المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات Quotes

Rate this book
Clear rating
المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات by برهان غليون
151 ratings, 3.68 average rating, 23 reviews
المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات Quotes Showing 1-30 of 48
“ان ضعف النظام الاسلامي الذي كان قائما منذ القرن الثامن عشر كان في فقدانه لجانبه الديني الاخلاقي و المعنوي وليس بسبب تدينه في عالم حديث قائم على العلاقات المادية. لكن دنيويته كانت وضيعة ودنية بشكل لم تكن تستطيع ان تقدم اية فلسفة لحياة جديدة منسجمة مع العصر الراهن. ولم يكن شعور الجمهور العام بالعزلة والاستبداد والضيق نتيجة لتطبيق قواعد دينية من قبل سلطة مجسدة لسلطة الهية, لكن بالعكس من ذلك بسبب فقدان مثل هذا التطبيق الذي انعكس في تحلل الادارة والسلطة والجيش والمسؤولية وسيادة التجارة والمنفعة الفردية والسرقة والتبذير السلطاني والتهتك حتى في الاوساط الدينية العليا, كما وصفها رجال ذلك العصر.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“هنا نجد اساس المشكلة الطائفية. فالطائفية ليست الدين ولا التدين. وانما هي بعكس ذلك تماما اخضاع الدين لمصالح السياسة الدنيا, سياسة حب البقاء والمصلحة الذاتية والتطور على حساب الجماعات الاخرى.
ومن الجدير بالذكر ان اكثر الناس عداء للصهيونية التي هي الطائفية المدفوعة الى حدودها القصوى كانوا وما زالوا من المتدينين اليهود الفعليين الذين رفضوا الدخول في السياسة الدنيوية. بينما اكثر الناس صهيونية هم الصهيونيون المتدينون الذين ينطوي شعورهم على نبع لا ينضب من العداء للأديان الاخرى ومن الانغلاق على الذات ورفض الاعتراف بالتاميز للآخرين.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“وبهذا كانت الذاتية الثقافية تتحول الى رموز شكلية وودائع يثير المساس بها او تغييرها هيجانات سريعة وردود افعال عنيفة. واصبح هذا التمسك الشكلي المبالغ فيه بالذاتية يعكس في الواقع العجز عن تطوير ثقافتهم الخاصة وقيمهم واغنائها. وكان ذلك يخيف المصلحين منهم ويدفعهم الى التمسك بالشكليات. وهكذا اضاعت الهوية الذاتية ايضا جوهرها وحركتها الداخلية المؤدية الى الوطنية والعصبية. اصبحت الذاتية واهية كالزينة التي تخفي تحتها الفراغ الكامل.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“من هنا العجز عن الانقال الى دولة حديثة بالمعنى الغربي. فقد بقيت الدولة الحديثة سلطة مضافة الى الامة , لا دولة الامة. وغالبا ما اصبحت الوحش الذي يفترس الحريات الفكرية والسياسية وينهب اقتصاد الامة, اي يفترس حرية الافراد وينهب اقتصاد الجماعات. وليس للشكل السياسي السائد هنا اية قيمة جوهرية. فحتى عندما كانت هذه الدولة برلمانية على الطريقة اللبنانية لم تكن تشكل على الاطلاق اطارا جماعيا بالمعنى الايجابي للكلمة. ولم تكن قادرة على بناء الاطار الفكري والسياسي والاداري الذي يوحد الجماعة ويبني اجماعا قوميا, وانما بقيت تعني نفي كل وجود فعلي للدولة واحلال التسوية القبلية بين عصبويات محل الحلول الوطنية.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“كان وراء المسلمين تاريخ ما زال حيا في الاذهان شديد الاختلاف عن التاريخ الحديث الغربي الذي دخلوا فيه دون ايه فكرة سابقة او معرفة بقوانينه ووقائعه ومسائله الاساسية. وفي الوقت الذي كانوا يؤكدون فيه على هويتهم الاسلامية لخوض الصراع ضد الاجنبي كانوا ينكرونها في الممارسة العملية ويفقدون الثقة بها ويعظمون في سرهم منجزات وثقافات وذاتيات الشعوب الغربية المسيطرة.