لو تمكنت البشرية يوماً من القضاء على وثن المال لربحت بذلك نصف المعركة مع وثن آخر يدعى القوة. إذ ليس من شك في أن للمال قوة قلما تدانيها أخرى في التعمير والتخريب، والبطش والتهويل، وبسط النفوذ على الآخرين.
وللقوة في شتى مظاهرها هيبة وسلطان على الناس يجعلان لها مقام المعبود في أوهامهم. جميلة هي القوة وقبيح هو نقيضها الضعف.
ولكنها ليست من الجمال في شيء – بل هي أقبح من الضعف – عندما نجعل منها وثناً نريق على قدميه الزكي والبريء من دمائنا.
والقوة واسطة إلى غاية لا غاية في ذاتها.
فإن جملت غايتها وسمت كانت القوة جميلة وسامية. وإن قبحت غايتها وسفلت كانت القوة قبيحة وسافلة.
وأنبل غايات القوة، في اعتقادي، تحرير الانسان من الخوف. لكنما الناس لا يعبدون القوة طمعاً بأن تحررهم من المخاوف. بل ليزرعوا بمعونتها الخوف في قلوب أعدائهم ومنافسيهم، وليبسطوا بذلك سلطانهم عليهم، وليتمجدوا في عيون أنفسهم وفي عيون الآخرين كأقوياء. فالقوة عندهم مجد وعز وسؤدد، سواء أكانت قوة عضل، أو قوة مال، أو قوة سلاح وسلطان.
أما قوة العضل فأبرز أوثانها في أيامنا هم الملاكمون. ومن بعدهم أولئك من رجال الرياضة البدنية بأنواعها الذين نطرح عليهم وشاح “البطولة”. أما تذكرون لكمةً جلبت لصاحبها مليوناً وبعض المليون من الدولارات، ما عدا أكاليل المجد والصيت العريض؟ وذلك من عهد قريب وفي بلاد تُعد في طليعة بلدان العالم حضارةً وازدهاراً.
إن عيني لتقر بمنظر ثور لامع الشعر، محبوك القوائم، متين القرنين. وإني لأفهم حق مثل ذلك الثور أن يعتز بشعره اللامع، وقوائمه المحبوكة، وقرنيه المتينين.
أما أن يعتز إنسان على إنسان بساعد مفتول، وكتف عريضة، ورقبة من حديد فأمر لا أراه لائقاً بالإنسان. وإلا فما فضل الإنسان على الثور، وأين الفرق بين الاثنين؟
أما قوة الدهاء فكفاها تشنيعاً أن تقوم في ما تقوم عليه، على المكر والنفاق والاحتيال. وإذ ذاك فكل ما تبديه من حذق وذكاء وسداد في الرأي ليس أكثر من نفاق تسرول بالصدق، واحتيال تقنع بقناع الفضيلة – فضيلة المنفعة الموهومة. والناس مع ذلك، يعبدون الدهاء ويمجدون الدهاة.
وأما قوة المال فقد سبق الكلام عنها ولا حاجة إلى زيادة.
وأما قوة السلاح فليس من ينكر جليل شأنها في أعين عُباد القوة من أبناء هذا الزمان. فكبار الأمم وصغارها لا تعلق حياتها على شيء بقدر ما تعلقها على قوة سلاحها. والأمة الأقوى سلاحاً هي الأكثر مهابة، والأنفذ كلمة، والأبعد تأثيراً في مجالس الأمم. وأمسنا القريب يشهد كيف كاد العالم بأسره يتحول إلى هيكل واحد تقام فيه عبادة دولة واحدة أوشك سلاحها أن يجتاح الأرض.
