More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
وإن شئت أن تعرف قيمة الذوق في الأمة، فجردها من دور فنونها، وجردها من حدائقها وبساتينها، وجردها من مساجدها الجميلة الجليلة، وكنائسها الفخمة، وعمائرها الضخمة، وجردها من نظافة شوارعها، وتنظيم متاحفها، ثم انظر بعد ذلك في قيمتها، وفيما يميزها عن غيرها من الأمم المتوحشة والأمم البدائية.
أشد ما يقلقني عليك في هذه الأيام وجودك وسط تيارات تتنازعك، وأمواج تتقاذفك، أخشى أن تتغلب عليك فتغرقك، وأن تنال منك فتميتك، فكم رأيت لها من ضحايا أزعجتني، ومن مشاهد غرقى أفزعتني، وإني أرجو لك من صميم قلبي السلامة من هذه التيارات، والنجاة من هذه الأمواج.
إن السياسة علم كسائر العلوم، كعلم الهندسة والطب والطبيعة والكيمياء، فهل تبيح لمن لم يدرس الطب أن يكون طبيبًا، ولمن لم يدرس الهندسة أن يكون مهندسًا؟ فلماذا تستبيح لنفسك أن تكون سياسيًّا ولم تدرس علم السياسة؟ ولماذا ترضى أن تحكم على الأشياء حكمًا سياسيًّا من غير درس …؟ بل أؤكد لك أن السياسة علم أصعب من هذه العلوم التي ذكرتها، تحتاج إلى دراسة تاريخ وجغرافيا واجتماع كمقدمات لها،
أكبر ما يؤلمني فيك وفي أمثالك من الشبان، أنكم فهمتم الحقوق أكثر مما فهمتم الواجب، وطالبتم غيركم بحقوقكم أكثر مما طالبتم أنفسكم بواجباتكم، والأمة لا يستقيم أمرها إلا إذا تعادل في أبنائها الشعور بالحقوق والواجبات معًا، ولم يطغ أحدهما على الآخر.
وخير أن تعيشوا فقراء أعزاء من أن تعيشوا أغنياء أذلاء.
وهناك صرعى حب المال والجاه والمجد … تخرجوا من جامعاتهم والتحقوا بالوظائف الحكومية أو الأهلية، ثم لم يقنعوا بمرتبهم الصغير ولا بطريقهم إلى الرقي البطيء، ورأوا زملاءهم اغتنوا من طريق بيع ذممهم، أو ارتقوا من طريق تزلفهم وتملقهم، أو اشتهروا عن طريق النصب والاحتيال … فقلدوهم في ضلالهم وخسروا خسرانهم … وأعيذك بالله — أيضًا — أن تكون أحدهم.
فليكن مبدأك الشعور بالواجب، والاعتدال في اللذائذ، وطهارة النفس، والحرص على الشرف، والسعي وراء النبل والمروءة …
«دعوا الشباب ينعم بحريته، دعوه يجرِّب فتفيده تجاربه، ويخطئ فيعرف أسباب خطئه، أما النصح والإرشاد فهو كثير في الكتب السماوية.»
لست أرجو إلا أن تدعو الشباب يعيش، ويخط لنفسه الطريق، طريقًا لا تكتنفه النصائح والتوجيهات الجافة التي تدفعه في طريقه كالآلة لا يدري من أمره شيئًا، وإنما تكتنفه الحياة نفسها، تدفع به يومًا إلى يمينه، ويومًا إلى يساره ولكنه يستطيع حينئذ أن يعيش كإنسان.
أدعو إلى الدار بالسقيا وبي ظمأٌ وأحقُّ بالرِيِّ لكِنِّي أخو كرم

