دلوقتي بتنافس بقوة، وبأفلام مبهرة من حيث القصة والتمثيل والإخراج وكل حاجة. 28- كاتب قصة الفيلم لما بيبقى هو المخرج، بيعمل الفيلم أحسن ميت مرة من لما يكتب وحد تاني يخرج له. 29- الفيلم الحلو هو اللي يبقى في ذاكرتك، اللي تفتكره وانت في موقف معين، تفتكر البطل اتصرف إزاي، وتحب تشوفه تاني وتالت. 30- الفيلم الحلو هو اللي تحب تشوفه مع حد بتحبه. 31- الفيلم الحلو بيوريك حاجة مكنتش شايفها. 32- مش كل ممثل شاطر تنطبق عليه مقاييس الجمال، لكن كل ممثل ذكي بيعرف يخلي نفسه جميل في أي دور حتى لو كان شرير، أو مش ظاهر أصلا بصورته. 33- الأفلام التاريخية حلوة، بس اوعى تعتمد على المعلومات اللي فيها بنسبة 100 %. الأفلام الوثائقية لما بتتعمل صح، بتبقى مفيدة جدا، أحلى من السينما أحيانا. 34- لما تلاقي الأبطال بيتكلموا عن حاجة غريبة، أو قالوا كلمة مش عارف معناها، سجلها في ورقة وقلم، وابحث عنها بعدين، ممكن توصلك لفيلم أحلى. 35- صاحبك الحقيقي يديلك الأفلام اللي على جهازه، وياخد أفلامك عادي يعني. والصاحب المميز اللي بيثق في ذوقك ويقولك أنا مودي كذا.. أتفرج على إيه؟. 36- اهتمامك بالسينما عموما زي ما يكون معاك مفتاح سحري، في أي لحظة ممكن تخرج من الواقع الكئيب لدنيا تانية. 37- قيّم الفيلم بنفسك، ولو عدى قدامك بعد فترة افتكر تقييمك.. يستحقه؟ يزيد؟ يقل؟ الفيلم الحلو بيفضل حلو مهما مر عليه الوقت. 38- شوف أفلام كرتون كتير. 39- متشوفش أفلام عنيفة كتير. 40- في أفلام كتير حلوة لسه مشوفتهاش، دور عليها.
Published on April 11, 2014 12:09
December 4, 2013
هاروكي موراكامي: أن تكون كاتب.. وأكثر