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“وقد تم ولا شك ابعاد الدين عن السلطة لدى تكوين الدول العربية التي تبنت بشكل عام والى حد كبير المبادئ والقوانين الوضعية الا فيما يتعلق بالحقوق الشخصية. لكن بقدر ما عجزت الفكرة القومية عن انشاء ذاتية ووعي جديدين دهريين جماعيين جاء هذا الابعاد بنتيجة معاكسة هي تعميق دور الدين في السياسة ولان عدم المساواة زاد ولم يتراجع, ولان الظلم والاستبداد تعاظم ولم يندثر, ولان الثقافة الحديثة رفعت الى السلطة فئة قليلة وجديدة وابعدت الى الهامش كل الجماعات الاخرى, اخذت السياسة الوضعية ذاتها تستنفر الدين وتعتمد عليه. لم يعد الدين هو السياسة التي تطلب العدل والاعتدال والتسامح والاخوة, ولكن السياسة التي اخذت تتغذى بالنزاع والصراع هي التي بدأت تستخدم الدين وتؤسس للآلية الطائفية.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“الوقائع لا تطابق دائماً الاستنتاج المنطقي”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“تحقيق الهوية لا يمكن ان يتم الا اذا وجدت ثقافة قابلة لان تكون قاعدة لاجماع عقلي وهذا يتطلب سياسة ثقافية تملك وسائل تحقيقها المادية والمعنوية. وهو لا يمكن ان ينجح بفرض ثقافة عليا مهما كانت عقلانيتها او علمانيتها. وكذلك فيما يتعلق بالسلطة المركزية فالاشتراك السياسي وتعميم المساهمة في اتخاذ القرارات التي تخص مصير الجماعة لا يمكن ان يتطور الا اذا توفرت الوسائل المادية والفنية والمعنوية لتحقيقها, وليست الديمقراطية اليونانية المبنية على الاقتراع العام الا الاشكال التاريخية التي عبرت من مرحلة من المراحل عن تطور نوع من المشاركة السياسية الشعبية الرامية الى بناء سلطة مركزية مشروعة, واغلب الظن لن يكون من الممكن تقليدها مرة ثانية, اذ من شأنها في كثير من الحالات ان تنتج عكس ما كانت مكرسة لانتاجه: اي ان تغلق الباب امام امكانية المشاركة الشعبية. وقد رأينا ذلك في الديمقراطيات التي بدل ان تحطم العلاقات العصبوية كرستها وسدت النظام السياسي امام القوى الاجتماعية المختلفة او الناشئة.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“للثقافة العليا وظيفة اساسية هي تحقيق شرعية السلطة. وهذه الشرعية تستند الى الاجماع الذي يشرطه الانخراط الطوعي للاغلبية في لائحة قيم مشتركة. وهذا الاجماع ضروري لبروز سلطة اغلبية. فاذا فقدت الثقافة العليا الشمولية والقومية التي تتجاوز التمايزات الثقافية, فقد الاجماع ولم يبق للسلطة اي اساس تقوم عليه الا بميزان القوى والغلبة. وفقد التطابق من ثم بين الثقافة والسلطة وفقدت الطبقة السائدة او النخبة السائدة وحدتها.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“ليس المقصود وليس الحتمي ان تسير جميع المجتمعات الغربية ابدا. ولا تبدأ المشكلة الا عندما نعتقد ان هناك خطا واحدا للتاريخ يسير بالجماعات من العبودية الى الاقطاع الى الرأسمالية الى العقلانية الى الحرية والى الديمقراطية والقومية, ونفرض على انفسنا خطط المسيرة الاوروبية ذاتها فنفشل حتما ليس فقط في الوصول اليها ولكن ايضا في الوصول الى اجماع قومي والى وحدة قومية من اي نوع كان.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“وهذا الانشقاق في الوعي السياسي الاسلامي هو الذي ادى الى تحويل الحقبة الراشدية الى حقبة مثالية, لم تحتفظ بتأثيرها العميق في الذهن الا لانها اصبحت رمزا مثاليا يتعارض مع الواقع المعاش ويعكس الطموح الميتافيزيقي الى الوحدة الضائعة للدين والدنيا.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“فكرة ارتباط الدين بالدولة الشديد العمق في الوعي الشعبي الاسلامي دون شك قد تبخر منذ فترة طويلة بعد زوال الخلافة ونشوء الصراعات السياسية والدينية المختلفة وظهور السلاطين والسلطنات. وقد حاول الكثير من المفكرين المسلمين القدماء ان يفرقوا بين الخلافة والسلطنة على اساس استلهام الاولى لشريعتها في تطبيقها للشريعة الاسلامية, بينما لا تقوم شرعية الثانية الا على مبدأ الغلبة والقوة. وقد اعترف الكثيرون منهم, في سبيل حماية الملة اي الامة وصيانة وحدتها بضرورة التوصية باطاعة السلطان حتى لو لم يكن متمسكا بالشريعة ومطبقا لها.