More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
Read between
September 12 - September 25, 2020
بإسناد يرفعه إلى أبي الدرداء أنه قال: «أجمُّوا النفوس بشيء من الباطل ليكون عونًا لها على الحق.» ومن أقوال الصالحين من السلف المرضيِّ: «مَن لم يحسن يتفتَّى لم يحسن يتقوَّى.» وفي بعض الأثر: «أريحوا النفوس؛ فإنها تصدأ كما يصدأ الحديد.»
ولو كان علةُ الحب حُسن الصورة الجسديَّة لوجب ألَّا يُستحسن الأنْقصُ من الصورة، ونحن نجد كثيرًا ممن يُؤثر الأدنى ويَعلم فضلَ غيره ولا يجد محيدًا لقلبه عنه، ولو كان للمُوافقة في الأخلاق لَمَا أحب المرء من لا يساعده ولا يُوافقه؛ فعِلْمُنا أنه شيء في ذات النفس.
ومن الدليل على هذا أيضًا أنك لا تجد اثنين يتحابَّان إلا وبينهما مشاكلة واتفاق الصفات الطبيعية، لا بد في هذا وإن قل، وكلما كثرت الأشباه زادت المُجانسة وتأكَّدت المودة. فانظر هذا تراه عِيانًا، وقولُ رسول الله ﷺ يؤكِّده: «الأرواح جنود مجندة، ما تَعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.»
نَعِمْنَا عَلَى نُورٍ مِنَ الرَّوْضِ زَاهِرٍ سَقَتْهُ الغَوَادِي فَهُو يُثْنِي وَيَحمدُ كَأَنَّ الحَيَا وَالمُزْنَ وَالرَّوْضَ عَاطِرًا دُمُوعٌ وَأَجْفَانٌ وخَدٌّ مُوَرَّدُ
فمن أحب من نظرة واحدة وأسرع العلاقة من لمحة خاطرة؛ فهو دليل على قلَّة الصبر، ومُخبرٌ بسرعة السلو، وشاهد الظرافة والملل، وهكذا في جميع الأشياء أسرعُها نموًّا أسرعها فناءً، وأبطؤها حدوثًا أبطؤها نفاذًا.
وإني لأطيل العجب من كل مَن يدعي أنه يحب مِن نظرة واحدة، ولا أكاد أصدقه، ولا أجعل حُبَّه إلا ضربًا من الشهوة، وأما أن يكون في ظنِّي متمكنًا من صميم الفؤاد نافذًا في حجاب القلب فما أُقدِّر ذلك، وما لصق بأحشائي حُبٌّ قطُّ إلا مع الزمن الطويل، وبعد ملازمة الشخص لي دهرًا، وأخذي معه في كل جدٍّ وهزل،
Maryam and 2 other people liked this
وأما ما يقع من أول وهلة ببعض أعراض الاستحسان الجسدي، واستطراف البصر الذي لا يجاوز الألوان، فهذا سر الشهوة ومعناها على الحقيقة، فإذا غَلبت الشهوة وتجاوزت هذا الحد، ووافق الفصلَ اتصالٌ نفساني تشترك فيه الطبائع مع النفس يُسمَّى عشقًا.
كَذبَ المُدَّعِي هَوَى اثْنَيْنِ حَتْمًا مِثْلَمَا فِي الأُصُولِ أُكْذِب مَانِي لَيْسَ فِي القَلْبِ مَوْضِعٌ لَحَبِيبَيـْ ـنِ وَلَا أَحْدَثُ الأُمُورِ بِثَانِي فَكَمَا العَقْلُ وَاحِدٌ لَيْسَ يَدْرِي خَالِقًا غَيْرَ وَاحِدٍ رَحْمَانِ فَكَذَا القَلْبُ وَاحِدٌ لَيْسَ يَهْوَى غَيْرَ فَرْدٍ مُبَاعِدٍ أَوْ مُدَانِ هو في شِرْعَة المَوَدَّةِ ذُو شَكـ ـكٍ بَعِيدٍ مِنْ صِحَّةِ الإِيمَانِ وَكَذَا الدِّيْنُ وَاحِدٌ مُسْتَقِيمٌ وَكَفُورٌ مِنْ عندهِ دِينَانِ
الإشارةُ بلحظ العين، وإنه ليقوم في هذا المعنى المقامَ المحمود، ويبلغ المبلغ العجيب، ويُقطَع به ويُتواصل، ويُوعد ويُهدد، وينتهر ويبسط، ويُؤْمر ويُنْهى، وتُضرب به الوعود، ويُنبَّه على الرقيب، ويضحك ويحزن، ويُسأل ويُجاب، ويُمنع ويُعطى.
