“أنا من ناحيتي كنت أشرب شاي "الإيرل جراي" الإنجليزي وأنا قاعد على الكنبة ولا أوافق أبداً أن يترك الواحد نفسه للأيام تقطع الصلة بينه وبين ما كان عليه مثلما فعلت مع ثروت. كل واحد لا بد وأن يتبقى له شيء. طريقة لبسه أو كلامه، رائحة أو شيء ما زال سليماً من جسده القديم. ثم قلت لنفسي أليس ممكناً أن يكون ثروت فكر مثلما أفكر الآن، خاصة وقد جلس طول الوقت في نوع من التأمل وكأنه ندم على حضوره؟ إلا أني رجعت أقول مهما كان الأمر، لابد وأن يبقى من الواحد شيء. وفكرت أنه ليس مهماً أن يتقدم بك العمر، فالدنيا، والأماكن، والنساء التي أحببت، كلها تكبر معك، المهم ألا يضيعك الكِبَر. وتذكرت ذلك العم الكبير محمود الذي عاصرته لسنوات، تذكرت تلك الخصلة من شعره التي كان يجعلها تتدلى على جانب جبهته من الناحية اليمنى رغم خشونة هذا الشعر، وكيف رأيتها وهي تتضاءل بسبب تساقطه مع الأيام وهو حريص أن يجعلها تتدلى في نفس المكان كما اعتاد حتى لم يبق له منها في أيامه الأخيرة إلا شعرتين أو ثلاث، لا أريد أن أقول شعرة واحدة، وهكذا مات، وهو يبدو في نظري نفس الرجل الذي عرفت.”