أشياء مثل هذه تحدث تماما، تحب شخصا لم تراه، تصدق الخرافات وخوفك الداخلي، تعطي فرصة لهواجسك باكتساح عقلك. سأخبرك شيئا.. أنا غارقة في حب تورو واتانابي.. وقبيل صفحات من انتهاء قصتي معه، لازلت أستمع إلى أغنية "ذا بيتلز – الغابة النرويجية" وأمطّ الوقت كي يبقى لأطول وقت ممكن.
تورو، هذا الشاب الأنيق البسيط المثقف، عادي الوجه جذاب الملامح، ينتقي موسيقاه بعناية شديدة، ويقرأ كما يتنفس. تورو الذي يحب فيذبل، وتختفي ملامحه ويضمر جسده، ويساعد المرضى ويمنحهم الحياة في لحظاتهم الأخيرة، ويحب فتاته بإخلاص شديد لدرجة الاضطراب، تورو واتانابي هو أحد أبناء هاروكي موراكامي الكاتب الياباني الشهير، أحد شخصيات روايته "الغابة النرويجية".
مر زمن طويل منذ أن شعرت بهذا لإحساس، كان ذلك عندما قرأت عنوان كتاب هاروكي "رقص رقص رقص"، الكتاب الذي أصابني بشغف شديد لمعرفة محتواه، كنت أدرك عن بعد أنه لا يتحدث عن الرقص بمعناه المباشر، وإنما عن الرقص الروحي، رقصة الحياة بنا ورقصتنا معها.
منذ أن قرأت لهاروكي أول مرة أصبح لي صديق جديد، ربما كلمة صديق هنا في غير محلها فهو أكبر، هو مُعلّم، وقدوة، وشخص مثير للريبة والشك، وغريب فعلا. تنساب الأفعال الشيطانية منه باعتيادية، وتجد الكلمات المهجورة طريقها إلى فمه بحلاوة وعذوبة، حتى غير المقبول في باطن عقلي أصبح مقبولا عندما أقرأ له، هو كاتب يستطيع أن يقنعك أن الشيطان يجلس في الغرفة التي جوارك، ويدفعك للذهاب نحوها وفتح الباب. بمجرد ما انتهيت من قراءة أول رواية له، أيقنت تماما أنه أصبح لي صديق تجتمع فيه كل الأشياء التي أحبها.
أتذكر المرة الأولى التي قرأت فيها لهاروكي، شعرت أنني أكتب، أو كأن هذا كتابي وسُرق مني في غفلة وتم نشره باسم شخص آخر، أو أن هذا ما سأكتب مثله في المستقبل. سألت نفسي، إلى أي مدى يشبهني هذا الشخص؟ وهل هي مجرد صدفة أن يتشابه أسلوبنا في الكتابة حتى هذا الحد؟ في الحقيقة كنت أكذب، كان هاروكي أجمل مما تخيلت، أو ربما كان أنا في المستقبل، هو صورة لما أتمناه، هو واقع لحلم الكتابة جميل.
يكتب هاروكي فيخفت صوت الكون بالتدريج، لا تستمع إلا لأصوات شخصياته، المهزومين، الضعفاء، الذين يرتكبون أخطاء ويعترفون بها ويعلمون أنهم بذلك أسوياء في عالم غير الأسوياء، الذين يعترفون بنقصهم وحيرتهم وغباءهم، وشهوتهم الجامحة، الوقحة أحيانا، الصادقة دائما. أشخاص لم أقرأ مثلهم من قبل، في عفويتهم وطريقة تسميتهم للأشياء، تمنيت أن أقابلهم جميعا، كيكي، يوكي، تورو واتنابي، ناوكو، رايكو إشيدا، كيزوكي، ميدوري، ناغاساوا، إيتوه،.. تمنيت أن أقابل أشخاص مثلهم وأن يصبحوا أصدقاء لي، لقد خلق لي هاروكي ورطة مصادقة أشخاص لا أعرفهم، وبقدر ما هذا شيء عبقري للكاتب – أن يخلق لك أزمة من لا شيء – إلا أنه شديد الإيلام للقارئ، الذي يخشى أن ينتهي من الرواية ويفقد أصدقاء جدد.
