More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
Read between
June 8 - August 24, 2023
الحب — أعزك الله — أوله هَزل وآخره جِد، دقَّت معانيه لجلالتها عن أن تُوصف، فلا تُدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمُنكَر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجل.
وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع، لا على ما حكاه محمد بن داود — رحمه الله — عن بعض أهل الفلسفة: الأرواح أُكَرٌ مقسومة، لكنْ على سبيل مناسبة قواها في مقرِّ عالمها العلوي ومجاورتها في هيئة تركيبها.
والله عز وجل يقول: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا؛ فجعل علَّة السكون أنها منه. ولو كان علةُ الحب حُسن الصورة الجسديَّة لوجب ألَّا يُستحسن الأنْقصُ من الصورة، ونحن نجد كثيرًا ممن يُؤثر الأدنى ويَعلم فضلَ غيره ولا يجد محيدًا لقلبه عنه، ولو كان للمُوافقة في الأخلاق لَمَا أحب المرء من لا يساعده ولا يُوافقه؛ فعِلْمُنا أنه شيء في ذات النفس. وربما كانت المَحبة لسبب من الأسباب، وتلك تفنى بفناء سببها؛ فمن ودَّك لأمر ولَّى مع انقضائه، وفي ذلك أقول:
ومما يؤكِّد هذا القول أننا علمنا أن المحبة ضُروب، فأفضلها محبَّة المتحابِّين في الله عز وجل؛ إما لاجتهاد في العمل، وإما لاتفاق في أصل النِّحلة والمذاهب، وإما لفضل عِلْم يُمنحه الإنسان. ومحبة القرابة، ومحبة الألفة والاشتراك في المطالب، ومحبة التصاحب والمعرفة، ومحبة البر يضعه المرء عند أخيه، ومحبة الطمع في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس. فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها، وزائدة بزيادتها، وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها، فاترة ببعدها.
وقد علمنا أن الله عز وجل ركَّب في الإنسان طبيعتين متضادتين: إحداهما لا تُشير إلا بخير، ولا تحُضُّ إلا على حسن، ولا يُتَصوَّر فيها إلا كل أمر مرضيٍّ، وهي العقل، وقائده العدل. والثانية: ضدٌّ لها، لا تشير إلا إلى الشهوات، ولا تقود إلا إلى الردى، وهي النفس، وقائدها الشهوة، والله تعالى يقول: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، وكنى بالقلب عن العقل فقال: إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، وقال تعالى: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ. وخاطب أولي الألباب.
من وُقي شرَّ لَقْلقه وقَبْقبه وَذبْذبه فقد وُقي شَرَّ الدنيا بحذافيرها. واللقلق: اللسان، والقبقب: البطن، والذبذب: الفرج.
وشيء أصفه لك تراه عيانًا، وهو أني ما رأيت قط امرأة في مكان تحسُّ أن رجلًا يراها أو يسمع حسَّها إلا وأحدثت حركةً فاضلةً كانت عنها بمعزل، وأتت بكلام زائد كانت عنه في غُنية، مخالفينِ لكلامها وحركتها قبل ذلك، ورأيت التهمُّم لمخارج لفظها وهيئة تقلُّبها لائحًا فيها ظاهرًا عليها لا خفاء به، والرجال كذلك إذا أحسوا بالنساء. وأما إظهار الزينة وترتيب المشي وإيقاع المزح عند خُطور المرأة بالرجل، واجتياز الرجل بالمرأة؛ فهذا أشهر من الشمس في كل مكان، والله عز وجل يقول: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، وقال — تقدَّست أسماؤه: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ
...more
ولو لم يكن جزاء ولا عقاب ولا ثواب لوجب علينا إفناء الأعمار، وإتعاب الأبدان، وإجهاد الطاقة، واستنفاد الوسع، واستفراغ القوة في شكر الخالق الذي ابتدأنا بالنعم قبل استئهالها، وامتنَّ علينا بالعقل الذي به عرَفناه، ووهبنا الحواسَّ والعلم والمعرفة ودقائق الصناعات، وصرف لنا السماوات جارية بمنافعها، ودبرنا التدبير الذي لو ملكنا خلقنا لم نَهتد إليه، ولا نظرنا لأنفسنا نظره لنا، وفضَّلنا على أكثر المخلوقات، وجعلنا مستودع كلامه ومستقر دينه، وخلق لنا الجنة دون أن نستحقها، ثم لم يرض لعباده أن يدخلوها إلا بأعمالهم لتكون واجبةً لهم، قال الله تعالى: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، ورشَدنا إلى سبيلها،
...more
مَنْ عَرَفَ الله حَقَّ مَعْرِفَةٍ لَوَى، وَحَلَّ الفُؤَاد فِي رَهَبِه مَا مُنْقضِي المُلْكِ مِثْل خِالِدِهِ وَلَا صَحِيحُ التُّقَى كَمُؤْتَشِبِه وَلَا تَقِيُّ الوَرَى كَفَاسِقِهِمْ
وَلَيْسَ صِدْقُ الكَلَامِ مِنْ كَذِبِه فَلَوْ أَمِنَّا مِنَ العِقَابِ وَلَمْ نَخْشَ مِنَ الله مُتَّقَى غَضَبِه وَلَمْ نَخَفْ نَارَهُ الَّتِي خُلِقَتْ لِكُلِّ جَانِي الكَلَامِ مُحْتَقبِه
أَخْدَمَنَا الأَرْضَ وَالسَّمَاءَ وَمَنْ فِي الجَوِّ مِنْ مَائِهِ وَمِنْ شُهُبِه فَاسْمَعْ وَدَعْ مَنْ عَصَاهُ نَاحِيَةً لَا يَحْملُ الحمْلَ غَيْرُ مُحْتَطبِه
فَخَابَتْ نُفُوسٌ قَادَهَا لَهْوُ سَاعَةٍ إِلَى حَرِّ نَارٍ لَيْسَ يُطْفَى أُوَارُهَا
فَيَا أَيُّهَا المَغْرُورُ، بَادِرْ بِرَجْعَةٍ فَلله دَارٌ لَيْسَ تَخْمدُ نَارُهَا وَلَا تَتَخَيَّرْ فَانِيًا دُونَ خَالِدٍ دَلِيلٌ عَلَى مَحْضِ العُقُولِ اخْتِيَارُهَا
فَكَمْ أُمَّةٍ قَدْ غَرَّهَا الدَّهْرُ قَبْلَنَا وَهَاتِيكَ مِنْهَا مُقْفِرَات دِيَارُهَا! تَذَكَّرْ عَلَى مَا قَدْ مَضَى وَاعْتَبِرْ بِهِ فَإِنَّ المُذَكِّي لِلْعُقُولِ اعْتِبَارُهَا
تَنَبَّهْ لِيَوْمٍ قَدْ أَظَلَّكَ وِرْدُهُ عَصِيبٌ يُوَافِي النَّفْسَ فِيهَا احْتِضَارُهَا تَبَرَّأَ فِيهِ مِنْكَ كُلُّ مُخَالِطٍ وَإنَّ مِنَ الآمَالِ فِيهِ انْهِيَارُهَا فَأُوْدِعت فِي ظَلْمَاء ضَنْكٍ مَقَرُّهَا يَلُوحُ عَلَيْهَا لِلْعُيُونِ اغْبِرَارُهَا
يَفِرُّ بَنُو الدُّنْيَا بِدُنْيَاهُم الَّتِي يُظَنُّ عَلَى أَهْلِ الحُظُوظِ اقْتِصَارُهَا هِيَ الأُمُّ خَيْرُ البِرِّ فِيهَا عُقُوقُهَا وَلَيْسَ بِغَيْرِ البَذْلِ يُحْمَى ذِمَارُهَا فَمَا نَالَ مِنْهَا الحَظَّ إِلَّا مُهِينُهَا وَمَا الهُلْكُ إِلَّا قُرْبُهَا وَاعْتِمَارُهَا تَهَافَتَ فِيهَا طَامِعٌ بَعْدَ طَامِعٍ وَقَدْ بَانَ لِلُّبِّ الذَّكِيِّ اخْتِبَارُهَا
وضع عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — للناس ثماني عشرة كلمة من الحكمة؛ منها: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك عليه، ولا تظن بكلمة خرجت من في امرئ مسلم شرًّا وأنت تجد لها في الخير محملًا.