واعلم أن العين تنوب عن الرُّسل، ويُدرك بها المراد، والحواس الأربع أبواب إلى القلب ومنافذ نحو النفس، والعين أبلغها، وأصحها دلالةً، وأوعاها عملًا، وهي رائد النفس الصادق، ودليلها الهادي، ومرآتها المَجْلُوَّة التي بها تَقف على الحقائق، وتميِّز الصفات، وتفهم المحسوسات، وقد قيل: ليس المُخبرَ كالمعاين.
رَسُولُكَ سَيْفٌ فِي يَمِينِكَ فَاسْتَجِدْ حُسَامًا وَلَا تَضْرِبْ بِهِ قَبْلَ صَقْلِهِ فَمَنْ يَكُ ذَا سَيْفٍ كَهَامٍ فَضُرُّه يَعُودُ عَلَى المَعْنيِّ مِنْهُ بِجَهْله
يَلُومُ رِجَالٌ فِيك لَمْ يَعْرِفُوا الهَوَى وَسَيَّانَ عِنْدِي فِيكَ لَاحٍ وَسَاكِت يَقُولُونَ: جَانَبْتَ التَّصَاوُنَ جُمْلَةً وَأَنْتَ عَلِيمٌ بِالشَّرِيعَةِ قَانِت فَقُلْتُ لَهُمْ: هَذَا الرِّيَاءُ بِعَيْنِه صُرَاحًا، وَزِيٌّ لِلْمرائِينَ مَاقِت مَتَى جَاءَ تَحْرِيمُ الهَوَى عَنْ مُحَمَّد وَهَلْ مَنْعُهُ فِي مُحْكَمِ الذِّكْرِ ثَابِت؟ إِذَا لَمْ أُوَاقِعْ مَحْرَمًا أَتَّقِي بِه مَجِيئِي يَوْمَ البَعْثِ وَالوَجْهُ بَاهِت فَلَسْتُ أُبَالِي فِي الهَوَى قَوْلَ لَائِم سَوَاءٌ لَعَمْرِي جَاهِرٌ أَوْ مُخَافِت وَهَلْ يَلْزَمُ الإِنْسَانَ إِلَّا اخْتِيَارُهُ؟ وَهَلْ بِخَبَايَا اللَّفْظِ يُؤْخَذُ
...more
وما في جميع الناس شر من الوُشاة، وهم النمامون، وإن النميمة لطَبْعٌ يدُل على نتن الأصل، ورداءة الفَرع، وفساد الطبع، وخُبث النشأة، ولا بد لصاحبه من الكذب.
والنميمة فرع من فروع الكذب، ونوع من أنواعه، وكل نمَّام كذَّاب، وما أحببت كذابًا قط، وإني لأسامح في إخاء كل ذي عَيب وإن كان عظيمًا، وأكِلُ أمره إلى خالقه عزَّ وجل، وآخذ ما ظَهر من أخلاقه حاشى مَن أعلمه يكذب، فهو عندي ماحٍ لكل محاسنه، ومُعَفٍّ على جميع خِصاله، ومُذهِب كلَّ ما فيه، فما أرجو عنده خيرًا أصلًا؛
وقد قال بعض الحكماء: آخِ من شئت واجتنب ثلاثة: الأحمق؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، والمَلُول؛ فإنه أوثق ما تكون به لطول الصحبة وتأكُّدها يخذلك، والكذاب؛ فإنه يجني عليك آمنَ ما كنت فيه من حيثُ لا تشعر.
وليس من نَبَّه غافلًا، أو نصح صديقًا، أو حفظ مسلمًا، أو حكى عن فاسق، أو حدث عن عدو — ما لم يكن يَكذِب ولا يكذب ولا تعمد الضغائن — متنقِّلًا. وهل هلك الضعفاء وسقط من لا عقل له إلا في قلة المعرفة بالناصح من النمام؟ وهما صفتان متقاربتان في الظاهر، متفاوتتان في الباطن، إحداهما داء والأخرى دواء، والثاقب القريحة لا يخفى عليه أمرهما، لكن الناقل من كان تنقيله غيرَ مرضيٍّ في الديانة، ونوى به التشتيت بين الأولياء، والتضريب بين الإخوان، والتحريش والتوبيش والترقيش.