مع كل رواية لهاروكي وجدت قطعة من نفسي، كنت أهلل مع أجزاء "ها أنا ذا.. إنه يكتبني !" لست وحدي التي أفكر هكذا، لست وحدي من يتصرف هكذا، هناك أناس مثلي في كوكب آخر، كوكب اليابان ربما، كوكب هاروكي بالتأكيد، أنا لست وحيدة وهذا اكتشاف عظيم. جعلني ذلك أقع في حالة حب مع شخص لم ألتقيه حتى الآن لكنني أرغب وبشدة في ذلك، ولا أعرف السبب.. ربما لأسأله عن أصدقائي الذين فقدتهم مع كل غلاف رواية، ومع كل ضربة في الواقع، أو بحثا عن أصدقاء جدد في عالمه.
عندما يحزن هاروكي لا يكتب عن الحزن، بل يكتب الحزن نفسه، لا يزين أو يجمل الواقع، هو حزين ويكفي ذلك لأن يدخل في حالة من المزاج السيء وفقدان الاستمتاع بالطعام، والقراءة لسد شهية العقل لا أكثر. كلماته حقيقية تماما كالألم، تخرج من بين الورق لتلمس يدك، وقلبك، كما أنها لا تتوقف حتى تصيب فيك جزء ما، شيء ما، جرح ما، تصفعك بقوة، فيصبح كل الألم الذي ستعانيه بعد ذلك هيّن.
أحببت أصدقاء هاروكي، أصدقاء لمجرد الصداقة ليس إلا، نحكي ما يؤلمنا دون خجل، نأكل ونذهب للسينما، نرسل خطابات إلى بعضنا حين نغيب، ونشتاق.. نشتاق جدا، ربما صديق بمرتبة حبيب، أو العكس. هو ناجح تماما في أن يقدم لأي فتاة رجلا تلتهمه كله، بإحباطه وفشله قبل رومانسيته وطيبته.
القراءة لهاروكي تشبه المشي على الشاطئ، تلوّث قدميك بالرمل، تنتقل من مكان لآخر لتلتقي بصدفة، بلؤلؤة، بسمكة ذهبية هربت من البحر، بجنيّة روايات، بحجر ملوّن، بقصر بناه طفل على الرمل وتركه، بخطّين يسجلان اسما عشيقين على الرمل، بمركب تنتظر، وقارب تطفو وحيدة، بموجة غاضبة، وأخرى تحاول تهدئتها، بصخرة تأبى الذوبان، بهيكل سمكة ميتة، وملح ناصع البياض، برسالة في زجاجة من شاطئ آخر، بعاشق هادئ، ومسالم، ووحيد، يجلس على أعلى نقطة وأبعد مكان.
من يقرأ لهاروكي يعرف أن بين يديه كنز أكبر من مجرد كتاب، وأن هاروكي نفسه أكثر من مجرد كاتب، الكتاب – أي كتاب - مليء بأشخاص من لحم ودم، ومعزوفات وقطع موسيقية نادرة وجميلة وعذبة، واقتراحات لكتب أخرى رائعة وتحذيرات من كتب مُخيّبة للآمال، وأماكن يجب أن تزورها، وحقائق يختصر عليك الزمن ويخبرها لك، وحكمة لا يرفع العصا كي يعلمها، ونهم للحياة ولمتعتها، وزهد فيها إذا كانت بلا حُب.
مع كل نهاية رواية، لا أقول لك "مع السلامة"، بل أقول "إلى اللقاء".. سأفتقدك كثيرا حتى الكتاب المقبل.
Published on December 04, 2013 23:42
June 20, 2013
الموت على طريقة محمد عساف

