ما يحدث في هدوء Quotes

Rate this book
Clear rating
ما يحدث في هدوء ما يحدث في هدوء by محمد سالم عبادة
4 ratings, 2.00 average rating, 0 reviews
ما يحدث في هدوء Quotes Showing 1-5 of 5
“(يلتفتُ إلى وجه صديقِه رافعًا حاجبَيه ليَنقُل إليه إحساس الدهشة): أنا من ساعة ما بدأت العمل كمُعيد في قسم (علم الأنسجة) في الكلّيّة، باطَّلِع باستمرار على شرايح لأنسجة الجسم المختلفة المتّاخدة من فئات عمرية متفاوتة. (يحدقُ في الفراغ) تِعرَف. الملاحظة دي بتَتمتع بصفة الاطِّراد، ولا يكاد يكون لها استثناء. كل ما صغِر سنّ الشخص مصدر العيِّنَة المدروسة كل ما كانت الخلايا في النسيج المحتوَى في العينة أكثر تناسُقًا. أنا شُفت دا في كلِّ الأنسجة يا (مدحت). من الجلد للعضلات لِلعَضم لِلأعصاب. حتى الدَّم. النسيج السائل دا يبدو فيه الفرق دا واضح جدًّا بين الأطفال والشيوخ. (يضحك) للصِّبا رونقُه بالفعل.
- مدحت: بالتأكيد!
- عاكف (بنفس الحماس): أيوة! والتناسق اللي هو منبع الجمال وأصلُه موجود على المستوى المرئي للعين المجرَّدة كمان زيّ وجوده على مستوى المِجهَر. بُصّ لبَشرِة طفل في العاشرةِ أو صَبِي في بداية مُراهْقِتُه في الرابعة عشرة مثلاً، وبعدين بُصّ لبشرة كهل في الأربعين أو حتى سِتّ في نفس السن. قارن حركة الأول بحركة الثاني. (يهزُّ رأسهُ في تسليمِ) معذورين. معذورين بالفعل.
- مدحت (يبدو شبح ابتسامةٍ على جانب فمِه): هو انا حكيت لك عن (شِنّاوي)؟!
- عاكف (ساخرًا): (شناوي)؟ أنا أحكي لك عن شكل الأنسجة تحت المجهر، وعن التراث الأدبي الصوفي، وانت تحكي لي عن (شِنّاوي)؟ ومن يكون هذا الـ(شنّاوي) يا ابو تفاهة؟!
.....................................
من قصة (شنّاوي)”
محمد سالم عبادة, ما يحدث في هدوء
tags: قصة
“رأيت كأنني أرتدي جلبابي الرمادي، وأصعد قافزًا إلى الأوتوبيس وهو يهدئ سرعته قليلاً عند تقاطع شارع (سلامة) مع شارع (السكة الحديد). كان في الأوتوبيس بائعٌ جوّالٌ يحمل عددًا من عيدان الغاب المثقَّبة (نايات لعبة للأطفال) وقطعًا من الألعاب تشبه العُود لكنها بلا أوتار. رأيتني أشتري منه نايًا وعُودًا لعبةً، وأنتحي مقعدًا في الصف الأيسر من الأوتوبيس. ورائي كانت تجلس (چانا) وزوجُها. لم أكن أعرف من قبل أن (چانا) متزوجة. عندما احتضنتُ العود اللعبة، وبدأَت أطرافُ أصابعي تداعب القطعة التي في مكان الصندوق المصوت، والتي هي بلا أوتار، أصدرت أنغامًا غايةً في العذوبة، وكنت أعزف بإتقانٍ شديد! كانت (چانا) سعيدةً جدًّا بعزفي، وألقَت اهتمامها كله عليّ، فيما لم يُظهر زوجها حماسًا يُذكَر. كنت قد صعدت إلى الأوتوبيس ليوفر عليَّ مشي محطتين فقط، فأنا أنزل عند محل عصير القصب الذي عند الناصية. تأبطتُ الناي اللعبة وأمسكت العود اللعبة بيُسراي، وهممتُ بمغادرة الأوتوبيس، فيما (چانا) حزينةٌ لأنني سأغادر، وزوجُها مازال لا يُظهِر حماسًا يُذكَر. غادرتُ، واستيقظتُ من النوم."
كان (نبيل) و(خالد) يقرآن هذه السطور المكتوبة بتنويعة من الخطوط العربية تتراوح بين الكوفي والرقعة والديواني والثلث، مشكِّلَةً فيما بينها هيئة أوتوبيس من أوتوبيسات هيئة النقل العام، في لوحةٍ موضوعةٍ في معرض الأعمال الفائزة في مسابقة الخط العربي بأكاديمية الفنون. كانت أكبر لوحةٍ بالفعل. لم تكن تحوي أكبر تنويعةٍ من الخطوط، لكنها كانت متقنةً جدًّا، وغريبةً في آن. فاللوحات الأخرى المعروضة كانت إما لآياتٍ من القرآن، أو لأحاديث نبويةٍ، أو حِكَمٍ وأقوالٍ مأثورةٍ أو حتى أبيات شعرٍ معروفة. تأمل (نبيل) و(خالد) اسم صاحب اللوحة المُوقَّعَ في الركن الأيسر السفلي منها.
قال (خالد) بصوتٍ عالٍ: "عبدون". تسرب إليه الصوت الآتي من خلفه: "نعم"! كان صوتًا حادًّا كشفرة السّكّين، متسائلاً كمطلوب مسألةٍ هندسيةٍ، مباغتًا كطَلَّة ثعبانٍ جبليّ. التفت (نبيل) و(خالد) ليجدا أمامهما ذلك الشاب المائل إلى البدانة، متوسط الطول، مبتسمًا في ود، لا يُوحي مظهره بأن ذلك الصوت صوته.
