More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
Read between
December 17, 2021 - January 13, 2022
وقد جرى عرض هذين المنشورين على طلاب آخرين، اختيروا عشوائيًا أيضًا، بيد أنه كان قد تم تنبيههم إلى أن الأشخاص يميلون للتبرع بنقودهم عندما يكون تبرعهم موجهًا لصالح ضحية بعينها أكثر
إذ نميل بفطرتنا الأولى لأن نكون أسخياء، ولاسيما عندما نرى طفلة في السابعة من عمرها وقد باتت عُرضة لخطر
يجيب «جيفري ساكس»، وهو مستشار لدى الأمم المتحدة ومدير لمعهد الأرض في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك وخبير في هذا المجال، على كل هذه الأسئلة: إذ يقول إن الدول الفقيرة إنما هي فقيرة لأنها ذات مناخ حار ولا تتوفر بها التربة الخصبة ويتفشى فيها مرض الملاريا، وهي غالبًا ما تكون دولًا حبيسة لا تطل على بحار أو محيطات؛ الأمر الذي يجعل من العسير عليها أن تصبح دولًا منتجة دون أن تتلقى استثماراتٍ أولية ضخمة تساعدها على معالجة هذه المشكلات المتوطنة. لكنها لا تستطيع توفير هذه الاستثمارات لأنها تحديدًا دولٌ فقيرة وعالقة فيما اصطلح الاقتصاديون على تسميته «مِصيدة الفقر».
وكلاهما يدفع بأن المساعدات ضررها أكبر من نفعها؛ فهي تعوق الأشخاص عن البحث بأنفسهم عن حلول لمشكلاتهم، فضلًا عن كونها وفي الوقت ذاته تُفسد المؤسسات المحلية وتُقوضها، بل وتجعل من وكالات المساعدات مجموعات ضغط تسعى لإدامة وجودها.
تُرى من الذي يجب علينا تصديقه؟ أهؤلاء الذين يقولون لنا بأن المساعدات يمكنها أن تحل المشكلة؟ أم هؤلاء الذين يقولون إنها تزيد الطين بلَّة؟ لكن هذا السجال لا يمكن حله بصورته النظرية هذه لأننا نحتاج دليلًا.
وعلى سبيل المثال، توضح البيانات الخاصة بحوالي مائتي دولة حول العالم أن الدول التي تلقت مساعدات أكثر لم تحقق نموًا أسرع من بقية الدول.
وغالبًا ما يُفسَّر ذلك باعتباره دليلاً على أن المساعدات ليست فعالة، لكنها في الحقيقة، يمكن أن تعني أيضًا النقيض. فربما تكون المساعدات قد أعانتهم على تحاشي كارثة كبرى، وربما كانت الأمور ستصبح أشد سوءًا من دون هذه المساعدات. إننا ببساطة لا نعرف؛ لكننا نتكهن
كما أن معظم البرامج التي تستهدف الفقراء في العالم إنما يتم تمويلها من خلال موارد دول هؤلاء الفقراء
مثل «داي مانجو»، تلك الفتاة الصينية التي استطاعت العودة إلى المدرسة بفضل خطأ إملائي في أحد البنوك، وانتهى بها الأمر لأن تصبح سيدة أعمال بارزة وتوظف آلافًا من الموظفين لديها (ويستشهد كل من «نيكولاس كريستوف» و«شيريل وُدون» بقصتها في كتابهما المعنون «نصف السماء» Half the Sky).(13)
فإن توزيع شبكات البعوض هو اتجاه يؤيده «جيفري ساكس». لكن «إيسترلي» و«مويو» يعارضانه وهما يبرران رفضهما بأن الناس لن يشعروا بقيمة الشبكات (وبالتالي لن يُقبلوا على استخدامها) في حال حصلوا عليها مجانًا.
«معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر»)
وتتسم الدراسات التي نستعين بها في هذا الكتاب جميعها بمستوى عالٍ من الصرامة العلمية والاستعداد لقبول حكم البيانات والتركيز على الأسئلة الواقعية وثيقة الصلة بحياة الفقراء.
ففي الهند، تشير التقديرات إلى أن ما يربو على نصف كميات القمح وثلث كميات الأرز التي يتم توجيهها كمساعدات «تتعرض للهدر» عبر طرائق الإمداد، بما في ذلك حصة ليست بالقليلة تأكلها الفئران.(23)
فعندما يحصل الأشخاص الذين يعانون فقرًا شديدًا على فرصة لزيادة ما ينفقونه على الغذاء ولو بقدر قليل، فإنهم لا ينفقون كل شيء لأجل الحصول على قدر أكبر من السعرات الحرارية. لكنهم وعوضًا عن ذلك، يقومون بشراء السعرات الحرارية ذات المذاق الأطيب والثمن الأعلى.
