‫النظرات‬ (Arabic Edition)
Rate it:
Kindle Notes & Highlights
6%
Flag icon
حياة المدمنين حياةٌ متشابهةٌ متماثلة، لا فرق بين صبحها ومسائها، وأمسها وغدها، ذَهابٌ إلى الحانات، فشرابٌ فخُمارٌ، فنوم، فذهاب … كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها، والمنظر المتكرر لا يلفت النظر ولا يشغل الذهن، حتى إنَّ بعض من ينام على دورة الرحى يستيقظ عند سكونها، وكان أَحْرَى أنْ يوقظه دورانها.
7%
Flag icon
قالوا: «إنَّ حياتك حياة هموم وأكدار، ولا دواء لهذه الأدواء إلا الشراب.» وقالوا: «إنَّ الشراب يزيد رونق الجسم ويبعث نشاطه، وإنه يفتِّق اللسان، ويعلم الإنسانَ البيان، وإنه يشجع الجبان، ويبعث في القلب الجرأة والإقدام.» هذا ما سمعته فصدقته وخدعت به؛ صدقت أنَّ في الشراب أربع مزايا: السعادة والصحة والفصاحة والإقدام، فوجدت فيه أربع رزايا: الفقر والمرض والسقوط والجنون. غرَّهم من الصحة ذلك اللون الأحمر الذي يتركه الشراب وراءه في الأعضاء وهو يتغلغل في الأحشاء، ومن الفصاحة الهذر والهذيان، وهُجْرُ القول وبذاءة اللسان، ومن الإقدام العربدة التي لا تسكن إلا في غرفة السجن، ومن السعادة اللحظات القليلة التي ...more
7%
Flag icon
فليت الليلَ باقٍ حتى لا أرى وجه النهار! بل ليت النهار يضيء فقد مللت هذا الظلام!
9%
Flag icon
لا أستطيع أنْ أتصور أنَّ الإنسان إنسانٌ حتى أراه محسنًا؛ لأني لا أعتمد فضلًا صحيحًا بين الإنسان والحيوان إلا بالإحسان، وإني أرى الناس ثلاثة: رجلٌ يحسن إلى غيره ليتخذ إحسانه إليه سبيلًا إلى الإحسان إلى نفسه، وهو المستبد الجبار الذي لا يفهم من الإحسان إلا أنه يستعبد الإنسان، ورجلٌ يحسن إلى نفسه ولا يحسن إلى غيره، وهو الشَّرِهُ المتكالِبُ الذي لو علم أنَّ الدَّم السائل يستحيلُ إلى ذهبٍ جامدٍ لذبح في سبيله الناس جميعًا! ورجل لا يحسن إلى نفسه ولا إلى غيره، وهو البخيل الأحمق الذي يجيع بطنه ليُشبع صندوقه، أمَّا الرابع الذي يحسن إلى غيره ويحسن إلى نفسه فلا أعلم له مكانًا، ولا أجد إليه سبيلًا، وأحسب ...more
11%
Flag icon
ليتك تبكي كلما وقع نظرك على محزونٍ أو مفئودٍ فتبتسم سرورًا ببكائك، واغتباطًا بدموعك؛ لأن الدموع التي تنحدر على خديك في مثل هذا الموقف إنما هي سطورٌ من نورٍ تُسجِّل لك في تلك الصحيفة البيضاء أنك إنسان.
15%
Flag icon
ليست الفضيلة وسيلةً من وسائل العيش أو كسب المال، وإنما هي حالة من حالات النفس تسمو بها إلى أرقى درجات الإنسانية وتبلغ بها غاية الكمال. إنَّ الذي يطلب الفضيلة ليستكثر بها ماله أو يُرَفِّهَ بها عيشه، يحتقرها ويزدريها؛ لأنه لا يفرِّق بينها وبين سلعة التاجر وآلة الصانع.
15%
Flag icon
فلا بُدَّ للصادق من صدرٍ يسع هموم العيش وقلبٍ يحتمل بغض القلوب؛ ليبلغ غايته من إصلاح النفوس وتهذيبها، كما يبذل المجاهد حياته ودمه ليبلغ غايته من الفوز والانتصار.
15%
Flag icon
لا تظلم الصدق ولا تكن سَيِّئ الظن به، وكن أحرص الناس على ولائه ومودته، وإياك أن يخدعك عنه خادعٌ، واصبر قليلًا يُثْمرْ لك غرسه، ويمتد عليك ظله، وهنالك تجد في نفسك من اللذة والغبطة ما لو بذل فيه ذوو التيجان تيجانهم، وأرباب الكنوز كنوزهم، لما استطاعوا إليه سبيلًا.
