“و إنني إذ أبلغ هذا، أفكر بأنه ربما كان من المستحسن أن أقول بعض كلمات عن السأم، هذا الشعور الذي سيتفق لي أن أتحدث عنه غالباً خلال هذه الصفحات. فأنا أذكر، بقدر ما تسعفني ذاكرتي في الإرتداد عبر السنين، أنني تألمت دائما من السأم. و لكن يجب أن نتفاهم علي معنى هذه الكلمة. فهي تعني، بالنسبة لكثير من الناس ، عكس التسلية، و التسلية هي الشرود، و النسيان، و لكن السأم بالنسبة لي، ليس عكس التسلية، بل يمكنني القول إنه، في بعض مظاهره، يشبه التسلية بما يخلّفه من شرود ونسيان ينتميان طبعاً إلى فئة خاصة جداً. إن السأم في نظري هو حقاً نوع من النقص أو عدم التلاؤم أو غياب حسّ الواقع. و أعمد هنا إلى تشبيه فأقول: إن حس الواقع، حين يتملكني السأم، يُحدٍث لدي ما يُحدِثه بالنسبة للنائم غطاء قصير أكثر مما ينبغي، في ليلة شتوية: فإذا سحبه على قدميه، أصيب بالبرد في صدره، و إذا رفعه إلي صدره، أصيب بالبرد في قدميه، فهو لهذا لا يستطيع أبداً أن ينام قرير العين.
أو هذا التشبيه الآخر: أن سأمي يشبه انقطاع المجرى اكهربائي في بيت. فكل شيء منير واضح، في لحظة من اللحظات، هنا الكراسي، وهناك الأرائك، وهناك الخزائن والمناضد واللوحات والبُسط والطنافس والنوافذ والأبواب، في اللحظة التالية، لا يكون ثمة بعد إلا ظلام وفراغ.
أو هذا التشبيه الثالث: إن بالإمكان تعريف سأمي بأنه مرض للأشياء وهو عبارة عن ذبول أو فقدان للحيوية مفاجئان تقريبا، فالأمر كأنما هو رؤية زهرة تتحول في بضع لحظات من التفتح إلى الذبول إلى التفتت.”