More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
أهم ما جربت في حياتي أني رأيت قول الحق والتزامه، وتحري العدل وعمله، يكسب الإنسان من المزايا ما لا يقدر، لقد احتملت في سبيل ذلك بعض الآلام، وأغضبت بعض الأنام، وضاعت عليَّ من أجله بعض المصالح، ولكني برغم ذلك كله قد استفدت منه أكثر مما خسرت، لقد استفدت منه راحة الضمير، واستفدت منه ثقة الناس بما أقول وما أعمل، واستفدت منه حسن ظنهم بما يصدر عني ولو لم يفهموا سببه،
أما زمنك هذا فقلِق مضطرب حائر، كفر بالقديم، ثم لم يجد جديدًا يؤمن به.
أكبر ما يؤلمني فيك وفي أمثالك من الشبان، أنكم فهمتم الحقوق أكثر مما فهمتم الواجب، وطالبتم غيركم بحقوقكم أكثر مما طالبتم أنفسكم بواجباتكم،
إن العلم في زمنكم أكثر أضعافًا مضاعفة من العلم في زمننا، ولكن ليس نجاحكم في الحياة ولا سعادتكم فيها تناسب تقدمكم العلمي … لأن العلم لا يفيد في السعادة والرقي إلا إذا صحبه الشعور بالواجب؛ والعلم كالمصباح قد تكتشف به طريق الهداية وقد تكتشف به طريق الضلال.
إننا في هذا الزمان أحوج ما نكون إلى منارات تضيء للسائرين في لجج الظلام، يكون شعارهم القيام بالواجب مهما كلفهم — لأنه واجب — لا طلبًا للصيت ولا جريًا وراء المجد … لا يعرفون المجاملة ولا النفاق،
لعل أهم ما يتميز به جيلكم عن جيلنا هو حيرتكم واطمئناننا، واضطرابكم وسكينتنا، وقلقكم واستقرارنا، ولكن ما سر هذه الحيرة وهذا القلق والاضطراب في جيلكم؟
لعل أهم ما حيركم وطمأننا، أننا كنا نركن إلى مبادئ وعقائد نؤمن بها كل الإيمان، ونسير عليها في حياتنا من غير شك، ونشجع السير عليها كل التشجيع، ونحتقر من خرج عليها كل التحقير … فكانت أعمالنا تصدر عنا كما يصدر العمل عن عادة، ليس يحتاج الإتيان به إلى إلى روية ولا تفكير.
قد كانت السلوة الكبرى للناس في جيلنا دينهم، فكانوا يؤمنون بالله، يعرفونه في الرخاء ويلجأون إليه في الضراء والسراء، ويركنون إليه إذا اشتد الخطب، ويفزعون إليه إذا نزل الكرب
والأنس بالدين طبيعة النفس وراحة الروح، فإذا سلبت من تأنس به أحست بالوحشة وتململت من الفراق. إن الناس يعدون الحواس خمسًا، ولكني أعتقد أن هناك في كل إنسان حاسة سادسة هي حاسة الدين
وأرقى من هذه درجة لذة العلم والبحث والقراءة والدرس … فهذه لذة العقل وتلك لذة الجسم، وهذه أطول زمنًا، وأقل مؤنة، وأبعد عن المنافسة والمزاحمة، والتقاتل والتكالب، وصاحبها أقل عرضة لتلف النفس وضياع الصحة.
إن العالم اليوم كبوتقة الصائغ، تصب فيها كل العناصر من شرق وغرب وقديم وحديث، ثم تستغل كلها ليؤخذ خيرها، وهي تتطلب من الإنسان أن يكون مرنًا واسع الصدر … لا يزدري ما في الشرق لشرقيته، ولا يمجد الغرب لغربيته،
وإنما يمجد الحق حيث كان.
وعيب الشرقيين شعورهم بمركب النقص أمام المدنية الحديثة،
فهم يقدرونها فوق قيمتها،
ويقدرون أنفسهم أقل من قيمتهم، ولو أنصفوا لزادوا من قيمة أنفسهم وقلَّلوا م...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.