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“وقد خلق هذا الوضع نوعا من الانسداد في الوعي العربي الاسلامي الذي يرفض تطوير القديم خوفا عليه, ويقف حائرا امام المعطى الاجنبي الذي يخاف منه. ومن هذا الانسداد سيتغذى التعصب بالمعنى السلبي للكلمة, اي معارضة الآخر بالرفض المحض والسلبية واستخدام الهيجان مكان التأمل والتفكير والحوار الذي ميز العقود الاولى لليقظة. هذا التعصيب الفكري هو اليوم صفة مميزة للانسداد العقلي.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“في الوقت نفسه الذي كانت تتمسك في الجماعات الاسلامية بالدين للدفاع عن نفسها وتعبئة صفوفها ضد التسلط الاجنبي كان يدخل في الوعي الاسلامي شيئا فشيئا, وتحت تأثير الهزائم المتواصلة, الشعور بالضعف والعجز وعدم الثقة بالذات. وشعور المستضعفين هذا على الساحة الدولية يعادل شعور المستضعفين من الاقليات على الساحة المحلية. ويزيد من هذا الشعور تعقيدا ذكريات الامجاد الاسلامية التليدة التي كانت ترجع دائما في الثقافة الاسلامية الى التمسك بالدين وبالعودة الى النص القرآني لرأب الصدع وتحقيق الوحدة والاستقرار.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“وهكذا ايضا تم الاغتراب الذاتي لدى الجماعة الدينية والدهرية معا. فقد ظهرت الدولة الدهرية في نظر المسلمين وسيلة لفرض سلطة متهاونة مع الاجنبي ومتعاملة معه. بينما ظهر استمرار اشتغال السياسة الاسلامية بالدين في نظر الدهريين كرفض للاتفاق القومي وكتهديد للدولة القومية الحديثة.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“في النظام القديم كان تناوب الشيعية والسنية, والمعتزلية والاشعرية, ثم الضغط الدائم للمذاهب الصوفية الشعبية وللحركات الباطنية يعكس حيوية النظام السياسي الاسلامي باكثر مما يعكس القمع والتعصب الدينيين. ولم يكف هذا النظام عن عكس الحركة الداخلية السياسية الا مع الانتصار النهائي للسنية العثمانية في معظم الاقطار الاسلامية والعربية. لكن هذا الانتصار لم يستطع مع ذلك ان يختم سلسلة النضال الداخلي الا لأن الإسلام كدولة وحضارة كان قد بدأ يتراجع.
عندئذ بدأت حركة الانغلاق الذاتي والفكري. وهذا هو الامر الذي قاد فيما بعد الى انفجار الدولة العثمانية التي عجزت في نهاية القرن الثامن عشر عن ان تبث في النظام السياسي الحيوية التي كان بحاجة اليها.
وفي كل مرة كان ينتصر فيها احد الاتجاهات كان يفرض على الاتجاه المعارض تسوية تضعه في موضع الاقلية المشروعة. ولم تكن المعارضة مقبولة اذن الا ضمن نطاق الارض المنزوعة السلاح للمجتمع المدني, وفي حدود استبعادها من السلطة.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“ليس هناك في الواقع دولة دينية وان وجدت سلطة دينية. الدولة هي دائما زمنية اي مؤسسة اجتماعية تأخذ شرعيتها من قدرتها على تجاوز النزاعات التي يزخر بها المجتمع المدني. والدولة الدينية بالمعنى الحرفي للكلمة, اي التي تخضع لسلطة دينية مباشرة, تعكس مرحلة ازمة اجتماعية وقومية وتظل دولة انتقالية بدون شرعية كدول القرون الوسطة الاوربية.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“تتطلب المشاركة الفعلية في السلطة رفض فكرة التماثل الثقافي الذي يقود بالضرورة الى تدمير قاعدة الديمقراطية. كما تتطلب ايضا رفض فكرة التماثل السياسي الذي يعني مصادرة المصالح المتميزة للجماعة واذابتها في مصلحة واحدة وهمية يعكسها تنظيم مصطنع واحد. وهذا لا يعني ان ليس هناك اليوم وسيلة للاجماع القومي الا بعقيدة دينية جامعة او بتمثيلية ليبرالية غريبة, ولكن المهم في الموضوع هو امكانية وصول الجماعة الى اجماع قومي يحفظ مساهمة كل الافراد في بناء السلطة المركزية التي سيخضعون لها.