التأثير: علم نفس الإقناع

by Robert B. Cialdini

قال السير (جرشوا رينولدز): «لا توجد ذريعة لا يلجأ لها الإنسان لتجنب العبء القوي للتفكير».

شاهدت في ليلة من الليالي في محاضرة تقديم نظمها برنامج التأمل الفائق مثالاً واضحاً على كيفية اختباء الناس داخل جدران الثبات، لحماية أنفسهم من عواقب التفكير المزعجة. كان يشرف على المحاضرة نفسها شابان جديان، وكان هدفها تجنيد أعضاء جدد لدخول البرنامج. كان البرنامج يزعم أنه يستطيع أن يعلم نوعاً فريداً من التأمل يسمح لنا بأن نحقق أشياء متنوعة من الأمور المرغوبة، التي تتراوح من السلام الداخلي البسيط، إلى القدرة الأكثر روعة على الطيران والمرور عبر الجدران في المراحل المتقدمة (والأغلى) من البرنامج. قررت أن أحضر الاجتماع: لأراقب طرق كسب المطاوعة المستعملة في محاضرات التجنيد هذه، وأحضرت معي صديقاً مهتماً بالأمر يعمل أستاذاً جامعياً، مجال تخصصه هو الإحصاء والمنطق الرمزي. لاحظت مع مرور الوقت في الاجتماع، وشرح النظريات التي تكمن وراء التأمل الفائق أن صديقي المنطقي بدأ يتململ أكثر فأكثر. بدا منزعجاً أكثر فأكثر وهو يتقلب على الدوام في كرسيه، ثم لم يستطع في النهاية أن يقاوم نفسه. عندما طلب المشرفان أسئلة عند انتهاء المحاضرة، رفع يده ثم دمر بلطف، لكن بحزم، المحاضرة التي كنا سمعناها للتو. أشار في أقل من دقيقتين بدقة إلى أين ولماذا كانت حجج المحاضرين المعقدة متناقضة وغير منطقية ولا أساس لها. كان التأثير على مديري المناقشات ساحقاً. حاول كل منهما، بعد صمت مربك، أن يعطي إجابة ضعيفة يتوقف في منتصفها؛ ليشاور شريكه، ويعترف في النهاية أن النقاط التي قدمها صاحبي كانت جيدة «وتستحق مزيداً من الدراسة». كان الأمم بالنسبة لي، هو التأثير على بقية الحضور. بعد نهاية فترة الأسئلة، انهال على المجندين سيل من المستمعين يقدمون طلبات الانتساب لبرنامج التأمل الفائق، ورسم الانتساب الذي يبلغ خمسة وسبعين دولاراً. ظهرت...

تكمن المشكلة في حفز الأهل الذين أنهكتهم مصاريف الأعياد أن يمدوا أيديهم إلى جيوبهم، لإخراج ثمن لعبة أخرى لأطفالهم الشرهين أصلاً للألعاب. ما الذي يمكن أصلاً أن تقوم به شركات الألعاب لتحريض مثل هذا السلوك غير المحتمل؟ جربت بعض الشركات استخدام حملات دعائية مفرطة، وأنقصت شركات أخرى الأسعار مدة الخمود ، لكن لم تثبت أي من هاتين الطريقتين نجاحها. ليس فقط أن هاتين الطريقتين مكلفتان مالياً، بل كلاهما كان غير فاعل في زيادة المبيعات إلى المستويات المطلوبة. الأهل ببساطة ليست لديهم نية شراء الألعاب. وتأثير الدعاية أو خفض الأسعار ليس كافيين لهز الممانعة الصخرية. لكن هناك شركات صناعة ألعاب كبيرة تعتقد أنها وجدت الحل. الحل مبتكر، ولا يحتاج إلى أكثر من تكاليف الدعاية العادية، وفهم الجاذب القوي للحاجة إلى الثبات. جاءتني أول إشارة لكيفية عمل إستراتيجيات شركات الألعاب بعدما سقطت في فخها، ثم، وبإذعان حقيقي، وقعت في فخها مرة أخرى. كان الوقت شهر كانون الثاني (يناير)، وكنت في أكبر متاجر الألعاب في البلدة. بعد أن كنت قد اشترت عدداً أكبر مما يجب من الألعاب لابني في موسم أعياد الميلاد الشهر السابق، أقسمت إنني لن أدخل إلى ذلك المتجر، أو أمثاله حتى وقت طول، طول جداً. لكنني مع ذلك، لست أقف في بقعة الشر فحسب، بل أيضاً على وشك شراء لعبة غالية أخرى لابني - علبة طرق سباق وسيارات سباق كهربائية كبيرة. تصادف أن شاهدت أمام لوحة الإعلان، التي تعرض طرق السباق، جاراً قديماً كان يشتري لابنه اللعبة نفسها. الغريب أننا لم نعد نرى بعضنا بعضاً. في الحقيقة، كانت آخر مرة رأيته فيها منذ سنة في المتجر نفسه عندما كنا كلانا نشتري لولدينا هدية غالية بعد أعياد الميلاد - كانت اللعبة في ذلك الوقت رجلاً آلياً يمشي ويتكلم ويستلقي. ...