إذ ظلت عادة قتل العجائز في أوروبا خلال العصر الجليدي الأصغر (منذ منتصف القرن السادس عشر وحتى العام 1800) عادة شائعة، وذلك عندما تتعرض المحاصيل للهلاك ويصبح السمك أقل وفرة. وكان هؤلاء العجائز في أغلبهن نسوة غير متزوجات، ولا سيما الأرامل منهن.
إنهما يثبتان أن تأثير الطول في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة يمكن أن يُفسَّر تمامًا من خلال الفروق في نسب الذكاء؛ فعندما نقارن أشخاصًا لديهم نسب الذكاء نفسها، فإننا لا نجد علاقة تذكر بين الطول وبين ما يكسبه الشخص من نقود.(42) وهما يفسران ما توصلوا إليه من نتائج باعتبارها تؤكد أهمية التغذية الجيدة في سنوات الطفولة المبكرة. وعمومًا فإن الأشخاص الذين حصلوا على تغذية جيدة وهم أطفال أصبحوا أطول قامة وأكثر ذكاء. ولكونهم أكثر ذكاء، فإنهم يكسبون مالًا أكثر.
إن تأثير نقص التغذية في فرص الحياة المستقبلية يبدأ حتى من قبل الولادة. وفي عام 1995، صاغت «المجلة الطبية البريطانية» مصطلحًا عُرِفَ بـ «فرضية باركر» للإشارة إلى نظرية الدكتور «دافيد باركر» التي تفيد بأن الظروف داخل الرحم تحدث تأثيرًا طويل المدى في حياة الطفل مستقبلًا.
ويقدم «جورج أورويل» وصفًا دقيقًا لحياة العمال البريطانيين الفقراء في روايته الطريق إلى رصيف ويجان قائلًا: وعليه، فإن أساس تغذيتهم هو الخبز الأبيض والسمن النباتي ولحم البقر المُعلَّب والشاي المُحلَى والبطاطس - ياله من غذاء مرعب. ألن يكون من الأجدى لهم لو أنفقوا بعض المال على أطعمة صحية مثل البرتقال والخبز الأسمر،
المشكلة هي أن أحدًا من البشر لن يفعل مثل ذلك الشيء. فالشخص العادي يفضل الجوع على العيش على الخبز الأسمر والجزر النيئ. وشر البلية هو أنه كلما كانت نقودك أقل، قلَّ ميلك لأن تنفقها في شراء غذاء صحي. وقد يستمتع المليونير بإفطار ليس به سوى كأس عصير برتقال وبسكويت ريفيتا؛ أما الشخص العاطل فلن يجد متعة في ذلك....وعندما
تكون عاطلًا، فإنك لا ترغب في تناول طعام صحي ممل. وإنما تريد أن تأكل شيئًا يكون مشهيًا قليلًا. وهناك دائما أطعمة رخيصة ومشهية تغريك.
غالباً ما يبدي الفقراء مقاومة إزاء ما نبتكره لهم من برامج رائعة وذلك لكونهم لا يشاطرونا الثقة في أن تلك البرامج سوف تؤتي ثمارها أو أنها سوف تؤتي ثمارها على النحو الذي ندعيه.
وهنالك أدلة كثيرة تشير إلى أن الفقراء في دول العالم النامي ينفقون أموالًا طائلة على حفلات الزفاف ومهور الزواج وحفلات التعميد، وهي نفقات يُضطرون إليها على الأرجح تقريبًا لحفظ ماء وجوههم أمام الآخرين.
ففي العام 2002، حظر الملك إقامة الجنازات التي تسودها مظاهر البذخ(52) وأعلن أنه في حال ثبت أن أسرة قد ذبحت بقرة لأجل جنازة، فسوف يتعين على أفرادها أن يقدموا بقرة مثلها لقطيع رئيس القرية.