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“في حالة غياب الثقافة العليا المقنعة اي التي يتنازل من اجل القيم العليا التي تحملها جميع الافراد عن ثقافاتهم الدنيا, نرى ان العصبوية القائمة قادرة على قتل كل ديمقراطية شكلية وافراغها من محتواها. وفي حالة غياب دولة مركزية تعكس مصالح عليا تتجاوز مصالح عصبية محددة, نرى ان الاجماع الثقافي نفسه يزول لتنشأ ثقافات عصبوية محلية شديدة الانغلاق. وفي الحالتين تكون الاستبدادية هي المخرج الطبيعي للمجتمع. عندئذ يصبح تحقيق المواطنية لكل فرد مرهونا بتحقيق نوع من التوحد مع عصبته. وكثيرا ما تستند الدولة في هذه الظروف, من اجل تدعيم نفسها الى تشجيع ظاهرة المطابقة الثقافية هذه كي تعوض الاجماع الثقافي المصطنع والشكلي الاجماع السياسي المفقود. والعكس صحيح اذ يمكن للدولة التي تفتقر الى اجماع ثقافي ان تجد في السلطة الاستبدادية صورة مصطنعة للاجماع القومي.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“مع تدهور وضع الثقافة الاسلامية كثقافة سلطة منذ بداية العصر الحديث بسبب نشوء الثقافة الغربية الحديثة والقيم الجديدة الكونية والادارية التي اتت بها وتبنتها النخبة الاجتماعية الحالية, بدأت الثقافات الدنيا التي بقيت خاضعة للثقافة العليا الاسلامية بالانبعاث. ومنها الثقافات الاقوامية القديمة العربية والفارسية والمصرية والكردية الى غير ذلك من الثقافات التي بقيت متمفصلة مع الثقافة العليا الاسلامية.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“الجماعة تتكون من قوى اجتماعية وسياسية وثقافية متعددة ومتعارضة بالضرورة والا لما كان هناك حاجة لا للسياسة ولا الثقافة. وبقدر ما تستطيع الجماعة ان تجد حلولا للتناقضات التي تختمر في حجرها, تستطيع ان تقيم وحدتها السياسية والثقافية. لكن هذه الحلول ليست متماثلة دائما. فيمكن لوحدة الجماعة ان تستند الى غلبة فئة على الفئات الاخرى. واكثر الاشكال تجسيدا لذلك هو الحكم الاجنبي. وآلية الاستعمار الاجنبي والاستعمار الداخلي واحدة في الحقيقة. الا ان هذه الوحدة المفروضة بالغلبة لا تستطيع ان تقاوم المعارضة الداخلية الى ما لا نهاية, واذا حدث ونجحت في مقاومتها هذه فرضت على الجماعة التقهقر الكامل والفناء. والجماعة التي تستطيع ان تقيم وحدتها على اجماع قومي يعكس قبول الاغلبية للسلطة القائمة وانتمائها الطوعي للقيم الثقافية السائدة هي التي تتحول الى امة, حيث تتوثق وتتعمق روابط الجماعة السياسية والثقافية ويتغلب عامل التضامن والتكاتف الداخلي على عامل التفرقة والانقسام والمواجهة. وجوهر هذا الاجماع ثقافيا كان ام سياسيا هو اشراك الاغلبية في السلطة, اي في صياغة القرارات التي تتعلق بمصلحة الجماعة ككل. ويزول الاجماع بزوال المشاركة وبظهور الاستبعاد الثقافي او السياسي. ونوع هذا الاستبعاد للفئات المكونة للجماعة هو الذي يحدد شكل الاستبعاد القائم.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“يغطي مفهوم الامة الخلط بين الاجماع القومي الحقيقي وبين الوحدة الاصطناعية المفروضة بالقوة ويجعل من المستحيل فهم تطور الامم والحضارات. وهو مفهوم ايديولوجي. اما المفهوم الاصيل فهو مفهوم الجماعة. ودراسة وتحليل تطور علاقات الجماعة الداخلية من جهة ونشوء الدولة والمجتمع المدني منها من جهة اخرى هي التي تستطيع ان تظهر كيف تتحول الجماعة الى امة او تبقى مجموعة من العصبويات المتجاورة والمتعادية.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“بقدر ما خلقت الدولة الحديثة الجنسية اغلبية اجتماعية مستبعدة من السلطة, دفعت هذه الاغلبية الى البحث عن وحدتها خارج الدولة الحديثة, اي في الدين. ولاول مرة في التاريخ تظهر اليوم امكانية نشوء دولة جنسية (قومية) اسلامية. اول مرة لان الدولة الاسلامية القديمة كانت في الواقع دولة امبراطورية تجمع مختلف الاجناس وكان الاجماع الديني وسيلة لتحقيق اجماع سياسي, اما الآن فان الاجماع السياسي ووحدة فئات وطبقات الامة هو الذي يفرض نفسه كقاعدة للاجماع الديني, اي لتحقيق الهوية الثقافية وصيانتها. الشرعية الحقيقية الاساسية لهذه الدولة هي اذن في معاداتها للتغريب وللنفوذ الاجنبي وضياع الهوية, وهذا ما يجعلها تفقد القدرة على بناء هوية جديدة, اي واقعة اجتماعية جديدة لا يمكن تحقيقها الا في اخضاع الماهية للوجود, وبلورة اجماع سياسي. وما دام من غير الممكن الوصول الى هذا الاجماع فان اثارة مسألة الاقليات الدينية لا بد وان تتدعم بمسألة الاقليات الاقوامية ايضا. ان ما سيميز المرحلة القادمة هو فقدان الاجماع الثقافي والسياسي معا, وهذا يعني قدوم مرحلة من الصراع الاجتماعي والثقافي والسياسي العنيف والدائم حتى تخرج الى الوجود حقيقة جديدة: نمط جديد لتنظيم العلاقات الاجتماعية ولتوزيع الثروة.