More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
كتابًا تقرؤه ثلاث مرات أنفع من ثلاثة كتب تقرأ كلًّا منها مرة واحدة.
ولكنه سيظفر بالسمعة في علم الغيب أيًّا كانت النتيجة، فإن نجحتُ قيل إنها بركة لنصحه، وإن أخفقتُ قيل إنه قد عرف هذا فحذرني منه.»
«لقد أضعتَ وقتَك على غير طائل؛ لأنها مسألة لن تعرض لكم في امتحان!» وإذا بالزملاء يعقبون على نغمة الأستاذ قائلين: «ضيَّعت وقتنا … ما الفائدة من كل هذا العناء؟!» كانت هذه صدمة خليقة أن تكسرني كسرًا، لو أن اجتهادي كان محل شك عندي أو عند الأستاذ أو عند الزملاء، أما وهو حقيقة لا شك فيها، فإن الصدمة لم تكسرني بل نفعتني أكبر نفع حمدته في حياتي، وصح فيها قول نيتشه: «إن الفضل قيمته فيه لا فيما يقال عنه، أيًّا كان القائلون.» ولم أحفل بعدها بإنكار زميل أو رئيس.
نهمًا بالمعرفة، يطلب منها كل ما استطاع طلبه، ولو لم يكن من سلكه ولا اتجاهه.
فإن ساعة من الحس والفكر والخيال تساوي مائة سنة أو مئات من السنين، ليس فيها إلا أنها شريط تسجيل لطائفة من الأخبار، وطائفة من الأرقام.
أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة.
ولم أكن أعرف حين هويت القراءة أنني أبحث عن هذا كله،
ومهما يأكل الإنسان فإنه لن يأكل بأكثر من معدة واحدة، ومهما يلبس فإنه لن يلبس على غير جسد واحد، ومهما يتنقل في البلاد فإنه لن يستطيع أن يحل في مكانين، ولكنه بزاد الفكر والشعور والخيال يستطيع أن يجمع الحيوات في عمر واحد، ويستطيع أن يضاعف فكره وشعوره وخياله كما يتضاعف الشعور بالحب المتبادل، وتتضاعف الصورة بين مرآتين.
الكتب طعام الفكر، وتوجد أطعمة لكل فكر كما توجد أطعمة لكل بنية، ومن مزايا البنية القوية أنها تستخرج الغذاء لنفسها من كل طعام،
ولا تغني الكتب عن تجارب الحياة، ولا تغني التجارب عن الكتب؛
أعتقد أن الفكرة الواحدة إذا تناولها ألف كاتب أصبحت ألف فكرة، ولم تعد فكرة واحدة؛ ولهذا أتعمد أن أقرأ في الموضوع الواحد أقوال كتاب عديدين، وأشعر أن هذا أمتع وأنفع من قراءة الموضوعات المتعددة. فمثلًا: أقرأ في حياة نابليون أكثر من أقوال ثلاثين كاتبًا، وأنا واثق من أن كل نابليون من هؤلاء هو غير نابليون الذي وُصِف في كتب الآخرين.
ولا يستطيع القارئ أن يحصر مقدار الفائدة التي يجنيها من كتاب، فرب كتاب يجتهد في قراءته كل الاجتهاد، ثم لا يخرج منها بطائل، ورب كتاب يتصفحه تصفحًا، ثم يترك في نفسه أثرًا عميقًا يظهر في كل رأي من آرائه، وكل اتجاه من اتجاهات ذهنه،
المعرفة التي لا عمل وراءها ولا شعور فيها فخير منها عدمها،
وهل يعرف الإنسان نفسه؟ كلا، بغير تردد، فلو أنه عرف نفسه لعرف كل شيء في الأرض والسماء وفي الجهر والخفاء، ولم يُكتَب ذلك لأحد من أبناء الفناء …
لقد علمتني تجارب الحياة أن الناس تغيظهم المزايا التي ننفرد بها، ولا تغيظهم النقائص التي تعيبنا، وأنهم يكرهون منك ما يصغرهم لا ما يصغرك، وقد يرضيهم النقص الذي فيك؛ لأنه يكبرهم في رأي أنفسهم، ولكنهم يسخطون على مزاياك؛ لأنها تصغرهم أو تغطي على مزاياهم
وعرفت أن الذين أسخطهم لا يرضيهم عني شيء، وأن الذين أرضيهم لا يسخطهم عليَّ شيء،
وأكره الظلم حين أكره الظالم، والشر حين أكره الشرير، والخبث حين أكره الخبيث … ولهذا يفوتني أحيانًا أن أفرق بين كراهة المبدأ وصاحب المبدأ، ولا يسيغ طبعي ما يُقَال عن التفرقة بين العمل وعامله؛ لأن العمل لا يكون خبيثًا وعامله من الأطهار!