نائما مستلقي على ظهره، رأسه مائلة لأسفل ومغمورة بالدماء التي تغطي ملامحه، وبالتدقيق فيه وجدته هو، محمد عساف، الفلسطيني مشترك برنامج Arab Idol.
تساءلت: ما الذي يجعل عساف يظهر في أحلامي بهذه الصورة البشعة؟ لأنه فلسطيني. لقد اعتدت منذ وقت طويل أن أتجنب نشرات الأخبار المحملة بأرقام قتلى وجرحي وتصريحات مسئولين، تعودت أيضا أن أرى مشاهد الدماء في التليفزيون تروي أرض فلسطين يوميا، ودائما ما أتخيل أن هناك عدد أكبر من القتلى والجرحي لا تدركه عدسات الكاميرا.
محمد عساف كشاب فلسطيني كان من الممكن أن يكون شهيد، وأتخيل أنه تربّى على المقاومة بالحجارة في مواجهة دبابات المحتل الضخمة، والحصار النفسي قبل حصار غزة. "ما الذي يفعله؟ هل يترك المقاومة ويذهب للغناء؟ يا للعار !" أسمع هذا التساؤل من الكثيرين، كما سمعته عن السورية فرح يوسف والمصري أحمد جمال. وكأنه من المفترض كوننا عرب أن نعيش فقط وحلمنا أن نموت، وأي حلم آخر فهو عار !
عساف الذي قال أن أقصى طموحه أن يحصل على وظيفة، تخيلّ ! طموحه وليس حقوقه كأغلب الشباب العربي. ما الذي فكر فيه عندما تقدم للبرنامج؟ سيغني؟ لا بالتأكيد. لو رأيته في أول طلّة بالبرنامج لفهمت ما أعنيه. شاب عادي "غزّاوي" يحمل ملصق "مصر" على صدره. عندما سألت صديقتي قالت ربما بسبب مشكلات المعبر والحدود أو بلد التقديم للمسابقة، قلت "وهل يلغي الهوية؟!".
شاب يبحث عن متنفس لموهبته بعيدا عن صوت القصف والدبابات ورائحة الغاز ومناظر أطفال الحجارة والأشلاء. يتملكه الحلم ويقتله الروتين، يأتي من غزة لمصر ويتأخر بسبب المواصلات فيقفز أسوار الفندق ويتقدم للمسابقة ولا يحصل على رقم !.
طلته الأولى في البرنامج لم تكن عادية.. فلسطيني يغني لعبد الحليم حافظ "صافيني مرة.. وجافيني مرة.. ومتنسانيش كده بالمرة" وكأن فلسطين تغني للعرب المشغولين بأمور أخرى. يُلام على اختياره للغناء وتركه للمقاومة، لكنه اختار المقاومة بالغناء. مَنْ مِن السياسيين العرب حقق ما حققه عساف من حب الجمهور؟ صفر. على الرغم من استخدامهم لكل الحيل والأساليب المشروعة وغير المشروعة، بدءا من الكلمة وانتهاء بالقنابل، إلا أنه لم يستخدم كل ذلك. كان لديه صوته فقط وضحكته، وكأنه يعرف ما نحتاجه لنشوّش على الخراب والهزائم التي نحياها في بلادنا.
مصر، سوريا، وفلسطين.. لا أتخيل أبدا كاريكاتير هزلي ورائع أكثر من هذا. ممثلين عن الدول الثلاثة كلُ منهم يحاول أن يكون سفيرا لبلاده بصوته، يحاول أن يُظهر ولو جزء صغير من الوجه الجميل الخفي الذي أوشكنا على نسيانه. ويبقى عساف – من وجهة نظري – أفضلهم. ربما لأننا – مصر وسوريا – حديثي العهد بالنضال، أما فلسطين فقد أرضعته لأبنائها منذ زمن. غناء عساف متنوّع اللهجات يصرخ في العرب "انا أفهمكم وأحبكم جميعا؛ رغم نسيانكم لي".
ولأنه يحمل جينات عربية، فبمجرد إتاحة الفرصة له أخرج الكثير من جعبته. ولو نادى جميع شباب العرب لملايين السنين لرؤسائهم أنهم يريدون فرصة لتحسين بلادهم لما رد أحد، لكن عساف فعل ذلك ببساطة، وكأنه يقول "ها أنا ذا.. ومثلي كثيرين.. هل رأيتم ما سيحدث لو اختفت سياستكم؟".
وصول المشتركين الثلاثة في برنامج مسابقات شهير تدعمه أكبر شاشة عربية يطرح كثير من الأسئلة أبعد بكثير من محتوى البرنامج، أسئلة عن ما يوحد العرب، وما يميزهم. أسئلة عن السياسيين الفشلة والشباب ومواهبهم البرّاقة. أسئلة عن شعوب تتصادق وسياسات تتنافر. عن سوريا التي شوّهت الحرب جمالها، ومصر التي نحبها ونخشاها، وفلسطين التي تخسر دائما في مناقشات العرب، وتكسب القلوب وتربح – لأول مرة - في "محبوب العرب".
بسمة العوفي
Published on June 20, 2013 12:23
April 19, 2013
جروح سورية تنزف في مسابقات mbc الغنائية
كتبت – بسمة العوفي
كما هي سوريا في قلب الأحداث يوميا بتطورات الأوضاع فيها، دخل المتسابقون السوريون المشاركون في مسابقات mbc.net في قلب الجمهور، بأغاني عبرت عن وجع وألم الشعب السوري جراء الحرب بين قوات النظام الأسدي والجيش السوري الحر.
نور تنادي على الشام