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“لكن هذه المطابقة الثقافية التي تتولد كمسعى لتحقيق اجماع قومي من نمط ثقافي ليست الاجماع الديني الذي كانت تعرفه الدولة التقليدية .. فالمطابقة لا تحدث الا في اطار الدولة الحديثة كعملية اعادة تثمير سياسي للاجماع الديني الماضي. لان نشوؤ الدولة الحديثة يحطم اساسا قاعدة الاجماع القومي الثقافي القائم على استقلالية المجتمع المدني وهامشية الدولة. لذلك تجعل المطابقة التعصب بينما يقوم الاجماع الديني على وجود اغلبية اجتماعية ثقافية, ويقبل الاختلاف والاجتهاد ويرفض التماثل والسديمية. وهو اجماع قابل للتغير والتبدل مع تغير الظروف. ولا ينكص الدين الى حالة تعصبية الا عندما يؤدي التطور الاقتصادي والتفاوت الشديد بين الطبقات الى تحطيم وحدة العقيدة والتهديد بفقدان القدرة على انجاب اجماع قومي ثقافي. عندئد يغلق الاجتهاد وتحاول الجماعة ان تحفظ مظاهر الاجماع دون ان تصل الى تحقيقه فعلا. وعند ذلك تبدأ حقبة الاستبداد الحقيقي وتظهر امكانية تكوين سلطة مطلقة وفردية خارجة عن رقابة الجماعة والعلماء معا.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“ان الدولة (او المجتمع السياسي) لا تصبح ضرورية كعملية خلق للسلطة المجردة العليا الا لان التناقضات التي خلقها الثقافة والمصالح الاقتصادية المتعارضة في داخل المجتمع المدني, لا يمكن ان تجد حلها الا خارج هذا المجتمع, وفي اطار يخضع لقوانين اخرى هي قوانين الوحدة والائتلاف. فالسياسة تجنح الى المركزة والتجريد في حين ان الثقافة والاقتصاد يجنحان الى البعثرة والتنويع والتعارض. اما عندما تسود المجتمع المدني وحدة سديمية ثقافية واقتصادية تعكس التجانس العقلي المطلق بين الافراد, وظروف العمل والمعيشة المتماثلة ايضا, فلن يكون هناك حاجة للدولة او للسياسة. وهذا يمكن ان يحصل كفرضية نظرية في مجتمع كفاف مطلق.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“نستطيع ان نقول اكثر من ذلك ان الدولة - الامة اي الدولة القومية فعلا لا يمكن ان تقوم الا اذا كانت دولة تبني شرعيتها على تحقيقها للمطابقة والتماثل الثقافيين للجنس او للعرق. بل على دعوة اجتماعية قابلة للتحقيق ولتقديم الحلول والوسائل الكفيلة بتنظيم الحياة الاجتماعية وتقدم الجماعة. والدولة القومية التي تربط شرعيتها وتقدم شعبها بمجرد كونها مطابقة في حدودها لحدود التجانس الثقافي او العرقي, تلغي اسس شرعيتها كدولة, اي كمؤسسة سياسية تتجاوز التمايزات الثقافية والجنسية في المجتمع المدني, ولا تقوم الا بهذا التجاوز. والدولة التي تفترض نفسها الانعكاس المباشر للجماعة. او للمجتمع المدني, هي بالضبط الدولة التي تغطي فشلها السياسي بانغلاقها الثقافي, اي تغطي عجزها عن ان تكون سلطة فوق المجتمع المدني بتسمية نفسها دولة الشعب, وبالانخراط في المجتمع المدني نفسه وفي تناقضاته. وذلك بدل الارتفاع الى المستوى الذي يسمح بحل هذه التناقضات وتسويتها.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“تفترض الدولة القومية ان للجماعة ذات الثقافة المتميزة روحا خاصة عميقة تموت ان لم تجد تعبيرها السياسي المستقل. وقد كان هذا رد فعل طبيعي ضد الاستبداد الذي اخذت تفرزه الامبراطوريات ذاتها. ونريد هنا ان نميز بين مفهومين للأمة غالبا ما يثير الخلط بينهما التشويش السياسي.