فما من أحد يحقق كل ما يريد وكل ما يُراد منه، وإن كان أنجح الناجحين، وإنما يُقاس النجاح بما أستطيع فعلًا، وبما يُستطاع حقًّا لو اتسع الوقت وأسعدت الظروف.
ليس هذا وقتًا فارغًا لأنهم مشغولون فيه، وليس هذا وقتًا مملوءًا لأنهم يملأونه بما هو أفرغ من الفراغ. هذا ليس بوقت على الإطلاق …
دُونَ الثلاثين تعروني وما انصرمت إلَّا كما تنقضي الأعوامُ في الحُلُمِ! قل لابنِ تسعينَ لا تحزنْ فذا رجلٌ دون الثلاثينَ قد ساواكَ في الهرمِ إذا ادَّكرت شبابًا في النعيمِ مضى لم يدَّكر من شبابٍ كان أو نِعَمِ وما انتفاعي وقد شابَ الفؤادُ سدى إن لم تشب أبدًا كفي ولا قدمي وليس ما يخدعُ الفتيانَ يخدعني كلَّا، ولا شيمُ الفتيان من شِيَمي
والمقياس الواحد الذي أقيس به جهدي في جميع أدوار حياتي هو النهم إلى المعرفة، فإنني لا أذكر سنًّا لم أكن فيها أحب أن أعرف، وأن أقرأ وأن أختبر، وأن أفيد من كل ذلك توسعة في آفاق الشعور.
فلا قدر لإنسان بغير مظهر، ولا مقام لأحد بغير لقب، ولا جاه ولا حسب ولا علم ولا يقين بغير صيغة مرسومة في سجلات الدواوين …
ألا نعلم من هذا البكاء المضحك أننا سنضحك غدًا مما يبكينا في هذه الساعة؟!
فلا تقنط من طيبة الناس كل القنوط، ولا تعول عليها كل التعويل، بل أحسن الظن بالناس كأنهم كلهم خير، واعتمد على نفسك كأنه لا خير في الناس.
كلا … لا أحب أن أعود؛ لأن الحاضر خير من الماضي فيما أرى، وبخاصة حين نعود إليه. وإنما يحلو الماضي حين ننظر إليه بأعيننا الحاضرة … فلننظر بها قانعين إلى ما بين أيدينا من السنين
فلا يُلام الحي على أن يحرص على الحياة … وإنما يُلام لأنه يحرص على كل حياة وأي حياة، ولو قبل الهوان، وهرب من الواجب، وامتنعت عليه وسائل العمل النافع، ووسائل الرجاء في صلاح الأمور
كانوا يتباكون، ويظنون أن البكاء علامة الظرف والذوق؟ ويَشكُون الحقيقة ويظنون أن جهاد الحياة شيء لا يليق بأصحاب المزاج «الرقيق».
وقولنا إن الحياة غير جديرة بأن نحياها مرادف لقولنا إننا نحن غير جديرين بالحياة
زادت حماستي لما أعتقد من الآراء، ونقصت حدتي في المخاصمة عليها؛ لقلة المبالاة بإقناع من لا يذعن للرأي والدليل …
والمرء يتمنى ما يجهل، ولا يتمنى ما يعرف،
وحسبي اعترافًا في هذا الصدد أن أحدًا من الناس لم يسلم من عيوبي وخطاياي؛ فهل في وسعهم جميعًا أن يدَّعوا مساواتي في جميع فضائلي ومزاياي؟
فليس كل انطواء كبتًا للنفس، أو كتمانًا لسر من الأسرار الخفية، وهناك فارق كبير بين السكوت خشية من الكلام، والسكوت لأنك لا ترى حاجة إلى الكلام.
فقد يبلغ من ضعف إرادتي أحيانًا أن أحتال على نفسي كأنها شخص آخر أطلعه على بعض مرادي،
عَجِبتُ لأرضٍ تَخطرُ الشمسُ فَوْقَها وتشرقُ فِيها، كيفَ يَطرُقُها الغَمُّ؟!
فكيف تبد هنا رؤية الكتب لمئات من أصحاب القرائح والعقول محشورة في بضعة رفوف؟
ولست أدري لِمَ يحضرني خاطر الطعام المخزون في العلب كلما تحدثوا عن الكتب وما فيها من طعام العقول؟!
فهل هي مكتبة قارئ واحد أم هي مكتبات شتى أعددتها لمن يشاء؟!
ولا بد للقارئ الواحد على الأقل من مطلبين مختلفين: أحدهما: للصناعة والعمل، والآخر: للمتعة والتسلية،