مثال عن فكرة الثبات في نطاق بيع العاب الاطفال

الالتزام هو المفتاح حالما ندرك أن قوة الثبات هائلة في توجيه الفعل البشري، يبرز على الفور سؤال عملي مهم: كيف يتم تشغيل هذه القوة؟ ماذا يفعّل تسلسل «كبس، أزيز شغل الشريط!»، لشريط تسجيل قوة الثبات؟ يعتقد علماء النفس الاجتماعي أنهم يعرفون الجواب: إنه الالتزام. إذا استطعت أن أجعلك تلتزم (أي أن تتخذ موقفاً، تسجله على نفسك)، أكون قد هيأت، بذلك الالتزام، الساحة لعمل ثباتك الآلي غير المحسوب. حالما تتخذ موقفاً، يصبح هناك ميل طبيعي للتصرف بطرت ثابتة بعناد مع ذلك الموقف.

ما يمكن أن يحصل هو تغير شعور الشخص نحو التورط أو القيام بفعل. حالما يوافق على طلب، فقد يتغير موقفه، حيث قد يصبح في عين نفسه ذلك النوع من الأشخاص الذي يقوم بشيء تجاه ما يعتقد به، ويتعاون مع أسباب الخير6

يمكن أن يتعلم الكهول الذين يربون أطفالا أشياء مفيدة من دراسة (فريدمان). لنفترض أن زوجين يريدان أن يؤكدا لابنتهما ان الكذب خطأ. قد يكون التهديد القوي الواضح («الكذب حرام يا حبيبتي، لذلك إذا اكتشفت أنك كذبت، فسوف أقص لسانك») فاعلاً جداً عندما يكون الأهل موجودين، أو عندما تعتقد الطفلة أنها يمكن أن تكشف. لكنه لن يحقق الهدف الأكبر المتمثل بإقناعها أنها لا تريد أن تكذب؛ لأنها تعتقد أن الكذب خطأ. يتطلب ذلك طريقة أكثر لطفا. يجب تقديم سبب قوي إلى درجة تجعلها صادقة معظم الوقت، لكنه غير قوي بحيث ترى أنه هو السبب الواضح لكونها صادقة. الأمر حساس؛ لأن السبب الذي سيكون كافيا يختلف من طفل إلى آخر. قد يكون مجرد الطلب البسيط كافياً لفتاة ما صغيرة («من الخطأ أن نكذب يا حبيبتي؛ لذلك آمل أنك لن تكذبي»). قد يلزم لطفلة أخرى إضافة سبب قوي («…لأنه إذا كذبت، فسيخيب أملي بك»). وقد يلزم لطفلة ثالثة أسلوب تحذيري خفيف («… فقد أحتاج للقيام بأمر لا أريد أن أقوم به»). يعرف الأبوان الحكيمان ما ينفع مع أبنائهما. المهم هو استعمال سبب يؤدي في البداية إلى السلوك المرغوب، ويسمح للطفل في الوقت نفسه أن يتحمل مسؤولية شخصية عن ذلك السلوك. وهكذا، كلما كان الضغط الخارجي أقل ظهورا على أنه السبب، كان أفضل. اختيار الأمثل ليس مهمة سهلة بالنسبة للأهل. لكن الجهد يستحق النتيجة. سيكون هذا الجهد على الأغلب الفارق بين المطاوعة قصيرة الأمد والالتزام طويل الأمد.

«الثبات الأحمق غول العقول الصغيرة».

إذا كان الشخص محاطاً ومضغوطاً بملايين الناس، فإن منعهم من الاصطدام المستمر به يبدو كأنه عملية نجاة من الناحية النفسية. والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي تجاهلهم قدر الإمكان. إن عدم الاكتراث بالجار ومشكلاته، منعكس شَرطي في الحياة في نيويورك، كما هو في المدن الكبيرة الأخرى7