More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
عادة كتابة الآباء إلى الأبناء، عادة قديمة
واختلاف العصر، فلكل عصر نصائحه، ولكل عصر أسلوبه.
إني لأعلم أنك قد خلقت لزمن غير زمني، وربيت تربية غير تربيتي، ونشأت في بيئة غير بيئتي
وأنت في زمن شعاره التمرد، التمرد على سلطة الآباء، وعلى المعلمين
ونشأت أنت في وسط تجالسك الفتاة في جامعتك
فلأقص عليك شيئًا من تجاربي التي أعتقد أنها تفيدك، مهما اختلفت بيئاتنا ومدارسنا وثقافتنا.
أني رأيت قول الحق والتزامه، وتحري العدل وعمله، يكسب الإنسان من المزايا ما لا يقدر،
ويقولون ما يعجب الناس لا ما يعتقدون أنه الصدق، ويرتكبون الظلم طلبًا للجاه أو العلو في المنصب،
نسيمًا عليلًا. ومن أهم تجاربي أيضًا
فيظنون أن المال هو كل شيء في الحياة.
وقد أقنعتني التجارب أن المال وسيلة من وسائل السعادة حقًّا؛ بشرط أن يطلب باعتدال وينفق في اعتدال، وبشرط ألا يكون ما تحصله كثيرًا جمًّا، فتنقلب عبدًا له،
ومنهم من صرف حياته وتفكيره في المال وفي الاستزادة منه حتى فقد سعادته بل
وقد دلتني التجارب على أن أسعد الناس من وضع المال في موضعه اللائق به،
لا غلظة فيه، وألا يكون ضيق الأفق فيناهض العلم، بل يؤمن صاحبه أن له مجاله
من شاء اللهو فالأبواب أمامه مفتحة ومجال اللهو لا حد له) فانغمس في وسائل اللهو ووهبها كل ماله
ولم يعرفوا غير حجرتهم وكتبهم وجامعتهم وطريقهم من البيت إلى الجامعة،
فهو يرى أن في كل منظر درسًا وفي كل خطوة يخطوها فائدة. إذ ذاك تتجدد نفسه ويحيى قلبه وترتقي كل ملكاته ويصبح مخلوقًا آخر جديدًا، ويعود إلى بلده وقد اكتسب علمًا كثيرًا وخبرة فائقة.
ومنهم من عاد وكأنه لم يخرج من بلده، إلا علمًا حصله أو شهادة نالها، أما نظرته إلى الحياة وانسجامه مع الحياة الأولى التي كان يحياها قبل سفره فلم يتغير منها شيء.
إذا عدت وقد اكتسبت علمًا ونفسًا وقلبًا — أن تنظر إلى عيوب قومك فترحمهم، ونقائصهم فتشفق عليهم، وتجتهد — ما أمكنك — في إصلاحهم فإن لم يمكنك الإصلاح العام، فحاول الإصلاح في بيئتك الخاصة
إنما جرفهم التيار لضعف قوتهم ونكصوا على أعقابهم لانعدام شخصيتهم، والرجل القوي الإرادة العظيم الشخصية يفرض إرادته ويحقق شخصيته، ويحول التيار ولا يجرفه التيار
وإني أرجو لك أن تكون من هذا القليل النافع لا من الكثير الفاشل.
أما السياسة الحزبية فإني أرتضيها لك رأيًا ولا أرتضيها لك عملًا،
أما زمنك هذا فقلِق مضطرب حائر، كفر بالقديم، ثم لم يجد جديدًا يؤمن به.
وإنما استقام الأمر في الأمم الراقية مع زوال هذا الخوف لأن الشعور بالواجب حل محل الخوف،
أنكم فهمتم الحقوق أكثر مما فهمتم الواجب، وطالبتم غيركم بحقوقكم أكثر مما طالبتم أنفسكم بواجباتكم،
العلم لا يفيد في السعادة والرقي
هذا الموقف إلى مجهود كبير يعلي مستواكم ويرفع مثلكم، والأمل فيكم أكبر
إن الاحتفاظ بالخلق الطيب في زمنك أصعب منه في زمننا لكثرة ما يحيط بك من مغريات بالشر،
صار يتسكع في الشوارع، ثم صار يستجدي الناس. فأعيذك بالله أن تكون صريع «كيف».