16%
Flag icon
يحلق الطير في الجو، ويسبح السمك في البحر، ويهيم الوحش في الأودية والجبال، ويعيش الإنسان رهين المحبسين: محبس نفسه، ومحبس حكومته، من المهد إلى اللحد. صنع الإنسان القويُّ للإنسان الضعيف سلاسل وأغلالًا، وسماها تارة ناموسًا وأخرى قانونًا ليظلمه باسم العدل، ويسلُب منه جوهرة حريته باسم الناموس والنظام.
16%
Flag icon
لا سبيل إلى السعادة في الحياة إلا إذا عاش الإنسان فيها حُرًّا مطلقًا، لا يسيطر على جسمه وعقله ونفسه ووجدانه وفكره مسيطرٌ إلا أدبُ النفس. الحرية شمسٌ يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاش محرومًا منها عاش في ظُلْمَةٍ حالكة، يتصل أولها بظلمة الرحم وآخرها بظُلْمَةِ القبر. الحرية هي الحياة، ولولاها لكانت حياة الإنسان أشبه شيءٍ بحياة اللعب المتحركة في أيدي الأطفال بحركةٍ صناعية.
18%
Flag icon
وبينا أنا أُحَدِّث نفسي بهذا الحديث، وأُقَلِّبُ النظر في وجوه تلك المواعظ والعِبَر، إذ قال لي صاحبي: «أتعرف هذين؟» وأشار إلى رجلين واقفين ناحيةً يتناجيان، أحدهما شيخ جليل أبيض اللحية، وثانيهما كهلٌ نحيف قد اختلط مبيضُّه بمسودِّه، فما هي إلا النظرة الأولى حتى عرفت الرجلين العظيمين؛ رجل الإسلام «محمد عبده» ورجل المرأة «قاسم أمين»، فقلت لصاحبي: «هل لك في أن ندنو منهما ونسترقَ نجواهما من حيث لا يشعران؟» ففعلنا، فسمعنا الأول يقول للثاني: «ليتك يا قاسم أخذت برأيي وأحللت نُصحي لك محلًّا من نفسك! فقد كنت أنهاك أنْ تُفاجئ المرأة المصرية برأيك في الحجاب قبل أنْ تأخذ له عُدَّته من الأدب والدين، فجَنَى ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
19%
Flag icon
فإذا السمك في الشبكة يضطرب؛ وما اضطرابه إلا لأنه فارق الفضاء الذي كان يهيم فيه مُطْلَقَ السراح، وبات في المحبَس الذي لا يجد فيه مراحًا ولا مسرحًا، فلا أجد له شبيهًا في حالتيه إلا الفقراء والأغنياء، يمشي الفقير كما يشتهي، ويتنقل حيث يريد، كأنما هو الطائر الذي لا يقع إلا حيث يطيب له التغريد والتنقير، ولولا أن تتخطَّاه العيون وتنبو عنه النواظر ما طار في كل فضاء، ولا تنقَّل حيث يشاء، أمَّا الغنيُّ فلا يتحرَّك ولا يسكن إلا وعليه من الأحداق نطاقٌ، ومن الأرصاد أغلالٌ وأطواقٌ، ولا يخرج من منزله إلا إذا وقف أمام المرآة ساعةً يؤلِّف فيها من حقيقته وخياله ناظرًا ومنظورًا، ثم يُطِيلُ التفكر: هل يقع ...more
24%
Flag icon
جاء الإسلام يحمل للنوعِ البشريِّ جميع ما يحتاج إليه في مَعَادِهِ ومَعَاشِهِ، ودنياه وآخرته، وما يفيده منفردًا، وما ينفعه مجتمعًا. هَذَّبَ عقيدته بعدما أفسدها الشرك بالله، والإسفاف إلى عبادة التماثيل والأوثان، وإحناء الرءوس بين أيدي رؤساء الأديان، أرشده إلى الإيمان بربوبية إلهٍ واحدٍ لا يشرك به شيئًا، ثم أرشده إلى تسريح عقله ونظره في ملكوت السموات والأرض ليقف على حقائق الكون وطبائعه، وليزداد إيمانًا بوجود الإله وقدرته وكمال صنعه وتدبيره، وليكون اقتناعه بذلك اقتناعًا نفسيًّا قلبيًّا، فلا يكون آلة صماء في يد الأهواء تفعل به ما تشاء، ثم أرشده إلى مواقف تُذَكِّرُهُ بربه، وتنبهه من غفلته، وتطرد ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
28%
Flag icon
إنَّ الحياة في هذا العالم كالحرارة التي تنتج من التَّحَاكِّ بين جسمين مختلفين، فمحاولة توحيد المذاهب والأديان محاولة للقضاء على هذا العالم وسلبه روحه ونظامه.