وتقول كلمات الموال "درب حلب، ودرب الشام، مشيته.. كله، كله شجر زيتون يا عيني، وحاج تبكي.. وتنوحي، بكرة بنيجي، يا عيوني.. بكرة بنيجي يا عيوني".
حمدان يبكي من مشاهد الدماء في سوريا

قال فيه "حلب يا نبع من الألم، يمشي ببلادي، يا كتر دم اللي انسكب، آه ببلادي، أنا ببكي ومن قلب محروق ع بلادي، وع ولادي اللي صاروا فيها غراب، آه يا بلادي".
وكانت عرقسوسي قد خرجت في التصفيات قبل النهائية في برنامج The voice، بينما لازال حمدان يتوقع منافسة قوية مع الأصوات المشاركة التي تسعى للحصول على لقب Arab Idol لهذا الموسم.
يذكر أن أشهر من غنى القدود الحلبية كان الفنان الكبير صباح فخري، وهو من أشهر رموز الغناء في سوريا والوطن العربي.
Published on April 19, 2013 23:35
March 21, 2013
شقيقة الجيزاوي تتخوف من التكتم على استئناف أخيها وتؤكد التصعيد إذا حُكِم ضده

كتبت – بسمة العوفي
تخوفت شيرين الجيزاوي شقيقة المحامي المصري أحمد الجيزاوي المعتقل بالأراضي السعودية على خلفية حيازة مواد مخدرة، من التكتم الشديد على موعد جلسة الاستئناف في قضية أخيها.
وأشارت إلى أن القضاء السعودي وافق على الاستئناف في 3 مارس الماضي، بعد ضغط شعبي قامت به أسرة الجيزاوي أمام السفارة السعودية في مصر، تمثلت في تظاهرات ومحادثات مع عفيفي عبد الوهاب سفير مصر بالسعودية، أدت إلى قبول الاستئناف.
وقالت الجيزاوي أنها علمت عن موعد جلسة الاستئناف آخر الأسبوع الجاري، من نشطاء سعوديين ومنظمات حقوقية سعودية.
وأوضحت أن محكمة الاستئناف تمنع المتهم ومحامي الدفاع عنه من حضور الجلسة، وأن الاستئناف مجرد دراسة فقط للمذكرة المقدمة.
ورجحت إمكانية "ظلم" أخيها مرة أخرى، فالاستئناف السعودي يتيح زيادة العقوبة على المتهم، وشددت على أن أسرته سوف تواجهه بأشكال مفاجئة من التصعيد رفضت الإفصاح عن مسارها، وفق ما ذكرت.
كما أعلنت أنها تعتزم تنظيم مؤتمر صحفي بنقابة الصحفيين، مع نهاية الأسبوع الجاري، وذلك لتوضيح مسار القضية وما وصلت إليه من نتائج.
يذكر أن الجيزاوي هو محام مصري تم القبض عليه فور وصوله للأراضي السعودية لأداء العمرة برفقة زوجته في17 إبريل الماضي، وتم توجيه تهمة حيازة مواد مخدرة إليه، وحكم عليه بالسجن 5 سنوات و300 جلدة. ·


Published on March 21, 2013 05:13
حملة ضد (التحرش) قد تستخدم للتحرش

كتبت – بسمة العوفي
على كوبري"أكتوبر" كانت تقود سيارتها في اتجاه منزلها، عندما بدأ سائق سيارة ملاكي مجاور في لفت نظرها بالإشارات والكلمات التي سريعا ما تحولت لألفاظ بذيئة وقبلات في الهواء، فصورته بكاميرا الموبايل وعادت إلى المنزل تفكر في الحل الأمثل لاستخدام هذه الصورة.

انطلقت الحملة في 14 مارس الجاري، وذلك كرد فعل جديد ضد تفاقم ظاهرة التحرش الجنسي في مصر، وظهور العديد من المبادرات الشبابية التي تساهم في توعية الفتيات ضد التحرش الجنسي مثل "شفت تحرش، قطع إيدك".
[image error] اختارت (م. أ) نشر صورة من تحرش بها وأرفقت معها رقم سيارته، وقالت أنه بمرور أقل من 24 ساعة، كان هناك أكثر من 3 آلاف مشترك بالصفحة، وأكثر من نصف مليون مشاركة للصورة، ومئات من التعليقات كان معظمها تساؤلات عن كيفية التأكد من حقيقة حدوث ذلك فعلا.
فوجئت (م. أ) بمراسلة المتحرش لها على الصفحة، واكتشفت أنه مدير شركة كبيرة واعتذر لها وطلب منها مسح الصورة لأن زوجته وأبناؤه اطلعوا عليها وعلموا بما فعل. وأكد لها أن ما حدث كان "خطأ قيادة للسيارة" وليس تحرش، فرفضت مسح الصورة. فهددها بمقاضاتها بتهمة " التشهير "، فحظرتها مؤقتا من الصفحة، وتساءلت عن المسئولية القانونية لنشر صورة شخص والتشهير به دون إثبات.
الحملة محاولة لإيجاد إثبات واقعة التحرش

