“إني لأذكرها يوم ذاك وقد هبطت من الطابق العلوى قبيل الشروق وأنا أملأ حوض النافورة، وهي تبتسم في دلال وتسألني أن أسقى شجرة التمر حنة.
ولم أكن مسؤولا بالطبع عن سقيا الشجر فقد كان ذلك من عمل البستاني وكان عملي مقصورا على حمل المياه وإفراغها في الحوض ثم ملء الأزيار والصفائح والطشوت وغيرها من خزانات المياه الموجودة بالدار.
ولكن لم أستطع حينذاك أن أرفض طلبها لا سيما وأنها أنأتنى أنها قد غرستها بيدها وأنها تخشى أن يهملها البستاني فتموت وهي عزيزة عليها حبيبة إلى نفسها.. وضحكت ووعدتها أن أداوم على سقيها يوما بعد يوم، وأن تجعل مسؤوليتها في عنقي ما دامت تعتز بها كل هذا الاعتزاز.
وكنت أعرفها من قبل فقد سبق لي أن رايتها ضمت ثلة الخادمات اللاتي تكتظ بهن السراي، وكنت أستطيع بسهولة تمييزها من بيت عدة الوجوه التي تتوالى على رائحة غادية.
ولكنها كانت المرة الأولى أن أبادلها الحديث، وأن تكل إلى بعمل خاص بها وتخاطبني كما يخاطب المرء صديقه وتضع في عنقي شيئا عزيزا أتولى سقياه والسهر على حياته.
ومن ذلك الحين بدأت أشعر بشيء يربطني بها ويشدني إليها واعتبرت سقيا شجرتها العزيزة واجبى الأول في الحياة.
كنت أراها كل صباح إما في المطبخ حين أصعد لملء الأواني وإما في الحديقة حين تهبط لتقانى أو لتطمئن على شجرتها.
وكان كل يوم يمر يجعلني أشعر أننا لسنا غريبين أحدنا عن الآخر، وأنه لا بد أن يكون بيننا سابق عشرة أو قديم معرفة...
كانت صبوحة مشرقة الوجه، دائما البسمة، وكان إشراقها سريع الانعكاس في نفسي وبسمتها سريعة التردد بين جوانحي.. فكنت لا أكاد أراها حتى تشرق منى النفس ويضحك القلب وتصفق الروح.
ولشد ما سرني أن اسمعها ذات صباح تسألني عن شجرة التمر حنة بقولها "شجرتنا"، فقد أحسست أنه قد بات بيننا شيء مشترك، وأن لنا مصلحة واحدة.. تافهة مهما كانت.. فهي تربط بين أحدنا وصاحبه.
وبدأ بيننا دور التعبير عن المشاعر بالهدايا.. أحملها إليها وتحملها إلى خلسة، وبعيدا عن الأعين.. أنا أقتصد من دريهماتى لأبتاع لها منديلا للرأس أو قطعة رخيصة من الحلى.. حلقا أو خاتما أو أسورة، وهي تقتصد من طعامها لتحمل إلى بعضه.. أو تقتصد من مصروفها أو تحتجز من أجرها الذي تعول بها أمها دريهمات لتبتاع لي منديلا أو جوربا.
وكمل سقيت الشجرة فترعرعت، سقى الله حبنا فترعرع، وباتت الحياة عندي تنحصر في تلك الهنيهات التي أحمل فيها الماء إلى السراي الكبيرة، والتي ألقى فيها آمنة نتبادل النظرات أو التحيات أو الكلمات.”
―
السقا مات
Share this quote:
Friends Who Liked This Quote
To see what your friends thought of this quote, please sign up!
0 likes
All Members Who Liked This Quote
None yet!
This Quote Is From
Browse By Tag
- love (101781)
- life (79785)
- inspirational (76197)
- humor (44481)
- philosophy (31148)
- inspirational-quotes (29017)
- god (26977)
- truth (24816)
- wisdom (24764)
- romance (24454)
- poetry (23413)
- life-lessons (22739)
- quotes (21216)
- death (20616)
- happiness (19109)
- hope (18642)
- faith (18508)
- travel (18490)
- inspiration (17463)
- spirituality (15799)
- relationships (15733)
- life-quotes (15657)
- motivational (15444)
- religion (15434)
- love-quotes (15429)
- writing (14978)
- success (14221)
- motivation (13343)
- time (12906)
- motivational-quotes (12656)