31%
Flag icon
ولقد سأل أحد الأئمة العظماء ولده، وكان نجيبًا: «أيَّ غايةٍ تطلب في حياتك يا بُنَيَّ؟ وأيَّ رجلٍ من عظماء الرجال تحب أن تكون؟» فأجابه: «أحب أن أكون مثلك.» فقال: «ويحك يا بنيَّ، لقد صغرت نفسك، وسَقَطَتْ هِمَّتُكَ، فلتبكِ على عقلك البواكي! لقد قدَّرتُ لنفسي يا بنيَّ في مبدأ نشأتي أن أكون كعليِّ بن أبي طالب، فما زلت أجِدُّ وأكدح حتى بلغت المنزلة التي تراها، وبيني وبين عليٍّ ما تعلمُ من الشأو البعيد والمدى المستحيل، فهل يسرُّك — وقد طلبتَ منزلتي — أن يكون ما بينك وبيني من المدى مثل ما بيني وبين عليٍّ؟»
36%
Flag icon
يعيش المرء بين سعادتين من حاضره ومستقبله، أمَّا الأولى فيكفلها العدل، وأما الثانية فيحرسها الرجاء والأمل؛ لذلك يحب الناس القاضيَ العادل، والكاهنَ الصالح؛ لأن الأول صورة العدل، والثاني مِثَالُ الرجاء. فإذا انقلب العدل ظلمًا والأمل يأسًا عافهما الإنسان ولوى وجهه عنهما، وقال للقاضي: «لا أحب قانونك.» وللكاهن: «لا أعتقد بِدْعَتَكَ.» وهناك يهبُّ الفيلسوف الغيور غاضبًا، فَيُحَاكِمُ القضاءَ أمام العدل، والكهنوتَ أمام الله، وكذلك فعل فولتير فكان من المحسنين.
37%
Flag icon
الإنسان نوعٌ من أنواع الحيوان، لم يكن في مبدأ خليقته خيرًا منها في شأن من شئون الحياة، ولكنه كان أوفر منها عقلًا وأوسع حيلةً، فما زال يطلب لنفسه الغاية التي تناسب استعداده وفطرته حتى أصبح سيد الحيوان، فَمَدَّنَ المدن ومَصَّرَ الأمصار وشاد وبنى، وتأنق وترفَّه، ثم طرد صاحبه إلى تلال الرمال، ورءوس الجبال، يأكل بعضه بعضًا. والرجل أخو المرأة وقسيمها في الرحم والمهد، والأبوة والأمومة، والقَوْمَة والقَعْدَة، والنومة واليقظة، ولكنه وجد في نفسه فضلًا من قوة العقل والتدبير عليها، وكان ظالمًا خشن النفس قاسي القلب، فأبى إلا أنْ يَأسِرَها ويغلبها على أمرها، ويملك عليها جسمها ونفسها، فتمَّ له ما أراد.
40%
Flag icon
«لا تَغْلُ في تقدير نفسك، ولا تخرج عن دائرتك، فإنما أنت عبدٌ مخلوق لا ربٌّ معبود، واعلم أنه لا إله إلا الله.»
46%
Flag icon
لو عرف المحسود ما للحاسد عنده من يدٍ وما أسدى إليه من نعمةٍ، لأنزله من نفسه منزلة الأوفياء المخلصين، ولوقف بين يديه تلك الوقفة التي يقفها الشاكرون بين أيدي المحسنين. لا يزال صاحب النعمة ضالًّا عن نعمته لا يعرف لها شأنًا ولا يقيم لها وزنًا حتى يَدُلَّه الحاسد عليها بنكرانها، ويرشده إليها بتزييفها والغض منها، فهو الصديق في ثياب العدو، والمحسن في صورة المسيء. أنا لا أعجب لشيءٍ عجبي لهذا الحاسد، يَنْقِمُ على محسوده نعم الله عليه، ويتمنى لو لم تبقَ له واحدةٌ منها، وهو لا يعلم أنه في هذه النقمة وفي تلك الأمنية قد أضاف إلى نِعَمِ محسوده نعمة هي أفضل من كل ما في يديه.
63%
Flag icon
إنَّ الإنسان لا يعجز عن احتمال الشقاء الدائم، ولكنه يعجز عن احتمال السعادة المسلوبة. يقولون: إنَّ الأمل حياة الإنسان، وما يقتل الإنسان إلا الأمل، فليتني ما سعدت؛ لأنني ما شقيت إلا بسعادتي، وليتني ما أمَّلْت؛ لأن اليأس القاتل ما جاء إلا من طريق الأمل الباطل،