More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
وهو واحد من القليلين الذين يجيئون هذا العالم ويغادرونه قبل أن يلامسوا بالأذى نفس مخلوق، ولكن هؤلاء الرجال يكونون غالبًا تعساءَ مظلومين؛ لأنهم يجهلون سبل الاحتيال التي تنقذهم من مكر الناس وخبثهم
جمال النفس مشفوعًا بجمال الجسد هي حقيقة ظاهرة غامضة نفهمها بالمحبة ونلمسها بالطهر، وعندما نحاول وصفها بالكلام تختفي عن بصائرنا وراء ضباب الحيرة والالتباس.
وأصحاب النبوغ تعساء، مهما تسامت أرواحهم تظلُّ مكتنفة بغلاف من الدموع.
إذا حجب الظلام الأشجار والرياحين عن العين، فالظلام لا يحجب الحب عن النفس.
كذا تُحيي الشمس الحقول بحرارتها، وبحرارتها تُميتها.
وإذا بسلمى جالسة على ذلك المقعد بظلال شجرة الياسمين، حيث جلسنا منذ أسبوع في تلك الليلة التي اختارتها الآلهة من بين الليالي وجعلتها بدء سعادتي وشقائي، فدنوت منها صامتًا، فلم تتحرك ولم تتكلم؛ كأنَّها علمت بقدومي قبل قدومي، ولما جلستُ بجانبها حدَّقت إلى عينيَّ دقيقة، وتنهّدت تنهُّدة طويلة عميقة، ثم عادت ونظرت إلى الشفق البعيد حيث تعبث أوائل الليل
فأجبتها وقد تخيلت القنوط شبحًا مظلمًا قابضًا على عنق حبنا ليميته في طفوليته: سيظل هذا الطائر حائمًا مرفرفًا فوق الينبوع حتى يضنيه العطش فيرديه، أو يقبض عليه الثعبان المخيف فيمزِّقه ويلتهمه. فقالت متأثرة وصوتها يرتجف كالأوتار الفضية: لا، لا يا صديقي، فليبقَ هذا الطائر حيًّا، ليبقَ هذا البلبل مغردًا حتى المساء، حتى ينتهي الربيع، حتى ينتهي العالم، حتى تنتهي الدهور. لا تخرسْه؛ لأن صوته يُحييني، ولا تُوقف جناحيه؛ لأن حفيفهما يزيل الضباب عن قلبي. فهمست متنهدًا: الظمأ يقتله يا سلمى والخوف يميته.
ولكنني سأرفع في وادي ظل الموت تمثالًا للحب وأعبده. سأتخذ الحب سميرًا وأسمعه منشدًا وأشربه خمرًا وألبسه ثوبًا.
ماذا فعلت المرأة يا رب فاستحقّت غضبك؟! ماذا أتت من الذنوب ليتبعها سخطك إلى آخر الدهور؟!
إن بهرجة الأعراس الشرقية تصعد بنفوس الفتيان والصبايا صعود النسر إلى ما وراء الغيوم، ثم تهبط بهم هبوط حجر الرحى إلى أعماق اليمّ، بل هي مثل آثار الأقدام على رمال الشاطئ لا تلبث أن تمحوها الأمواج.
إن النفس الكئيبة تجد راحة بالعزلة والانفراد فتهجر الناس مثلما يبتعد الغزال الجريح عن سربه ويتوارى في كهفه حتى يبرأ أو يموت.
تعالي ننتصب كالأبراج أمام الزوبعة. هلمي نقف كالجنود أمام الأعداء متلقِّين شفار السيوف بصدورنا لا بظهورنا، فإن صُرعنا نموت كالشهداء وإن تغلَّبْنا نعشْ كالأبطال
فإن أوقفنا الخوف في منتصف الطريق أسمعتنا أشباح الليل صراخ الاستهزاء والسخرية، وإن بلغنا قمة الجبل بشجاعة تترنم معنا أرواح الفضاء بأنشودة النصر والاستظهار …
ثم قالت: أتطلب مني الصبر والتجلد وفي عينيك معنى اليأس والقنوط؟ أيعطي الفقير الجائع خبزه للجائع الفقير؟ أَو يصف العليل دواءً لعليل آخر وهو أحرى بالدواء؟