وأكدت (م. أ) أن عدم وجود إثبات هو المشكلة الأساسية في قضية التحرش، فأي فتاة تتعرض للتحرش في الشارع لا يمكنها إثبات ذلك، بسبب سلبية الناس ورفضهم أن يكونوا شهودا على ذلك. ومحاولة المتواجدين بمكان الحادث فضّ المشكلة ودياً. لذا ترى أن الحملة لاقت استحساناً لدى الجمهور لأنها لا تتضمن أي فعل عنيف.

وأوضحت أن الحملة تهدف لتخويف المتحرشين من إمكانية فضحهم على الإنترنت وأمام ملايين المستخدمين، واقترحت أن تستغل الحكومة الحملة للإعلان عن وجود كاميرات دوارة في وسائل النقل العام والمواصلات لتصوير المتحرشين، وحتى لو كانت تلك مبادرة خادعة تضع 5 كاميرات فقط في أماكن متفرقة، إلا أن ضبط متحرش أو اثنين سوف يخوف باقي المتحرشين من أن يلاقوا نفس المصير.
ومن جانبها قررت (م. أ) ألا تنشر أي صور إلا إذا كانت توثق فعل التحرش، مثل شخص يمسك سيدة أو ما شابه، أو فيديو للحادثة مدعم بشهادات أشخاص متواجدين بالمكان، وذلك كي تكون الحادثة موثقة، من وجهة نظرها.
هل يمكن معاقبة المتهمين بالفيسبوك؟
بسؤال مصدر أمني، فضّل عدم ذكر اسمه، يعمل بإدارة المعلومات والتوثيق بوزارة الداخلية، رفض فكرة الحملة لأنها تعد انتهاك لخصوصية الغير وتفتح الباب لاختراق حياة الآخرين واتهامهم بجرائم وربما كان ذلك كله غير صحيح. وأكد أن أي صورة يتم نشرها على شبكة الإنترنت بدون إذن صاحبها، تعرض من فعل ذلك للمساءلة القانونية لأن ذلك يعد اختراق لخصوصية حياة الغير دون إذن منه.

الاستخدام السيء للحملة
وحذر أبو النصر من إمكانية ابتزاز الجاني المشهّر به للضحية أو محاولة إيذاءها، وفضّل أن تستبق هي بإجراء وقائي بتحرير محضر وإرفاق صورة المتحرش به.
وأبدت (م. أ) تخوفها من ظلم أحد الأشخاص باتهامه بفعل لم يقم به من قبل أشخاص يريدون الانتقام منه بوصْمُه بالتحرش بفتاة، لكنها فضلت أن يحدث ذلك على أن يتم التكتم على الأمر تماما. وأشارت إلى أن ذلك الوضع سوف يستمر وستظهر العديد من الحملات وردود الأفعال، طالما أن هناك غياب تام لدور الدولة والحكومة في حماية الأفراد.
التحرش الجنسي هي ظاهرة يعاني منها المجتمع المصري، وقد خرجت العديد من التظاهرات التي نظمتها نساء مصر ضد ما يمارس ضدهن من عنف جنسي، خاصة بعد ما تعرضت له بعض الناشطات في ميدان التحرير من تحرش جماعي واغتصاب وهتك عرض، وكانت أشهرهن ياسمين البرماوي التي روت تفاصيل التحرش الجماعي بها في ميدان التحرير.
وكانت منظمات نسائية قد تقدمت بعدد من مشاريع القانون التي تجرم التحرش الجنسي، لوضع حد لمعاناة المرأة المصرية. ويبقى السؤال عن الحل السريع الذي ينقذ نساء مصر من مخالب التحرش الجنسي.
Published on March 21, 2013 05:12