أما اليوم فعندنا بدل الهيكل الواحد هياكل عدة تقام في كل منها العبادة لسلاح هذه الدولة أو تلك من دول الأرض العظام. وذوو المآرب يغذون تلك العبادة بالشمع والزيت والبخور وبكل ما أوتوه من قوة الدهاء. وليس من إمام واحد يجرؤ أن يصرخ في العابدين:
“أيها الناس. ما هذا الذي تعبدون؟
أهو القوة؟ إذن أحر بكم أن تعبدوا الريح فهي أقوى من النسيم، والإعصار فهو أقوى من الريح، والزلزال فهو أقوى من غلإعصار. أحر بكم أن تعبدوا الذئب فهو أقوى من الحمل، والثعلب فهو أقوى من الدجاجة، والزنبور فهو أقوى من النحلة. بل أحر بكم أن تعبدوا بعوضة – تدمي مقلة الأسد -، ودودة تودي بسنديانة، وميكروباً يبطش بإنسان. أحر بكم أن تعبدوا الموت. فهو القاهر الذي ما قهرته قوة. وأما الإنسان الذي تتمثلون فيه كلكم والذي ما فتئ منذ أن كان يشنها حرباً شعواء على الكون لينتزع منه أسراره ويبسط عليه سلطانه، ولما ينهزم بعد.
أجل، أما ذلك الإنسان الذي هو بإيمانه أقوى من الموت، فما شأنكم منه!؟ وأي الإيمان هو إيمان الإنسان؟ إنه لأكثر من إيمان. إنه الثقة التي ما زحزحها الجهاد بآلامه وجراحه وكوارثه بل زادها قوة ورسوخاً بأن الإنسان لا بد بالغ يوماً مبتغاه.
ذلكم الإيمان هو قوة الإنسان، لا عضله ولا دهاؤه، ولا صحته ولا سلاحه. كل هذه عجاج لا غير تثيره المعركة. من عبدها فقد عبد العجاج. لئن لم يكن بد من عبادة القوة فاعبدوا إيمان الإنسان. فهو القوة التي ما انهزمت بعد من وجه القوة. أما أن تعبدوا الفرس دون فارسه، والسيف دون ضاربه، والملك دون مالكه فعار عليكم وأي عار. أنتم واحد في الجهاد، لا قبيلة ضد قبيلة، ولا بلاد ضد بلاد. فاعلموا ذلك واعملوا يداً واحدة وقلباً واحداً وإرادة واحدة. وإذ ذاك فالنصر معقود بلوائكم في النهاية من غير شك.”.
وللقوة في شتى مظاهرها هيبة وسلطان على الناس يجعلان لها مقام المعبود في أوهامهم. جميلة هي القوة وقبيح هو نقيضها الضعف.
ولكنها ليست من الجمال في شيء – بل هي أقبح من الضعف – عندما نجعل منها وثناً نريق على قدميه الزكي والبريء من دمائنا.
والقوة واسطة إلى غاية لا غاية في ذاتها.
فإن جملت غايتها وسمت كانت القوة جميلة وسامية. وإن قبحت غايتها وسفلت كانت القوة قبيحة وسافلة.
وأنبل غايات القوة، في اعتقادي، تحرير الانسان من الخوف. لكنما الناس لا يعبدون القوة طمعاً بأن تحررهم من المخاوف. بل ليزرعوا بمعونتها الخوف في قلوب أعدائهم ومنافسيهم، وليبسطوا بذلك سلطانهم عليهم، وليتمجدوا في عيون أنفسهم وفي عيون الآخرين كأقوياء. فالقوة عندهم مجد وعز وسؤدد، سواء أكانت قوة عضل، أو قوة مال، أو قوة سلاح وسلطان.
أما قوة العضل فأبرز أوثانها في أيامنا هم الملاكمون. ومن بعدهم أولئك من رجال الرياضة البدنية بأنواعها الذين نطرح عليهم وشاح “البطولة”. أما تذكرون لكمةً جلبت لصاحبها مليوناً وبعض المليون من الدولارات، ما عدا أكاليل المجد والصيت العريض؟ وذلك من عهد قريب وفي بلاد تُعد في طليعة بلدان العالم حضارةً وازدهاراً.
إن عيني لتقر بمنظر ثور لامع الشعر، محبوك القوائم، متين القرنين. وإني لأفهم حق مثل ذلك الثور أن يعتز بشعره اللامع، وقوائمه المحبوكة، وقرنيه المتينين.