اغتنوا من طريق بيع ذممهم، أو ارتقوا من طريق تزلفهم وتملقهم، أو اشتهروا عن طريق
قسنا ذلك بمقياس الخلق والفضيلة والنبل والمروءة؟ كذلك لا يغرنك من علا صيتهم من طريق التهريج، ولا من تخطوا زملاءهم من طريق التزلف، ولا من كسبوا المال من طريق مد اليد … فكل هذه المظاهر الكاذبة،
ما يتميز به جيلكم عن جيلنا هو حيرتكم واطمئناننا، واضطرابكم وسكينتنا، وقلقكم واستقرارنا،
كانت السلوة الكبرى للناس في جيلنا دينهم،
حاسة سادسة هي حاسة الدين
إن الإيمان بالله يملأ فراغ النفس، ويحوي بالطمأنينة، ويوثق الصلة بين الفرد وأهله ووطنه، كما يوثق الصلة بينهم جميعًا وبين الله.
جيلكم من إفراط في اللهو، كما كان يؤلمني ما كنت أرى في جيلنا من إفراط في الجد. لقد
عرف فتاة فقريبته تزور بيته مع أمها، أو يزور بيتها مع أهله، وإذا اجتمع الطلبة وأرادوا أن يتسلوا تنادروا على كتبهم ودروسهم، وقد يتنادرون — في أدب —
لا يشبه الجيل القديم في شيء، عماده الحرية المطلقة، وقلة الشعور بالمسئولية،
بجانب دروسكم قرأتم الكتب الرخيصة والمجلات الوضيعة التي تلهب الغرائز، وتقوي الشهوات، وتضعف الذكاء، وتبلد العقل، وفي كل يوم سينما أو تمثيل، وفي كل ساعة تليفون يرن لكم أو يرن منكم لمقابلة لاهية أو محادثة عابثة.
غلونا في جِدِّنا وغلوتم في هزلكم … غلونا في جدنا حتى اكتأبت نفوسنا، وانقبضت صدورنا، ولم تتفتح للحياة كما يجب، ولم تبتهج لها كما ينبغي، وغلوتم في هزلكم حتى صرتم كالشيء التافه لا طعم له،
وكالماء الفاتر لا ساخن ولا بارد … وحتى صرتم شيئًا رخوًا ي...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
وبعثت إلينا أوروبا وأمريكا بملاهيها فاستهوت شبابنا، ووقر في نفوسهم أن أوروبا وأمريكا أرقى منا مدنية وأعلى مقامًا وأعز جاهًا … فقالوا ما علينا إذا سرنا في لهوهم سيرهم، ونعمنا بملاهيهم نعيمهم، وفاتهم أن في أوروبا وأمريكا عِلْمًا يعادل اللهو، وجدًا يوازن الهزل، وشعورًا بالمسئولية يوازي الشعور بالحرية.
فمتى خلقت إنسانًا لا ملكًا فلتكن إنسانًا له ملذاته وشهواته في حدود عقله ومنفعته ومنفعة أمته.
… فسعادتهم إنما هي في نظر غيرهم لا في نظر أنفسهم، ولو كانت هذه اللذة هي السعادة لكان هؤلاء أسعد الناس دائمًا.
وأرقى من هذه درجة لذة العلم والبحث والقراءة والدرس … فهذه لذة العقل وتلك لذة الجسم،
تجد العالم الباحث والفنان الماهر والفيلسوف المتعمق لا يهمهم مأكلهم وملبسهم بقدر ما تهمهم لذتهم من بحثهم وفنهم وتفكيرهم.
طالما دعوت ربي جاهدًا أن يجنبك الزلل، ويقيك شر أصدقاء السوء، ويمنحك من قوة الإرادة ما تتقي به شر المغريات المغويات، وأن يهديك الصراط المستقيم والسلام.
لأنك تتأثر بالمدنية الغربية أكثر مما كنا نتأثر ويتأثر آباؤنا
وأصبح يمكنك أن تفطر في مصر وتتغدى في فرنسا، وتتعشى في إنجلترا، وهي إحدى الأعاجيب التي ما كنا نحلم بها. وليس هذا بالأمر الهين، فمعناه أن الحضارات تتقابل، ومنافع الناس تتلاقى … وخير لك أن تقابل عالمك في ثوبه الجديد، فتتأقلم معه وتسايره ولا تقف ضد التيار فيجرفك.
فالمدنية الحقة إنما تقاس بإسعاد الناس لا بكثرة الاختراع ولا بكثرة التجارب. نعم إن المدنية الغربية أكثر اختراعًا وأكثر تجارب، ولكنها ليست أكثر إسعادًا للناس، فكثرة حروبها وكثرة تكاليف الحياة عندها وكثرة مطالبها، جعلتها أشق على الحياة وأفقدتها قيمتها في السعادة.

