Memories of My Melancholy Whores Memories of My Melancholy Whores discussion


16 views
رصانة العُهر

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

عمر أحمد القشوطي الرواية الأولى التي أقرأها لماركيز: (ذاكرة غانياتي الحزينات)..
بهذا العنوان بدأت في قراءة أول رواية في أعمال جابو كما يُسميه أصدقاءه.. وبتقدير الله هي آخر رواية كتبها... ليس لهذا سبب سوى أنني أتدرج في قراءة الملفات من الأقل حجماً..

هي جذابة في بدايتها.. تحكي قصة رجل مُسن وحيد لم يعرف الحب في حياته قط، يعمل صحفياً ومصحح برقيات في جريدة.. يكتب مذكراته مع غانياته أو عاهراته.. بحجة أنه ليس في حياته ما يستدعي الكتابة.. فيقرر الكتابة عنهن لأن لديه عنهن ما يستدعي الكتابة..

التشويق قائم، واللغة سهلة، والأسلوب جذاب..

يكتبها بضمير المُتكلم.. تعمد البساطة، لأن مَن يكتب قصته مجرد صحفي، غير موهوب روائياً، وغير خبير بطرق التأليف الدرامي..

لم يتطرق لأسلوبه المعروف (الواقعية السحرية أو العجائبية)

خلال الحكي يتطرق لسنين حياته، ويسوق تعاملاته مع السن وملاحظاته عليه وأعراضه معه، ويتعرض لمراحل عمره وحيداً، وغالباً ما يصفه بحياة ضائعة.. ثم يُخصص السرد ليكون مُسلطاً على حبيبته ديلغادينا، ودورانه حول فلكها..

حس التفاصيل لديه عالي جداً، هذه أهم ميزة في أعمال جابو على الأقل التي قرأتها حتى الآن...

يستغل أحياناً فاعل الزهيمر عند البطل باستعمال أسلوبه في الواقعية السحرية، ولكن بشكل خفيف جداً..

بالطبع تطرق لوصف مشاهد مواقف جنسية مثيرة.. الأمر الذي جعلني أُحدد نوع ما سأُلاقيه خلال أحداث الرواية أثناء حديثه عن عاهراته...!
اقتحم عالم المواخير ومهن الرزيلة بكل تفاصيله، وعرض عنهن معلومات وافية، في رأيي أنها لن تنفع غير فاسدي الأخلاق فحسب، فضلاً عن غير مناسبتها لدول إسلامية تحافظ على قيمها الأدبية.. الأمر الذي ذكرني برواية عمارة يعقوبيان وأسلوب صاحبها في أعماله عموماً.. الذي يتناول فيها عالم الجنس والخمر بتفاصيله المُقززة..
لكن للحق الرواية ليست مثل الروايات العربية أو المصرية، ليست مبتذلة، وليست منكبة على الجنس بعكس البطل نفسه في أوان شبابه، لديه آراء شاملة في كل شيء، يُضفي لمسته الإنسانية وانطباعاته على حياته ولقاءاته واحتكاكاته بالناس، كما أنه متأثر بالطبيعة وتغيرات الأجواء، ولديه حس عالي بالفن الموسيقي والتشكيلي والثقافي.. وثقافة عالية بالحب...
لا بأس بالرواية، من حيث وصف الجنس، إنها جرعات رصينة، بأوصاف غير مُبالغ فيها، وغير مُغرقة بأوصاف الجنس.. بعكس ما قرأته في عمارة يعقوبيان مثلاً...
بالطبع لستُ موافقاً على إدراج الجنس عموماً في الأعمال الأدبية، إلا بأسلوب عفيف رصين، يختار أحشم الألفاظ وأقلها إثارة للغريزة الحيوانية للإنسان..
لكن هذا واقع مقبول نوعاً من جهة كاتب غير مسلم، وليس عربي، وليس شرقياً أصلاً.. إنما هكذا هو طبع الروائيين الأوروبيين، وهكذا هي الحياة الأوروبية في رصانة رذائلها وفُحشها..

في رأيي هي رواية إنسانية رومانسية مزودة بالجنس لتتناسب والموضوع..

بالمناسبة حثتني الرواية على قراءة "الأمير الصغير" لـ أنطوان دو لسانت إكزوبري
وقد فهمت لماذا الأمير الصغير، بعد قراءتها، فهي رواية واقعية عجائبية تماماً.. وهو أسلوب جابو المميز والأثير.. ولا بد أن ما ذكره من أعمال أُخرى قرأها لفتاته ديلغادينا لها نفس الأسلوب.. فهو إن تخلى عن أسلوبه في الرواية ، إلا أنه يُلمح له ولو من بعيد، أو أنها جزء لا يتجزأ من اهتماماته كبطل، وكراوي للرواية، وككاتب لها...