أما أن يعتز إنسان على إنسان بساعد مفتول، وكتف عريضة، ورقبة من حديد فأمر لا أراه لائقاً بالإنسان. وإلا فما فضل الإنسان على الثور، وأين الفرق بين الاثنين؟
أما قوة الدهاء فكفاها تشنيعاً أن تقوم في ما تقوم عليه، على المكر والنفاق والاحتيال. وإذ ذاك فكل ما تبديه من حذق وذكاء وسداد في الرأي ليس أكثر من نفاق تسرول بالصدق، واحتيال تقنع بقناع الفضيلة – فضيلة المنفعة الموهومة. والناس مع ذلك، يعبدون الدهاء ويمجدون الدهاة.
وأما قوة المال فقد سبق الكلام عنها ولا حاجة إلى زيادة.
وأما قوة السلاح فليس من ينكر جليل شأنها في أعين عُباد القوة من أبناء هذا الزمان. فكبار الأمم وصغارها لا تعلق حياتها على شيء بقدر ما تعلقها على قوة سلاحها. والأمة الأقوى سلاحاً هي الأكثر مهابة، والأنفذ كلمة، والأبعد تأثيراً في مجالس الأمم. وأمسنا القريب يشهد كيف كاد العالم بأسره يتحول إلى هيكل واحد تقام فيه عبادة دولة واحدة أوشك سلاحها أن يجتاح الأرض.
أما اليوم فعندنا بدل الهيكل الواحد هياكل عدة تقام في كل منها العبادة لسلاح هذه الدولة أو تلك من دول الأرض العظام. وذوو المآرب يغذون تلك العبادة بالشمع والزيت والبخور وبكل ما أوتوه من قوة الدهاء. وليس من إمام واحد يجرؤ أن يصرخ في العابدين:
“أيها الناس. ما هذا الذي تعبدون؟
أهو القوة؟ إذن أحر بكم أن تعبدوا الريح فهي أقوى من النسيم، والإعصار فهو أقوى من الريح، والزلزال فهو أقوى من غلإعصار. أحر بكم أن تعبدوا الذئب فهو أقوى من الحمل، والثعلب فهو أقوى من الدجاجة، والزنبور فهو أقوى من النحلة. بل أحر بكم أن تعبدوا بعوضة – تدمي مقلة الأسد -، ودودة تودي بسنديانة، وميكروباً يبطش بإنسان. أحر بكم أن تعبدوا الموت. فهو القاهر الذي ما قهرته قوة. وأما الإنسان الذي تتمثلون فيه كلكم والذي ما فتئ منذ أن كان يشنها حرباً شعواء على الكون لينتزع منه أسراره ويبسط عليه سلطانه، ولما ينهزم بعد.
أجل، أما ذلك الإنسان الذي هو بإيمانه أقوى من الموت، فما شأنكم منه!؟ وأي الإيمان هو إيمان الإنسان؟ إنه لأكثر من إيمان. إنه الثقة التي ما زحزحها الجهاد بآلامه وجراحه وكوارثه بل زادها قوة ورسوخاً بأن الإنسان لا بد بالغ يوماً مبتغاه.
ذلكم الإيمان هو قوة الإنسان، لا عضله ولا دهاؤه، ولا صحته ولا سلاحه. كل هذه عجاج لا غير تثيره المعركة. من عبدها فقد عبد العجاج. لئن لم يكن بد من عبادة القوة فاعبدوا إيمان الإنسان. فهو القوة التي ما انهزمت بعد من وجه القوة. أما أن تعبدوا الفرس دون فارسه، والسيف دون ضاربه، والملك دون مالكه فعار عليكم وأي عار. أنتم واحد في الجهاد، لا قبيلة ضد قبيلة، ولا بلاد ضد بلاد. فاعلموا ذلك واعملوا يداً واحدة وقلباً واحداً وإرادة واحدة. وإذ ذاك فالنصر معقود بلوائكم في النهاية من غير شك.”.
| ميخائيل نعيمة | الأوثان |