“ثمة أناس كأنهم هيئوا لتلك التضحيات الخرساء التي يقتضيها حب يفيض بالكروب والهموم، أناس كأن الآلام الناشئة عن أحزان الاخرين هي جوهم الطبيعي، هي حاجة لهم عضوية. لقد وهبت لهم الطبيعة ذلك الهدوء الذي لولاه ما أمكنت التضحية كل يوم. وبحكمتها جعلت غرائزهم ومطامحهم الشخصية معتدلة واخضعتها لتلك الصفة المسيطرة في خلقهم، حتى لقد تبدوا طباعهم في بعض الاحيان باردة، مفرطة في التعقل، محرومة من العواطف. انهم يصمون اذانهم عن نداء الحياة الصاخب، ويسيرون في الطريق الشاقة، طريق الواجب، هادئين، هادئين، كأنهم يمشون في طريق السعادة الكاملة. لهم من الذرى المغطاة بالثلج برودتها، ولهم ايضًا جلالها. لا ترقى الى جلاهم هموم هذه الحياة الدنيا، همومها المبتذلة، ولا تمس الغيبة والنميمة ثيابهم الطاهرة برج، كما لا يوسخ الطين ريش البجعة.”