(عبدون) : "أنا عبدون .. إيه رأيكو في اللوحة؟"
....................................
من قصّة (دُخانٌ مُبين)”
محمد سالم عبادة, ما يحدث في هدوء
“تعالَ يا ولدي، امتثِل ليَدَي أبيكَ المرتعشتين، وسامحهُ إن جرّكَ في الرمالِ خارجَ قبرِكَ العظيم. آهِ لو كنتُ مستطيعًا أن أمنحَكَ من خُلودي. إذَن لرأيتَ بلادَكَ تسقُطُ في أيدي الغُزاةِ مرّةً ومرّةً ومرّة. ورعاياكَ ينسون أباكَ ويغرقونَ في النسيانِ وهم أحياءٌ، ويسلّمون أنفسَهم لكلِّ شجاع. لكن. شكرًا للقدَرِ الّذي حرمَكَ الخُلود. أنت الآنَ مستريحٌ من حُزني الذي أحملُهُ منذُ سقوطِ مصرَ الأول والثاني والثالث. غزاةُ الشّرق. يالَغُزاةِ الشّرق! لا يعرفون شيئًا عن (سِت) ملِكِ الصحراء. ومجيئُهم أغرى المصريين بي، فصاروا يكرهونني، ويقولون إنني أنا الشّرّ، وكأنهم نسوا أنهم جاءوا منّي، من الصحراء. ولماذا أقولُ (كأنهم)؟ بل قد نسوا بالفعل. ألم أقُل لك يا ولدي إنهم غرقوا في النسيانِ وهم أحياء؟!"
..................
من قصة (الأب والجثمان)”
محمد سالم عبادة, ما يحدث في هدوء
“لم يكن شيخًا من جهة السن، فملامحه تنبئُ عن شابٍّ في منتصف ثلاثينياتِه، لكن من جهة الإمامة. فقد جرت العادةُ على تسمية من يتقدم من تلقاء نفسه للإمامة في الصلاة (شيخًا) بغضِّ النظر عن سنه، أمّا من يقدِّمُهُ الآخرون إذا رأوه بالصدفة فهو (عمّ فلان). كان الشيخ (فريد) حليقًا، وضّاء البسمة، نحيلاً متواضع الملبس الذي يتكون دائمًا من قميصٍ وبنطالٍ وربما كنزةٍ صوفيةٍ أثناء الشتاء إن صادف رمضان الشتاء. كان شَعره يميل إلى الشُّقرة، وعيناه عسليتان. وَثيقو العلاقة بكرة القدم الأوربية يعرفون جيدًا كَم يشبه (محمد شول) نجم (بايرن ميونيخ) بطل ألمانيا ذا الأصل التركي. كانت قراءة الشيخ (فريد) مضبوطةً بأحكام التجويد، ولم تكن خامةُ صوته عبقرية. عَهِدتُه صوتًا منهكًا بطبعه طوال الأعوام الماضية، وكما سبق أن أشرتُ، فإني لم أكن أراه إلا كل رمضان إن صليتُ في مسجد (العرب) أو (الذاكرين) أو (نور النبوة). كأنَّ متاعبَ العام كلِّهِ تحُلُّ عليه فتظهر كلَّ رمضان. لكنَّ حديثَهُ في جلسة الاستراحة بين الركعات الأربعة الأولى والآخِرَةِ من صلاة القيام كان حديثًا شائقًا دائمًا. كان يستطيع اجتذاب مسامع وقلوب وأفكار المصلين في بساطةٍ ودون صياح. وكنتُ أحبُّ في (محمد شول) حركته القياديةَ في خط وسط (بايرن ميونيخ) دون كثيرِ جلَبَة. وكنتُ أحبُّ الشيخ (فريد) قبل هذا العام، كما أحبُّ (محمد شول) بالضبط.
............................
من قصّة (إيّاكَ نَعبُد)”
محمد سالم عبادة, ما يحدث في هدوء
“- "عايز تين باتنين جنيه"
- "نقّي اللي انت عايزه"
كانت هذه ورطةً كبيرة. فأنا لا أعرفُ كيف (أنقّي) ولا كيفَ (أعوز)! أنا لم أذُق التينَ أبدًا، وبالتالي لا أحبُّه، ثم إن كل التينِ متشابهٌ، لا فُروقَ ظاهرة. قلَّبتُ يُمنايَ في التين وأنا ألتقط الثمرات، أنظرُ إليها من كل أوجُهِها ثم أضعُها في الطبَق حتى اكتملت لي عشرون تينة. كنتُ ألاحظُ أن البائعَ ينظر نحوي باستغرابٍ ولم أفهم لماذا. أعطيتُهُ الجُنَيهَين وأنا ألعنُ هذا الوقتَ في سِرّي، بينما هو يُقَشِّرُ بسِكّينِهِ ما انتقيتُ من الثمار. أخذتُ الطبقَ بعدَ أن انتهى من تقشيره، وصعدتُ سلم البيتِ مسرعًا. ناولتُ أمي الطبقَ لتتولى هي أمره.
لم تمضِ خمسُ دقائق وأنا جالسٌ مع (زهرة) نتحدثُ عن فِلمٍ أجنبيٍّ شاهَدَته أمسِ مع أخيها، حتى بدأتُ أُحِسُّ بباطنِ كفِّيَ اليُمنى ملتهبةً كأنَّ النارَ تخرجُ منها. كان الألمُ يتصاعدُ بينما (زهرة) مسترسلةٌ في الحَكي، وأنا أهزُّ يُمنايَ في الهواء.
...........................
من قصّة (الوَخز)”
محمد سالم عبادة, ما يحدث في هدوء