فقد سألنا «أوتشا مباربك»، وهو رجل التقيناه في قرية نائية في المغرب، عما سيفعله إذا أصبح أكثر مالًا. فقال إنه سيشتري المزيد من الطعام. ثم سألناه ثانية ماذا سيفعل إن أصبح معه مال أكثر وأكثر؟ فقال إنه سوف يشتري طعامًا ذا مذاق أشهى. وكنا قد بدأنا نشعر بالأسى لأجله ولأجل أسرته، عندما لفت انتباهنا جهاز تلفزيون وطبق هوائي ومشغل أقراص «دي في دي» في الغرفة التي كنا نجلس فيها. وسألناه لماذا اشترى كل هذه الأشياء إن كان يرى أن الأسرة لا تجد ما يكفيها من الطعام. فما كان منه إلا أن ضحك وقال: «آه، ولكن التلفزيون أهم من الطعام!» وبعد أن مكثنا بعض الوقت في تلك القرية المغربية، كان من السهل علينا أن نفهم السبب
...more
وعمومًا، فإنه من الواضح أن الأشياء التي تجعل الحياة أقل مللًا تكتسب أولوية لدى الفقراء. وهي أشياء ربما تكون جهاز تلفزيون أو طعامًا مميزًا لتناوله – أو مجرد كوب من الشاي المحلى بالسكر. بل وحتى «باك سولهين» كان لديه جهاز تلفزيون رغم أن كان عاطلًا عن العمل عندما قمنا بزيارته. ويمكننا النظر إلى الأعياد من المنظور ذاته؛ فعندما لا تتوفر أجهزة التلفزيون أو الراديو، يصبح من السهل أن نتفهم السبب الذي يجعل الفقراء يبحثون عن التسلية من خلال احتفال أسري خاص أو احتفال ديني أو حفل زفاف للابنة.
إن حاجة الإنسان الأساسية لحياة ممتعة ربما تفسر السبب وراء انخفاض الإنفاق على الغذاء في الهند حيث تصل الإشارات التلفزيونية اليوم إلى المناطق النائية، فضلًا عن أن هناك الكثير من الأشياء التي يمكن شراؤها حتى في القرى النائية. أما الهواتف النقالة فتعمل في كل مكان تقريبًا ، وتعتبر تكلفة المكالمات رخيصة للغاية مقارنة بالأسعار العالمية.
وبدلًا من أن يثور الفقراء على أقدارهم، فقد استمرؤوا الأشياء وخفَّضوا من معاييرهم. لكنهم لا يخفضون معاييرهم بالضرورة عبر تخليهم عن الكماليات والتركيز على الضروريات؛ فغالبًا ما يحدث العكس - وهي الطريقة الأكثر طبيعية، إن أمعنت النظر فيها - ومن هنا كانت حقيقة أنه وخلال عقد ساده كساد اقتصادي غير مسبوق، زاد استهلاك الكماليات الرخيصة.
إنهم غالبًا ما يتصرفون كما لو كانوا يعتقدون أن أي تغيير جوهري يستحق التضحية لأجله سوف يستغرق ببساطة أمدًا طويلًا. وهو ما قد يفسر السبب وراء تركيزهم على أن يعيشوا اللحظة الآنية والحياة الحاضرة، ويستمتعوا بحياتهم قدر طاقتهم ويقيموا الاحتفالات كلما لزم الأمر.
لكن وكما ناقشنا سلفًا، فإن إعطاءهم المزيد من الحبوب لا يؤثر كثيرًا في إقناعهم بأن يأكلوا على نحو أفضل،
ولا يكفي أيضًا على الأرجح أن نقدم للفقراء مزيدًا من المال وحسب، فحتى ارتفاع المداخيل لن يؤدي على الأرجح إلى تغذية أفضل خلال المدى القصير. وكما رأينا في الهند، فإن الفقراء لا يتناولون مزيدًا من الغذاء أو تتحسن نوعية غذائهم عندما تتحسن مداخيلهم؛ وذلك نظرًا لما يُوجد من ضغوط ورغبات أخرى كثيرة تزاحم الرغبة في الطعام.
لكننا نشهد نماذج كثيرة للغاية ما زالت سياسات الغذاء فيها ترتكز على فكرة أن الحبوب رخيصة الثمن هي كل ما يحتاجه الفقراء.
