More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
Started reading
August 7, 2020
وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع،
والمِثْل إلى مِثْله ساكن،
حاشَى محبة العشق الصحيح المُمكن من النفس، فهي التي لا فناء لها إلا بالموت.
وقولُ رسول الله ﷺ يؤكِّده: «الأرواح جنود مجندة، ما تَعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.»
والحب — أعزك الله — داء عَيَاء، وفيه الدواء منه على قدر المعاملة، ومقامٌ مستلذ، وعلة مشتهاة، لا يودُّ سليمُها البرءَ، ولا يتمنَّى عليلُها الإفاقة، يُزيّن للمرء ما كان يأنف منه، ويُسهِّل عليه ما كان يصعُب عنده، حتى يُحيل الطبائع المركبة والجِبِلَّة المخلوقة.
وَأَسْتَلِذُّ بَلَائِي فِيكَ يَا أَمَلِي وَلَسْتُ عَنْكَ مَدَى الأَيَّامِ أَنْصَرِفُ إِنْ قِيلَ لِي تَتَسَلَّى عَنْ مَوَدَّتِهِ فَمَا جَوَابِيَ إِلَّا اللَّامُ وَالأَلِفُ
فإنك بينما ترى المُحبين قد بلغا الغاية من الاختلاف الذي لا يقدر يصلُح عند الساكن النفس، السالم من الأحقاد في الزمن الطويل، ولا ينجبر عند الحَقَود أبدًا، فلا تلبث أن تراهما قد عادا إلى أجمل الصُّحبة، وأُهدرت المعاتبة، وسقط الخلاف، وانصرفا في ذلك الحين بعينه إلى المُضاحكة والمداعبة، هكذا في الوقت الواحد مرارًا.
يقسوا الحبيبان قدر الحب بينهما حتى لتحسب بين العاشقين دما
ويرجعان إلى خمر معتقة من المحبة تنفي الشك والتهما
ويعرض في الحُبِّ سوء الظن واتهام كل كلمة من أحدهما، وتوجيهها إلى غير وجهها، وهذا أصل العتاب بين المحبين.
ومن وجوه العِشق: الوصل، وهو حظ رفيع، ومرتبة سريَّة، ودرجة عالية، وسعد طالع، بل هو الحياة المجدَّدة، والعيش السنيُّ، والسرور الدائم، ورحمة من الله عظيمة. ولولا أن الدنيا دار مَمَرٍّ ومحنة وكدر، والجنة دار جزاء وأمان من المكاره؛ لقلنا: إن وصل المحبوب هو الصفاء الذي لا كَدر فيه، والفَرح الذي لا شائبة ولا حزن معه،
فإن لرضى المَحبوب بعد سخطه لذةً في القلب لا تعدلها لذة، وموقفًا من الروح لا يفوقه شيء من أسباب الدنيا.
وسمع بعضُ الحكماء قائلًا يقول: الفِراق أخو الموت، فقال: بل الموت أخو الفراق.