الغريب والذي أعجبني شخصياً، أنه عندما لمح عن (ألف ليلة وليلة) نوه أنها في "طبعة مهذبة للأطفال"، فمن المعلوم أن النسخة الأصلية لها مفعمة بالألفاظ والمشاهد الجنسية الصريحة.. وكأنما أراد أن يُحافظ على طفولة وبراءة الطفلة، بألا يعرض عليها أسلوباً جنسياً صريحاً ولا يخدش حياءها.. وهو أمر غريب لأنه نفسه تعرض في السرد لمشاهد جنسية، وربما ألفاظ جنسية في لغة الرواية الأصلية المكتوبة... لكنها برغم ذلك لمحة إنسانية وأخلاقية تُقدر، وهو يريد أن يُوصل رسالة إنسانية وأخلاقية عميقة بأن الطفولة لا يجب أن تُدنس، برغم أنها مُدنسة أصلاً !!!

إنما يدعو الأمر للنظر.. رجل قضى حياته التسعين أعذباً، لم يقم بفاحشته مع عاهرة واحدة محترفة، على كثرتهم، بل إن كل عاهرة منهم باعترافه كانت عذراء بِكر، لم يمسها أحد، وهو صارم في هذا الشرط تماماً، كأنه لا يُحب أن يأكل طعاماً أكل منه غيه، وتلك صفة كبرياء شرقية صميمة، تحلى بها البطل..
إلا أننا لا يُمكن أن نتغاضى عن أنه أيضاً اقتحم بكارة كل امرأة ضاجعها، واغتصب طفولتهم وعُذريتهم، وتمتع ببراءتهم، وقتلها في ذات الوقت بنفسه..
أي شخصية مريضة تلك ؟.. الاستحواذ على بكارة وبراءة البنات!!.. لا أدري لماذا يُذكرني بالقاتل التسلسلي المريض، الذي يتلاعب بضحيته قبل أن يقتلها في النهاية..

في سن التسعين تزايدت رغبته المريضة في الاستمتاع ببراءة الطفلة ديلغادينا، حتى أنه لم يُفقدها عُذريتها أبداً مُحافظاً على لذة مُداعبة براءتها لأقصى وقت ممكن..
وبتصور خبير تُدعمه الأدلة أو وهم الغِيرة، نال عقابه الكبير على كل مَا فعله مع عاهراته، بأنه أول مَن أزال بكراتهم وبراءتهم، أُزيلت بكارة وبراءة ديلغادينا العاهرة الوحيدة التي أحبها، بشخص غيره!!..
لكنه لا يهتم كثيراً بعد ذلك، لأنه في الحقيقة قضى كل حياته بين العاهرات، فلماذا يعترض الآن ؟!.. لقد أحب عاهرة طفلة أخيراً بعد أن قابل منهن الكثير الكثير اللاتي لم يكن لديه لهن أي مشاعر سوى نشوة الفاحشة والعياذ بالله..

لفت نظري اعتراضه على النظام بلمحات سياسية كل حين، يُطلقها في سرعة غير ملحوظة وبغموض وتلغيز..
(خرج المحرر القضائي من كبينته صارخاً بأن هناك جثتي فتاتين مجهولتي الهوية في المشرحة البلدية . سألته مذعورا: ما هي سنهما؟ فقال هو : إنهما شابتان . يمكن أن تكونا لاجئتين من المناطق الداخلية، طاردهما قتلة النظام إلى هنا.زفرت براحة . وقلت: الوضع يداهمنا بصمت مثل بقعة دم . فصرخ المحرر القضائي وقد صار بعيدًا:
- ليس مثل بقعة دم يا معلم، بل براز.)
(في أزمنة أفضل من هذه قدم لي المحافظ عرضاً مغرياً، لشراء كامل ما لدي من مؤلفات الكّتاب الكلاسيكيين الإغريقيين واللاتينيين والأسبان، من أجل مكتبة المقاطعة، ولكن قلبي لم
يطاوعني على بيعها. وفيما بعد مع التبدلات السياسية وتردي العالم، لم يعد هناك في الحكومة من يفكر في الفنون أو الآداب .)

الرواية تشبه إلى حد كبير عرض سيرة ذاتية، أو تعرض حالة شيخ في التسعين من عمره، لكنها خالية من الأحداث المُشوقة المتتابعة...
وعلى كل حال لو تحولت إلى فيلم فلن تكون مثيرة جداً أو مشوقة.. فجاذبية الرواية في نصها وسردها، وليس في مشاهدها وأحداثها...

الرواية صالحة لأن يختم بها كاتب نوبل الكولمبي حياته، لكن موضوعها هو فقط ما يجعلني أتحسر على تناوله له في آخر رواياته البديعة...
وفي النهاية أؤكد على كلامي، أنها رواية لا تليق ببلاد الإسلام ولا الشرق، وأجدها مُستبعدة (بسبب موضوعها) من القراءة لكتابات جابرييل جارسيا ماركيز العظيمة..


back to top