قد أصيب مؤخرًا بحالة ربو حاد. ونظرًا لأن الأسرة كانت بالفعل غارقة في الديون، فإنه لم يكن بوسعها تحمل شراء الدواء المطلوب لعلاج مثل هذه الحالة. وقد جلس معنا خلال زيارتنا، وكانت تداهمه نوبات السعال بشكل منتظم؛ ولم يعد قادرًا على الانتظام في الذهاب إلى المدرسة. كان يبدو أن الأسرة عالقة في مصيدة فقر من النمط الكلاسيكي
افترض على أقل تقدير أن الطفل الذي ينام تحت شبكة للوقاية من البعوض في كينيا تقل احتمالية إصابته بالملاريا بمقدار 30 في المائة منذ ميلاده وحتى بلوغه السنتين، مقارنة بالطفل الذي لا ينام تحت مثل هذه الشبكة. ويحقق الشخص البالغ في كينيا دخلًا سنويا مقدراه 590 دولارًا أمريكيًّا مع تعادل القوة الشرائية. وهكذا، إذا كانت الملاريا تتسبب فعلًا في خفض الدخل بما يزيد على 50 في المائة، فإن استثمارًا قيمته 14 دولارًا سوف يزيد المداخيل بمقدار 295 دولارًا لدى نسبة الثلاثين في المائة من السكان
فقد أخذ كل شخص تقريبًا الشبكة المجانية إلى منزله. ولكن الطلب على الشبكات انخفض انخفاضا حادا حتى قارب نقطة الصفر عندما بيعت الشبكة بأسعار المنظمة المدعمة (حوالي 0.75 دولار بحسب تعادل القوة الشرائية). وعندما كررت «ديوباس» التجربة في أسواق مدن أخرى إلاّ أنها أعطت الناس وقتًا حتى يذهبوا إلى بيوتهم ويجلبوا النقود (بدلًا من أن يتعين عليهم الشراء في الحال)، اشترى المزيد من الأشخاص الشبكة بالسعر المدعَّم من قبل المنظمة، إلا أن معدل الطلب على الشبكة تضاعف عدة مرات عندما تم تخفيض السعر إلى مستوى الصفر تقريبا.(73)
لأنهم لا يرغبون في التضحية بالكثير من المال أو الوقت في سبيل الحصول على الماء النظيف وشبكات البعوض، أو من أجل ذلك الأمر، الحبوب الطاردة للديدان أو الدقيق المعزز، برغم ما لهذه الأشياء من فوائد صحية هائلة، فهل ذلك يعني أن الفقراء لا يأبهون بصحتهم؟ إن العكس هو ما تشير إليه الأدلة.
وعندما يواجَهون بمشكلة صحية خطيرة، تميل الأسر الفقيرة لخفض إنفاقها وبيع ما لديها من أصول أو الاقتراض مثلما فعلت «إبيو إمبتات»، وغالبا ما يكون الاقتراض بأسعار فائدة عالية جدًا
وبناء عليه فإن القضية ليست هي كم ينفق الفقراء على الصحة، وإنما على أي شيء ينفقون هذه الأموال، التي غالبًا ما تذهب إلى علاجات باهظة التكلفة بدلًا من أن تُوجَه نحو سبل الوقاية ذات التكلفة الرخيصة.
الأطباء غير المؤهلين باسم «أطباء بنغاليين» وذلك نظرًا إلى أن إحدى أولى كليات الطب التي أنشئت في الهند كانت في منطقة البنغال، وقد انتشر هؤلاء الأطباء عبر شمال الهند بحثًا عن أماكن لممارسة الطب. وقد تواصل هذا التقليد، إذ مازال الأشخاص يتوافدون على القرى وليس معهم إلا سماعة طبيب وحقيبة تحوي أنواعًا من الأدوية المتعارف عليها
«تخرجت من المدرسة الثانوية ولم أستطع الحصول على وظيفة، وعندئذ قررت أن أقدم نفسي كطبيب.» وقد تلطف معنا للغاية وأبرز شهادته الثانوية التي تبين منها أن مؤهلاته التي يحملها كانت في الجغرافيا وعلم النفس واللغة الهندية القديمة
وتزيد إساءة استخدام أدوية المضادات الحيوية من احتمالية ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للدواء لدى المريض.(81) ويصح ذلك فعلاًا إذا كان برنامج العلاج الموصى به أقصر من النظام المعتاد، لاسيما وأن الكثير من هؤلاء الأطباء قد اعتادوا على توفير أموال مرضاهم.
وفي الهند يفترض أن تفتح المراكز الصحية المحلية أبوابها لستة أيام في الأسبوع وست ساعات في اليوم. إلا أننا عندما قمنا بزيارة ما يزيد على 100 مرفق صحي مرة في الأسبوع وفي توقيتات عشوائية خلال ساعات العمل على مدى عام كامل في أودايبور، وجدناها مغلقة في 56 في المائة من هذه الزيارات. وفي 12 في المائة من هذه الحالات كان ذلك لأن الممرضة كانت تؤدي بعض المهام في مكان قريب من المركز. أما في المرات المتبقية، فكانت متغيبة.
