More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
فالحب قد أعتق لساني فتكلمتُ، ومزَّق أجفاني فبكيتُ، وفتح حنجرتي فتنهدتُ وشكوتُ.
في تلك السنة شاهدت ملائكة السماء تنظر إليَّ من وراء أجفان امرأة جميلة،
الربيع جميل في كل مكان، ولكنه أكثر من جميل في سوريا … الربيع روح إله غير معروف تطوف في الأرض مسرعة، وعندما تبلغ سوريا تسير ببطء متلفتة إلى الوراء مستأنسة بأرواح الملوك والأنبياء الحائمة في الفضاء،
إن الجمال سر تفهمه أرواحنا وتفرح به وتنمو بتأثيراته، أما أفكارنا فتقف أمامه محتارة محاولة تحديده وتجسيده بالألفاظ، ولكنها لا تستطيع.
فالمحبة هي الحرية الوحيدة في هذا العالم؛ لأنها ترفع النفس إلى مقام سامٍ لا تبلغه شرائع البشر وتقاليدهم، ولا تسوده نواميس الطبيعة وأحكامها.
وأصحاب النبوغ تعساء، مهما تسامت أرواحهم تظلُّ مكتنفة بغلاف من الدموع.
إن النفس الحزينة المتألمة تجد راحة بانضمامها إلى نفس أخرى تماثلها بالشعور وتشاركها بالإحساس، مثلما يستأنس الغريب بالغريب في أرض بعيدة عن وطنهما، فالقلوب التي تدنيها أوجاع الكآبة بعضها من بعض لا تفرِّقها بهجة الأفراح وبهرجتها. فرابطة الحزن أقوى في النفوس من روابط الغبطة والسرور. والحب الذي تغسله العيون بدموعها يظل طاهرًا وجميلًا وخالدًا.
وطلع القمر إذا ذاك من وراء صنين، وغمر بنوره تلك الروابي والشواطئ، فظهرت القرى على أكتاف الأودية كأنها قد انبثقت من اللاشيء،
كذا تتغير الأشياء أمام أعيننا بتغيُّر عواطفنا، وهكذا نتوهم الأشياء متَّشِحة بالسحر والجمال عندما لا يكون السحر والجمال إلا في نفوسنا.
ما أجهل الناس الذين يتوهَّمون أن المحبة تتولد بالمعاشرة الطويلة والمرافقة المستمرة. إن المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي، وإن لم يتم هذا التفاهم بلحظة واحدة لا يتم بعام ولا بجيل كامل.
كذا تُحيي الشمس الحقول بحرارتها، وبحرارتها تُميتها.
ولكن أي مسيحي يقدر أن يقاوم أسقفًا في سوريا ويبقى محسوبًا بين المؤمنين؟ أي رجل يخرج عن طاعة رئيس دينه في الشرق ويظل كريمًا بين الناس؟ أتعاند العين سهمًا ولا تُفقأ؟
إن بهرجة الأعراس الشرقية تصعد بنفوس الفتيان والصبايا صعود النسر إلى ما وراء الغيوم، ثم تهبط بهم هبوط حجر الرحى إلى أعماق اليمّ، بل هي مثل آثار الأقدام على رمال الشاطئ لا تلبث أن تمحوها الأمواج.
ولم نخَف قط عين الرقيب ولا شعرنا بوخز الضمير؛ لأن النفس إذا تطهّرت بالنار واغتسلت بالدموع تترفع عما يدعوه الناس عيبًا وعارًا، وتتحرر من عبودية الشرائع والنواميس التي سنّتها التقاليد لعواطف القلب البشري، وتقف برأس مرفوع أمام عروش الآلهة.