More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
لا أكره أن ينشأ ولدي غنيًّا، ولا أحب أن أعرضه لمخاطر الفقر وآفاته، ولكني أخاف عليه الغنى أكثر مما أخاف عليه الفقر.
ليس الذي يبكي صديقًا كان يأنس بحديثه، أو عالمًا كان ينتفع بعلمه، أو كريمًا كان يستظل بظلال مروءته وكرمه، كمثل الذي يبكي شظية قد طارت من شظايا قلبه.
أصحيحٌ ما يقولون عنكم أيها الفتيان التعسون أنكم تتخذون صلة العلم — التي هي أشرف الصلات وأكرمها — صلة فسادٍ بينكم وبين أولئك الفتيات الضعيفات، وأن الحبالة التي تنصبونها لهن لاصطيادهن إنما هي حبالة القلم الذي هو أفضل أداةٍ للخير، وأعظم وسيلةٍ للفضيلة، وخير واسطة للأدب والكمال؟
أصحيحٌ أنكم فقدتم في تلك السبيل التي تسلكونها خلق الرجولة والشهامة، فأصبحتم تتجملون للنساء بأخلاق النساء، وتزدلفون إليهن بمثل صفاتهن وشمائلهن، وأصبح الرجل منكم لا هم له في حياته إلا أن يتجمل في ملبسه، ويتكسر في مشيته، ويرقق من صوته، ويلون ابتساماته ونظراته بألوان التضعضع والفتور، ويقضي الساعات الطوال أمام مرآته متعهدًا شعره بالترجيل، وبشرته بالتنضير، وثناياه بالصقل والجلاء، حتى صار ذلك عادة من عاداتكم التي لا تنفك عنكم، وحتى سرى التأنث من أجسامكم إلى نفوسكم، فلم يبقَ فيكم من صفات الرجولة وأخلاقها غير الأسماء والألقاب؟
أين تجدون الزوجات الصالحات في مستقبل حياتكم إن أنتم أفسدتم الفتيات اليوم؟ وفي أي جو يعيش أولادكم ويستنشقون نسمات الحياة الطاهرة إن أنتم لوثتم الأجواء جميعها وملأتموها سمومًا وأكدارًا؟
يجب ألَّا يفتح قلب الفتاة لأحدٍ من الناس قبل أن يفتح لزوجها، لتستطيع أن تعيش معه سعيدةً هانئةً لا ينغصها ذكرى الماضي، ولا تختلط في مخيلتها الصور والألوان، ولا أعرف فتاةً في هذا البلد بدأت حياتها بغرام قط فاستطاعت أن تتمتع بعده بحب شريف.
لا أسمي الكريم كريمًا حتى تستوي عنده صدقة السر وصدقة العلانية، ولا العفيف عفيفًا حتى يعف في حالة الأمن كما يعف في حالة الخوف، ولا الصادق صادقًا حتى يصدق في أفعاله صدقه في أقواله، ولا الرحيم رحيمًا حتى يبكي قلبه قبل أن تبكي عيناه، ولا المتواضع متواضعًا حتى يكون رأيه في نفسه أقل من رأي الناس فيه.
الخُلُق هو الدمعة التي تترقرق في عين الرحيم كلما وقع نظره على منظرٍ من مناظر البؤس، أو مشهد من مشاهد الشقاء. هو القلق الذي يساور قلب الكريم ويحول بين جفنيه والاغتماض كلما ذكر أنه رد سائلًا محتاجًا، أو أساء إلى ضعيفٍ مسكين. هو الحمرة التي تلبس وجه الحيي خجلًا من الطارق المنتاب الذي لا يستطيع رده، ولا يستطيع مد يد المعونة إليه. هو اللجلجة التي تعتري لسان الشريف حينما تحدثه نفسه بأكذوبة ربما دفعته إليها ضرورةٌ من ضرورات الحياة.
ليكن ما أراده الله، أما ما أمامي فالله يعلم أني ما ألممت في حياتي بمعصيةٍ إلا وترددت فيها قبل الإلمام بها، ثم ندمت عليها بعد وقوعها، ولا شككت يومًا من الأيام في آيات الله وكتبه، ولا في ملائكته ورسله، ولا في قضائه وقدره، ولا أذعنت لسلطان غير سلطانه، ولا لعظمةٍ غير عظمته، وما أحسب أنه يحاسبني حسابًا عسيرًا على ما فرطت في جنبه بعد ذلك. وأما مَن ورائي فالله الذي يتولى السائمة في مرتعها، والقطاة في أفحوصها، والعصفور في عشه، والفرخ في وكره، سيتولى هؤلاء الأطفال المساكين وسيبسط عليهم ظِلَّ رحمته وإحسانه.

