يحيى حقي > Quotes > Quote > MeNna liked it

يحيى حقي
“انتهى زمن الصبر والتطلع والتدين..كان هذا في زمان مضى..عندما كان في حجر الفلاح حفنة من بذور ميتة كالحصا (ولو أن يده لا تقع على حبة منها إلا وارتسمت في ذهنه شجرة تكاد تسقط للأرض من ثقل حملها ) ...بين البذرة والشجرة شوط طويل، كثير العراقيل، فالقطن ذو آفة، ملعون، يدفن الفلاح البذرة وقلبه وجل : هل تنبت أم تتعفن وتموت ومرجع هذا ليس إليه بل إلى الله ..يقف بين يديه خاشعا ..كله رضا ..قناعته لا تحد ..لا يطلب -الآن- إلا شيئا واحدا، أن يهبها الله من نفحاته حياة تجنبها شر ظلمات الأرض وتريها النور.
ويخرج منها بصيص أخضر، ساق هش مترف، تتعلق به ورقتان رقيقتان ، يحمد الفلاح ربه، ويرمق النبت مشفقا، لو حل الصقيع ذوى في طفولته، أو هبت الريح ارتمى صريعا، قد يورق وقد يذبل، لله مرة ثانية التفاته ودعاؤه، يارب .وكله تضرع..دوام نعمتك على عبدك الحامد الشاكر، أمله وثقته في رحمتك..لو باركت للعود الرقيق فاستغلظ واشتد ! يصبح الساق اللين عودا صلبا، وتنتشر حوله الأوراق، فهذا وقت شبابه، تتفتح له أزهار كالكئوس ويضوع شذاها ..ولكن ما تفعل قوة الشباب أمام الآفة المهلكة ؟ كم من شجرة في عز بهائها صوحت وظلت وسط الغيط كالكسيح المقعد ؟ يا إله العالمين-وكله استكانة- هذا صنع يديك فاحرسه ..من فيض كرمك مده بالنماء ومر اللوز ينبثق ..
إذا تحقق رجاؤه نسي الفلاح الشجرة وقصر اهتمامه على ثمارها ..هل تتفتح أم يغيض ماؤها وتحمر ؟ إلى الله من جديد ..يا مولاي وكله عبادة هذه المرة أيضا أنا بين يديك !
وهكذا دورا بعد دور كأن الله عنده أحد الحكام يستطيع أن يمكر عليه ويستدرجه خطوة خطوة إلى تنفيذ أغراضه فهو ما يكاد المحصول يتجسم حتى ينسى خشوعه وخضوعه ..لا يقف جشعه عند حد ..لا يكفيه من الماء إلا ما تخوض فيه ساقاه ولا تمتلئ عينه لا يهمه أضر زرعه أم أفاده ..عينه ليست على الله ومعونته بل على أسعار البورصة وأخبارها ..”
يحيى حقي , أم العواجز

No comments have been added yet.