وَسَرَّاءُ أَحْشَائِي لِمَنْ أَنَا مُؤْثِرٌ وَسَرَّاءُ أَنْبَائِي لِمَنْ أَتَحَبَّبُ فَقَدْ يُشْرَبُ الصَّابُ الكَرِيهُ لِعِلَّةٍ وَيُتْرَكُ صَفوُ الشهْدِ وهو مُحَبَّبُ وَأَعدلُ فِي إِجْهَادِ نَفْسِي فِي الَّذِي أُرِيدُ، وَإِنِّي فِيهِ أَشْقَى وَأَتْعَبُ هَلِ اللُّؤْلُؤُ المَكْنُونُ وَالدُّرُّ كُلُّهُ رَأَيْتَ بِغَيْرِ الغَوْصِ فِي البَحْرِ يُطْلَبُ؟ وَأَصْرِفُ نَفْسِي عَنْ وُجُوهِ طِبَاعِهَا إِذَا فِي سِوَاهَا صَحَّ مَا أَنَا أَرْغَبُ كَمَا نَسَخَ الله الشَّرَائِعَ قَبْلَنَا بِمَا هُوِ أَدْنَى لِلصَّلَاحِ وَأَقْرَبُ كَمَا صَارَ لَوْنُ المَاءِ لَوْنَ إِنَائِهِ وَفِي الأَصْلِ لَوْنُ المَاءِ
...more
فَقَدْ يَضَعُ الإِنْسَانُ فِي التُرْبِ وَجْهَهُ لِيَأْتِي غَدًا وَهُوَ المَصُونُ المُقَرَّبُ فَذُلٌّ يَسُوقُ العِزَّ أَجْوَدُ لِلْفَتَى مِنَ العِزِّ يَتْلُوهُ مِنَ الذُّلِّ مَرْكَب
وَمَا ذَاقَ عِزَّ النَّفْسِ مَنْ لَا يُذِلُّهَا وَلَا الْتَذَّ طَعْمَ الرَّوحِ مَنْ لَيْسَ يَنْصَبُ وُرُودُكَ نَهْلَ المَاءِ مِنْ بَعْدِ ظَمْأَةٍ أَلَذُّ مِنَ العَلِّ المَكِينِ وَأَعْذَبُ
والملل من الأخلاق المطبوعة في الإنسان، وأحرى لمن دُهي به ألا يصفو له صديق، ولا يَصح له إخاء، ولا يثبت على عهد، ولا يصبر على إلف، ولا تطول مُساعدته لمُحب، ولا يُعتقد منه وُدٌّ ولا بغض. وأولى الأمور بالناس ألَّا يغروه منهم، وأن يفروا عن صحبته ولقائه؛ فلن يظفروا منه بطائل؛ ولذلك أبعدنا هذه الصفة عن المُحبين، وجعلناها في المحبوبين، فهم بالجملة أهل التجنِّي والتظنِّي والتعرض للمقاطعة. وأما من تزيَّا باسم الحُبِّ وهو مَلُولٌ فليس منهم، وحقُّه ألا يتجرع مذاقه، ويُنفى عن أهل هذه الصفة ولا يدخل في جملتهم.
بُشْرى أَتَتْ وَاليَأْسُ مُسْتَحْكم وَالقَلْبُ فِي سَبْعٍ طِبَاقٍ شِدَاد كَسَتْ فُؤَادِي خُضْرَة بَعْدَمَا كَانَ فُؤَادِي لَابِسًا لِلحِدَاد جَلَّى سَوَادَ الغَمِّ عَنِّي كَمَا يُجْلَى بِلَوْنِ الشَّمْسِ لَوْنُ السَّوَاد هَذَا وَمَا آمُلُ وَصْلًا سِوَى صِدْقَ وَفَاءٍ بِقَدِيمِ الوِدَادِ فَالمُزْنُ قَدْ تُطْلَبُ لَا لِلْحَيَا لَكِنْ لِظِلٍّ بَارِدٍ ذِي امْتِدَادِ
وإنما النساء رياحين متى لم تُتعاهد نقصت، وبنية متى لم يُهتبل بها استُهدمت؛
وكثير من الناس يُطيعون أنفسهم ويعصون عقولهم، ويَتبعون أهواءهم، ويرفضون أديانهم، ويتجنَّبون ما حضَّ الله تعالى عليه ورتَّبه في الألباب السليمة من العِفَّة وترك المعاصي ومُقارعة الهوى، ويخالفون الله ربهم، ويوافقون إبليس فيما يُحبه من الشهوة المُعْطِبَة، فيواقعون المعصية في حبهم.