لكننا نعلم أن هذه ليست هي القصة كلها. فشبكات البعوض لا توزع حصريًا من قبل الحكومة، وكذلك الحال مع كلور تنقية المياه. وحتى عندما تحضر ممرضات القطاع الحكومي إلى مكان عملهن، فإن عدد المرضى الذين يطلبون خدماتهن لا يرتفع. فخلال فترة بلغت ستة أشهر تقريبًا نجحت منظمة «سيفا ماندير» وهي منظمة غير حكومية محلية، بالتعاون مع سلطات الحي خفض معدلات الغياب بشكل قوي – وارتفعت احتمالية وجود شخص في المركز الصحي من 40 في المائة المشؤومة إلى أكثر من 60 في المائة.
ويُعتقد على نطاق واسع أن معدلات التطعيم المنخفضة إنما تعزى إلى غياب الممرضات عن عملهن، فالأمهات سوف يسأمن من الذهاب سيرًا على أقدامهن وهن يحملن صغيرًا عندما لا يجدن الممرضة المسؤولة. ولحل هذه المشكلة، قررت منظمة «سيفا ماندير» في العام 2003، أن تقيم مخيماتها الخاصة، التي كان يعلن عنها على نطاق واسع وتقام في اليوم نفسه من كل شهر، وكما تشير بياناتنا، فقد كانت تُعقد بانتظام دقيق للغاية. وقد أدى ذلك إلى حدوث بعض الزيادة في معدلات التطعيم؛
– إذ يميل الناس على الأرجح لاستخدام الشيء الذي دفعوا ثمنًا كبيرًا في سبيل الحصول عليه. وفوق ذلك فربما يقيِّم الناس الجودة بناء على سعر الشيء، والأشياء ربما تعتبر معدومة القيمة تحديدًا لأنها رخيصة الثمن. إن كل هذه الاحتمالات تكتسي أهمية لأن الصحة تعتبر مجالًا اعتاد فيه حتى أنصار السوق الحرة من الاقتصاديين على تأييد التوجه نحو دعم خدماتها،
فشبكة البعوض لا تحمي الطفل الذي ينام تحتها وحسب، وإنما أيضًا الأطفال الآخرين الذين لن تصيبهم العدوى من ذلك الطفل.
ومن ناحية أخرى، إذا كان الناس عرضة لتأثير التكلفة الغارقة مثلًا، فإن هذه الأنواع من الدعم يمكنها أن تؤدي إلى نتائج عكسية – فمعدلات الاستخدام ستكون متدنية لأن السعر رخيص جدًا
فعلى سبيل المثال، يبدو أن الفقراء في دول كثيرة يتبنون نظرية مفادها أنه من المهم أن يتم إيصال الدواء مباشرة إلى الدم – ولذلك نجدهم يرغبون في الدواء الذي يتم تعاطيه عن طريق الحَقن. وحتى ترفض هذه النظرية (المعقولة في ظاهرها)،
ولأن معظم الأمراض التي تدفع المرضى للجوء إلى الطبيب هي أمراض تنتهي من نفسها (بمعنى أنها ستزول بصرف النظر عن التدخل الخارجي)، فإن هناك احتمالًا كبيراً لأن يشعر المرضى بالتحسن بعد حقنة واحدة من المضاد الحيوي. وهذا بطبيعية الحال يعزز الارتباطات السببية الزائفة، فحتى إذا كان المضاد الحيوي لم يؤثر شيئًا في علاج المرض، فمن الطبيعي أن يُعزى إليه أي تحسن.
فإن التطعيم لا يقي إلا من بعض الأمراض- فهناك أمراض كثيرة أخرى لا يقي منها – ولا يدرك الآباء غير المتعلمين بالضرورة ما الأمراض التي يفترض بهم أن يحصنوا أطفالهم منها. ولذلك فعندما يمرض الطفل رغم تلقيه التطعيمات، فإن الآباء يشعرون كما لو أنهم قد خُدعوا على نحو ما، وغالبًا ما يُقررون ألا يقبلوا بالتطعيم مرة أخرى.
فلماذا إذن لا نُجرِّب أعشاب المعالجين التقليديين وتعاويذهم؟ لاسيما وأنها تتميز برخصها وتمنح المريض على الأقل إحساسًا بأنه يفعل شيئًا ما.