المفهوم الاول هو الذي يربط بين الجماعة الثقافية والجنسية المتميزة وبين قيام دولة مرتبطة بها جغرافيا, اما المفهوم الآخر الثاني فيقصد بالدولة القومية الدولة التي تعبر عن مصالح الجماعة او الجماعات التي تتكون منها, فتكون الدولة القومية عندما لا تمثل احتكار فئة اجتماعية للسلطة ضد الفئات الاخرى.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“انحلال العلاقات التفليدية للعصبية اذا لم يسنده ظهور عصبية جديدة اعلى او اسمى تعطي للفرد المنفصل عن الاسرة او العشيرة او الطائفة شعورا بالحماية والامن والمساواة, يظهر كما لو انه تخل عن الذات وتشريد واستلاب وضياع محض. فالفرد بحاجة الى اطر اجتماعية تستطيع ان تستوعب حاجاته ومشاعره وتقدم له بين افراد الجماعة وضعية يرضى عنها ومعايير يقيس ذاته بها ووسائل تتيح له تحقيق هذه الذات وتنميتها, فهذا التحقيق لا يمكن ان يكون الا جماعيا.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“لا بد من التخلي عن الاعتقاد السائد الذي يرجع الطائفية الى التمايز الثقافي او الديني الموجود في مجتمع من المجتمعات. فهذا التمايز الذي يوجد في كل البلدان يمكن ان يكون اساسا للغنى الثقافي والانصهار كما يمكن ان يكون وسيللة للتفتت. واذا بقينا على هذا الاعتقاد السائد اضطررنا الى البحث عن حلول للمشكلة على المستوى الثقافي وحده وهنا لن تجد اي مخرج على الاطلاق.
فالطائفة الاكبر تميل الى الاعتقاد ان تصفية التميزات الثقافية هو شرط الوصول الى اجماع يخلق الوحدة والانصهار. وتكمن وراء ذلك فكرة ان فقدان الاجماع السياسي مصدره غياب اجماع فكري او ديني بينما العكس تماما هو الصحيح. والبعض يمكن ان يفكر ان هذا وحده يمكن ان يساعدنا على ان ننتقل من الصراع الطائفي الى الصراع الطبقي ويفتح من ثم طريق التغيير والتحول والتقدم. اما الطوائف الصغرى فتميل ايضا, من نفس المنطلق الى تضخيم مشكلة التمايز الثقافي وتأكيدها لتحويلها الى مشكلة هوية شبه قومية مصغرة واداة سياسية وتعويض عن السلطة الفقودة كفردوس. وهذا يعكس في الحقيقة ميل الصراع الاجتماعي في مثل هذا المجتمع بشكل عام الى ان يحافظ على شكله كصراع عصبوي ودائري.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
“الطائفية هي التعبير السياسي عن المجتمع العصبوي الذي يعاني من نقص الاندماج الذاتي والانصهار, حيث تعيش الجماعات المختلفة بجوار بعضها البعض لكنها تظل ضعيفة التبادل والتواصل فيما بينها. وهي تشكل الى حد ما الطريقة الخاصة بالتواصل الذي هو في ذاته نوع من التواصل الصراعي, في هذا المجتمع المتحلل والفاقد ليس فقط للصعيد الموحد السياسي او الاديولوجي او الاقتصادي ولكن ايضا لكل اجماع على اي مستوى من مستويات البنية الاجتماعية.”
برهان غليون, المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات

« previous 1