وقد علمنا أن الله عز وجل ركَّب في الإنسان طبيعتين متضادتين: إحداهما لا تُشير إلا بخير، ولا تحُضُّ إلا على حسن، ولا يُتَصوَّر فيها إلا كل أمر مرضيٍّ، وهي العقل، وقائده العدل. والثانية: ضدٌّ لها، لا تشير إلا إلى الشهوات، ولا تقود إلا إلى الردى، وهي النفس، وقائدها الشهوة، والله تعالى يقول: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، وكنى بالقلب عن العقل فقال: إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، وقال تعالى: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ. وخاطب أولي الألباب.
ووَرَد: من وُقي شرَّ لَقْلقه وقَبْقبه وَذبْذبه فقد وُقي شَرَّ الدنيا بحذافيرها. واللقلق: اللسان، والقبقب: البطن، والذبذب: الفرج.
ولست أبعد أن يكون الصلاح في الرجال والنساء موجودًا، وأعوذ بالله أن أظن غير هذا، وإني رأيت الناس يَغلطون في معنى هذه الكلمة — أعني الصلاح — غلطًا بعيدًا. والصحيح في حقيقة تفسيرها أن الصالحة من النساء هي التي إذا ضبطت انضبطت، وإذا قُطعت عنها الذرائع أمسكت، والفاسدة هي التي إذا ضُبطت لم تَنضبط، وإذا حيل بينها وبين الأسباب التي تُسَهِّل الفواحش تحيَّلت في أن تتوصل إليها بضروب من الحيل، والصالح من الرجال من لا يُداخل أهل الفسوق، ولا يتعرّض إلى المناظر الجالبة للأهواء، ولا يرفع طرفه إلى الصور البديعة التركيب، والفاسق من يعاشر أهل النقص، وينشُر بصره إلى الوجوه البديعة الصنعة، ويتصدى للمشاهد المؤذية،
...more
خَرِيدَةٌ صَاغَهَا الرَّحْمَنُ مِنْ نُورٍ جَلَّتْ مَلَاحَتُهَا عَنْ كُلِّ تَقْدِير لَوْ جَاءَنِي عَمَلِي فِي حُسْنِ صُورَتِهَا يَوْمَ الحِسَابِ وَيَوْمَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ لَكُنْتُ أَحْظَى عِبَادِ الله كُلِّهِم بِالجَنَّتَيْنِ وَقُرْبِ الخُرَّدِ الحُورِ
لَا تُتْبِعِ النَّفْسَ الهَوَى وَدَعِ التَّعَرُّضَ لِلْمِحَن إِبْلِيسُ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ وَالعَيْنُ بَابٌ لِلْفِتَن
رَأَيْتُ الهَوَى سَهْلَ المَبَادِي لَذِيذَهَا وَعُقْبَاهُ مُر الطَّعْمِ، ضَنْك المَسَالِكِ
سَبِيلُ التُّقَى وَالنُّسكِ خَيْرُ المَسَالِكِ وَسَالِكُهَا مُسْتَبْصِرٌ خَيْرُ سَالِكِ فَمَا فَقَدَ التَّنْغِيص منْ عَاج دُونَهَا وَلَا طَابَ عَيْشٌ لِامْرِئٍ غَيْرِ سَالِكِ
يَا نَفْسُ، جِدِّي وَشَمِّرِي وَدَعِي عَنْكِ اتِّبَاعَ الهَوَى عَلَى لَغَبِه وَسَارِعِي فِي النَّجَاةِ وَاجْتَهِدِي سَاعِيَةً فِي الخَلَاصِ مِنْ كُرَبِهِ
وضع عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — للناس ثماني عشرة كلمة من الحكمة؛ منها: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك عليه، ولا تظن بكلمة خرجت من في امرئ مسلم شرًّا وأنت تجد لها في الخير محملًا.