More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
«إذا قارنت معرفتنا بالاكتئاب باكتشاف «كولومبس» لأمريكا، فإن أمريكا لا تزال مجهولة حتى الآن؛ ونحن لا نزال على جزيرة صغيرة من جُزر البهاما ».
مريم السمان liked this
فالحكم بأن الحياة تستحق أن تُعاش أو لا تستحق، هو بمثابة الجواب على السؤال الأساسي الذي تطرحه الفلسفة».
وأمَّا فريق البؤساء الذين يُضطرون إلى إهلاك أنفسهم، فيجب ألا يُوجَّه إليهم لومٌ بأكثر مما يُوجَّه إلى ضحايا السرطان في مرحلته الأخيرة .
إن الاكتئاب يصيب ملايين الأشخاص بشكل مباشر، ويصيب أيضًا ملايين آخرين من أقارب هؤلاء الضحايا أو أصدقائهم.
فقد أمست أوقات دخول المساء أكثر كآبة، وأصبحتُ أقل حيوية في ساعات الصباح، وصار المشي في الغابة أقل إمتاعًا، وخلال ساعات العمل في آخر فترة ما بعد الظهيرة كانت تمر بي لحظات يتملكني خلالها نوعٌ من الهلع والقلق الذي لا يدوم سوى بضع دقائق، ولكنه يأتي مصحوبًا بغثيان شديد ـ وعلى
لكون العقل غير مستعد للتسليم بحقيقة تدهوره المتزايد، فإنه يعلن لإدراكه الداخلي أن الجسم بإخفاقاته التي ربما يمكن تصحيحها ـ وليس العقل الثمين الذي لا يُعوَّض ـ هو ما أصابه الخلل .
وبدأت أكتشف أن نوبات الهلع الخفيفة التي يُسبِّبها الاكتئاب تأخذ شكل ألمٍ جسماني غامض وبعيد كل البعد عن خبرات الألم العادية .
ولأنه لا مهرب من هذا المحبس الخانق، فمن الطبيعي تمامًا أن تبدأ الضحية في التفكير بلا توقف في الموت .
ولم أخبره أن العديد من الأدوات الموجودة في منزلي قد أضحت في واقع الأمر وسائل محتملة لإنهاء حياتي
وسكاكين المطبخ في أدراجها لم يعد لها سوى غرض واحد
وبدا لي الموت بنوبة قلبية جذابًا للغاية، فهو يُعفيني من المسؤولية المباشرة،
بإلقاء نفسي أمام شاحنة عبر الطريق السريع القريب.
لكن في الحقيقة، فإن مثل هذه الخيالات البشعة التي تقشعر لها أبدان الأصحاء، تمثل للمصابين باكتئاب شديد ما تمثله أحلام اليقظة الشهوانية لهؤلاء الأشخاص ذوي النشاط الجنسي الموفور.
فالفقدان في جميع مظاهره هو علامة من علامات الاكتئاب، في تطوره، وغالبًا، في أسبابه. ولاحقًا سوف أقتنع شيئًا فشيئًا أن الفقدان الذي تصحبه الصدمة في مرحلة الطفولة كان سببًا محتملًا وراء نشأة الاضطراب الذي أعانيه
كنت أشعر بالفقدان يحيط بي من كل جانب. ويعتبر فُقدان تقدير الذات عَرَضًا مشهورًا، وقد تلاشى إحساسي بذاتي تمامًا، وتلاشت معه أي قدرة للاعتماد على الذات. وقد يتفاقم هذا الفقدان سريعًا ويتحول إلى اتكال، ومن الاتكال إلى خوف طفولي. وتتملك المرء الخشية من فقدان كل الأشياء، وكذلك كل الأشخاص المقرَّبين لديه والأعزاء. ويتولَّد لديه خوفٌ حاد من الهجران. ولذلك فقد أصبح وجودي بمفردي في المنزل، ولو لدقيقة واحدة، يولِّد لديَّ شعورًا رهيبًا بالهلع والخوف
وكذلك تلاشت فكرة المستقبل.
في ساعات الصباح فأجدني أمشي وبعد نوم غير طبيعي بخطًى متثاقلة، لكن بقيتْ فترة ما بعد الظهيرة، والتي تبدأ في الثالثة تقريبًا، هي الأسوأ، حيث ينتابني فيها الشعور بالهلع، وكأن ضبابًا كثيفًا وسامًّا قد غمر عقلي وأرغمني على البقاء رهين الفراش. وعندئذ كنت أرقد مخدَّرًا وشبه مشلول لنحو ست ساعات، وأظل أحدق في السقف حتى تحل تلك اللحظة من ساعات المساء حينما تخف وطأة الألم، بشكل غامض، وعلى نحو لا يسمح لي إلا بازدراد بعض الطعام مُكرَهًا، ثم أحاول مرة أخرى وكأنني إنسان آلي، أن أنام ساعة أو ساعتين .
ولذلك فإن قرارات الحياة اليومية لا تؤدي، كما هو شأنها في الأمور العادية، إلى الانتقال من موقف مزعج إلى آخر أقل إزعاجًا ـ أو من ضيق إلى ارتياح نسبي، أو من ضجر إلى نشاط ـ ولكنها تؤدي إلى الانتقال من ألمٍ إلى ألم. فالمرء لا يفارق سرير مساميره، ولو لفترة وجيزة، ولكنه يظل يحمله معه حيثما يذهب.
ومن بين الظواهر التي لاحظها بعض الأشخاص حينما أُصيبوا باكتئاب حاد هو الإحساس بأن ثمة ذاتًا ثانية ترافقهم، وهي بمثابة مراقب يشبه الشبح، ولا يشارك شبيهه في الخرف، ويمكنه أن يراقب رفيقه بتبلد مفعم بالفضول وهو يصارع الكارثة المحدقة أو وهو يقرر الإقدام عليها.
ولكن المستشفى يقدم للمريض أيضًا صدمة خفيفة ومُبهجة على غير العادة وهي صدمة الاستقرار المفاجئ، وذلك مع انتقاله من أجواء المنزل المألوفة للغاية لديه، والتي يسودها القلق والخلافات، إلى حالة من الحبس المنظَّم الذي لا يؤذيه، وحيث تصبح مسؤوليته الوحيدة هي التعافي. وفي حالتي كان الزمن والعزلة هما المُداويَيْن الحقيقيَّيْن .
وفيما عدا مرارة بعض الذكريات التي يتركها الاكتئاب الحاد، فإنه لا يترك سوى بضعة جراحٍ دائمة.
فعادة الاكتئاب هي العودة بعد الشفاء. لكن معظم الضحايا يتحمَّلون هذه الانتكاسات، وغالبًا ما يتأقلمون معها بشكل أفضل لأن تجربتهم السابقة قد هيَّأتهم نفسيًّا لمواجهة هذا الغول.
ومن المهم لأولئك الذين يتعرَّضون للانتكاسة، ربما للمرة الأولى، أن يعرفوا، أو بالأحرى يقتنعوا، بأن المرض سوف يأخذ مجراه وأنهم سوف يتعافَون في نهاية المطاف. وهذه قطعًا مهمة صعبة، فحينما تكون في بر الأمان وتطلب من شخصٍ آخر يغرق أن «يبتهج»، فإن طلبك هذا يرقى إلى مستوى الإهانة،
إن معظم هؤلاء الذين يقعون في براثن الاكتئاب بأبشع أشكاله، أيًّا كان السبب، يعيشون حالة من اليأس غير الواقعي، وتُمزِّقهم عللٌ مبالغٌ فيها وأخطارٌ مميتة لا تمت للواقع بصلة.